بداية

رواية الملعونة -8

رواية الملعونة - غرام

رواية الملعونة -8

الفصل 21
خرجت كاميليا مع صديقتها من مركز التجميل بعد أن انتهت من تسريح شعرها ، ووضع لمسات الماكياج الذي أظهرها جميلة رغم مسحة الحزن الظاهرة في عينيها العسليتين . توجهت معهما للقاعة التي سيقام فيها زواج أمل في كورنيش الخبر المليء بالحركة والناس ككل خميس . نظرت لنفسها في المرآة بفستانها الأزرق التي وصفته نسرين بالمثير لإظهاره للكثير من مفاتنها . مهما كان جمالها فستقدمه قربانا لناصر حتى يرضى والدها وعمها ، وعندما أحست بتسلل الدموع إليها ذهبت لأمل الجالسة في الجناح المخصص للعروس وبجانبها أمها وعمتها وأم عماد أيضا ، وقالت لها بابتسامة :
- سيفقد عصام صوابه بكل تأكيد فأنت جميلة .. هو محظوظ .
وجاءها صوت ريم بتعال :
-أخي وسيم أيضا ولا يحتاج لشهادة أحد .
تضايقت كاميليا من لهجتها ولآثرت تجاهلها من أجل صديقتها . لم تكن قادرة على مجاملتها أيضا فما يعتريها من حزن وضيق يكيفها . خرجت مع نسرين وجلستا على أحد الطاولات . قالت لنسرين بامتعاض :
- ابنة عمتك مغرورة ومتعجرفة .. ولم استسغ أسلوبها في الكلام معي .. من تظن نفسها .
- لا عليك منها فهي تظن نفسها أفضل وأرقى من الجميع رغم جرفلتها .
تنهدت كاميليا وهي تنظر لخاتم الخطوبة الذي وضعه ناصر في أصبعها في يوم عقد قرانها . بكت بشدة ليلتها وهي تنظر إليه وهو بجانب خاتم الياقوت ، وبقدر ما تحبه تكره خاتم خطوبتها . فسألتها نسرين بابتسامة :
- هل اشتقت لناصر .. وبدأ الحب السعودي الخرافي .
تمنت أن تكون لها سلطة على قلبها ليحب من تريد ويكره من تريد ، شعرت بالأسف فقلبها يحب رجلا وتتزوج بآخر . فتحت نسرين عينيها بذهول وظلت ساكتة وهي تستمع لاعتراف صديقتها التي شكت بعلاقتها بأحدهم لكنها ظلت تداري وتنفي معرفتها بأي شاب :
- من أحبه تركني .. يظن بأني تسليت معه طيلة السنوات الفائتة والآن أتزوج بابن عمي .
جديتها ومسحة الحزن التي ظهرت أكثر على وجهها جعلت نسرين تصدقها بلا تردد . سألتها عن علاقتها بهذا الشاب المجهول وأجابتها وهي تغمض عينيها لتمنعهما من البكاء :
- منذ أربع سنوات وأنا على علاقة به .. علاقة حب رائعة ومميزة ربطت بين قلبينا .. وعلى ما يبدو كنت مخطئة لأن تصرفه الأخير أثبت بأنه لم يحبني يوما .. ليته لم يعدني بشيء فأنا أتجرع الآن مرارة وعوده التي لم يفي بها ..لم احسب حساب هذه اللحظة ولا اعرف ما الذي يحصل لقلبي المسكين فالعذاب يسكنه ولا يريد البوح بذلك .
تنهدت بقوة وهي تغالب دموعها فمازالت غير مصدقة بأنه تخلى عنها وصدمها بكل ما قاله ذلك اليوم .كيف سمح له قلبه بأن يتركها وينام .
- كيف تعرفت عليه؟.. هل يعمل في المستشفى ؟ .. من يكون ؟
شعرت دموعها تتسلل تدريجيا وهي مستمرة في البوح :
- جعلني أحبه رغما عني والآن تركني لأواجه حياتي .. لك يكن في دائرة أفكاري ولكنه أقتحم قلبي وحياتي بدون إرادتي ولم يكن لي يد في ذلك ..أحاطني بحبه وعاطفته واهتمامه .
أغمضت عينيها وقالت وكأنها تتذكر شيئا بعيدا :
- مازالت نظراته مختبئة في قلبي وكلماته الحنونة ترن في أذني .
نظرت لخاتمها وأكملت :
- هذا الخاتم الذي أضعه في أصبعي هدية منه يزيد من ألمي وعذابي ويذكرني به .. عاهدت نفسي وأقسمت أن يكون هذا الرجل لي .
وتنهدت بقوة وهي مستمرة في البوح بما كانت تخفيه عن صديقتها :
- كان يتمنى العيش بجانبي مدى الحياة .. وعدني بأن ينتظرني لنهي دراستي ونتزوج كما يريد والدي .. خدعني بقوة عينيه الساحرتين .أخشى أن يبقى حبه وجع مزروع في قلبي يتغّّّدى بالذكريات والحرمان .. كان لدي إيمان واعتقاد عميقين بأنه سيكون لي ولكن نبوءتي لم تصدق .
أمسكت بيدها وسألتها بتعاطف عن هويته :
- من هو الذي أوقعك بحبه ؟..فأنت غارقة لأذنيك
نظرت كاميليا لعيني نسرين المندهشتين وهي تسأل عن هويته رغم أنه أقرب ما يكون إليها . تهربت من الإجابة فلقد انتهى كل شيء بينهما وعليها أن تبدا بالنسيان ، أيدتها نسرين وطلبت منها ان تبذل بعض الجهد للتأقلم مع ناصر وتنسى حبيبها المجهول . ابتسمت وهي تقول لصديقتها عن مميزة ناصر الوحيدة وهي غيابه عن المنزل ، فهو يغيب منذ الفجر السبت ويعود ليل الثلاثاء أيام ويذهب إلى رأس تنورة مجددا . ضحكت نسرين وهي تقول :
- أنا مندهشة فلقد كنت أشك بأنك عاشقة فعينيك ترقصان من الحب .. بدوت متغيرة كثيرا وسألتك مرارا وكنت تكذبين شكوكي أنا وأمل كانت صحيحة .. وحتى الآن لا اصدق أنك اخفيت الأمر عنا يا شلاخة .
وبمرارة قالت لصديقتها :
- جرحني في صميم قلبي وهو يعلم بان قلبي بيته وهو يغفو فيه بهناء وراحة ..أشعر بأني سأموت .
ابتسمت وطمأنتها :
- لا احد يموت من الحب .
- هواه أسعدني في الماضي والآن أدفع الثمن .. ساتزوج من ناصر بعد ثلاثة أشهر على ابعد تقدير .
تنبهت إلى امتلاء القاعة بالمدعوات ، فتوقفتا عن الحديث وبدات المغنية تغني وعلا صوت الموسيقى وسط التصفيق والرقص والزغاريد . بعد ساعتين جاءت امل من جناحها الخاص تنزل السلم بتأني ودلال على إيقاع الموسيقى الكلاسيكية وكاميليا ونسرين وريم وندى ينثرون عليها اوراق الورد . رقصت كاميليا متناسية حزنها وجروحها ومن يراها يظن أنها سعيدة ولا يكدر حياتها شيء.

الفصل 22

جلس عماد مع والدته وأخته في إحدى زوايا صالة منزلهم الكبير يتحدثون وهم يشربون الشاي في أمسية رائقة من ليالي الأربعاء ، تنبه لنسرين وهي تقول لأمها بأنها ستذهب مع أمل إلى السوق لشراء فستان لزواج كاميليا.
أحس بأن خنجرا أخترق قلبه فحبيبته ستتزوج والكل سيستعد لزفافها . اضطربت أنفاسه ونسرين تكمل كلامها :
- ستقيم حفلا عائليا في منزلهم .. فهي ما زالت غير مقتنعة بزوجها ولم تكن تود إقامة الحفلة لكن والديها يريدان ذلك .. حتى أنها لن تسافر ولن تتغيب عن المستشفى .. ستتزوج الأربعاء وستعمل السبت .
بلع ريقه والألم يأكل من روحه المتعبة ، فهو لم يرتاح منذ ذلك اليوم الذي جعله تخرج حزينة ومنكسرة . أخذ نفسا عميقا وسألها عن موعد زواج كاميليا وهو يحاول أن يكون طبيعيا برغم الشحوب الذي كسا وجهه أخبرته بأنها ستتزوج بعد شهرين في الأربعاء الثالثة من شهر شعبان .
مشى في شارع الخليج متجها إلى الدمام للقاء صاحبه في منزله . جلسا يشربان القهوة مع المكسرات . جلس مع صاحبه وتفكيره مع كاميليا وقلبه يؤنبه على تصرفه معها . تذكر دموعها وهي تذكره بمبادرتها لإنقاذ حبهما ، كانت قوية وشجاعة أكثر منه ، ومستعدة لإغضاب عائلتها والمخاطرة بردة فعلهم من أجله ، وهو لم يرد أن يخسر شيئا وخاف من الفضيحة وموقف عائلته . أخرجه صاحبه من دائرة أفكاره عندما قال وهو يلوح بيده أمامه :
- ما بك يا عماد .. لي ساعة أتكلم وأنت صامت ولم تنطق بحرف ..إلى أين وصلت ؟
تنهد بحسرة وقال :
- أنا بائس .. وجبان .. وحمار أيضا .
ضحك ساخرا وسأله :
- ومنذ متى ؟
عض على شفته وأخرج من صدره تنهيدة كئيبة فوبخه صاحبه :
- أنا لا أعرف لماذا تجبر نفسك على العيش بتعاسة .. أنت شاب لديك كل شيء فما الذي يجعلك بائسا ؟!..أنت تريد العيش بهذه الطريقة .. لا تريد الزواج ولا تسافر لتتنزه ولا تذهب لأي مكان .. ليس لديك سوى منزلك والشركة وأنا .
وارتفعت نبرة ماجد وهو يطلب منه أن يتزوج لينشغل بزوجته وعائلته وحياته الجديدة وأكمل وهو يتفحصه :
- أرى بعض الشعيرات البيض على جانبي رأسك يا مقرود .
قال عماد وهو يتحسس جبينه :
- هذا شيب الكرام .
- الشيب هو الشيب .. بلا كلام فاضي .
بلع ريقه وقال باستسلام بأنه طلب من أمه أن تجد له عروسا وسيتزوج بالطريقة التقليدية وكما تزوج جده من جدته . لا يريد فتاة يعرفها أو يحبها ويكفي ما جاءه من الحب . واستطاع ماجد أن ينتزع منه ابتسامة عندما أعلن له عن استعداده ليكون الخطابة . وجاء فيصل وقضى مع صاحبه بعض الوقت ثم توجهوا إلى المطعم وقبل أن ينتصف الليل اتصلت زوجة كل واحد منهم تسأل عن زوجها ، ما عدا عماد الذي أحزنه عدم وجود من يسأل عنه ويقلق عليه ويطلب منه العودة إلى البيت مبكرا
استيقظ عماد من نومه قرابة الحادية عشر عندما أتصل به ماجد يدعوه للذهاب معه لحضور حفل زفاف أحد أقرباءه الليلة فوافقه . خرج بسرعة من غرفته ليرى والديه ويخبرهما بقراره الذي أمضى طوال الليل وهو يفكر به . وجد والديه جالسان في إحدى زوايا الصالة ، فجلس بجوار والده وقال لأمه بلهجة هادئة لم تخلو من الحزن :
- ابحثي عن عروس مناسبة ..أريد الزواج بسرعة .
وسألته بحزم :
- هل أنت جاد هذه المرة ؟
وضع يده على خده وهز رأسه إيجابا .سأله والده عن مواصفات العروس فالتفتت إليه زوجته قائلة :
- وماذا يريد ؟ .. بنت حلال .. جمال ودلال وأصل وفصل .
تأفف الأب وقال :
- أنت لا تريديني أن أتكلم أبدا .. مابك يا امرأة ؟ .. هذا ولدي الوحيد ورأيي مهم في زواجه .
قبل عماد يد والده مؤكدا على أهمية رأيه ، وبدوره شكره ورشح له ريم فهو يراها مناسبة . لوت سميرة فمها وقالت لزوجها بسخرية :
- لم تأت بجديد .. منذ مدة وأنا أقول بأن ريم هي العروس المناسبة ولن يجد أفضل منها .
ابتسم عماد وأعلن موافقته ، لكن أمه سألته لتتأكد من رغبته :
-هل أنت واثق من اختيارك هذه المرة ؟.. عصر اليوم سأذهب إلى عمتك وأكلمها بالموضوع ولا أريد إي إخراج معها .. لا تفشلني .
وقف عمادأمام المرآة ليمشط شعره ويستعد للذهاب لزفاف قريب ماجد ، وهو ينتظر قدوم أمه التي ذهبت لتخطب له ريم . فكر بكاميليا التي ستتزوج وستعيش مع رجل غيره في بيت واحد ، أحس بضيق وهو يفكر بتفاصيل حياتها مع زوجها . تألم وهو يفكر بالفرصة التي أضاعها من بين يديه ، لو أنه نفذ خطتها لكانا الآن متزوجين ولو بعد فضيحة ، ولن يكونا أول شخصين يتزوجان بهذه الطريقة .أغمض عينيه بندم لم يستطيع منع نفسه من الشعور به . تذكرها فهي لا تفارق باله وتحل كفراشة بين ذكرياته وأيامه وأحلامه ، ونسيانها صعب وحياته مع امرأة أخرى هي السبيل الوحيد لنسيان الندم .
طرقت أمه باب غرفته ، دخلت وجلست على حافة السرير وقالت له بتذمر :
- عمتك أخبرتني بأن عادل تقدم لخطبة ريم من جديد .. رفضته أكثر من مرة ولم يستسلم .
وسألها باهتمام :
- وهل وافقت عليه ؟
لم تحسم ريم أمرها بسهولة . كانت حائرة بين عماد الذي تراه رجلا مناسبا بكل المقاييس ، فهو وسيم وناجح وليس له ماض مشين وسفر متكرر ، هو لا يحب السفر ولا مخالطة الكثرين ويقضي وقته بين العمل والمنزل ، وابن عمها عادل الذي يحبها منذ صغره ولم يتوانى عن التقدم لخطبتها رغم صدها ورفضها له ، وبرغم انتقادها الدائم لتهوره وتصرفاته الصبيانية إلا أنها لم تشك بحبه لها وبأنه سيفعل المستحيل دائما لإسعادها . ترددت وهي تستعرض الاثنين أمامها وخصوصا والديها تركا لها حرية الاختيار رغم ميل أمها ناحية عماد أكثر .
أنهت حيرتها وترددها بعد عدة أيام باختيار عماد ، وكان لخبر الخطوبة أثرا سعيدا على الجميغ أفراد العائلة والمقربين ، باستثناء عادل الذي أحس بمدى الصفعة القوية التي وجهتها له ابنة عمه بعد طول الانتظار ، كما أن كاميليا استقبلت الخبر بدموع حاولت منعها فهي مرتبطة وعلاقتها بعمادانتهت وليس من حقها الاعتراض على زواجه . سيتزوج من المتعجرفة ريم متناسيا وعوده وكلامه لها . متناسيا كلامه بأنه يراها زوجته المستقبلية وشريكة حياته وأم أولاده ، والمرأة التي أندفع نحوها بطريقة لا يفهمها ، وتأثيرها عليه مثل السحر الذي لا يستطيع فكه .

الفصل 23


شعر عماد بألم في بطنه وهو يعقد ربطة العنق ، ويمشط شعره الأسود ويضع العطر في يده ويربت على وجهه وعنقه استعداد للذهاب إلى منزل عمته . نزل الدرج ببطء وأخته تستعجله . ركب سيارته بصحبة نسرين صامتا ، ورغما عنه تذكر كاميليا وعينيه تقع على خاتمه . أوصى قلبه أن يكتم دقاته وحنينه وأشواقه لها ، وكفى تفكيرا بها فالليلة سيتغير كل شيء . قالت له نسرين لتكسر الصمت بينهما :
- تبدو رائعا يا أخي .. وأوصيك بعدم الارتباك عندما تضع خاتم الخطوبة في أصبع ريم.
ابتسم وهو يتمنى أن يكون الحفل صغيرا ومقتصرا على العائلة ، فضحكت وطمأنته :
- العائلة وبعض الصديقات فقط .. لا تقلق .
تأفف فهو لا يرى داعيا لإقامة حفلة للخطوبة فزواجه قريب . كان يريد الزواج قبل شهر رمضان فطلبت منه أخته أن يختار تاريخا مختلفا عن موعد زواج كاميليا المقرر في الأربعاء الثالثة من الشهر . تنهد بأسى وعينيه على الميدالية الزجاجية المعلقة في مرآة سيارته وقال :
- ليكن الأسبوع الذي يلي زواجها إذن .
توقف إمام محل الزهور بناء على طلب أخته التي نزلت معه لاختيار باقة ورد جميلة يقدمها لخطيبته ، لم يرد أن يختار ورودا مشابهة للورود التي كان يشتريها لكاميليا فاشترى ورودا زهرية اللون وابتسم وأخته تقول له ضاحكة :
- يجب أن تكون رومانسيا لتملك قلبها .
انطلقا إلى منزل العمة نورة ، دخل هو إلى المجلس الرجال وسلم على الجميع وأتخذ مكانه بجانب صديقه ماجد ، وبدأ بمراسيم عقد القرآن وأصبحت ريم زوجته أمام الله والناس ، وبقيت كاميليا ذكرى في القلب فقط لا يعرف بها أحد سواه . أحس بأنه سيختنق وهو يتذكر ما قالته له يوم خروجها من منزلهم وأنقده اتصال ندى تدعوه للدخول فالجميع بانتظاره . دخل الصالة وأختيه باستقباله ونهضت أمه بسرعة لتعانقه وكذلك فعلت عمته ، وجلس بجوار ريم التي بدت بغاية الجمال ، وترتدي فستانا أسود تملؤه ورود حمراء ، ووردة حمراء على جانب شعرها الكثيف الذي غطى كتفها العاريين ، وبدأ الجميع يوف لهما التهاني . وضع الخاتم الخطوبة الماسي في يد ريم ، والتقطا عددا من الصور ثم خرج معها لتناول العشاء خارجا . ركبت بجواره في السيارة وسألها عن المطعم الذي تفضله ، فأجابته بابتسامة :
- المطعم اللبناني .
وصلا إلى مطعم في الخبر وبدءا يأكلان بصمت قطعته ريم عندما سألته :
- أخبرتني أمي بأنك تريد الزواج بسرعة .
أجابها بابتسامة :
- منزلي جاهز ومؤنث بالكامل ولم يبقى غير أثاث غرفة النوم .. لقد جلبت رسام إيطاليا ليرسم اللوحات في أسقف المنزل كلها .
عرض عليها فكرة الزواج في نهاية شهر شعبان فوافقت ، وقالت له مستدركه :
- أود أن أسافر لشهر العسل .
- بما أن شهر رمضان سيكون على الأبواب فدعينا نؤجل السفر قليلا .
انتهت سهرته مع ريم في الواحدة عندما أوصلها لمنزلها وعاد إلى المنزل ووجد والديه وأخته في الصالة ينتظرونه ليستمعوا لردة فعله وانطباعه عن أحداث هذه الليلة ، لكنه فاجأهم عندما صعد لغرفته وسط اندهاش أمه تأففت وهي تقول لزوجها :
- ابنك هذا سيجنني وبسببه سأموت قبل أواني .. لقد احترت معه فلا قبل الخطوبة ولا بعدها .. حالته لا تتغير وعليه أن يستثير طبيبا نفسيا لأني تعبت منه .
تنهد حسن بصمت كعادته ، فغضبت سميرة وقالت له :
ولماذا أنت ساكت ؟.. أنا أعطيك الفرصة الآن .. غرد وسمعني .
بلغ ريقه ووعدها بأن يتحدث معه فهو الآن متزوج من ابنة أخته وعليه أن يكون لطيفا معها .
لم يستطيع عماد النوم بسهولة وهو يفكر بكاميليا رغما عنه . هي متزوجة ولا تقربه بأي صلة ولا تربطه بها أي علاقة ، لا حب ولا صداقة ولا أي شيء آخر . أحس بالشوق لرؤيتها ولسماع صوتها ، وتمنى لو يراها من بعيد بدون أن تعلم به ..ولكن كيف ؟ فلم تعد تزور أخته في البيت كما مضى فالعمل التدريبي يشغلها . نام وهو يفكر بها ويحاول تشتيت ذهنه عنها .
خرجت نسرين من المنزل ومرت بكاميليا وتوجهتا سويا لزيارة أمل في منزل العمة نورة ، استقبلتهما في غرفة الاستقبال العلوية . جلسن يتحدثن وهن يشربن الكولا المثلجة مع رقائق البطاطس ، وتحدثن كثيرا في أمور شتى بدأت بعلاقة كاميليا بناصر وانتهت بالحبيب المجهول ، قالت أمل وهي تضحك :
- وكيف استطعت إخفاء الأمر عنا .. لا بد أنه سحرك .
تنهدت وهي تعبث بشعرها ، وقالت بأسى :
- كنت مستعدة لفعل أي شيء لينتهي بنا الأمر سويا .. كنت سأضحي بأشياء كثيرة .. لكنه رفض فكرتي .
سألتها نسرين بخوف بان واضحا من نبرة صوتها :
- ألم تتورطي معه ؟
بلعت ريقها وأغمضت عينيها للحظة وكأنها تبتلع علقما ، ثم قالت مدافعة عن حبها :
- كنا نلتقي في مطعم المجمع وبرغم من تواضعه الشديد كان أجمل مطعم في الدنيا بالنسبة لي .. لقد عرضت عليه فكرة إيهام عائلتي بهروبي معه لنتزوج بعدها ولكنه رفض .
- ستحدث فضيحة كبيرة .. وستذهبين في ستين داهية .
لوت فمها وقالت مدافعة عن نفسها وعن حبها :
- يقول هتلر (لا كرامة في الحب ولا في الحرب )
تنهدت نسرين وقالت :
- بلا هبل .. وحاولي أن تنسي .
وقالت لها أمل موبخة :
- حبك له وصل إلى مرحلة مؤذية وكنت سترتكيبين حماقة ستدفعين ثمنها طوال حياتك .. ودعي هتلر عنك فهو انتحر في النهاية.
- لن أكون أول فتاة تتزوج بهذه الطريقة .
- تذكري بأن الحب يجب أن يرفع من شأن الإنسان لا أن يفضحه .. عليك أن تعطي ناصر فرصة .. أفتحي قلبك له .
شربت كاميليا رشفة من الكولا وقالت بغضب :
- لا أستطيع أن أفتح له قلبي .. لا أستطيع أن أتخيل بأني سأعيش مع نذل ومنحط وسافل في بيت واحد يشاركني سريري وطعامي وحياتي .. أنا أرغم نفسي على الجلوس معه لساعة واحدة وأشعر خلالها بالغثيان ..أكرهه وأشعر بالنفور منه .. منذ خطوبتنا وأحاديثه مقتصرة على ما يعرفه من فساد أخلاقي وانحطاط على وجه الأرض.. لا يوجد فاجر في البلد لا يعرفه .. ولا مدمن أو سكير إلا والصدف جمعته به .. ولا امرأة لم تتحرش به ولم تغازله .. والفتيات يحمن حوله وهو يصدهن كما يقول .
وشربت بقية كولا دفعة واحدة وقالت بقرف:
- يقول بأن أصحابه في أمريكا كانوا يدعوه إلى ملاهي القاذورات والدعارة وذهب معهم على مضض .. لقد تجرأ وقال لي بأنه شرب حتى السكر في أحد الملاهي الليلة احتفالا بحصوله على شهادة الماجستير .. وعندما أخبرت والدي بذلك .. قال لي بكل بساطة بأنه طيش الشباب أثناء الغربة والسفر وليس من حقي محاسبة خطيبي أو زوجي على الماضي .. لماذا يسامحون السفلة الذين يسافرون إلى الخارج والله وحده يعلم بأفعالهم هناك ولا يسامحون على سبيل المثال امرأة مطلقة اختارت العيش بكرامة بعيدا عن رجل يسبب لها معاناة فتحيط بها الشبهات والأقاويل .
ذرفت كاميليا مزيج من دموع الظلم والقهر والانكسار ، نشجت بالبكاء وهي تشعر بأن الدنيا تظلمها ، وكلما أرادت أن تبدأ حياتها بعيدا عن حبيبها المجهول تصدها . وما أخبرها به ناصر عن ماضيه جعل نظرتها سوداوية للحياة التي تنتظرها معه ، ولذا طلبت من خالها أن يسأل ويتحرى عنه لتستعد للحياة التي ستعيشها معه . بقدر ما كانت سعيدة مع عماد ، هي الآن تعيسة دونه . قالت لها نسرين :
- هوني عليك فلا يوجد رجل يستحق الأسف .
صبت لها مزيدا من الكولا وقالت لصديقتها بأن حبيبها المجهول كان مختلفا عن البقية والآن أصبح في نظرهم مثلهم ، كاذب ومخادع وحقير .
بدأ عماد بالخروج بصحبة خطيبته للتجول في أرقى محلات الأثاث لاختيار غرفة النوم ، وقع اختيار ريم على غرفة خشبية راقية بلون الخشب المعتق ، وأريكة مناسبة ومرآة كبيرة ، ومن ثم ذهبا لمحلات أقمشة المفروشات من أجل تفصيل ستائر مناسبة لها . وبعد ذلك عادا لاصطحاب العمة نوره معهما لرؤية المنزل الذي كان لكاميليا والآن أصبح لريم ، بانقلاب عاطفي من الدنيا التي أبت جمعهما معا . أعجب المنزل بديكوراته وأثاثه وألوانه ريم وشعرت براحة كبيرة لأن عماد أثثه بالكامل فهي ليست متفرغة للتأثيث ولا تعلم بأن هناك من أسهم في تأثيثه وكان دافعا لخطيبها ليقوم بكل شيء بسرعة .
كانت ريم سعيدة بزواجها من عماد فهو شاب مثالي بنظرها ، لكنها تنزعج من بروده معها وصمته الدائم . هو سارح ولا يحب الخروج كثيرا ويقضي وقته في العمل وقراءة الجرائد ومشاهدة التلفزيون وأحيانا يلبي دعوات رجال الأعمال . كانت تقول لأمها دائما بأنه جاف معها وكأنه مرغم على الزواج بها ، وأمها تطمئنها بأنه شاب خجول وفترة الخطوبة قصيرة والحب يأتي بعد الزواج ، وستعرف معنى المشاركة عندما يضمهما بيت واحد .

الفصل 24


( الليلة ستتزوج وسيفرح أهلها وعائلتها بزفافها حتى لو كانت مجبرة .. هل هي سعيدة بهذا الزواج ؟.. وهل ستتذكر الليلة رجلا أحبها بصدق .. هل ستفكر بي وستتذكرني وأنا هنا والألم يمزقني .. هل ستسمح له بالإمساك بيدها وبتقبيلها ومداعبتها .. كيف ستكون لغيري ؟ .. متناسية كل عواطفي والحب الذي وهبته لها ) . شعر بأنه السبب فيما يحصل له لو أنه نفذ ما طلبته منه ، لو أنه هرب معها واختفيا لعدة أيام ، لو أنه قتل ابن عمها وتخلص منه ، لو أنه أمسك بيدها ورحلا في ذلك اليوم لكانت له وحده وأصبحت حبيبته وزوجته وحياته كلها . كان يجب أن تكون له فقلبه بيتها ومكانها . يجب أن تكون له ليحبها ويعانقها ويقبلها ويسعدها بمشاعره وأشواقه ويقول لها ما لم يقوله قبلا . هو نادم على رفضه وغروره وغبائه ، ويتجرع كأس الألم والهزيمة والجراح ، ويرقص على أنغام الكرامة والرجولة ، والليلة سيدفع الثمن بالكامل .
استلقى عماد على سريره وهو يتذكر بكاء كاميليا عندما طردها وأهانها . تذكر عينيها العسليتين غارقتين في الدموع وهي تطلب منه التفكير مجددا قبل أن ينتهي كل شيء وتضيع من بين يديه . شعر بضعف وانكسار ..الوقت يمر والألم يزداد والدموع البخيلة تخرج بصعوبة من عينيه وكأنهما ترفضان غسل ذنوبه . شعر بالندم والسعادة التي حلم بها في الماضي تنتحر أمام عينيه ولا يستطيع منعها . أشرقت شمس الخميس غير آبهة به وبألمه وندمه ، أشرقت تبث الضياء إلى جميع البشر وهو الوحيد يعيش في ظلمة لا يعرف متى تنتهي . جاءت أمه ظهرا لتوقظه ووجدته على سريره ، نائم ووجهه أصفر وعينيه نصف مغمضتين والعرق يضيء جبينه ويتأوه من التعب ، قالت له بقلق أحست به عندما رأته :
- أستيقظ يا ولدي .. الساعة تجاوزت الواحدة .
فتح عينيه بصعوبة وحرك شفتيه الجافتين متمتما بكلام لم تفهمه ، فاقتربت منه أكثر ووضعت يدها على وجهه وجبينه ولمست حرارة جسمه المرتفعة ، وقالت :
- حرارتك مرتفعة جدا ..أنت مريض.
أسرعت تنادي نسرين وطلبت منها إحضار الماء البارد ، وجاءت بسرعة وبيدها قارورة ماء ، وقالت لأمها :
- هو نائم بملابسه منذ البارحة .. يبدو مريض جدا .
وضعت أمه منشفة صغيرة مبللة على رأسه وفتحت أزرار قميصه وبللت صدره ، واتصلت بسرعة بزوجها لينقله إلى المستشفى
في قسم الطوارئ في المستشفى الخاص والديه بجانبه والممرضات حوله ، واحدة تغرز إبرة في وريده وتمده بالمحلول السائل ، وأخرى تضع الكمادات الباردة على رأسه وتبلل وجهه وصدره ، وتقيس درجة حرارته بين حين وأخر ، جاء الطبيب وألقى عليه نظرة وذهب . قالت سميرة لزوجها بقلق :
- بقي أسبوع على زواجه وهو مريض .
تنهد الأب وحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه وزوجته تقول :
- لا بد أنه محسود فمنذ صغره والعين تؤثر فيه بقوة ولا يتحمل النظر .
وبعد لحظات جاءت ريم إلى المستشفى حالما سمعت بخبر نقل خطيبها ورأته وهو نائم على السرير الأبيض وأنينه يوجع قلب أمه الجالسة بجواره تترقب وتنذر بالصدقة وقالت لريم :
- لا أعرف ما الذي أصابه ؟..بالأمس كان متضايقا ولم يأكل ولم يخرج من غرفته .. واليوم وجدته مريضا ويهذي من الحرارة .. لكن الطبيب اخبرنا بأنه سيتحسن حالما يستجيب جسمه للدواء .
عاد عماد لغرفته يتهادى من التعب والده ممسك به من وجهة وأمه من الجهة الأخرى وتلحق بهم نسرين وريم . استلقى على السرير وهو يتأوه .أسندت أمه رأسه على وسادتين وغطته باللحاف وخرجت ولحق بها زوجها وابنتها . بقيت ريم معه ، جلست بجانبه على سرير وأمسكت بيده . قالت له بابتسامة :
- الحمد الله بأنك بخير الآن .. كنت خائفة عندما وصلت حرارة جسمك إلى الأربعين ولم تنخفض بسهولة .. كنت تهذي وتحرك رأسك ورجليك لا إراديا من شدة الحرارة .
سألته :
- هل تعرضت لهواء المكيف البارد بعد الحمام مباشرة ..أو أنك ..
تنهد وقاطعها :
- لا تكوني طبيبة معي يا ريم .. فما فيّ يكفيني .
اعتذرت فلم تقصد مضايقته . كانت قلقة فلم يبقى على زواجهما غير أسبوع وتريده أن يشفى . جاءت أمه وبيدها صينيه بها طبقا من شوربة الخضار الدافئة وآخر من السلطة وعصير البرتقال الطازج ، وطلبت من ريم مساعدته ، فأمسكت بالملعقة لتحثه على الشرب :
- هيا اشرب فالسوائل الدافئة ستساعدك على التعافي بسرعة .
- لا أريد شيئا .
أصرت ريم على تناوله الطعام فلم يشأ مجادلتها . أطعمته وأعطته دواءه وتركته مستلقيا بهدوء ، وعادت أمه بعد قليل لتبخره باللبان والحرمل وتقرأ عليه المعوذتين وآية الكرسي . ظل مستلقيا على سريره ولم يستطيع إبعاد أفكاره عن المرأة التي يهيم حبا بها أصبحت زوجة لغيره الآن ، تذكرها بغصة رغما عنه ، وأغمض عينيه بألم وصورتها تمر بسرعة أمامه في مشاهد سريعة بدأت بلقائه الأول بها في منزل عمه عندما كان مشدودا لها ويحاول تفحصها بالكامل وكأنه يريد حفظها عن ظهر قلب ، وانتهى بلقائهما العاصف في منزلهم وهي تطلب منه مساعدتها في منع إتمام الزواج .

يتبع ,,,,
👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -