بداية

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -197

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي - غرام

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -197

أفنان قبَلت كتفُ والدتها الذي يجاورها : نومي متلخبط ولا كان جلست عندك العصر
عبدالمحسن : الجوهرة تعشيتي؟
الجوهرة : مآكلة المغرب ونفسي منسدَة، . . وقفت . . بروح أنام
الجوهرة مشت بخُطى لا تتحكم بسُرعتها، والدتها : أمشي بشويش مو كِذا
الجوهرة بضحكة تسيرُ على أطراف أصابعها : كِذا يعني؟
والدتها : يا ملكَعة
الجوهرة إلتفتت عليها : امزح طيب . . تصبحون على خير
: وأنتِ من أهل الخير
صعدت للأعلى وهي تشعرُ بنشوة الفرح في قلبها، دخلت الحمام لتتوضأ، صلَت ركعة شُكر لله على هذه الفرحة التي تأتِها دون سابق إنذار.
لا أحد سيفهم معنى الفرح إن جاء من شخصٍ ليس بالقريب، يكون فرحًا شاهِقًا لا يُثبَط علوِه أحدًا غير الذي أوجده، لم أفرح كهذه الفرحة منذُ مدَة طويلة حتى شعرت أنني فعلاً انسى طعم الفرح ولكن أيضًا لا قُدرةً تُضاهي قوة الله ولا كرمًا يُضاهيه عندما يُرزق عبده، ممتنة لك يالله على هذه الليلة وعلى هذا العُمر بأكمله، مُمتنة للدين الذي يخلقُ من أبسط الأشياء، سعادة. ممتنـة للحياة التي بقدر ما تُحزني بأسبابٍ عديدة إلا أنها تُفرحني بسببٍ واحد، يالله! " وش كثر السعادة جميلة! "
في جهةٍ اخرى كانت تتحدَث مع إبنتها : و اليوم أسلمت
العنود ببرود : طيب الحمدلله . .
حصَة : الشرهة بس على اللي يكلمك ومبسوط
العنود : وش أقول يمه بعد، يعني ما تعني لي شي عشان أفرح لها . .
حصَة : المهم قولي لي وش أخبارك؟
العنود : بخير الحمدلله
حصَة : وماجد؟
العنود بحماس : عال العال، بيجيه نقل إن شاء الله لفرع الوكالة بلندن، متحمسة كثير أعيش هناك وأستقَر بعد، ماعرفت أتكيَف هنا أبد، على الأقل هناك عندي صداقات
حصَة : الله يسهَل عليكم، ولو أنه ودَي تتكرمين علينا وتجينا الرياض
العنود : والله يمه مشتاقة لك بس هرمون الكره للرياض مرتفع عندي!
حصَة بسخرية : مررة مرتفع ماشاء الله بس لو حفلة لصديقة من صديقاتك نطَيتي!!
العنُود : ولا تزعلين بقول لماجد يحجز لنا على الأسبوع الجايَ
حصَة : وش أبي في زيارة مو جاية من طيب خاطر؟
العنُود بضيق : يعني يمه وش أسوي؟ أقولك ماني طايقة الرياض وجيَتها ما يرضيك أقولك بجيك ومايرضيك بعد!!
حصَة : الله يصلحك بس،
العنود : آمين ويصلحنا كلنا . .
حصَة : طيب ماودَك تصيرين أم وتفرحيني؟ ودَي يجيني منك خبر يثلج الصدر
العنود بإندفاع : لا بسم الله عليَ
حصة بإستغراب : وش بسم الله عليك! هذولي نعمة من ربي وزينة حياتِك
العنود : معليش يمه بس أنا في الوقت الحالي ماني فاضية ولا أنا مستعدة لفكرة الأم والقرف ذا!
حصة : يارب لا تسخط علينا! أنتِ تتكلمين بوعيْك؟
العنود : أصلاً ماجد بعد ما ودَه، إحنا الإثنين ما يصلح نجيب عيال على الأقل في الثلاث سنوات الجاية بعدها إن ربي كتب ندرس مشروع العيال
حصة : تدرسون؟ . . خلف الله عليكم بس
العنُود : يمه لازم تحطين في بالك إني ماراح أجيب عيال بس عشان أجيب وبكرا الله يبلاني فيهم، أنا لا بغيت أجيب عيال أبي أجيبهم وأربيهم تربية سنعة وأدرَسهم صح، وبعدين يمكن أنا وماجد نتطلق! يعني لازم بعد أنا وياه نكون على وفاق
حصة : كل هالفترة وأنتِ منتِ معه على وفاق؟
العنود : إلا بس يعني مدري وش بيصير بعدين! ما أبي أحمل وبعدها الطفل يتشتت
حصَة : هذا الكلام ليْ ؟
العنود : لا طبعًا حاشاك، أنا بس أقصد فكرة تربية الطفل صعبة ومحتاجة دراسة قبلها عشان نقررها أنا وماجد
حصَة تنهدت : أنا أقول تصبحين على خير قبل لا يرتفع ضغطي
،
وضعت عبدالله الصغير في سريره الناعم، إلتفتت عليه : ليه ما تروحون الصبح؟ مو زين سفر الليل!
منصور : عشان نوصل الصبح ونلقاهم، لأن بعد مو معقولة نطق بابهم بليل ونقول نبي نشوف بنتكم!!
نجلاء : طيب براحِتك،
منصور إبتسم : يا زينك وأنتِ عاقلة
نجلاء رفعت حاجبها : ليه وش كنت طول الفترة اللي فاتت ؟
منصور : أبد هادية وما تتهاوشين مع مرت يوسف ولا تقولين لها شي
نجلاء : تتطنَز؟ لعلمك إلى الآن ما أطيقها بس متقبلتها بصدر رحب عشانِك أولاً وعشان يوسف
منصور : البنت ما تستاهل كل هالكره منك! لو كنتِ مكانها كان ذبحتينا! يعني فقدت أخوها وأمها ما وقفت بصفَها وش تبينها تتصرف معك؟ أكيد بتكون عدوانية!!
نجلاء : إيوا كمَل دفاع عنها وكأنها هي صاحبة الحق في الموضوع!!
منصور : أنا أدافع عن الحق، هي فعلاً ما تستاهل كل هذا
نجلاء : إذا رحت هناك خلَ بينكم ثالث
منصور تنهَد : شكرًا على ثقتك الكبيرة فيني
نجلاء : شفت زعلت من كلمة وأنت تقولي معلَقات وتبيني أقول ماشاء الله على حبيبي اللي يدافع عن الحق
منصور : نجلا يا روحي أفهمي! هذي زوجة أخوي اللي ما قصَر معي بشي ويوم أستفزعته فزع ليْ! وش تبيني أسوي؟ أشوفه مقهور وأسكت! طبيعي بروح لها وبفهمها
نجلاء : ويوسف يستاهل من يفزع له ما قلت شي، بس تقهرني لما تحكي عنها يخي لا تدافع وأنت ما شفتها ولا سمعت كلامها معنا
منصور : قلت لك البنت مقهورة طبيعي بتتكلم معكم كِذا! أجل تبينها تآخذكم بالأحضان؟
نجلاء أخذت نفس عميق : طيب طيب . . خلاص سكَر الموضوع ولا تتأخر على علي . . رفعت الفراش ودخلت به لتُغطي جسدها، نظرت إليه مازال واقفًا يتأملها : ماتضايقت تطمَن.
منصور إبتسم ليجلس على السرير، أنحنى بظهره ليُقبَل خدَها : تصبحين على خير
نجلاء إبتسمت رُغمًا عنها : وأنت من أهله ، أتصل علي بس توصل
منصور : إن شاء الله . . وقف وأخذ هاتفِه : فمان الله
خرج ليلقى يوسف بوجهِه، عقد حاجبيْه : وين رايح بهالليل؟
منصور بتوتر : آآ . . مشوار
يوسف : مشوار؟ الحين؟
منصور : بتحقق معي؟
يوسف تنهَد بتعب : حقَك علينا . . صعد الدرج ليتجه ناحية غُرفته، دخل وهو يضع قدمه اليمنى خلف اليسرى وينزع حذاءه ويُكرر الحركة مع قدمِه اليمنى، رمى نفسه على السرير بإرهاقٍ واضح دون أن يغيَر ملابسه، نامت عيناه لثوانٍ حتى اهتز هاتفه بجيبه، أخرجه دون أن يفتح عينه، أنزلق الهاتف منه بحركة يده التي دفعته ليصل لقدمه وببطء شديد كان يسحبُه بساقِه دون أن يُكلف نفسه بأن يجلس ويأخذه بيدِه، بعد دقيقتيْن وصل الهاتفُ إلى أصابعه، نظر إلى المكالمة الفائتة ـ علي ـ، دخل ـ الواتس آب ـ وكتب له " وش تبي ؟ صوتي ماله خلق يرَد "
علي " كنت بسألك عن منصور بس خلاص أذلف "
يوسف " وش مشواركم ؟ "
علي " مشوار خاص "
يوسف " مالي خلق أضحك والله "
علي " أصلاً أنت لك خلق لشي؟ "
يوسف " أقول علمني بس ماني نايم لين أعرف وش عندكم ؟ "
علي " هههه أذبح نفسك من الفضول "
يوسف " أخلص عليَ يا حيوان "
علي " تأدب معي وقول لو سمحت يا علي ممكن تعلمني وبعدها أفكر "
يوسف " يا حيوان ممكن تعلمنن ؟ "
علي " ذبحتك الحايلية حتى كلامك تغيَر! "
يوسف بقي لثوانٍ " متنَح " حتى أستوعب كلمته، إبتسم " شايف؟ بس لعلمك تراها ما تحكي حايلي . . يالله خذ وجهك معك "
علي " طيب يا ولد عبدالله "
يوسف أغلق هاتفه ووضعه جانبًا، نظر إلى الباب الذي يُفتح، إبتسم لوالدته : هلا يمَه
والدته : جيت أتطمن عليك، اكلت شي؟
يوسف : والله يا يمه ماني مشتهي شي، بنام عشان بكرا أصحى بدري و أوَدي أهل فيصل للمستشفى
والدته : شوف عيونك كيف ذبلانة؟ من قلة الأكل والنوم، قوم أكل لِك شي
يوسف برجاء : تكفين يمه خليني أنام والله ماني مشتهي! لو أشتهيت تعرفين ولدِك يهجم على الأكل
والدته أقتربت منه : حتى تعيجزت تغيَر ملابسِك؟
يوسف بإبتسامة : لأني ميَت أبي النوم
والدته ترفع الفراش لتُغطيه : نوم العوافي يا قلبي . . .
،
تكتفت وهي تنظرُ للفراغ الذي أمامها ولظلَ سارة فقط : أكيد رجعوا للرياض! وما كلَف عُمره يقولي تراني رايح!! الله يلعنه هو وياها
سارة إلتفتت بحدَة : أثييير! قولي أيَ كلمة معفنة بس لا تلعنين
أثير : أستغفر الله، يا عسى حوبتي ما تتعدَاها!! بموت من القهر ماراح أرتاح لين أشوفها!
سارة عقدت حاجبيْها : يمكن ما راحوا! يعني يمكن رجعت لأبوها وجلس معاها بفندق أو بأي مكان ثاني
أثير : متهاوش مع أبوها مستحيل يرضى يجلس عنده! أكيد رجع الرياض . . الله يقهرها مثل ما قهرتني
سَارة : أمشي نطلع وأوصلَك البيت
أثير ضربت بقدمها الأرض : يارب أرحمني بس . . .
في جهةٍ أخرى مازالت نائمة على السرير والسكينة تنتشرُ من حولها، يدخلُ عليها بين حينٍ وآخر ممرض يطمئن عليها ويخرج دون أن يصدر ضجيجًا يوقضها، ومازالت الأجهزة تتصلُ بيدِها وملامحها السمراء الناعمة يُغطيها الجهاز الذي يبعثُ الأكسجين بأسلاكِه. المنوَم كان أثرهُ قويًا لدرجة أنها بقيت نائمة إلى الآن منذُ الصباح.
وعلى بُعد مسافاتٍ طويلة، وتحت سقفٍ مختلف يضمُ ألوانًا من المتفجرات الغازيـة، وقف رائد وأنسحب من الغرفة مع إبنه وهو يُغلقها جيدًا و رجالِه الإثنين في الداخل يُراقبان الوضع عن كُثب، لفظ قبل خروجه : موعدنا الصبح راح أوقَع عقدي مع آسلي، وما راح تتدخلون بأيَ بضاعة مُشتركة بيننا. وهذا اللي أتفقنا عليه
عبدالرحمن إلتفت لعبدالمجيد : وش صار لها؟
عبدالمجيد : تطمَن هي بخير، تعرف أفلام رائد إصابتها مو كبيرة لكنه يبالغ عشان يستفزك
رفع عبدالعزيز عينه إليهما، ليقف ويتجه ناحية النافذة، أعطاهم ظهره وأدخل كفه المجروحة من الزجاج في جيب بنطاله وعيناه تتأمل سماء باريس المُضيئة بالنجوم.
سلطان أنحنى بظهره وهو يطوَق رأسه بكلتا يديْه، هجم عليه الصُداع ولم يُبقي به خليةً صالحةً للتفكير.
عبدالمجيد : سلطان . .
سلطان : مستحيل يصير فينا كل هذا! كيف نسمح له؟
عبدالرحمن : ماعاد بإيدنا حيلة!!
سلطان : إلا، لازم نتصرف ونوقَف هالفوضى!! هو عرف كيف يلوي ذراعنا لكن إحنا قادرين نلوي له ذراعه بعد!! ليتك ما جبت فارس! لو هددناه فيه مثل ما يستعمل أسلوبه الوصخ معنا!! كان ممكن نحلَ هالموضوع
عبدالمجيد : قلت لك لا تهتَم
سلطان بغضب صرخ : لا تقولي لا تهتَم، هذا شغلي اللي مكلَف فيه ماني جالس ألعب
عبدالرحمن بحدة : صوتِك!! . . لا يعلى
سلطان وقف وهو يتنهد : أستغفر الله بس!!!
إلتفت عبدالعزيز عليهم بنظرةٍ لا تدلُ على معنى ثابت إلا أنها تحملُ كرهًا شديدًا، عاد بأنظاره للنافِذة دون أن يشاركهم الحديث بكلمة.
عبدالرحمن نظر إليه وهذه الفرصة الوحيدة التي يستطيع أن يشرح له دون تدخل رائد بالمنتصف، وقف وأقترب إليه : عبدالعزيز . .
عبدالعزيز لا يُجيبه بشيء، أردف : أسمعني للآخر وبعدها أحكم على كيفك . . والله إني شايل همَك فوق همَي
ولا يُبادله بغير الصمت، واصل بحديثه : أنت تعرف نية رائد وتدري وش مقصده بكل هذا! يبي يشتتا ويضعفنا بضعف ثقتنا في بعض، حتى أستخدم سليمان اللي ضدَه معاه! كل هذا عشان يزعزعنا، ما كان عندنا علم بتفاصيل الحادث، عرفناها مثل أيَ شخص وقلت لك كثير إننا ما ندري، ولمَا عرفنا ما قدرنا نقولِك، أنت متخيَل إنه لو عرفت بموضوع إختك بعد الحادث، راح تجذب العيون كلها لِك وبهالوقت أبوك ماهو فيه عشان يحميكم ويشرح لكم! كان واجبنا إننا نبعدك عن هالأشياء ونحاول نوصل لوقت مناسب نشرح لك فيه كل شي، أنت فكَر لو عرفت وأنت بوسط معمعتك مع رائد و إنتحالك لصالح؟ وش كان بيصير؟ أنت عشان كلمة بسيطة مننَا رحت عند رائد وقلت له إنك زوج بنتي! أفهم يا عبدالعزيز إنك إنسان عصبي لو كنت إنسان هادي كان ممكن أشياء كثيرة تغيَرت، لكن كنَا ندري إننا ما وصلنا للحُب في قلبك عشان تتقبَل موضوع إخفاءنا لخبر أختك، كنا ندري إنك بتثور في وجهنا وتتصرف بأشياء الله أعلم وش كانت بتكون!! كل الظروف في ذيك الفترة خلتنا نقول معليش بنأجل هالخبر لفترة ثانية يكون عبدالعزيز جاهز لها، ما حاولنا نضرَك بشي! ولا خططنا للحظة إننا نضرَك! حتى في البداية يوم قلت لك إبعد عن أيَ علاقة وصداقة كان قصدي ما أوجعك! ماكنت أبيك تضيق وتحزن على أحد، كنت أبيك تشغل نفسك وتشغل يومك كله من صبحه لين ليله بالشغل، والله كنت أبيك مكان أبُوك الله يرحمه وكنت عارف إنه ثقتي بقدرتك على الشغل في محلها، ساعدتنا بأشياء كثيرة، لا تجي بالنهاية تبعثر كل شي . . لا تسامحنا لكن لا توقف ضدَنا! لا تشمَت أحد فينا!!
عبدالعزيز : خلصت؟
عبدالرحمن : أقسم لك بالعلي العظيم اللي خلق فيني هالروح وأنطق لساني إني أخاف عليك وكأنك ولدِي وإنه سلطان نفسه يغليك من غلا أبوك ولا حاول ولا حتى فكَر إنه يضرَك بشي بالعكس حتى حدَته معك كان يحاول فيها إنه يكسبك ويمحي كل الحواجز اللي بينكم! ولا واحد فينا حاول يضرَك أو يسيء لك . . أحلف لك بالله يا عبدالعزيز، و من حلف لكم بالله فصدقوه . .
عبدالعزيز إلتفت عليه بكامل جسدِه : أعرف شي واحد بهالحياة، إنه الجزاء من جنس العمل، اللي صار فيكم هالفترة أثق إنه جزاءكم وهذا أقل من اللي تستحقونه فعلاً
عبدالرحمن : عبدالعزيز اللي تسويه يكسرك قبل ما يكسرنا!!
عبدالعزيز : ما بقى فيني ضلع ما كسرتوه! وش باقي عشان أكسره؟
عبدالرحمن : حط عقلك في راسك وفكَر بمنطقية ليه سوينا كِذا؟ وبتعرف إنه كل شي وكل تصرف سويناه كان عشانِك وكل خطأ صار ماكانت بدايته منَا، لكن أشتركنا فيه لمَا عرفناه لكن بعد مو بإيدنا! أحيانًا نتصرف بأشياء خارج إرادتنا ورغبتنا، أبدًا ماكانت رغبتنا إننا نبعدها عنَك، لمَا جيت باريس كنت أقول لمقرن أشياء ماني مقتنع فيها لكن ماكنت أقدر أقوله الله يرحمه غير إني أشوفك مناسب وإنك أنسب شخص ممكن يخدمنا وإنه ما وراك احد! لكن هذا ما يعني إني بغيت مضرَتك وإنه حياتك ما تهمني، بعدها عرفت بموضوع غادة وماكان بإيدنا حلَ ثاني! ماكنا ندرِي عن سليمان وكنَا نتوقع إنه قوة رائد متشعبة وإنه في كل جهة راح يواجهنا هالرائد!! كان لازم نبعد إختك عشان ما يضرَها أحد، صحيح اعتمدنا على مقرن في هالموضوع لكن ما كنَا ندري بعد إنه مقرن مجبور وخاضع لتهديد من طرفهم! . .
عبدالمجيد وقف : أبوك يا عبدالعزيز ما تقاعد كِذا بدون سبب منطقي! تقاعد عشان يبعد الأنظار عنه ويشتغل براحته لكن مع ذلك قدر يتسرب خبر معرفته بأدلة قوية وشغله فيها لرائد اللي ظلَ يهددها فترة طويلة حتى يوم الحادث اللي دخل فيه سليمان على الخط، كل التفاصيل عن الحادث عرفتها لكن أعرف شي واحد، إنه أبوك الله يرحمه بعد تقاعده أشتغل و سلَمني كل شي، كنت معاه لحظة بلحظة وإحنا نكتشف أمر سليمان ونحاول نحاصره، لكن ما كمَل أبوك وأخذ الله أمانته، وكمَلت اللي بداه مع مقرن وكنت عارف إننا نرتكب أخطاء كثيرة بحقَك يا عبدالعزيز وبحق حتى سلطان وبوسعود، لكن كنَا مجبورين عشان نكمل بحثنا ونتصرف معهم، سليمان اللي أكتشفناه أنا وأبوك قبل أكثر من سنة، قبل كَم يوم عرفوه بوسعود وسلطان! يعني حتى خبر يهم شغلهم ويحدد مصيرهم توَهم يعرفونه!! يعني فيه أشياء ما نقدر نقولها ماهو رغبة منَا لكن غصبًا عنَا، ولو أبوك عايش كان بيقولك نفس الكلام! بيقولك إننا أحيانًا نضطر نخبي جُزء من الحقيقة عشان ننجح بشغلنا! فيه أشياء كثيرة شافوها سلطان و عبدالرحمن وأنخدعوا فيها مننَا لأن كانت المصلحة وقتها إنهم ما يعرفون! وأنت بعد المصلحة وقتها كانت تقولنا إنه ماهو لازم تعرف الحين! و كنَا بنقولك بوقت مناسب، لكن سليمان أستغل الفرصة وطلَعنا بعيونك ناس حقيرة ما تفكَر فيك والحين رائد بعد كمَلها . .
سلطان من مسافةٍ طويلة بعيدًا عنهم : أكرهنا ماراح نجبرك تحبنا، ولا راح نجبرك تسامحنا، نبيك بس تفكر بأسبابنا وتفهمنا
عبدالعزيز نظر إلى سلطان، أكمل بنبرةٍ صادقة : ماهو بإيدنا، ماهو كل شي نبيه يتحقق لنا عشان سُلطتنا، لا يا عِز! أحيانًا تتحقق أشياء كثيرة رافضينها لكن مضطرين نتعامل معها وتعاملنا معها ماهو يعني موافقتنا عليها ونفس هالشي ينطبق على غادة
عبدالعزيز : لمَا ماتوا أهلك كم ضلَيت ما تعرف بالموضوع؟ . . يوم . . يومين . . ثلاث . . أسبوع؟
سلطان : شهر ونص
عبدالعزيز : وأنا أكثر من سنة يا سلطان، حرقتوني! وتقولون معليش ماهو بإيدنا، تذبحوني وتقولون بعد معليش ما قصدنا نآخذ من عُمرك حياته، وأنا معليش بعد! لا تطلبون مني فوق طاقتي! لا تحاولون تقهروني اكثر بأسبابكم اللي ما تشفع لكم!!
سلطان : وهالأسباب اللي ما تشفع لنا تخلَيك ترفع سلاحك على واحد فينا؟
عبدالعزيز : أسألك بالله لو أنت مكاني كان تقبَلت الموضوع بصدر رحب؟ أنا لو بإيدي الحين أنهيكم من على هالأرض
سلطان : ماراح أتقبَل لكن ماراح أوقف ضدهم
عبدالعزيز : همشتَوني بما فيه الكفاية
سلطان بغضب والضيقُ يغزو محاجره : لا صار على كتفك أمن وأمان شخص واحد بتعرف شعورنا الحين فما بالك بأرض وخَلق!! لا عرفت قيمة إنك ما تقدر تنام من التفكير بتفهم ليه سوينا كِذا؟ بتعرف إننا أحيانًا نمشي ونكمَل وإحنا مقتولين من الداخل!! تحسب أبوك مايعني لي شي؟ أبوك كان كل حياتي، لو أقولك ربَاني ما كذبت! وأنا رجَال طول بعرض أعاد كل أفكاري وربَاني عمليًا، بعد الله هو صاحب الفضل باللي وصلت له الآن، وتحسبنا جدران مالنا إحساس؟ بعد وفاة أهلك كنا أكثر ناس منهارين من داخلنا! وأنا فقدت أبويْ! أبوي اللي ما حمَل دمَي لكن حملت قلبه معي وين ما رحت!! لو كان لي القدرة بأني أعرف أنه كل هذا راح يصير كان حبسته بعيُوني وما خليته يروح مكان! لو كنت أدري بموضوع سليمان كان حاولت أوقفه حتى لو على حساب منصبي!! مو وحدِك اللي واجهت الموت والفقد يا عبدالعزيز! كلنا فقدنا ناس نحبَها وكلنا جرَبنا الموت، أنا أسوأ شخص ممكن تقابله في الحياة العاديَة وأتمنى إني ماني سيء كثير بالحياة العملية! وش تبي؟ وش تطلب؟ تبينا نعتذر؟ أنا أقولها لِك قدامهم الحين أنا آسف، أنا آسف يا ولد أبُويْ! تبينا نبرر لك؟ بررنا لِك؟ وش تبي منَا بالضبط؟ تبينا نبعد عنك ولا عاد تشوفنا؟ أبشر، كمَل حياتك بالمكان اللي تبيه، ماعاد راح نتدخل فيك ولا راح نجبرك تشتغل أو حتى تجي الرياض، بس نبي منك شي واحد! لا تضيَقها في وجهنا! ماندري إحنا نحيا بكرا ولا نموت، لا تضيَقها علينا وأنت تدري إنه نيتنا إتجاهك سليمة من كل هذا.
عبدالعزيز وهذه النبرة الصادِقة تًضعفه و " آسف يا ولد أبُوي " مُتعبة بإتكاءها على قلبِه الهزيل.
للمرةِ الثانية يعتذرُ ليْ! وأنا الذي سمعتُ من الجميع أن ـ آسف ـ لا يعترفُ بها سلطان ولا تخرجُ من شفتيْه، ماذا يعني أن يقولها ليْ؟ ماذا يعني أن يخصَني بها؟ أُريد أن أصدَقك ولكن كل شيء بما فيهم قلبي يُقيم حاجزًا بيني وبينكم، أشعرُ بمرارةٍ أكبر من كل شيء، وأشعرُ أن الدمع يحتبسُ بقلبي ويملئه حُزنًا في هذه الليلة، أشعرُ بأنني أحتاجُ بشدَة لأبي، محتاج أن أضع رأسي في حُجره وأشرح له حُزني، ـ يُبه ـ أشتقت أن أقولها! يا مآساتي الكبيرة و يا حُزني! مهما قُلت أعتدتُ الفُقد تصفعني الحاجَة، الحاجة لكلماتهم الخافتة و سكينة حضورهم، لو أنني ظفرتُ بدقائق أخيرة مع أبي قبل أن يرحَل، قبل أن يُغادرني ويتركني على غصنٍ جاف، يُحييه بكاءي في كل مرَة، أشتقتُك هذا كل ما في الآمر.
يُتبع
-
النهايـة | 

الجُزء 81.
تَعيشُ أنْتَ وَتَبقَى
أنَا الذي مُتُّ حَقّاً
حاشاكَ يا نورَ عيني
تَلْقَى الذي أنَا ألْقَى
قد كانَ ما كانَ مني
واللهُ خيرٌ وأبقى
ولم أجدْ بينَ موتي
وبينَ هجركَ فرقا
يا أنعمَ الناسِ بالاً
إلى متى فيكَ أشقى
سَمِعْتُ عَنكَ حَديثاً
يا رَبِّ لا كانَ صِدْقَا
حاشاكَ تنقضُ عهدي
وعروتي فيكَ وثقى
وما عَهِدْتُكَ إلاّ
من أكرَمِ النّاسِ خُلْقَا
يا ألْفَ مَوْلايَ مَهْلاً
يا ألْفَ مَوْلايَ رِفْقَا
لكَ الحياة ُ فإني
أمُوتُ لا شَكّ عِشْقَا
لم يبقَ مني إلاّ
بَقِيّة ٌ لَيسَ تَبْقَى
ـ بهاء الدين زهير.
،
شحَب لونُها من الأرق والبُكاء، إلتفتت لتنظر إلى غادة الغارقة بالتفكير، أخذت نفس عميق لتقف وتجلسُ بمقابلها : ليه ما نمتي؟
غادة : مافيني نوم
ضيَ : سمعتي عبير بنفسك، قالت أنهم بخير الحمدلله بس هالمرَة شكله شغلهم مطوَل،
غادة بعينٍ تدمَع وبكلمةٍ مكسورة تعبرُ صوتها بعكازة البحَة : بتطمَن بشوفتهم، مشتهية أفرح، كل مافرحت صارت مصيبة لين بديت أخاف حتى من إحساسي بالسعادة، ودَي بس لو مرَة تتم اموري بدون لا يطلع لنا همَ جديد
ضيَ وضعت كفَها فوق كفَ غادة الدافئـة كعينيْها بهذه اللحظة، سُبحان من خلق هذه العينيْن ودقَتها، وأقتبسَها من عينيَ عبدالعزيز بذاتِ الدقَة، إن عيناهُم ـ قتَالة ـ بالوَجع، وأنا أشعرُ برعشة حزنهم، أن تقف بالمنتصف دون أن يجاورِك أحد، لا أُم تُخفف وطأة الحياة على قلبِك ولا أبَ يقرأ على رأسِك ـ آيات السكينة ـ كلمَا تزعزع أمنك، الوِحدة أن تكون الشمسُ فوقنا تحرقُ أجسادنَـا وتُبقي الروح بارِدة / مرتجفة. من يُدثَر الروح؟ لا شيء كقُرب الحبيب، أشعرُ بِك يا غادة وبهذا الحُزن المصطَف في رمشِك.
غادة بصوتٍ مخنوق : يا رب رحمتِك
ضيَ بإبتسامَة ناعمة مسحت دمعُ غادَة بأطرافِ كفَها : نامِي وارتاحي، وإن شاء الله الصباح يجينا خبر حلُو، أدري إنك تحسين بالوحدة هنا لكن كلنا جمبك، وعبدالعزيز يهمَنا والله
غادة بلعت ريقها بصعُوبة ومحاجرها تكتظَ بالدمع : بحاول أنام . .
ضيَ نظرت لعبير التي نامت أخيرًا وشعرُها المبعثر يُغطي نصف ملامحها، اقتربت منها لتُغطيها جيدًا بالفراش، وضعت يدها على بطنها، تجمدَت خُطاها اول ما شعرت بإهتزازته وحركته الخافتة في رِحمها، قفزت الإبتسامة إلى شفتيْها ودمعة رقيقة تعبرُ خدَها الأيمن.
هذه الأمومة تأتيني بفرح أكثرُ مما أستحق، لا أدري كيف أجازي هذه السعادة بشُكرٍ يليق بالله! أنا ممتنة حتى للأيام السينة التي جعلتني أشعرُ بحركة أبني، ممتنـة للحياة الناعمة التي تجيئني كلما تذكَرت أنني / أحملُ طفلاً في أحشائي، لو انَك معي يا عبدالرحمن الآن؟ لو أنَك تشعرُ بزوجتك وحبيبتك و إبنتك أيضًا! لو أرى عيناك وهي تبتسمُ لحركاتِه في بطني، ليتني أراها الآن وأشرحُ لك مقدار الحزن في بُعدِك ومقدار موْتِي في غيابك، يالله يا عبدالرحمن! تمكَنت من قلبي حدُ اللا حد.
،
في الصبَاحِ الباكر، على بُعدِ بُضع كيلومترات من حائل، إلتفت لمنصور : نريَح شوي ولا جاء الظهر رحنا لهم
منصور : إيه شف لك أيَ فندق على الطريق ننام كَم ساعة
علي وضع يده على فمه وهو يتثاءب : جاني النوم، تعال سوق بدالي لين نلقى لنا فندق
منصور : لا تكفى واللي يرحم والدِيك ميَت أبي النوم
علي : الله لا يبارك في العدُو، كله بيوت ماهنا فندق!!
منصور : إذا مالقيت شف لك أيَ ظلال وأوقف عندها، ننام بالسيارة لأن طاقتي طفَت
علي : شف الجو غيم! شكلها بتمطر . . الله يرزق الرياض المسكينة
منصور : قبل كم يوم مطرت الرياض
علي : قصدِك رشَ!! ووقف بعدها . .
منصور تنهَد : يالله عاد الحين نستلم تحليل مناخ السعودية منك وبنجلس طول الصبح كِذا
علي إبتسم : والله ناقصنا يوسف كان حلَلك المناخ صح . . . . لحظة لحظة . . فتح شُباك منصور ليقف عند إحدى الرجال : السلام عليكم أخوي
: وعليكم السلام
علي : وين نلقى فندق قريب؟
: خلَك سيدا لين يلفَ فيك الشارع يمين ثم بتَل سيدا بتلقى دوَار لفَ من عنده يسار وبيوضح لك فندق بنهاية الشارع
علي : مشكور ما تقصر . . .

يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -