بداية

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -134

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي - غرام

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -134

الجوهرة بلعت رجفة ريقها، صمتت طويلاً حتى تُجهِّزُ جيوشِ كلماتها الساخرة : أجاري زوجي اللي ما يرجع الا متأخر
دُون أن يلتفت إليْها وهو ينحشرُ في العتمة ،ينظرُ لكأس الماء : و نعم الزوجة
الجُوهرة صمتت وهي تتأمله، هذه القوة التي ترتديها قليلاً وسرعان ما تتلاشى، ليتك تعرف أن المؤسف في كل شيء أنني أحببتك قاسيًا ولم تنظرُ إليّ إلا جريحة، ولا أعرف إن كنت تحبني أيضًا جريحة.
ألتفت عليها بعد أن أفرغ المياهُ في جوفه : وش تنتظرين ؟
الجوهرة شتت نظراتها لتلفظ ببرود : ولا شيء بس كنت أفكر بكتاب أقرآه
سلطان ودّ أن يُحرجها : ووش الكتاب ؟
ونظراتها مُعلقة في عينه : بصعد وبشوف أيّ كتاب أقرآه
سلطان و مزاج " الإستلعان " يُرفرف به : وكل هالوقت تفكرين كيف تصعدين فوق ؟ محتارة الدرج ولا الأصنصير ؟
أحمرَّت ملامِحها من طريقه تحجيره لها، بسخرية رُغم جمود ملامحها : تصدق! كنت أفكر كيف أصعد
سلطان ألتفت بكامل جسدِه ليسند ظهره على حافةِ الطاولة : طيب .. وش تنتظرين ؟ لا يكون خايفة تصعدين لوحدك
الجوهرة لوَت شفتِها السُفلية لتجذب أنظار سلطان لشفتيْها، بخطواتٍ مُتنرفزة صعدت للأعلى، له قُدرة رهيبة في إستفزازي بأبسطِ الأشياء، صعدت للدور الثالث الذِي تخافه، قاومت كل شيء حتى تتجه نحو مكتبته التي شتمتها في داخلها كثيرًا.
صعد خلفها والإبتسامة تُزيِّن محياه، شعَرت بخطواته ولكن تجاهلته تمامًا وهي تقف أمام رفّ الكُتب.
سلطان من خلفها : محتاجة مساعدة ؟
الجوهرة بحدَّة : لا
سلطان بتملُك حقيقي، يتجه نحوها ليسحب إحدى الكُتب وينظرُ لعنوانها : أقرأي هذا
الجوهرة : ماأبغى
سلطان بصيغة الأمر : قلت أقرأيه
الجوهرة نظرت إليْه : خلاص ماأبغى أقرأ شي
سلطان يضع الكتاب في مكانه : يكون أحسن
الجوهرة : يعني المسألة عناد!
سلطان يجلس على الأريكَة التي في الزاويـة : مُشكلتك ما تعرفيني زين
وهذه إهانةٌ اخرى، أن تتهمني بجهلك وأنا التي أعرفُ كل شيء عنك، شعَرت بالدماء وهي تسيلُ من أنفها، بحثت بعينيْها عن مناديل حتى أتجهت نحوه بقُربه كانت علبة المناديل.
بصوتٍ مُربِك لحواسها : ما تنزفين إلا بالبكي والخوف! وأنتِ لا بكيتي ولا خفتِي!! وش صاير لك؟
الجوهرة ترفعُ رأسها لتوقف النزيف، مرَّت ثواني طويلة حتى تقع عيناها عليْه : أنت اللي مشكلتك ما تعرفني
سلطان بهدُوء : عرفيني عليك! وش سبب هالدمَ ؟
الجُوهرة بقهر : رفعت ضغطي ... وأتجهت نحو الدرج ليُراقبها بعينِه، وضعت يدها لتقف طويلاً، شعَرت بأن إغماءة تتسلل إليْها.
سلطان بِـ شكْ وقف وأتجه إليْها لتلتفت إليْه : دوخة بسيطة ... ونزلت ، لم يُطيل وقوفه حتى نزل إليْها، سُرعان ما أنزوَت في الفراش وغطَّت وجهها به.
أخذ نفسًا عميقًا ليجلس بقُربها ويُبعد الفراش بعد أن نزع حذائه العسكري : كليتي شي ؟
الجوهرة ألتزمت صمتها
سلطان : على أكلك العصر ؟
الجوهرة : ما أشتهيت شي
سلطان : طبيعي بتدوخين وأنتِ ما أكلتِ شي .. قومي أكلي لك شي ولا تكذبين وتقولين أنك بتنامين وأنتِ توّك صاحية
الجوهرة أستعدت بجلستها لتنظُر إليْه : من مبدأ إيش مهتم في أكلي؟ من مبدأ أنك شفقان ولا تحس بتأنيب الضمير ولا ...
يُقاطعها بحدَّة : من مبدأ ما يعنيك
الجوهرة بعناد : ومن هالمبدأ أنا ما ودِّي آكل
سلطان بتهديد : تعاندين كثير وماهو من صالحك!
الجُوهرة ترفعُ كلا حاجبيْها بطريقةٍ مُستفزة لسلطان، تعابيرُ وجهها هذه المرَّة فزَعت لصوتها الذي دائِمًا مايكُون في محل جُبن.
نظر إليْها بتعجُب، ليشدّ على أسنانه ومن بينهُما أتى صوته حادًا غليظًا : بالله؟
الجوهرة شعَرت بالخوف ، ولكن تظاهرت بعكسِ ذلك مُشتتة نظراتها
مسكَ ضحكتِه، لأولِ مرَّة يشعرُ بأن نظراتِه تُرعبها : عندِك شي تبين تقولينه ؟
الجُوهرة دُون أن تنظر إليْه : ممكن تتركني أنام
سلطان دُون أن يحبس إبتسامته : قوليها وعينك في عيني وبعدها بتركك
الجوهرة لم تفهم مزاجه هذه الليلة، ألتفتت عليه لترمش أكثرُ من مرة في الثانية
سلطان غرق بضحكته الطويلة ليُردف : تصبحين على سعادة
الجوهرة عرفت لِمَ يضحك، كان واضحًا جدًا أن ملامحِي الشاحبة مُرتعبة، يشعر بالإنتصار لنفسه لأن أستطاع ببساطة أن يفرض قوته عليّ، ما أشدُ قسوتِك يا سلطان.
يُتبع
،
تضع رأسها على صدرِه الدافىء وشعرها الطويل ينسابُ على ظهرها جانبًا، خلخل أصابعه البيضاء في شعرَها و الصمتُ مترسب في حناجرهم، رفعت عينها له ليبتسم : وش تفكر فيه ؟
عبدالرحمن بتنهيدة : اليوم جو ناس يخطبون عبير
أتسعت إبتسامتها لتُبعد رآسها وتتربع على السرير بجانبه: مين ؟
عبدالرحمن : ما أعرفهم واضح عايشين حياتهم برا إسمه مشعل المحمد .. عنده دكتوراه في العلوم السياسية ومستقر في لندن
ضي : ماشاء الله ، الله يكتب لهم اللي فيه الخير .. لآيكون منت موافق؟
عبدالرحمن : مدرِي عايلة ما أعرفها ولا أدري وش طبايعهم ولا عاداتهم
ضي : تحسسني أنه دايم زواجات القبايل ناجحة! هذا هُم يعرفون عادات بعض ويا كثر ما يحصل الطلاق، دام مؤهلاته كويسة ماشاء الله ومستواه كويِّس وأخلاقه زينه خلاص .. لاتوقف نصيبها .. بالنهاية أنت ماراح تجلس لها العُمر كله
عبدالرحمن : وش يعرفني عن أخلاقه! أقولك الرجال ماعندي أيّ خلفية عنه ولا عن عايلته، تبيني أرمي عليه عبير وبكرا تجيني تشتكي منه ؟
ضي : أسأل عنه، كلم أبوه وقوله وين ساكنين وفي أيّ حيّ ووين يشتغل! وروح للأماكن هذي وأسأل عنه
عبدالرحمن : أنا لما شفته أرتحت له ، يعني حتى كلامه وأسلوبه جذبني لكن ما أدري وش ممكن يصير بعدين
ضي : يا عبدالرحمن يا حبيبي! كم مرة خطبوا عبير وتردّهم وأنت تعرف قبايلهم وعوايلهم، بكرا ذنبها بيكون في رقبتك وعبير وصلت لعمر محتاجة فيه لشخص ثاني يكملها
عبدالرحمن وكلمات ضي تُقنعه وتجعله يعيش الحرب بين قناعاته وخوفه من المستقبل.
أكملت : وهذي رتيل تزوجت! أكيد بتتحسس أنها الكبيرة وإلى الآن ما شافت حياتها ، أنا يمكن ماأفهم عبير كثير زي ماأفهم رتيل ، ويمكن حتى كلامها معي أحيانًا أحسه تتحاشى تتعمق فيه لكن واضح جدًا حاجتها لشخص ثاني
عبدالرحمن تنهَّد : أمرنا لله بسأل عنه وأشوف
ضي بإبتسامة متورِّدة : خلنا نفرح فيها وننبسط، يكفينا اللي جانا
،
أقترب فجرُ إسطنبُول وخفتت أضواء الصخب في شوارعها المُزدحمَة الراقصَة بتنغنج.
بعد أن أستغرقت بالتسوق ساعاتٍ كثيرة لم تملّ منها، كانت تُفرغ غضبها وحُزنها بالشراء، لم تستفد منه شيئًا، لم يكُن لها الزوج التي تطمح، ناحت أحلامها بجانبها ومازالت واقفة على قدمها، مازلت أكابر وأحامل على حُزني، كثيرٌ عليّ أن تُحزني هكذا.
نظرت إليْه وهو يُرتب بعض حاجياته في الحقيبة الاخرى، بللت شفتيْها بلسانها وهي تأخذ نفس عميق حتى تتحدث معه، أتكأت على الجدار : ريَّان
دُون أن يلتفت عليها : نعم
ريم تحاول أن تُمهِّد له بتبسيط الطلب : بعد ما نرجع إن شاء الله، أبغى اجلس كم يوم بالرياض ماابغى أروح الشرقية على طول
ألتفت عليها : كم مرة تناقشنا بهالموضوع!
بلعت ريقها بربكة : طيب أنا أناقشك الحين عشان نتفاهم
ريَّان بحدة : لا
ريم : طيب ليه؟ عطني سبب وأقنعني
ريَّان : ماني مضطر أعطيك أسباب
ريم شتت نظراتها : ما يصير كذا لازم نتناقش تعطيني أسبابك وأعطيك أسبابي وبعدها تقرر
ريَّان : ريم لا تكثرين حكي وفلسفة على راسي قلت لك اللي عندي
ريم : وأنا ماني موافقة
ريان رفع حاجبه : نعم ؟
ريم : اللي سمعته .. ماني موافقة أرجع الشرقية على طول بدون لا أشوف اهلي
ريان : لآحقة عليهم
ريم بقهر : طيب ليه تمنعني كذا! ليه تعاملني من الأساس كذا
ريَّان : تعرفين أنك تجيبين النكد!! ... وأستلقى على السرير لينام دُون أن يعير نقاشها أيّ إهتمام.
ريم بقوةِ شخصيتها التي تتذبذبُ كثيرًا أمام رجلٍ يُحييها لحظات ويُميتها أيام، تكتفت : هالحكي ما يمشي! لك شخصيتك ولي شخصيتي ما يصير تعاملني كأني أشتغل عندك وتفرض شخصيتك على شخصيتي ..... ريان أنا ماأعرف وش فكرتك عن الزواج! من جينا هنا وأنت يوميًا تبكيني وتضايقني ... والله لو أني ذابحة واحد من أهلك ما تسوي كذا! صارحني وقولي وش مضايقك فيني .. يمكن أقدر أغيره أو يمكن أنت فاهمه غلط .. بس هالطريقة ما تمشي أبد .. كيف بنعيش إذا إحنا نكتم على نفسنا وكل واحد يعيش لحاله .. الزواج شراكة نكمل فيه بعضنا ونستقر .. لكن ........
بربكة شفتيْها : ما أطلب منك شي كثير.. بس أبي أفهمك ! فهمني وش يعجبك وش اللي يرضيك وأسويه
ريَّان أستعدل ليسند ظهره على السرير : خلصتي ؟
ريم بتوتر : إيه
ريَّان عاد للإستلقاء : تصبحين على خير ..
أتسعت محاجرها وهي تنظرُ إليْه، رُغمًا عنها تدافعت دموعها لتسقط على ملامحها المُتيبسَة بحركته الأخيرة، كيف تتغاضى عن هذه الإهانة؟
،
يقرأ بعض الرسائِل التي أتت بالظرف البُني، رفع عينه لسعد الجالس أمامه ويبدُو النعاس يقترب منه : أحرقها
سعد بدهشَة : ما تحتاجها ؟
مقرن بهدُوء : لآ ماأحتاجها ... عبدالرحمن وسلطان صاروا يشكون فيني .. أستغفر الله بس
سعد : حسبي الله على أمل هي اللي شككتهم فيك ما يدرون أنك تخاف عليهم أكثر منهم
مقرن : وصلنا لنص الطريق مقدر أبعد وأوقف، يحسبوني خاين!! يا كبرها عند ربي
سعد : لا تهتم! دامهم ما قالوها في وجهك أتركهم .. أكيد بيتراجعون أو ما عندهم دليل يثبت هالشي
مقرن : كلها يومين وراح يواجهوني، لكن أنا مازلت أبغى أكمل اللي بديته، كل شخص لازم يتعاقب بذنبه واللي سببوا حادث أهل بو عبدالعزيز راح ينكشفون إذا مو اليوم بكرا
،
فِي يومٍ جديد، الساعَة تُشير للثالثة عصرًا بتوقيت باريس، يجلس بمُقابل والده وضحكاتهم تتواصل دُون إنقطاع، ألتفت عليه : الله لا يشمت العدو فينا
دخَل إحدى رجاله الذِين يبغضهم فارس : إلى الآن جواله مغلق
رائد بحلطمة : أستغفر الله!! وش صاير له ذا قطع فجأة
فارس : مين يبه ؟
رائد : واحد نشتغل معه
فارس بهدُوء : أنا أسألك عن إسمه
رائد بسخرية : كنك بتعرفه!! صالح
فارس عرف أنه عبدالعزيز ليردف : وش فيه ؟
رائِد : عندنا شوية شغل وكنا متفقين على اليومين اللي فاتت لكن أنقطع فجأة
فارس : يمكن سافر
رائد : أنا أظن كذا! يسويها هالنكبة
فارس بإبتسامة يُغير أجواء والده المشحونة بالعمل : تدري يبه أحس مبدئيًا بيوافق على شخصي لكن ممكن يتردد بموضوع أنه ما سمع في العايلة ومايعرفها
رائد : ولا يهمك كل شي مرتب، بيسأل وكل علومك الزينة بتجيه
فارس بهدُوء : طيب وعبير ؟ ماراح اقولها أني فارس
رائد بإندفاع : أنحرك قدامها لو تقولها أنك فارس، أتركها مع أبوها
فارس بضيق : وافقت على طريقتك بس طبعا ماراح أكذب عليها
رائد : لاحول ولا قوة الا بالله .. لا تطلعني من طوري وش قلت لك أنا!!
فارس وقف بعصبية : عن إذنك .. وخرج وهو يُفكر كيف يُخبر عبير متجاهلاً سلطة والده، من المستحيل أن يبدأ حياتها معها كذبًا وبسخريَة نبرته الداخلية " هذا إذا وافقت عليّ ! " ، يا رب قلبُها أجعل الخيرةُ بجانب قلبي.
،
يطرق الباب، مرةً ومرتيْن وثلاث وفي كل مرَّة تحتدُ ضرباته عليها، تفكيره الأبيض أستعمرتهُ خلايا السواد والحقد، يشعرُ بأنه كبت نفسه لعهُود طويلة، لن يُبعدها أحدًا ولن يأخذها أحدًا، هي تخصني وحدِي، الذِي يحب لا يضر من يُحب ولكن الذي يُحب يسرق من يحب دُون أن ينتبه هل يضره أم لا! لو أُخبر عبدالعزيز لجنّ جنُونه، لستُ انانيًا حتى لا أخبرك يا عزيز ولكن هذه الفترة أنا أحتاج غادة ، أحتاج عقلها أن يكون ليْ فقط حتى أروِّض نسيانها، كيف تنساني بسهولة؟ هل تكذب أم أنها تحاول أن تُخبرني أنها تريد الإنفصال بطريقةٍ مهذبة، كيف أستطاعت العيش كل هذه الفترة دُون أحدٍ ؟ أنا آسف يا غادة إن كنت سأقهرك! إن كنت سأضرك فأنا لا أعرف طريقًا متزنًا أكثرُ من ذلك.
فتحت الباب ليدخل دون أن يترك لها فرصة الإختيار، بكلماتٍ هادئة : جهزي أغراضك وبتروحين معي
غادة برعشة شفتيْها وأصابعها تتشابك مع بلوزة بيجامتها: وين أروح ؟
ناصر جلس ليرفع عينه التي باتت لا تُفهم : عندك 10 دقايق حتى تجهزين نفسك ولا بآخذك بشكلك هذا
غادة التي لا تعرف عن هذه القساوة شيئًا أردفت : كيف تآخذني! لو سمحت يا نـ
قاطعها بغضب : قلت لك 10 دقايق
غادة بأعصابها المُتعبة تحشرجت دموعها : لا تضغط عليّ! شوف أوراقي الطبية وتأكد بنفسك
ناصر بمثل حدتِه مُتجاهلاً كلماتها : 9 دقايق
غادة بضيق : وين عبدالعزيز ؟
ناصر وقف : يعني ماتبين تآخذين معاك شيء
غادة بغضب : ليه ما تفهمني! أنا ماأعرف مين أنت ولا مين ......
ناصر يُقاطعها بعصبية بالغة أعتلى بها صوتُه لآخر مدى : لا تقولين ماأعرفك! .. أخلصي عليّ !!!
غادة برجاء : لو سمحت!
ناصر يُمسكها من زندها ليشدَّها نحو غرفتها : 5 دقايق ألبسي فيها وأطلعي لي
غادة تتساقط دمعاتها الحارَّة، رضخت لصوته الغاضب وهي تعود خطوةٍ للخلف من صوت الباب الذِي أغلقه بقوَّة، نزعت بيجامتها لترتدِي على عجل أول ما رأته أمامها في الدولاب، أخذت معطفها الأسود الذِي يصل لمنتصف ركبتها، سحبت الإيشارب لتلفه وتُغطي شعرها الداكن، ودَّت لو أنها تهرب، لكن لا مفر وهو جالس بالصالة، خرجت له بتشتيت نظراتها، بغضته لتصرفه معها ولحدةِ كلماتها وقساوتِه.
وقف : بإسم مين الغرفة ؟
غادة : وليد !
أمال فمه : ومن متى المعرفة معه ؟
غادة : دكتوري
ناصر بعصبية : دكتورك!! وطول هالفترة كنتي عنده
لم تُجيبه حتى صرخ عليها : كنتِي عنده؟
لم تعتاد أبدًا على هذا الصراخ لتنطق بملوحة دمعها : لا بس .. بس كان معاي لأن ما كان فيه أحد جمبي
ناصر يفتح الباب ليُشير لها بعينه اللاذعة أن تخرج، أتجهَا لشقتِه وهو يفكر بطريقة يخرج بها من باريس! يجب أن يخرج بأسرع وقت قبل أن ينتبه عبدالعزيز. كيف يُخرج لها أوراقها الرسمية ! يجب أن يتحدث مع والده هو الوحيد الذِي يملك الواسطة في هذا الموضوع.
بُضع دقائقٍ حتى أوصلها لباب شقته، ألتفت عليها وهو يدخل : دايم تعيّشيني بالتناقضات! تغيريني كثير، تخليني أتصرف بأشياء ما ودي أتصرف فيها .. لكن تحمَّلي! تحملي يا غادة مسألة أنك ما تتذكريني ...
بحدَّة يكمل : تنسين الكون كله بس ماتنسيني.. لكن أنتِ اللي تبين هالشي .. أنتِ بنفسك تمشين لهالطريق وودك فيه !! لا تحاولين تتأملين شي مني .. مثل ما خسرت بتخسرين معايْ! إذا كنت أنا بضيع راح تضيعين معاي ... وأعتبري هالشي مثل ماتبين .. أعتبريه حتى تهديد ...
،
أرتدت الجاكيت بصعُوبة وهي تتذمر : أستغفر الله ليت إيدي اليسرى اللي أنكسرت
عبير : الحمدلله بس أنها عدت على خير!
رتيل بضيق : الحمدلله على كل حال بس يختي وش ذا كيف أصبر كذا! ما أعرف أسوي شي بإيدي اليسرى
ضي تُغلق حقيبة رتيل لتُردف : يالله مشينا ..
رتيل : ابوي وينه ؟
ضي : مشغول .. وبعدين أنا ما أكفي ؟
أبتسمت : إلا تكفين ونص بس أستغربت أنه ما جا
عبير : عبدالعزيز ما جاك الصبح ؟
رتيل هزت رأسها بالرفض لتخرج من غرفتها الكئيبة وحامِي الرقبة بدأ يُضايقها، أتجهتَا للخارج و بأولِ خطوةٍ تحت السماء الغائمة كانت أمامهم أثير.
دبّ الشك في قلبها من وجودها في المستشفى على الرغم من خروج عبدالعزيز، بإبتسامة تُخفي الكثير : مساء الخير
رتيل ببرود : مساء النور
أثير : الحمدلله على سلامتك
رتيل ودَّت لو تنطق " الله لا يسلمك " : الله يسلمك
أثير بإغاضة : الله ستَر وماراح فيها وجهك ..
عبير شعرت بالقهر يفيضُ بها فكيف رتيل! ، كانت ستسحب رتيل وتدخلان السيارة ولكن رتيل بدأت بالحرب الكلامية المُستفزة : غلطتي في المكان اللي تتشمتين فيه! إذا عبدالعزيز مزلِّب فيك فمشكلتك مع عبدالعزيز ماهي معي!
ضي مسكت ضحكتها وهي تشتت نظراتها للطريق، بينما عبير أتسعت بإبتسامتها وهي تتكأ على باب السيارة.
أثير بنبرةٍ مُتغنجة : الله أعلم مين اللي مرمي على جمب ومسحوب عليه! عاد تصدقين كنت متوقعة أني بدخل منافسة بس للأسف نافست نفسي لأن محد جمب عبدالعزيز غيري ومحد عايش مع عبدالعزيز غيري ! لكن أنتِ يا قلبي وش موقعك بالإعراب! زوجة فقط وبالإسم لكن فعليًا مافيه إلا زوجة وحدة اللي هي أنا
رتيل أمالت فمها وهي تشدُ على شفتِها السفليَة، ضحكت بخفُوت لتردف : تنافسين نفسك!! عفوًا بس مين قال أنه لك وجود عشان أنافسك! أنا لو أبي عبدالعزيز يجيني قدرت أخليه يجيني ولا تحاولين تشككين عشان ماتحطين نفسك في مواقف بايخة!
عبير مسكتها من معصم يدها اليسرى : ما نبغى نتأخر
رتيل بخبث : تهنِّي فيه فعليًا " أردفت كلمتها الأخيرة وهي تقلد نبرة صوتها "
ركبُوا السيارة لتتحرك مُبتعدين عن المستشفى، أطلقت ضي ضحكاتها : هههه بدآ شغل الضراير
رتيل : شفتوها! انا ماتحرشت فيها بس هي اللي تحرشت وتتحمَل! قال أنافس قال!! مدري وش جايبها
عبير : ما أتوقع جاية عشانك وكيف تدري بموعد خروجك أكيد جاية عشان شي ثاني
رتيل صمتت قليلاً لتُردف بخوف : لآيكون حامل!
عبير : هههههه هههه وش هالدجاجة اللي بتحمل بهالسرعة
رتيل : تسويها الحيوانة ذي! بس لا ما أتوقع .. لا مستحيل أنا متأكدة
عبير : تراها عايشة معه يعني خلاص ! إذا مو اليوم بكرا
رتيل بتوتر وهي تتذكر كلماته في الرياض " ماراح تكونين أول بنت في حياتي " ، أخذت نفس عميق : حيوان لو يسويها
ضي : تآخذين بنصيحتي؟
رفعت عينها لها لتُردف ضي : أنسي اللي فات، أدري جرحك!! ممكن ذلِّك لكن أنتِ بعد ما قصرتي.. أقطعي هالشر ولا تتركين أثير تتمكن منه، حتى لو ما يحبها إذا عطته كل شي طبيعي بيميل لها .. رتيل فكري بالمستقبل وش تبين تصير حياتك؟ قاعدة تضيعين عمرك بهالمُكابرة
رتيل بقهر : انا ما أكابر وأفكر بالمستقبل! ودام هو أختار حياته مع أثير بكيفه .. أما أني أتنازل لا والله ماني متنازلة ! يتحمَّل كلامه معاي
عبير : في ذيك الفترة كل الظروف كانت تجبره وتجبرك بعد تتصرفون كذا! وأصلا كانت أعصابكم تعبانة .. لآتزيدينها أكثر
ضي : صادقة عبير .. رتيل ليه تبين تخسرينه ؟
رتيل تنهدَّت : هو خسرني ماهو أنا
ضي : طيب تنازلي لو شوي.. ماأقولك سلمي نفسك له بس يعني شوية تنازل تخلينه هو بنفسه يشوف رغبتك وتتقدمون بعلاقتكم
رتيل : أنتم ما تحسون فيني! أقولكم قهرني ماكان يخليني أنام ليلي من قهري منه .. وفوق هذا كان يذلني بكلامه وعايرني بأسوأ الأشياء وبعد كل هذا أتنازل! لا والله ماني متنازلة لو يصير اللي يصير ......
ضي بضيق : بس أنتِ تحبينه ؟
رتيل بلعت غصةُ صوتها : اللي خلاني أحبه يخليني أحب غيره
ضي : ببساطة كذا ؟ يا قو قلبك يا رتيل .. تخسرين سعادتك عشان ..
قاطعتها : عشان عزة نفسي! مسألة أني أهين نفسي عشان قلبي هذي مستحيلة وما هي صايرة، إن تنازلت مرة بيخليني أتنازل كثير وبيذلني كثير لأن داري أني بالنهاية راح أتنازل لكن هالحكي ما يمشي معي ! بخليه يدفع ثمن حكيْه ويعرف قدره ومن خسر بأفعاله
عبير عقدت حاجبيْها : عُمرك ما كنتِ شخصية ماهي متسامحة!
رتيل : مقهورة منه ودفاعكم عنه يقهرني زيادة
ضي : انا ماأدافع عنه بس أنا أشرح لك من وجهة نظري، إثنينتكم غلطتُوا! صلحوا أغلاطكم وعيشوا زي هالعالم والناس
رتيل تنهَّدت : ممكن نسكر الموضوع!!
،
في سكُونِ ليلِ الرياض، رفعت شعرها المموَّج جانِبًا وهي تخط الكحل على جفنها، أرتدت فستانًا ناعمًا يصِل لمُنتصف الساق ويُظهر إنتفاخ بطنها الخفيف، تعطرت وهي تنظرُ لنفسها نظرةً اخيرة، ألتفتت على الطاولة التي جهزَّتها بالعشاء الذي لم تطبخه منذُ فترة طويلة، أتجهت لهاتفها حتى تُخبره كتبت له بالواتس آب " يُوسف "
دخَل للمحادثة وظهرت علامةُ الصح المزدوج كنايةً أنه قرأ ولكنه لم يرد، شعَرت بحجمِ زعله لتتصل عليه ولولا أنها تخجل أن تنزل في هذه الساعة للأسفل لكانت نزلتْ وتحدثت معه فالأكيد انه بالمجلس الآن أو رُبما مع هيفاء، مرةً ومرتيْن ولا يُجيبها حتى أعطاها " مشغول " ، كتبت له بالواتس آب " تعبانة حيل " أبتسمت وهي تراقب شاشتها حتى لاحظت الصح المزدوج، كانت ستكتب له بعد أن أستغرق الثواني ولم يُجيبها لولا أنه فتح الباب لترفع عينها بإتجاهه.
نظر إليْها بعد أن أنقبض قلبه خشية أن يُصيبها شيء، ضاعت نظراته في عينيْها السوداوتيْن، هذه الأنيقَة كم من مرَّة يجب أن نُخبرها أن اللون الكُحلِي فاتِنٌ على جسدها الأبيض! أقتربت بخطواتها وأصابعها تتداخل في بعضها البعض : آسفة
يُوسف شعَر بأن شيءٌ غريب بهذا العالم يحدث، إعتذارها الذي لم يتخيَّل أنه سيحدث حدث! أبتسم : مين داعي لي اليوم !
أتسعت إبتسامتها حتى بانت غمازةُ خدها الأيسر : يعني رضيت علينا ؟
يُوسف يقترب حتى لاصقت أقدامِه أقدامها : أطلع حيوان إذا ما رضيت
ضحكت بخفُوت و ملامِحها البيضاء تسرِي بها الحُمرَة خجلاً، قبَّلها بالقُرب من عينيها التي تقتله أكثرُ من مرَّة، وهي التي تحكِي وتبكي وتُثرثر وتعتب وتغضب وتضيق وتحزن في عينيْها، هذه السوداويتيْن يملكان سحرًا حائلي.
مُهرة بخجَل تُمسك معصمه لتتجه معه نحو الطاولة التي جهزتها : بذوقِّك طبخي اليوم
يُوسف ينظرُ للأطباق التي منظرها بحدِ ذاته يُشبعه، بعد يومٍ أحتد به مزاجه كانت الراحة في ختامه، إبتسامتها لوحدِها تُدخل الفرح لقلبه، والغمازة التي لا تظهر كثيرًا أمامه يشتاقُ إليْها.
،
واقفًا مُتكىءً على مكتبِه، بدأ يحك عوارِضه كنايةً عن غضبه وهو ينظرُ لمتعب الذِي بلع ريقه بصعُوبة بعد أن خلى المبنى وأنتهى الدوام الصباحي، أردف : أيوا وش أسوي ؟
متعب : يعني لقيتها .. الحمدلله
سلطان بسخرية : كذا نزلت من السماء
متعب إبتسم إبتسامة بلهاء ليُردف : سبحان الله
سلطان بهدُوء : يا سبحان الله ! كل شيء هنا صدفة وينزل من السماء ....
متعب : تعرف يا بُو بدر احيانا الواحد من كثر الضغط يضيِّع وينسى .. ولا أنا والله كنت أعرف أنه الملف عندِي بس سبحان الله ما لقيته الا اليوم

يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -