بداية

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -122

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي - غرام

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -122

في غُرفتها المنزويـة بهذه الشقة في جهةٍ بعيدة ، مُتربعة على السرير وبمُقابلها سَارة. ترفع شعرها لتتمرد بعض الخصَل : ما شفتها كثير
سارة : طيب كيف يعني شكلها أوصفي ؟
أثير : مدري ما أعرف أوصف يعني مقبولة
سارة رفعت حاجبها : هذا الكلام من الغيرة ولا صدق
أثير بإبتسامة ثقة : أغار ! لو يبيها ما تزوَّج عليها
سارة : طيب .. أنا طفشت خلينا نطلع
أثير : عزوز حالف أني ماأطلع اليوم
سارة : بدينا حلف وسوالف مالها داعي
أثير : بخليه هالأيام بس بعدين مستحيل يمشِّي كلامه عليّ .. وأصلاً أحسه بيطلق الحلوة اللي معه
لتُردف : تدرين يقولي بخليك تتحجبين !!
سارة : بس ترى عاد شخصيته قوية يعني بيمشي كلامه عليك
أثير : ماني حمارة أمشي وراه ! لي شخصيتي وله شخصيته ... قاعدة أفكر بعدين لا رجع الرياض
سارة : بترجعين معه ؟
أثير : أبوه الله يرحمه كان يشتغل في الرياض وأهله هنا .. يعني عادي عشان كذا بجلس
سارة : وبتخلينه معها ؟
أثير بسخرية : يشبع فيها
سارة : صح على طاري أبوه! قبل فترة يخرب بيت الشبه تخيلي من شفت ؟
أثير ببرود : غادة ؟ شفتها بعد
سارة بدهشة : تشبهها مررة .. الله يرحمها ويغفر لها
أثير : أول ما شفتها تعوّذت من الشيطان بعدين تحسينها مريضة أو فيها شي يعني وجهها مرة أبيض .. بس غادة الله يرحمها بياضها مو كذا
سارة : إيه صح بس نفس الملامح الخشم والعيون .. يممه يالعيون نسخة
،
رائِد بغضب : كيف يعني ؟ بس أرسل مسج ؟
: إيه قال أنه ما يقدر يجي اليوم
رائد تنهَّد : يعني تتعطل أشغالنا فوق ماهي متعطلة ! وش صاير معه هالصالح !!!
دخل فارس : السلام عليكم
: وعليكم السلام
رائد الذِي جلس بالشقة بعد أن علِم بإعتذار صالح له ، أردف : وين رحت ؟
فارس بسخرية : الملاهي
رائد ببرود : طيب ..
فارس رفع عينه لوالده وبيأس : أنا قررت أتزوج
رائد بسخرية لاذعة غرق بضحكته ليُردف بين ضحكاته المُتفجرة : لايكون حاط عينك على وحدة ؟
فارس ينظرُ لضحكات والده ، يعترف لذاته بأنه مجرُوح الآن من هذه الضحكة والسُخرية : لا
رائد : أنا أقول نام عشان تصحصح شويْ
فارس : وانا مصحصح !!! أبي أتزوج
رائد : بالله ؟ طيب قولي مين !
فارس : قلت لك ما أبي أحد مُعيِّن ! أبي أتزوج أي وحدة
رائد : وليه ؟
فارس : كذا
رائد : لآ أبي أعرف السبب لأن واضح ماهو عشان زواج
فارس : إلا عشان زواج لا تخاف أنا ما ألعب بأحد عشان مصلحة
رائد أبتسم : إيه عرفت أربيك
فارس بضحكة : ما قصرت والله
رائد : طيب .. وأنا أقولك يا حبيبي .... لآآآآ *أردف الرفض بحدةٍ قطعت برود كلامه*
فارس تنهَّد : يعني تبي تجلسني عندك إلى متى ؟
رائد يُشير إلى رأسه ليُردف : مزاج
فارس وقف : طيب يا يبه أنت تبي تخسرني ماهو أنا .. صدقني قادر أبتعد وما أسأل عن اللي ورايْ
رائد يُقلد نبرته : وأنا صدقني قادر أنهيك ولا أسأل أنت ولدي ولا غيره !!
،
بنبرةِ الضحكات تلتفتُ لها الصغيرة الأنيقة : مبرووووك ، تأتِي الأم الأشدُ اناقة بإبتسامتها ، تُبخِّرها لتُردف : مبروووك يا بعد عيني. الأب السعيد يقرأُ عليها : يالله أحرسها .. تنظرُ إليْهم بإبتساماتٍ هادئة : وين عبدالعزيز ؟
و كأن بُخارًا يتلاشى حتى تسمعُ صوتها الضيِّق ، خلخلت أصابعها في يدِ والدتها بهمس : يمه ردِّي عليْ .. يممه .. لا تخليني .. لا تموتين .. يممه ردِّي عليْ .. يممممه ...
بدأت دمُوعها تسقط بإنهمار مع سماع أصواتِ المُلتفين حول السيارة ونبرةُ الشرطة : يممه . .
تحشرج صوتها وهي تشعرُ بفقدها للوعيْ : يبــــه .. يبـــــــــــــــــــــه ...
رمشت عينها لتسقط دمعةٍ وتفتحها على السقف الأبيض والأجهزة حولها مُلتفَّة. نظرت لمَا حولها لتبكِي بشدَّة : يممه .. يمـــه .. يمـــــــه
دخَلت الممرضة لتُثبت جسدها على السرير. رؤى بإنهيار كبير تدفعها : أبي أمي .... وين أمي ؟ .. وين هديل .. ويننننهم
الممرضة بعدم فهم ، بإنجليزية ركيكة : أرجوك أهدأي
دخَل وليد : رؤى
رؤى تنظرُ إليه بضياع : وين أمي ؟ وينها !!
وليد تسارعت نبضاته ليُردف : رؤى ؟؟
رؤى : مين رؤى !! أبي أمي .. جيب لي أمي
شعَر بإختناقٍ فظيع وهو يُردف للممرضة : هل لك بأن تتركينا قليلاً ؟
الممرضة بإستجابة خرجت مُلتزمة الصمت.
وليد جلس بجانبها : وش صار ؟
رؤى ببكاء : أنا أعرفك ! صديق عزوز ؟
وليد : إيه .. طيب يا ..
رؤى تمسك رأسها : أنا ! أنا .. ياربي وش صار !! وين عبدالعزيز ؟
وليد : عبدالعزيز !!
رؤى تصرخ به : أبي أخوووووووووي
وليد : طيب طيب .. أهدي بجيبهم لك
رؤى بضعف وإنكسار : و ناصر ! أبي ناصر بعد
وليد : طيب
رؤى وكأنها تذكرت أحدًا لتُردف بجنون : وين هديل ؟ هديل وينهااااا .. رد عليّ أنت تعرف بس ماتبي تعلمني .. أيه عرفتك عرفتك أنت الدكتور ! صح قولي صح أنت أسوأ دكتور شفته بحياتي
وليد أبتسم ومحاجره تختنق بإحمرار لأنه أدرَك أنها تستعيد ذاكرتها وتعيش التخبط بين ذكريات ما بعد الحادث وما قبله : إيه أنا أسوأ دكتور
رؤى بهذيان : وين أبوي ؟ .. وينههم كلهم !!
وليد هز كتفيْه : مدري .. ماأعرف
رؤى : أنت كذااب ! أبي ناصر .. جيبي لي ناصر .. ناصر ما يخبي عني شي
وليد عقد حاجبيْه : بجيبه لك .. بس أهدِي
رؤى صمتت لثواني لتبكِي وتتعالى ببُكائها : أبوي ما مات صح ؟
و كلمة " الموت " مؤذية لقلب كُل شخص فكيفْ أنا ؟ أنا المُتعذب بك : صح
رؤى هدأت أنفاسها براحة : وعبدالعزيز ؟ ما جاء ويانا الحمدلله طيب وينه ؟
وليد : بيجي
دخلت الممرضة ومعها إبرة مُهدأة ، رؤى تنظرُ لوليد بغرق حُبها الذي تجهله : روح أتصل عليهم .. نادهُم ليْ
وليد : إن شاء الله ..
تُغرز الإبرة في ذراعها لتهدأ أكثر مُستعدة للدخول في نومٍ عميق ، بكلماتٍ مُتقطعة : عبدالعزيز .. عـ ...
وليد أغمض عينيْه ليمسح دمُوعًا لم تخرج بعَد ، خرج من غُرفتها في حيرةٍ شديدة ، هي أستعادت ذاكرتها بحادثٍ مثل ما فقدته ولكن تتذكرني ! تعيش التخبط. يالله وكأنهُ ينقصنا ؟
،
أشتَّد تفكيره المُتذبذب ، عرَف رغبة عبدالمحسن ولن يُمانع منها بالنهاية يبقى أخيه مهما حدَث ، رُبما النصيحة تُفيد أو لا أعرف تماما ما يُفيده تماما ، لا يهمُني كل هذا ، الأهم أنني كيف أعيش ؟
قاطع تفكيره دخُول أحمد : فيه حالة حريق بحيِّك
سلطان وقف : بيتنا ؟
أحمد : لا .. من رجال الجوهي .. حارقين الفلة اللي قدامك
سلطان يأخذ هاتفه ليخرج مع أحمد ، يتصِل على عمته التي لا ترد وتشغلُ باله أكثر : الأمن هناك
أحمد : مسكرين الشارع
سلطان : مين اللي مسكرينه
أحمد بتوتر : أقصد صعب يوصلون الحيّ ! الطريق زحمة
سلطان ألتفت عليه بصدمة : الحي مافيه أمن !!
أحمد بربكة أكثر : إيه
سلطان يتصل على الجوهرة : زحمة وين في أي طريق ؟
أحمد : صاير حادث مروري
سلطان بعصبية : هذي مو صدفة .. قاعدين يستفردون فينا
،
هطل المطر بشدَّة والبرق يُرعب نفسَها التي تخاف ، منظرُ السماء في الغرُوب يُربكها أكثر : أبوي ما قال بيجي ؟
عبدالعزيز : إيه ..
رتيل بغضب : طيب الحين وش نسوي ؟
عبدالعزيز ببرود : طقِّي أصبع
رتيل : أكلمك جد!! والدنيا مطر يعني وش بنسوي
عبدالعزيز : شوفي تراني تعبان ومواصل والنفسية زبالة فأكرميني بسكوتك
رتيل تخرج هاتفها لتندهش من ضياع الشبكة : أيوآآ هذا اللي كان ناقص ! يعني وش بنسوي ؟
عبدالعزيز : قربنا نوصل لـ روَان
رتيل : طيب وأبوي كيف بيدِّل ومافيه شبكة الحين
عبدالعزيز : يهدأ المطر ونوصل هناك إن شاء الله بعدها ندق عليه
رتيل بقهر : ياربي .. أنا غلطانة أني جيت معك
عبدالعزيز أبتسم : جيبي المناديل وأمسحي وأنتِ ساكتة
رتيل بحدَّة : ماأشتغل عندك
عبدالعزيز الذِي يسير ببطء بسبب الأمطار القويَّة : تراك الحين تعتبرين كأنك مسافرة ومحد عندك ..
رتيل : تهددني ؟
عبدالعزيز : أعتبريها زي ماتبين
رتيل بقهر أخذت المناديل وأقتربت منه لتُردف : ما شفت مجانين زيِّك في أحد يبلع مشرط مدري وشو ذي الحديدة
عبدالعزيز : ماهو شغلك .. توقفت السيارة
رتيل : ليه وقفت ؟
عبدالعزيز صمت لثواني طويلة : شِتْ هابنز !!
رتيل أتسعت محاجرها : لا تقول أنها تعطلت .. عشان ماأنتحر
عبدالعزيز يخرج هاتفه ليرى أنَّ ليس هُناك شبكة ، حك جبينه ليلتفت على رتيل : رحنا ملح
رتيل بخوف : من جدك ؟ سوّ أي شي ..
عبدالعزيز يسحب معطفه ويرتدِيه : بشوف وش صاير يمكن أقدر أصلحه .. فتح الباب ليهب الهواء الشديد البرودة عليهم ، نزل و رأى كفارات السيارة الأمامية المثقوبة ، دخل مرةً أخرى : شكله داخل مسمار في الكفارات
رتيل : طيب ؟
عبدالعزيز يشد على معطفه وهو يشعر بالبرودة ، أغلق السيارة : ننتظر لين يهدى المطر
رتيل بغضب كبير : أنا وش ينطرني ! طيب إذا ما طلعوا لنا مرة ثانية !
عبدالعزيز : ضيَّعناهم ولا ما ضيَّعناهم ؟
رتيل : إيه بس
عبدالعزيز يقاطعها : اجل أبلعي لسانك
،
يجلسُ بجانبه ، بلع ريقه وهو يشعُر بقهقهة الحياة الساخرة ، أردف بذبذبةِ صوته الذِي يخُونه ، شعَر بجنُون الحب الذِي لا يصدق ما سَمِع ، شعَر بشعُوره جيدًا : آسف
ناصر أبتسم : على ؟
فيصل : أنا أعرف .. يعني بصراحة مدري كيف أقولك
ناصر : عادِي قول
فيصَل أخذ نفس عميق وكانه يغوص الآن لا يُدرك حجم الغرق الذِي سيسببه لناصر : بعد حادث باريس .. يعني .. أنا أبي أقولك أنه .. أنه يعني ...
شعر بأنه يختنق ، فتح أزارير ثوبه : والله مدري كيف أقولك
ناصر وقلبه بدآ يتصادم بشدَّة : يتعلق بمين ؟
فيصل : زوجتك
ناصر : إيه
فيصل : أنه .. يعني .. زوجتك .. صار .. يالله رحمتك .. زوجتك في باريس
ناصر ضحك لا يستوعب تماما : إيه عارف . . قبرها في باريس
فيصل : لأ .. يعني هي هناك
ناصر تجمَّدت ملامحه : مجنون ؟ كيف هي هناك !
فيصل بكلماتٍ مُتقطعة خافتة متوترة مرتبكة : يعني .. أنا عارف ماراح تصدقني .. يعني كيف إنسان ميت وبعدين حيَّ .. بس .. هذا اللي صار .. يعني أنا عارف أنك مصدُوم بس .. الله أراد هالشي وهذا قضاء وقدر .. زوجتك حيَّة يا ناصر
.
.
أنتهى ،
.
.
إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()
لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.
و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.
أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة
*بحفظ الرحمن.
ويح قلب
خان صاحبه ..
أسمعتم
بوجع عانقه فرح ؟
بعبرة خنقت
على هدب ؟
بموت
تكللته الحياة ؟
بحياة تعود
بعد الممات ؟
ضميري
يقتات على غربة
ستنال منه يوما ..
عقلي
سيودي
بقلبي عن سبق اصرار
و ترصد ..
مهلك يا عقل
فروحي
سئمت أحبة فقدوا
واحدا تلو الآخر
ولا أضمن
أنني سأقبل الحياة
بعد غياب أبدي ثالث ..
* وردة شقى.

رواية : لمحت في شفتيْها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ !

الجُزء ( 55 )

فيصل بكلماتٍ مُتقطعة خافتة متوترة مرتبكة : يعني .. أنا عارف ماراح تصدقني .. يعني كيف إنسان ميت وبعدين حيَّ .. بس .. هذا اللي صار .. يعني أنا عارف أنك مصدُوم بس .. الله أراد هالشي وهذا قضاء وقدر .. زوجتك حيَّة يا ناصر
وقف وملامحه مُتجمِّدة لا تُصدق سوَى ضربات قلبه التي ترتفع بشهقاتٍ صامتة لا يُطلقها سوَى قلبٌ يئِّن ، تراجع للخلف ليصطدم بالطاولة وتسقط مُتناثرة الزُجاج. فتح أول أزارير ثوبه وعيناه تضيعُ في عين فيصل.
وقف الآخر بخوف : ناصر !!
ناصر الذِي أرتفع ضغطُ دمِه حتى نزف أنفه ، لم يُبالي بالدماء التي تُطلق هتافٌ خافت وتُناصر قلبه : مين ؟
فيصَل صمت لايعرفُ كيف يداوي جرحه الآن ، تكاد تخونه رجولته ويبكِي من شدِّة هذا الموقف.
ناصر وإغماءةٌ تقترب منه : زوجتي أنا !! غادة حيَّة ماهو لعب !! ترى هالشي ماهو لعب ...
فيصل شفق على حاله ليُردف : أنا عارف ...
صرخ به : وش تعرف !! وش تعرف ! تعرف كم مرررة بكيت عليها ولا كم مرة أفِّز من نومي عليها ... غادة حيَّة ! أنتم تكذبون ولا تبون تجننوني !!!! وبعدين وش يعرفك بزوجتي ؟ كيف تعرفها ؟
فيصل : بعد الحادث .. آآ يعني بعد الحادث راحت لمستشفى ثاني وهناك تلقت علاجها
ناصر بصوتٍ يكاد يموت : زوجتي ! .. يُشير إلى صدره ... زوجتي أنا ... وقبرها ؟
فيصل عقد حاجبيْه : تعوَّذ من الشيطان وأنا مستعد أخليك تسمع صوتها وتتأكد
ناصر يضع يده فوق شفته ليوقف النزيف من ملامسه شفتيْه ، رفع عينه المُحمَّرة وضربات قلبه تتدافع عند عنقه ، شعَر بأن روحه تخرج ، بأنها تتحشرج! هل من الطبيعي أن يرثي زوجته سنة ثم يُصطدم بوجودها وهو المتعذِّب بها !
سقط بقوة على الأرض ، تلاشت قوَّاه الرجولية ليسقط على ظهره ، أمام هذا الموت لا أملك قوَّة أكثر لأصدِّق هذه السخريات ، يا حُزني بك يا غادة! يا فجيعتي بك التي لا تنتهي منذُ ليلتنا تلك ، يا حُزني الذي لا ينفَّك. يا الله أرحنِي من هذه الدُنيا ، لا طاقة لي أكثر. أنا أُقبِل على الموت كما لم أُقبل من قبل ، حبيبتي التي أتت ليْ جحيمًا في المنام ، حبيبتي التي لم أنام لأيام بسببها ، خشيْتُ ان تتعذب ، كنت أخاف على جسدِها من النار! لم أستوعب بعد أنني أحببتها أكثر من نفسي ، لا مجال لأحدٍ أن يُشكك بأنني أحببت بشرًا من طين أكثرُ من نفسي ، يالله! أهذا مُزاح ثقيل تلقونه عليّ ؟ أهذا قلبٌ يستحقُ كل هذا ؟ أنا لم أفعل شيء في هذه الحياة يجعلها تسخط عليّ وتعصرني بيديْها هكذا! أعيني من حجر حتى تفعلُوا معي هكذا ؟ أقلبي يُشبه الجدار الذي توكأتُ عليه حتى تفعلُوا بي هكذا ؟ أنا أحبها كيف .. من أجل الله الذِي جعلني أعيشُ حتى هذه اللحظة ، كيف تفعلُونها بي بهذه البساطة والبسالة ؟ أنا .. أنا الذي أخترتُ الميلاد من عنقها وتربيَّتُ سنوات في ملامحها التي أتسلقُها ببطء كُلما حاولت التذكر كم يلزمني شيء حتى أحكي عن حُبها ؟ أنا الميتُ بها ولا أخشى الموت أكثر. لا أخشى أن أموت وأنا الضائعُ بهذه الحياة.
أغمض عينيْه الغير مُستوعبة ما حدث وأغمض قلبه الذِي تلاشت نبضاته بخفُوت وكأنها تُعلن إنتصار الحياة والظروف والأشياء الرديئة التي باعدت بينه وبينها.
أخرج هاتفه ليتصل بالإسعاف وهو يُجري على ناصر ما تعلمه من الإسعافات الأوليـة ، جمع كفيَّه ليضعه على صدره ويضغطُ بقوَّة ليرفعُ كفِّه بمثل القوَّة.
بصوتٍ مخنوق يُبلل ملامحه الباردة بالماء ، أتى الدُور النفسي الذي درسهُ من وليد ليُخبره بالقرب من إذنه : غادة تنتظرك ... غادة يا ناصر
،
يدخلُ بسيارته بين الأحياء الضيِّقة لعلَّها توصل بعد إغلاق الطريق العام ، مازال يواصل الإتصال ومازال لا أحد يُجيب ، تجاوزت سُرعته الـ 140 وهو يقترب من الحيّ الذي تتصاعدُ غيمةٌ رمادية فوقه ، ركن سيارته بسُرعة ليدخل وينظرُ للسائق الذي يُطمئنه بكلماتٍ سريعة لا يفهمها سلطان جيدًا.
دخل البيت لتبحث عينه عنهُم ، صرخ : حصـــــــــــــة !!
الصدى الذي ردّ عليه جعله يتأكد بان أحدًا في بيته ، أخرج سلاحه ليصعد للأعلى بخطواتٍ سريعة ، فتح جناحهم وعينه تبحث ، شعَر بقلبه الذي بحجمِ الكفّ يضيق حتى تحوّل لقطعةِ من طينٍ مكسُور .... نظر للحمام وخرج ليصعد للدور الثالث ، نظر لغرفة الجوهرة وهي مُشرَّعة الأبواب. أنتبه للنافذة العلوية المُتهشِّمة ، حاول فتح باب غرفة سعاد ولم يُفيد ، بقوَّة رفس الباب لينفتح وينظرُ لعمته والجوهرة في حالٍ يُرثى له. عينُ حصة التي لا تبكِي ولكن تشرحُ الرعب الذي زلزل أهدابها.
سلطان أدخل السلاح على جانب حزامه وهو يردُ على إتصال أحدهُم وبلهجة الوعيد : عطني ساعة وراح أجيك ..
حصَّة بغضب وإنفعال : هالبيت مانجلس فيه ! كيف يعني ..
لم تُكمل من عناق سلطان لها وهو يقبِّل رأسها بعد أن أدرك أنه مُجرد تهديد لهُم وأيضًا رسالة واضحة من الجوهي، لا أفهم لِمَ الجوهي على مدار هذه السنوات يواصل إبتزازه بأناس أبرياء ذنبهم أننا نُحبهم : بسم الله عليك .. الحين بيجون ناس وبيكونون عند البيت محد بيدخل عليكم
حصَّة بصوت مخنوق : وبعدين يا سلطان ! ما كفاك اللي راحوا تبي تروِّحنا وراهم
سلطان بضيق ينظرُ للجوهرة المستلقية على السرير دُون أن تتحرك وهي تضمُ يديْها على صدرها ، أبعد حصة ليُخبر عينيْها المُحمَّرة : تهديد يا روحي والحمدلله ما صار لكم شي! وهالشي ماراح يتكرر .. ثقي فيني هذا وعد
حصة تبحثُ عن هاتفها : فيه أحد تحت ؟
سلطان : الشرطة برا
حصة تمسحُ بكائها بكفِّها : طيب بروح أجيب جوالي بخلي العنود تجلس عند أبوها
سلطان : والخدم وينهم ؟
حصة : بغرفهم
سلطان تنهَّد وبخروج حصة أقترب أكثر ، جلس بالقُرب منها : الجوهرة
الجوهرة لا تردُ عليْه ، صوتُ إرتطام الزجاج في بعضه البعض على الأرض وهي جالسة مع حصَّة مازال يرنُّ في أذنها، وقوفها عندما نظرت للنافذة العلوية وهي تتكسَّر مازال ينهشُ بجسدها الضعيف، يدُ حصَّة التي سحبتها لأقرب الغرف وهي غُرفة سعاد مازالت تشعرُ به وبعروق يدِها التي تنبضُ بخوف، الأصوات التي لم تفهم لغتها ولكن كانت قريبة من الباب جعلتها تفهمُ أن هذه الحياة بسهولة تُسلب منهم ! بسهولة رُبما يختطفني الموت وبغمضة عين أيضًا.
سلطان وضع كفِّه على كفَّها ولكن سُرعان ما سحبتها لتُردف بحدَّة : بدري عليك تجنني مثلها
سلطان شد على شفتيْه ليقف : طيب أنزلي معاي
الجوهرة تستعدل بجلستها على السرير ، تحاول المُكابرة ولكن تنزفُ دموعها بوجَع، الألم أن أظهُر اللامبالاة وكلِّي يفيضُ بالشعُور. كلي يا سلطان يفيضُ بالحُزن ولا مقاومة ليْ لكُل هذه الحشُود التي تأتيني بمُجرد أن أراك. من الإجحاف أن تكون أمامي كالقبيلة وأكون أمامك كفردٍ ينتمي لهذه القبيلة ، من الإجحاف أن يأتيني حُبك قبائل أمام أنثى لا تعرفُ كيف ردُّ القبيلة.
أطال نظرُه به حتى خرج وتركها بالأعلى لوحدها ، وقف أمام الدرج يعرفُ أنها ستجبَن وتخاف، لن تتحمل الجلوس لوحدها بالأعلى.
تضارب قلبُها بقوة في صدرها ، لو أن أحدًا يستطيع أن يدخلُ من هذه النوافذ التي تمتلىء بالبيت، خرجت بخطواتٍ سريعة لتصطدم بصدره القاسِي وهي تبكِي، باللاشعور ضربت صدره لتنفجِر ببكائها وتهذِي بكلماتٍ لا تُفهم سوَى " ليه تسوي كذا ".

يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -