بداية

رواية وش رجعك -34

رواية وِش رجعك - غرام

رواية وش رجعك -34

الجميع واقفون في غرفة الانتظار .. وكل منهم .. يمسك بيده مصحفا يتلو كلام الله .. والبعض الآخر .. فرش مصلاته وأخــذ يصلي للخالق .. ويدعو ربه بصدق أن يرحم تلك التي بغرفة العمليــات .. والذي يتقص ذاك الجمع .. كـــان أحمـــــد ومعه عـــلي .. قـــد انسحبـــا بهدوء .. وتحركا قاصدين المطــــار ..
أمـــا بطلتنـــا بـيــان .. فقد ارتدت ملابسها بسرعة .. جرت حقيبة سفرها .. ونزلت السلم .. لم تخبر أحدا منهم أنها مغادرة .. لانها حينما أفاقت .. لم تجد صفاء .. فاليوم آخر امتحاناتها .. كما أن بشار وحسن ليسا موجودين .. فهما بالجامعة أيضا .. واليوم قبل ساعة .. قد أخبرها أحمــد بسفرهـــا ..
أوقفت سيارة أجرة .. طلبت منها التوجه بأقصى سرعة نحو المطـــار .. قامت بالإجراءات .. وقبل اغلاق باب الطـــائرة بثوان .. دخلت .. أقلعت الطـــائرة .. مغــادرة إلى أرض الوطــن .. وبعد ساعتين تقريبا .. حطت .. أنهي الإجراءات مرة أخرى .. تناولت حقيبتها .. وهي تجرها .. تبحث بين النـــاس عن وجه أحمــــد .. وهي تبحث .. وجدته يشير لها .. وبجانبه علي .. ركضت إليهم .. ودمعها على خديها .. ضمت أخـــاها .. وبكى الاثنان .. ليقول أحمد : يلله .. ماكو وقت .. الساعة عشر وعشر دقايق اللحين ..
أسرعوا نحو المستشفى .. توقفت السيارة في مواقف السيارات .. ركضوا نحو الغرفة .. وهم يركضون .. كانت بيان تنظر له وهو يبحث عن الغرفة باهتمام .. تفكـــر بكـــل ما فعله لأجــلهــا .. تفكـــر بما قاله حسن .. مرض والدتها .. وأحمــد الذي لم يتوانى عن تقديم العون لهـا ..
وانشلت قدميها حينما وصلوا إلى الغرفة التي تجمعت فيها عائلتها .. الجميع مشغولون بالدعاء .. وهي واقفة .. تنظر لهم .. تبحث عن وجه والدتها بينهم .. أدارت وجهها إلى أحمـد .. لما تشعر بالوحـدة ؟ وأهلها حولها ؟! لسببين اثنين .. الأول أنها لم تجد أمها بينهم .. والثاني .. لأن محمود ليس هنـــا أيضـا ..
وما إن ارتفعت أنظارهم لها .. وحركوا أفهواهم لترحيب بها .. حتى أتى الطبيب .. وملامح الضيق بادية على ملامحه : من فيكم بيان ؟
الجميغ استغربوا سؤاله .. ذهبت إليه وقالت بصوت خافت حائر : أنا بيان .. الماما فيها شي ؟
رمقها قليلا ثم قال : من أول ما دخلت الغرفة وهي تنادي باسمج .. ارتفع عليها الضغط وموب راضي ينزل .. اذا ما نزل ضغطها ما بنقدر نسوي لها العملية .. ممكن تجيين معاي ؟
أدارت وجهها إلى عمار .. فرأته يشير لها بأن تذهب .. ثم التفت للطبيب : اوك ..
مشت خلفه .. وهي تحبس دموعها .. في أي لحــظة ستنفجر بالبكاء .. فالأتصبر قليلا .. دخلت إلى الغرفة التي توجد بها والدتها .. بعــد أن لبست الملابس الخـــاصة .. ورأت والدتها فوق السرير .. ترتدي لباس العمليات .. والأجهزة تحيطها من كل جانب .. تود أن تلقي بنفسها على والدتها .. ولكن كيف ؟ والأجهـزة تمنعها من ذالك .. همست بصوت ضعيف .. ودموعها على خديها : ماما .. أنا جيييت ..
فتحت الأم عينيها .. وبدا على مبسمها ابتسامة راحة .. حركت كفها لتمسك كف ابنتها .. فاحتضنت بيان كف والدتها وضغطت عليه بقوة : ماما لا تخافيين .. أنا بخير .. ومحمود صدقيني بخير .. محمود برد لنا .. هو ماله احــد غيرنا ..
هزت رأسها ودموعها هي الأخرى على خديها .. وجـــاء الطبيب .. طلب من بيان الخروج .. وقادوا أم محمود لغرفة العمليات ثانية ..
خرجت بيــــان .. ملطخ وجهها بالدمع .. خرجت .. وهي تصرخ بقوة : محمــــــود ويييينك ؟ اذا صار في الماما شي والله ما بسامحك ..
\
في هذه الأثنــــــاء .. في منطـــــقة بعيــــدة .. نهض من فراشه .. والعرق يتصبب من وجهه .. التفت له صاحبه : شو فييك ؟ حلمان بكابوس ؟
لم يجبه .. بل وضع كفيه على قلبه .. يتحسس نبضه السريع .. نهض ببطء .. وقصد المطبخ الصغير .. فتح الثلاجة الصغيرة أيضا .. شرب كوبا من المـاء .. ثم سنــد جسده على الثلاجــة .. يسترجع ذالك الصوت الذي سمعه .. يسترجع تلك التقاسيم التي ليست غريبة عنه ..
خرج من المطبخ .. واتجه للغرفة .. استلقى على فراشه .. وعينيه معلقتين في السقف .. يستذكر ما رآه .. أهي أطيــــاف ؟! كأنني رأيت وجوههم من قبل .. أصواتهم مألوفـــة .. أحصــل مكروه ؟! وإن حصـــل لهم مكروه .. كيف سأعرف بذالك ..
انتبه من سرحانه على صوت صاحبه : بألك شو فيك ؟! من صحييت وانت مو على بعضك ؟
التفت له : ما ادري .. الحلم الي أقولك كل يوم أشوفه اليوم وضح أكثر .. والي تغير إني كنت أشوف أشياء بدون أصوات .. اليوم سمعت صوت .. أحــد ينادييني .. أحد يستغيث .. يبي مني شي ..
ضحك بسخرية : ومن هيدا المجنون الي يطلب شي منك ؟؟
قلت له : والله ما ادري .. صوته مو غريب علي .. كأني سامعه من قبل .. أيوب تكفى .. قول لي .. تعرف عني شي ومخبيه ؟
رمقه عدة دقائق .. ثم أخرج شيئا من تحت وسادته ورماه عليه : خود .. شكلك عم تهلوس .. صرلك كم يوم مو ضارب ابرة ؟
التقط الإبرة .. ورفع كم قميصه .. سند جسده على الجدار .. وحقن نفسه .. ثم أغمض عينيه .. يحــاول الضفر ببعض الراحة المزيفة .. عـــله ينسى تلك الملامح .. وذاك الصــوت ..
وبعــــد دقائق .. شعـــر بالطــاقة التي افتقدهـا عدة أيــــام .. ونهض للعمل !
==
من جــــانب آخر .. كانت تبكي بحرقة .. حينما جاءها أحمد وهو يبتسم : روحي جددي وضوئج .. وصلي ركعتين .. وان شاء الله أمج بتطلع من غرفة العمليات سالمة ..
انصاعت لكلامه .. وذهبت لتتوظأ .. فكلامه ذكرها بأخيها .. سألت عن المصلى .. وقصدته .. ارتدت احرام الصلاة .. صلت ركعتين .. ثم رفعت كفيها إلى السمـاء .. ومضت في رحـلة مناجاة من بارئها .. وحينما انتهت .. مسحت دموعها .. ونهضت لتخرج .. لترى أحمـد واقفا عند الباب وما زال محافظا على بسمته : تقبل الله ..
أجبرت نفسها على أن تبتسم : منا ومنك .. ( وبلهفة قالت ) طلعوها من غرفة العمليات ؟
قال لها : ايييوة .. وقال الدكتور نرد البيت .. لأنها على ما تصحى يبي لها كم ساعة ..
قالت له : بس أنا ما برجع .. بنطرها لين تصحى ..
قال باصرار : ما عليه بيان .. ردي البيت .. وأنا بنفسي أول ما تصحى أمج بجيبج ..
قالت له : ما تقصر .. بس ..
قاطعها : بيون ؟ تراج واجد تعاندين ..
ضحكت بخفة : انزييين .. وينهم خواتي ؟ وعلاوي ؟
قال لها : خواتج مع فطوم في بيت خالتج .. وعلي ينطرنا في السيارة ..
قلت له : انزين خالاتي وينهم ؟
تبسم : قبل ربع ساعة ردهم عمار .. وقلت لهم إني برجعج مع علي ..
ومشى .. وهي تمشي خلفه .. وهم يمشون .. التقوا بمازن هذه المرة .. سلم عليهم .. ووقف بجانب أحمد وقال : جيت أشوف أخبار الجنين .. موب راضية تقول لي شنو قالت لها الدكتورة .. ( وبتعب قال ) أنا تعبت معاها .. شتقترح علي ؟!
تبسم له وهو يقول بضيق : تذكر شلون كانت في البداية علاقتك بها .. في شي خليتها تسويه باختيارها ؟ بإرادتها ؟ مازن اذا تبي تكسب قلبها لا تجبرها على شي .. أنا أقول لك روح لها واعتذر .. وقول لها الي تبيه بتسويه .. وصير قد كلمتك .. حتى لو كان كلام صعب عليك تحمل ..
قال بحزن : ان شاء الله .. ( وبحياء قال ) أنا اسف .. جد آسف .. ما كنت أضن إن الأمور بتوصل لهدرجة ..
تبسم بذات الحزن : لا تنبش بالماضي .. والي كاتبه ربك يصير ..
ابتعد مازن .. والتفت أحمد لبيان : بيــان .. حاطة بخاطرج علي على الي قلته لج يوم الي سافرتي فيه ؟
تبسمت : كنت .. بس اللحين لا ..
ليقول : ليش ؟ شنو الي تغير ؟
قالت له : ما ادري .. بس كل تصرفاتك اليوم .. خلتني أشوف الجانب الثاني ..
ليقول : يعني بتفكرين بالموضوع ؟
قالت بضيق : ومنتهى ؟
قال لها : سمعتين كلامنا أنا ومازن ؟! منتهى الله كتبها لمـازن .. منتهى بجي يوم .. وبيضعف قلبها جدام مازن .. وآنا بعد .. بجي يوم .. وأنسى منتهى .. ( وبرجاء ) بيان فكري بالموضوع .. أنا أحتاج أحــد يمسح ذاكرتي .. أحتاج أحــد يكمل معاي الطريق .. بكون صريح معاج .. لما فكرت أخطب .. طريتين على بالي بسرعة .. تعرفين ليش ؟ لأن اثنينا نفس الشي .. كل واحد منا محتاج لطرف الثاني ..
سكتت ولم تجب عليه .. وصلا نحو السيارة .. ركب بجانب علي .. وهي جلست بالخلف .. وتحركوا قاصدين منزلهم .. والصمــــت يدور بينهم .. لكـــــن القلوب .. وحــــدهـا من تتكلم .. وطريقة اتصـــالهـا .. هي الأرواح ..
==
يا منتهى أمل الآملين .. ويا غاية سئل السائلين .. ويا أمان الخائفين ..
،
.
؟
نهــاية الجـزء السابع والعشرون ..

[ 28 ]
[ هـــي ]
مفــــرد أثــــــار أحقادي ..
وأي أحقـــاد هي التي أثارها ؟!
وهـــل يحمـل قلبي أحقـــادا على أحـدٍ مـا ؟!
إذن .. العبارة خـــاطئة ..
فـ [ هـــي ]
مفرد أثــــار [ مواجعي ]
أثــــار [ ذكريـــاتي ]
أثــــار [ مـــاضٍ ] دهسته [ هي ] بقدميها ..
فيــا [ هي ]
ستندميــن !
لأنكِ تعديتي الخط الأحمـــر ..
معــــي ..
[ بيــــــــــان ]
قبلت رأس والدتي مرة أخرى وقلت لها : الدكتور يقول بعد ثلاثة أيام بطلعونج ..
تبسمت أمي : ما بغو .. اشتقت للبيت ..
قلت لها : لا .. ما بنروح بيتنا .. عودو مو راضية .. تقول تبيج تحت عيونها تباريج .. لين تتحسسين ..
ضحكت : جي والدة ؟ وهي يبي لها أحـد يشيلها ويتحمل فيها ..
قالت خالتي أم يعقوب : عجل تجيين بيتنا .. ما نخلييج بالبيت بروحج ..
قلت لها : وأنا ويين رحت ؟! أنا بلصق فيها وبخليها تطفش مني لين تقول ردي من المكان الي جيتي منه ..
تبسمت أمي مرة ثانية : جازكم الله خير .. أنا مالي إلا بيتي .. الواحد ما يرتاح إلا في بيته ..
لتقول خالتي أم عمار : أنا كل يوم بتشوفيني عندج خيو .. أكلج بوصلج وانتي قاعدة .. وما أوصيج بيان على أمج .. مو تخلينها تقوم إذا جوها ضيوف ..
قلت لها : أفــا عليج خالو .. اذا فكرت تقوم بربطها بحبال ..
ضحك الجميع وقالت أمي : يلي ما تستحين .. تربطين أمج ؟
قبلتها : بعد شسوي فيج ؟ ما ترضين تقعدين مكانج ؟ كأن الشغل بخلص ؟
ونحن نتبادل الحديث .. أتت فطوم مع يعقوب .. وبعد السلام وكـل شيء .. همست لي : صفاء متصلة ..
قلت لها : شنو قالت لج ؟
لتقول : تقول هي زعلانة علييج .. تردين وما تقولين لهم .. ولا ترديين على اتصالاتهم .. وقالت إنهم اليوم بردون البحرين .. وبجون يزورونج يلي ما فيج خير ..
قلت بضيق : اهي مسكينة تحبني .. بس ما ابي أضايقهم .. انتي لو سمعتين كلام أخوها ذاك اليوم .. كان والله سويتين أعظم مني .. يشوفوني بروحي وطيبة يستوحدوني ؟
لتقول : هي قالت لي كل الي صار .. وقالت إن أخوها كانت علاقته واجد قوية بحسين واتأثر واجد لما مات .. وهو يعزج .. فانصدم لما ..
قاطعتها : هذا وهو يعزني سوا فيني جذي ؟ عجل لو كان يكرهني شبسوي ؟ ( وبضيق ) تخيلي أسأله شفيك ؟ يهاوشني .. وقام يصارخ علي جدام خلق الله .. الكل تجمع .. تعرفين ذاك الوقت شنو كان شعوري ؟ أتمنى الأرض تنشق وتبلعني .. يقولي ليش سويتي فيه جذي كأني قلت له موت .. ولا انا الي قتلته ؟
قالت لي : حاسة فيج بيون والله .. بس صيري أحسن منه ولا تحسسينهم بالذنب .. حاولي تنسين إلي صار .. أنا أعرفج بسرعة تسامحين ..
تبسمت : أنا مسامحته .. لأنهم ما قصرو معاي بشي .. تحملو مزاجيتي وصبرو علي .. بس الواحد غصب يحط بخاطره .. ( وببتسامة واسعة ) ما قلتي لي .. شخبارج مع مرت حميج ؟
رمقتني : انتي لازم تغثيني بها ؟ وربي ما اللتقيت بناس مثل وقاحتها .. كل يوم طالعة بقصة جديدة .. خاطري بس أروح لميثم وأسأله شلي عجبه فيها ؟ استغفر الله لا جمال ولا أخلاق ولا دين ولا ستر !
ضحكت : غيرانة الأخت ؟ لا تخافين حبيبتي .. تراها ما تهز ولا شي من يعقوب .. خلج قوية .. وكل ما تمرين عليها احتقريها ..
لتقول : أنا أغار منها ؟ أشك إنها شايفة فيسها في المنظرة ..
ضحكنا معا .. واستمرت كل واحدة منا تحكي للأخرى ما حدث طول هذه الفترة ..
==
[ أميــرة ]
كنت مع نافع .. نتجول في المجمع .. حينما ناداني : أميرتي ..
التفت له وأنا أضحك : هلا نافعي ..
ضحك ثم قال : لا تطنزييين .. هذا جزاتي أدلعج ..
قلت له : أنا ما قلت لك دلعني ..
ليقول : اووهو .. المهم .. ما قلتي لي .. كلمتين أحمد ؟
قلت له بضيق : أحمـد هـ الأيام كل مو على بعضه .. أمس قعدت معاه ساعة .. كنا نطالع تلفزيون .. أناديه ولا يرد .. عيونه في التلفزيون وباله بعييد .. ما ادري شفيه ؟
قال لي : يمكن عنده مشكلة .. بس حاولي بأقرب فرصة تكلمينه .. ترى قلبي ما عاد يتحمل صبر أكثر ..
تبسمت : نـــافع ..
التفت لي : روح نـــافع .. تدللي ؟
ضحكت : مو قلت لك لا تقول جذي ؟
ليقول : اوه سوري .. نسييت .. خطيبة نافع نعم ؟ آمري ..
قلت له : للحين ما صرت خطيبتك ..
ليقول : أميرة .. لا تطفشيني .. قولي بسرعة الي تبين تقولينه ..
قلت له وأنا أضحك فدائما أفقده صبره : اممممم .. خاطري في سلاش أزرق ..
قال لي : ما طلبتي .. أجييب لج الي بدنيا كله ..
قلت له بابتسامة : مشكور .. ما تقصر ..
وصلنا ناحية المطاعم .. ووقفنا بانتظار استلام طلبنا .. وأنا أنظر إلى الناس حولي .. اللتقت عيناي بعينين منذ مدة لم أرى نورهما .. إنــــه طـــــارق ! ينظر إلي بحدة .. وكأنه يحـاول أن يفسر سبب وجودي مع نـــافع .. بسرعة .. التفت لنافع .. وأمسكت كفه بقوة .. مما أثار اندهاشه .. فهذه المرة الأولى التي أمسك بها كفه .. لكنني الآن خائفة بعض الشيء .. خائفة من ثقل الذكرى .. خائفة من حدة بصره .. خائفة من غضبــه ..
قال لي نافع باستغراب : أميرة شفيج ؟ أقولج خذي السلاش ..
قلت له بارتباك : ما ابي .. خلنا نمشي ..
قال لي : ليش ؟ ما عجبج ؟ تبين غيره ؟
قلت له وأنا أهز رأسي نافيه : نافع خلنا نمشي ..
قال لي : اوك بنمشي ..
سلم للمحاسب نقوده .. وحمل بيده الأخرى طلبنا .. وما زلت ممسكة كفه .. وبين الحين والآخر .. ألتفت للخلف .. فأراه يمشي خلفنا .. ويلاحقني بتلك النظرات ..!
توقفت عن السير .. وقلت لنافع وأنا أحاول عدم البكاء : كاهو وراي .. نافع تكفى .. قوله يروح بعيد عنا ..
قال نافع باستغراب وهو يدير وجهه للخلف : من تقصدين ؟ أميرة صاير شي ؟
قلت له : الي عليه بدلة رسمية .. نافع هذا طـــارق ..
حينما ذكرت له اسم طـارق .. رأيت ملامحه تغيرت .. وأفلت يدي .. ناديته : نافع وين رايح ؟
لم يجبني .. واتجــه ناحية طـارق .. ركضت نحوه بخوف .. وسحبته من ذراعه حينما سمعت صوتهما علا : نافع تعال .. ما يستاهل هذا تفقد أعصابك عليه ..
قال لي نافع : أميرة روحي السيارة .. بسرعة ..
رفعت نظري لطارق الذي ينظر إلي بلوم .. ثم أشحت وجهي عنه حينما صرخ علي نافع وطلب مني الذهاب للسيارة .. ركضت للسيارة .. ودموعي على خداي .. أتذكر ملامحه المصدومة .. لما يحسسني بالذنب .. رغم أنه المذنب ؟!

[ طــارق ]
قلت لنافع وعيناي على طيف أميرة الذي غادر : هـ المرة .. سمحت لك ترفع صوتك .. وما رديت عليك .. علشان خاطر أميرة .. فلا تجبرني المرة الجـاية .. أعلمك درس بالاحترام .. سامع ..
مشيت في الطريق الذي مشيت فيه وطنشت هذا الذي يزعم بأنه خطيبها .. إنهــا تحبني .. تحبني وحدي .. إنها لي أنـــا .. كيف يتجرأ هذا على القرب منها ؟ كيف يتجرأ على أن يلامس كفها ؟! سيــدفع ثمن جرأته هذه .. ولكــن ليس الآن .. فلألحق عليها قبل أن تختفي ..
وأنا أسير .. أوقفني مرة ثانية ذاك الصعلوك : لا حول ولا قوة الا بالله .. شتبي ؟
ليقول : انت الي شتبي منها ؟ دامك طلقتها مالك حق تدخل بحياتها .. زين انها نستك .. لا ترجع وتذكرها بماضيها الي كرهته بسببك ..
رمقته باحتقار : أبي أقولك شي انت ما تعرفه .. أميرة .. طول عمرها شي خاص فيني .. يعني مالك حق تفكر فيها حتى .. انت تعديت حدودك .. بس بمشيها لك بمزاجي .. لأنك بعدك ما فهمت بالدنيا .. بس إياني وياك تدخل في شي ما يخصك .. وطلقتها ولا على ذمتي هذا الشي راجع لي .. أنا كيفي .. أسوي بها إلي أبي .. ولا تاخذ في نفسك مقلب .. وتلعب لي فيها دور العاشق .. لأنك ولا شي .. ومو قد هـ السوالف .. بس يجيك الهوا .. تطيح .. ويلله اللحين .. وريني عرض أكتفاك ..
فقال : ضحكتني وأنا ما ابي أضحك .. تراك واجد شايف نفسك .. أنا أستغرب شلون تحملتك أميرة ؟ شجاب الثرى للثريا ؟! اسمـــع ! آنا أحذرك .. تتعرض لها .. ولا تطلع بطريقها .. ولا تستهين بالي جدامك .. لأن الي تضنه ولا شي .. بالنسبة لأميرة .. كــل شي ..
أطلت النظر إليه للحظات .. أحــاول أن أكتم غضبي .. ثم قلت له : بنشوف .. من الي بدوس الثاني يا ( بسخرية ) شسمك ؟
رمقني ومشى .. ضحكت لكي أغيضه .. وغيرت طريقي قاصدا منى التي نسيت أمرها حينما رأيت أميرة بجانب هذا الحقير !
==
[ غســـان ]
كنا نزف أحــد الأصدقاء بضرب بوق سياراتنا خلف سيارته .. قاصدين أحــد الفنادق .. فالليلة ليلة زفافه .. وحينما وصلنا إلى الفندق .. لوح بيده لنا شاكرا .. وساعد زوجته على النزول .. ونحن .. ترجلنا من سياراتنا .. لنزعجه .. أثرنا الضوضاء في الطابق الأرضي .. لحين طلب منا موظف الأمن الخروج وإلا سيستدعي الشرطة .. خرجنا ونحن نضحك .. وأنـــا أركب سيارتي .. شدني منظر فتاة في سيارتها .. تغطي وجهها بكفيها .. ويبدو أنها تبكي .. فقصدتها .. طرقت النافذة .. فارتاعت .. وارتفع صوت بكاءها أكثر .. استغربت حالها .. خصوصا أنني كررت الطرق أكثر من مرة ولم تفكر حتى برفع كفيها عن وجهها .. صعدت سيارتي .. وأنا انظر إلى سيارتها .. حركت سيارتي .. وقبل أن أذهب .. اللتفت للخلف .. فرأيتها قد ترجلت من سيارتها .. ومضت في طريقها للدخول إلى الفندق .. وهي تمسح دمعها بمنديل !
أثــارت فضولي .. تركت سيارتي .. وأسرعت للدخول .. أدرت وجهي بالبحث عنها .. فرأيت المصعد يتحرك نحو الطابق العاشر .. فتحت المصعد الآخر .. وضغطت على الزر العاشر .. وصلت الطابق العاشر .. ورأيت صوت أحـد الأبواب قد أغلق .. وكانت باب الغرفة التي على يمين المصعد ..
لا أعلم .. لما اقتربت من الباب .. واسترقت السمع .. فسمعت صوت بكاءها .. وصوتها الذي كان مألوفا لدي وهي تقول : سالم تكفى .. لا تسوي فيني شي .. عطني صوري وخلني أطلع ..
لم أسمع شيئا بعد هذه الجملة .. فالصدمة شلت كل حواسي .. وأيقنت أن الله بعثني لأنقذها من الذئب الذي في الداخــل !
كنت سأقصد أمن الفندق .. وأخبرهم عن الذي يحصل في هذه الغرفة .. لكن .. ماذا سيكون حال سمعة هذه الفتاة ؟! ما ذنبها ؟! لكن ماذا أفعل ؟؟
ولا أعرف .. كيف خطرت بذهني هذه الخطة .. فقد طرقت الجرس .. واختبأت بعيدا عن الباب .. الذي فيه ثقب يرى مَن خلف الباب ..
وبعد عشر دقائق تقريبا .. فتح الباب .. وسمعت صوتا غليضا : من ؟
أسرعت .. وانقضضت عليه .. لكتمه بقوة .. وأسقطته على الأرض .. ثم أغلقت الباب .. صرخ علي وهو يتأوه : من انت ؟ شنو تبي مني ؟
قلت له وأنا متقزز منه : أنا عزرائيل جاي آخذ روحك يا الوسخ .. ( وصرخت أنادي تلك الفتاة ) وييينج يالغبية ؟ اطلعي بسرعة ؟
أتت وهي تغطي وجهها بكفيها باكية : قوله لا يسوي فيني شي .. وربي هو الي استدرجني علشان الصور ..
رفعت كفيها عن وجهها .. وهي تبكي .. وليس حواسي وحدها التي أصبحت غير صالحة للاستخدام .. وإنما حتى جهــاز تنفسي .. قد تعطل .. وأصيب بصعقة كهربائية ... إنهـــا .. إنهـــا .. عذرا .. لا أقدر أن أنطق باسمها .. ولكن .. أقدر أن أصف لكم شكلها .. ببنطال أزرق .. وبلوزة يبدو أن ذالك الحقير قطع بعض أجزاءها .. شعرها الطويل قد تعرض للجر من يديه القذرتين .. ووجهها .. محمر .. أثر صفعة قد طبعت أصابع كفه على وجهها ..
وسقطت على الأرض .. عندما ضربني ذالك اللعين .. وتشابكنا مطولا .. ولأنني ثائر .. غاضب .. أنتقم لشرف صاحبي الذي كان سيلطخه هذا القذر .. تمكنت من القضاء على كل قوته ..
رميته في الحمام .. وأقفلت عليه الباب .. اللتفت لها .. وصرخت عليها : وينها صورج لا بارك الله فيج ..
قالت وهي تبكي .. وسبابتها تشير إلى الخزانة : فوق ..
سحبت لي كرسي .. ووضعت عليه وسادتين .. لحين تمكنت أن أصل إلى أعلى الخزانة العالية .. تناولت الصور .. فتحت باب الحمام عليه .. وكان فاقدا للوعي .. صرخت عليها وأنا أرمي الصور عليها : شتنطرين ؟ تنطرييينه يصحى ويكمل عليج ؟ روحي اللبسي عباتج .. سرعي ..
ركضت نحو الكنبة .. ولبست عباءتها وشالها .. سحبتها من ذراعها .. وركضت معها نحو خارج الفندق ..
فتحت باب سيارتي .. ورميتها إلى داخل السيارة : دخلي ..
أغلقت باب السيارة .. وتحركت بعيدا عن الفندق .. وأنا أصغي إلى صوت بكاءها .. إلى أين أخذها ؟! الساعة الآن تشير إلى الثانية فجرا ؟ أيـــن أهلها عنها ؟ ألم يفتقدوا وجودها في المنزل في هذا الوقت ؟! أين أرمي بها ؟! أإلى عمار ؟! كي يجعلها تتلفظ آخر أنفاسها على يديه ؟!
صرخت عليها : بسج .. سكتي .. صدعتي راسي بصوت صياحج .. قولي لي ؟ وين أقطج فييه ؟ سودتي وجهنا ؟ تبيين آخذج لعمار ؟ تبييين آخذج له علشان تتأدبين وتجوزين عن هـ الحركات ؟ شفتي لوين وصلتي ؟ كان بيعتدي عليج لو ما الله ستر ولحقت عليج ؟ تدرين شنو بصير لو ما جييت أنا ؟ كان انتي اللحين بدااااهية ..
زاد صوت بكاءها .. وقالت بصوت مرتجف : والله هو جبرني أجيي .. قال لي إذا ما رحت له بينشر صوري ..
قلت لها : وبينشر صورج ؟ شنو بصير يعني ؟ بتروح سمعتج الحلوة بييين الناس ؟ لو سمعتج زييينة .. وشريفة قلنا ما عليه .. لكن استغفر الله .. ليلى تعرفييين يعني شنو أنا متقزز منج ؟
قالت وهي تكتم شهقاتها : وقف .. خلني أنزل ..
قلت لها : وييين بتروحين ؟ لواحد غيره تاخذين بقايا الصور ؟ أنا طول ما عمار يهزأج أنا ساكت وبقلبي ألومه .. بس انتي تستاهلين أكثر من التهزيئ .. والله لو مو خوفي على سمعة صاحبي .. كان خذيتج تدرين وين ؟ المستشفى .. يتأكدون من عذريييتج يالوسخة ..
ضاع صوتها .. وخفت أنينها .. يبدو أنه أغمي عليها .. لن أوقضها .. فلتمت .. وتريحنا من شرها .. أوقفت السيارة عند أسواق 24 ساعة .. اشتريت ماءا .. وكببته على وجهها .. فأفاقت .. قلت لها بنفس النبرة القاسية وأنا أمد لها كفي بالماء : اشربي ..
شربت شربة ماء .. وواصلت المسير .. من شارع إلى آخر .. أفكر بالمصيبة التي حلت علي .. لحين أن قررت .. أن أخذها إلى الشركة .. فبعد ساعات .. سيبدأ العمل ..
أدرت وجهي للخلف .. فرأيتها نائمة .. وعينيها متورمتين لكثرة الدمع .. نائمة ! ألا تشعر هذه الفتاة ؟ كي تمكنت من أن تأمن على نفسها معي ؟ كيف غفت عينيها ؟!
بالتأكييد .. سيكون الجواب .. لكثرة الضغط النفسي الذي تعرضت له .. استسلمت لسلطان النوم ...!
فأوقفت السيارة بجانب البحر .. أغلقت الأبواب جيدا .. ورميت جسدي على الشاطئ .. عله النعاس يزورني كما زارها .. ولكن .. هيهات .. لم يعـــرج النوم علي .. صليت صلاة الفجر .. وواصلت استرخائي .. أتـــأمل بشروق الشمس .. متنبأَ بالأمور الغير عادية .. التي ستحدث اليوم ....!
==
بمن أبدأ هذا الصبـــاح ؟! الذي صدقت فيه تنبأت غســـان .. فلنذهــب لبيـــان .. وهي مستلقية على سرير والدتها .. وتحدثهـا بما يشغل فؤادهـــا ..
وبصوت خافت : ماما .. أنا محتـــارة .. محتـــارة واجد .. أحس روحي ضايعة بين أفكاري .. ماما لو كنتي مكاني شنو بتختارين ؟
قالت الأم وعلى شفتيها شبه ابتسامة : بين شنو وشنو محتارة يبنيتي ؟
أجابتها بعد تنهدية : يوم الي بسافر فيه .. أحمــد قال لي أفكر إذا أوافق عليه أو لا .. وأنا قلت له على طول لا .. لأن ما ادري شلون .. أحسه يخدعني .. أنا مو محتاجة شفقة من أحد .. لكنه لما رديت .. ما ادري شلون أقنعني أفكر .. بس ماما ما ادري .. أحس لو أقول له اي .. أخون منتهى .. أخون عمار .. ماما عمار كاسر خاطري .. ليته يعرف إن مالنا غنى عنه خصوصا بعد ما راح محمود .. ماما آنا عارفة اذا قلت لأحمد اي .. بجرح عمار .. وأنا ما ابيه يضايق .. تصدقين إذا قلت لج .. إن ليلى تحبه ؟! لأنها من يوم صرنا أنا وهو ما نتهاوش وهي متغيرة علي .. ماما ليلى واجد تعور قلبي .. حتى لصديقتها المقربة .. ما تقدر تقول لها إنها تحبه .. لأن صديقتها بعد تحب عمار ..
اتسعت ابتسامة الأم على الجملة الأخيرة وقالت : الله يحفضكم يعيالي .. ( واللتفت لابنتها ) ماما بيان انتي لما تفكرين بهـ الموضوع .. تذكري إن هذا شي مصيري .. إن اسمج بينربط باسمه لين ما تموتين .. إنه بكون أب لعيالج .. شوفي نفسج .. مرتاحة له ؟ قلبج يطمأن له ولا لا ؟ اذا حسيتين بالراحة معاه .. عرفي إنه تبينه .. بس مو كل شخص نحس بالراحة معاه يناسبنا .. انتي قلتي لي إنج تخافين تخونين منتهى .. منتهى اللحين على ذمة رجال .. والمفروض ما تخون زوجها وتفكر بغيره .. حتى لو زوجها ما يستاهل تصونه .. لأنها لازم تكون أمينة جدام الله مو جدامه بس .. وانتي قبل كل شي .. روحي كلميها .. قولي لها .. واسمعي ردها .. اكيييد بتضايق .. بس على الأقل تحسين إنج بريتي ذمتج .. أما عمار يبنيتي .. فهو فكر فيج لأنه حس انج مميزة بينهم تدرين بشنو ؟! عمار ما شاء الله عليه وسيم والي يشوفه ما يرفع عيونه من عليه .. أخلاق أدب .. وفيه مواصفات الي انتو تبونها .. وكل الي عرفهم .. حبوه .. وبان الحب بعيونهم تجاهه .. عمار محد عامله معاملة موب زينة غيرج .. فلفتي انتباهه .. وحاول يشدج له .. بس اللحين انتي تغيرتي .. وصرتي تبينين معزته .. صدقيني .. بجي يوم .. وبيكتشف إن حبه هذا وهم .. لأنه ما بناه على أساس .. أما ليلى .. اذا الله كاتب لهم يكونون من نصيب بعض بصيرون .. وعمار ما بياخذ إلي الي تناسبه .. ( وببتسامة حزينة ) ولا من كان يتوقع إن محمود بياخذ دعاء ؟!
تبسمت بيان : ماما ريحتيني .. بس ما قلتين لي .. شنو أقول له ؟
قالت الأم وهي تمسح على رأس ابنتها : كلمي منتهى .. وبعدها استخيري ربج .. واذا حسيتي نفسج مرتاحة .. توكلي على الله وقولي له موافقـة .. أحمــد رجـال ولا كل الرجـال .. اذا كنتي له .. بنام مرتاحة من محاتاج .. لأني متأكدة إنه بخليج بعيونه ..
خــــارج الغـــــرفة .. عنـــد الباب .. كان واقفـــا يسمع هذا الحديث .. مسح دمعة عنيدة تمردت على الهطول .. وطرق الباب : سلام عليكم ..
\
كان عمـار .. ولكن قبل أكمل لكم ما جرى .. فلنذهب إلى تلـــك المنطقة البعيدة التي حدثكم عن بطلنا القابع فيهـــا ..
كــان جالسا على عتبة الدار .. يدخن باستمتاع كبير .. يتأمل بعينين حزينتين إلى المـارة .. يبحث عن وجه مألوف لديه بينهم .. لكنه ينكس وجه بانكسار بعد طول فترة بحثه عن ملامح تعني له مـــاضٍ مسح من ذاكرته .. ويطفأ السجارة .. بعـد أن يدوسها بقدمه ....
يتنهد بمرارة .. وينهض ليسير بين هذا الجمـع .. ليس له مقصـد .. ليس له وجهة يتجه لها .. هو بين هذه الآلاف وحيـــد .. تـــــاءه .. ضــائع بوطن ليس وطنه .. بزمنٍ يجهــل حقيقته .. ويتسائل بحرقة .. من أنـــا ؟! كيف جئت إلى هنـــا ؟! كيف ألقي بي بين هؤلاء النـــاس ؟! فأنا لا أشبههم .. لا بمظهري .. لا بطريقة كلامي .. إنهم شاميون .. وأنا ؟! من أي البلاد أنـــا ؟! أيـــن هم أهلي ؟! أقاربي ؟ كيف تركتوني وذهبوا ؟ أفلا يسألون عني ؟! إن كنت ميتا .. فليبحثون عن جثتي .. ليغسلوني .. ليكفنوني .. ليدفنوني .. ليلقو بي في حفرة مظلمة .. والله إنه أرحم بالنسبة لي من هذا الحــال .. وإن كانو يضنون بأنني حي .. فلما لا يبحثون عني .. ألم يفتقدوني ؟! أفلا أهمهم ؟ من أيـــن أنــا ؟! أأبن عائلة ؟! أم ربيت في ملجأ فارتاحو مني حينما فقدت ...!
وأنــا أسيــر .. وغمــامة الحــزن تحجب عن عيناي الرؤية .. سمعت صوتا ينادي بإسمي .. عذرا .. ربما لم يكن هذا اسمي الحقيقي .. ولكنهم ينادونني به .. وأنا لا أعلم سبب راحتي لهذا المسمى : لك حبيبي محمـــد .. وإف ..
التفت لها : هلا سوسو ..
ضمتني .. ثم قبلت خداي : وحشتني كتييير .. وينك ؟ صار لك يومين لا تسأل ولا تبين ..
تبسمت لها بضيق .. فأنا لا أشعر بالإنتماء لهذا المكـان .. ولا إلى الأشخـاص .. الذين أخلاقهم لا تعجبني .. ولكن القدر كتب لي أن ألقى بينهم : كنت تعبان شوي ..
احتضنتي ثانية : سلامتك حبيبي .. ( وأمسكت كفي ) شو الي متعبك ؟ احكي الي بألبك ؟
تأملتها .. عينيها الزرقاوين يذكرناني بأحـد ما .. صوتهـا النـاعم .. يذكرني بشخص آخر .. لكن كل شيء فيها مختلف عن تلك الصور التي تتراءى لي .. ملامحها .. ملابسها .. حتى دلعهـا الذي بت أكرهه !
أيقضني صوتها : شو فيك مسرح في وجهي ؟ عجبتك ؟
رفعت ذراعي واحتضنتها من الجانب : من زمان وانتي عاجبتني ..
لتعبس : طب ليش ما تجي تنام عنا .. تنام بذيك الخرابة مع صاحبك الحقير ..
ابتسمت لها : انتين تعرفين إنه الي لقاني هني .. ولازم أكون معاه .. يمكن يحن يوم من الأيام ويقول لي شي ..
لتقول : إلت إلك .. بحكي للبابا يأدبو .. ويخليه يتكلم غصبا عنو ..
قلت لها وأنا أنظر إلى الأمام بضيق : سوسو خلاص .. ما قلت لج لا تفتحين هـ السيرة ؟
لتقول : طب ولا تزعل .. بسكر تمي ...
مشينا إلى نهاية الشارع ونحن صامتين .. أنا أفكر بكلامها .. لا أعلم لما أكره العنف .. لا أحب أن أجبر أحدا على شيء لا يرغب به .. رغم أنني أعيش بمجتمع القوي ينتهك حرمة الضعيــف ..!
التفت لها .. فأحسست بأنها تضايقت من كلامي .. قبلت خدها .. وابتسمت بلطف .. فردت الابتسامة .. وواصلنا المسير ..
الشيء الذي أستطيع أن أخبركم عنه .. لأنني أعرفه .. هو أنني التقيت بهذه الفتاة في المشفى .. فأول ما أفقت من غيبوبة استمرت شهر كامل .. خرجت أدور في المشفى أستكشف المكان .. كنت أشعر بالغربة .. فلا أحـد أعرفه .. ولا أحـد يعرفني .. وجلست في الكفتريا .. جــائع .. أكره الطعام الذي يقدموه .. ولكن ليس معي نقود .. أساسا انا ليس معي هوية .. فكيف سأمتلك النقود ؟
رفعت نظري إلى قائمة الطعام .. أشتهي أن أكل شيئا أعرف ما هو .. لكن كل ما كان بالقائمة .. طبخات للمرة الأولى أقرأ أسماءها .. شعرت بأن أحـدا ما يسترق النظر إلي .. أدرت وجهي .. فرأيتها تنظر نحوي .. لا أعلم لما شعرت بأن في الموضوع خطأً ما .. كانت ترتدي بلوزة عارية الأكتاف .. وجينس ضاغظ .. شعرت بأنني لم أعتـد على هذا الشكل .. بل .. حينما تأملتها .. لم تنكس نظرها .. وإنما ابتسمت لي .. وجائت وجلست بجانبي .. وسألتني من أنا .. وهنا كيف أستطيع أن أصف لكم شعوري ؟! انتبهت أنني لا أعرف من أنا بعد أن بحثت في ذاكرتي عن أنا .. لم أعرف بما أجيبها .. فنهضت عنها .. لكنها أمسكت ذراعي .. وقبلت خدي .. استغربت حركتها .. واحمرت وجنتاي خجلا ..! وإذا بها تعرف عن نفسها .. وتعتذر .. ودعتني لتناول الطعام معها .. ولأنني جائع .. قبلت الدعوة .. وتعارفنا .. تمنيت أن أعيش مع عائلتها .. التي كانت تزورني .. وتسأل عن حالي .. ستسألوني من عائلتها ؟ كانت تعيش مع والدها وعمها .. فأمها توفيت .. وعمها لم يتزوج بعـد .. تقريبا هو في عمري .. رغم أنني أجهل كم هو عمري تحديدا ...!
استيقظت من أفكاري حينما أشارت لي على مقهى : تعال نأعـد نشرب أهوة ..
هززت رأسي بإيجاب .. وذهبت معها إلى تلك القهوة ..
وأنا أحتسي كوب القهوة .. أحسست بأن أحـدا ما ينظر نحوي .. أدرت وجهي .. فكـان " أبو العظلات " لا تستغربوا .. أنا أسميه هكذا .. لأنه ذي عظلات بارزة .. أشعر بأنني عندما أقف بجانبه .. قزم .. فهو قوي .. دنيء .. قذر .. وبنيته الجسدية متينة .!
تبسمت له .. ليس حبا به .. وإنما الفترة القصيرة التي عشتها هنا .. تعلمت فيها أن ابتسم بوجه أعدائي .. كي لا ينقضوا علي .. فالذي حــاله مثل حــالي .. لابــد له أن يكون مسالما للجميـع ..
لم يبتسم .. ربما لأنه لا يريد أن أرى أسنانه الصفراء .. كم يقرفني .. كان يجلس حوله عدد كبير من الأولاد والبنات .. أستغرب أنا .. كيف لا يتقززوا من رائحـــته !
وكأنه عرف بما أفكر به .. فقال بصوته العالي : مو انت محمد ؟
أجبته بصوتي الهادىء : أيوة ..
ليقول بنفس النبرة : من وين انت ؟
كم أكره أن أسأل هذا السؤال : ما اعرف ..
رمقني غاضبا : تمزخ معي انت ؟
تبسمت له : لا .. الله يسلمك فاقد الذاكرة ..
ضحك .. وجعل كل من معه يضحكون .. لا تنظروا إلي .. لا تسألوني ما هو شعوري .. فأنا بكل بساطة .. اعتدت على مثل هذا الاستهزاء .. لتلتفت لهم سوسو تريد أن ترد عليهم .. لكنني تداركت الأمر : سوسو اششش .. لا تتكلمين ..
لتقول : يسخرو منك وانت ساكت ؟
ابتسمت بمرارة : عادي سوسو .. هم يضحكون على حالهم .. بعدين أنا ما أنزل نفسي لهـ المستوى ..
وقبل أن ترد .. قال أبو العظلات : شو رايك أعطيك ضربة ترجع لك الذاكرة تبعك ..
رمقته : مشكور ما تقصر .. وقت ما تبي ترجع .. حياها ..
ليقول : باين عليك خليجي ..
انتفظ قلبي .. وتكررت تلك الصور ثانية : يمكن .. ليش لا .. ( نهضت ) يلله سوسو .. قومي نمشي ..
نهضت .. ومشينا خارج المقهى .. وأنا أفكــر بمــا قـــاله .. فليس هو الوحيـد الذي قال لي هذه الجملة .. " الخليج " لو ذهبت إلى هنـــاك .. أي الدول انتمي إليهــا ؟! وإن كنت خليجيا .. لمـا أنـــا هنـــا ؟!
==
فلنعــد إلى عمـــار .. خرجت من المستشفى .. بعـد أن سلمت على خالتي .. وكأنني لم أسمع شيئا .. وهـا أنـا أترجل من سيارتي في مواقف سيارات الشركة .. لأرى من بعيد .. سيارة غسان قادمة .. وقفت أنتظره .. لكنه أبطأ في النزول .. مشيت نحوه .. وانصدمت .. حينما رأيت ليلى تترجل من سيارته ..
طـــال تبادلي معه النظرات .. بدا عليه الصدمة هو الآخر .. لكنه ابتسم لي وقال : صباح النعناع ..
ألقيت على ليلى نظرة احتقار .. ومشت في طريقها .. فذهبت له : صباح الوجع .. شتسوي ليلى معاك ؟
ليقول وهو ما زال محافظا على بسمته : أقول اقلب وجهك .. ولا تسيء الظن فيني .. شفتها في الطريق موقفة سيارتها .. وبما أني عطوف وكريم .. قلت لها تركب ..
أغلق سيارته ومشينا نحو داخل الشركة فقلت له : معني أشك .. بس ما عليه بصدق ..
رمقني : هي انت .. تراك تغلط ..
تبسمت له بمحبة : أمزح تراني .. بعدييين مو غريبة عليك .. انت مافي بنية ما طيحتك .. فقلت يمكن يعني ..
صرخ : عمــــــــارو .. يمكن شنو ؟
اتسعت ابتسامتي : يعني يعني .. مثلا مثلا .. لا سمح الله .. ح .. ب .. ي .. ت ..
قاطعني وهو يضربني على ظهري : أقول لا يكثر بس .. قلبي مغلق من زمان للصيانة .. حدك فاضي ..
أما زال يذكر : امبيييه .. للحين فيه صيانة ؟! متى بكمل ترميمه ؟
قال وهو يفكر : اممممم .. ما ادري .. يمكن يبي له كم سنة بعد ..
تبسمت له بصدق : من صجك للحين ؟
تلاشت بسمته .. ثم أعـاد رسمها من جديد : صج ما عندك سالفة .. تعال نصبح على رفيجتنا الي في الرسبشن .. صار لها ثلاث أيام مو مداومة ..

يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -