بداية

رواية وش رجعك -44

رواية وِش رجعك - غرام

رواية وش رجعك -44

شعر بتلك الوخزات ثانية .... الصرخـــة التي لم يستطع اخفاتهــا ... تود الإنفجــار ثانية ... صرخ عليهم : طلعوا برى ....
تبادلا النظرات وبكت بيان : محمود شفيك ؟ يألمك شي ؟
صرخ ثانية ... وهو يشعر بأنه سيفقد وعيه ثانية : برى ...
خرجــــا ... و جميع آمالهمـــــــا تحطمت ... أمـــــــا هو ... فبكى بضعف ... الوجع ينهشه بقسوة ....
أتت الممرضــات ... أعطوه ابرة مهدأ ... لكنه لم يهدأ ... لأن هذه الإبرة .... مفعولها .. لا شيء أمام مهدأه الحقيقي ... يود الإفصـــاح عمــا بمكنونه ... يود أن يطلب حقنة تنسيـــه أوجـــاعه ... لكن ... حتى لو تكلم ... هل سيلبون رغبته !!
==
[ أحمـــــد ]
فــــاقد الذاكرة ؟!!
قال الطبيب وهو ينظر إلى الأوراق التي أمامه : ايوة ... صاحبك معاه فقدان ذاكرة ... ومن مدة طويلة بعد ....
قال بتعلثم : وشنو سببها ؟؟ جذي بس ... ما فتح عيونه إلا فقد الذاكرة !!
فقال الطبيب وهو يتبسم : حـــادث .... أكيد صارله حــادث خلاه يفقد الذاكرة ... وأنا ما اقصد حــادث سيارة فقط ... أي حـــادث آخر احتمال وارد في حــالته ..
فقال أحمد : وشنو الحــل ؟ شنو دواه ؟ ذاكرته ما بترد يعني ؟!
سكت الطبيب ... وقلّب بأوراقه ... ثم قال : المشكة إنه مو بس فاقد الذاكرة ....
ابتلع ريقه : شنو فيه بعد ؟
خلع الطبيب نظارته : ادمـــان مخـــدرات .....
ما سمعته ..... لا يصفونه بأنه صدمة ...... بل ... صدمـــات .... وقعهــا كـالصواعق علي : مجنون انت !! محمود يدمن مخدرات ؟ في وين صارت ؟
قال الطبيب وهو ما زال محافظا على ابتسامته : محمود مو الإنسان الي تعرفه ... لما فقد الذاكرة ... شي طبيعي يصير انسان آخـــر ... يعني أدمن ... قتل ... لا تحاسبه على انه الأولي ...
ارتبكت : قتل ؟؟ قتل من ؟
ضحك الطبيب : أعطيك مثال ....
فقلت بوجع الدنيا بأسرها : واللحين ؟ شنو الحل ؟
قال الطبيب : أنا أقدر أساعده ... إذا تعالج عن الإدمـــان ... أول ما يتشافى ... راح نــاخذه لمستشفى المدمنين ... وبيتلقى علاجه هناك ... وبعدين ان شاء الله بيبدأ جلسات العلاج لفقدان الذاكرة ....
قلت له بضيق : وكم بظل في مستشفى المدمنين ؟
فقال : على حسب استجابته للعلاج ....
قلت : ونقدر نزوره ؟
قال : أيوة ....
/
[ بيـــان ]
تبسم لي : سوري ... ما كنت أعرف انج اختي ....
تبسمت له وقلبي يتفطر من الألم : عادي حبيبي ... تحصل في أحسن العائلات ...
سألني : وهذا الي معاج على طول من ؟
رفعت نظري إلى أحمد الشارد الذهن : هذا أحمد ..... صديقك ....
قاطعني : صديقي ؟؟
تبسمت وأنا أمسك كفه : ايوة .... هذا صديقك مثل ما يقولون الروح بروح ... تحبه موت .. وهو يحبك موت بعد ...
ضحكنا معا ... فصحى أحمد من تفكيره وقال : على شنو تضحكون ؟
قال محمود : انك صديقي ...
تبسم أحمد ودنى منا : تعرف محمود ... لما كنت غايب عنا أي كثر اشتقنا لك ؟
تبسم : تحبوني ؟؟
احمرت عينا أحمد : بس نحبك !! احنا بدونك ضعنا ... تصور شلون كل يوم ننام ... على أمل ان نلقاك بكرة ؟ تعرف شلون لما نحتاجك ... وما نلقاك ؟ واحنا متعودين انك معانا طول الوقت ؟ وما تقصر علينا بشي ... وعمرك ما قلت لنا لا ؟
سكت قليلا ثم قال : احنا من وين ؟
أتعرفون ما وقع سؤاله علي .... هطلت دموعي التي حبستها من أول ما أخبرني أحمد بأمر فقدانه لذاكرته وادمانه : البحرين ...
همس : البحرين ؟! واخيرا عرفت ان لي بلد مثل كل الناس الي حولي ... ( اللتفت الي ) وين أبوي وأمي ؟ ليش ما جو معاج ؟
أيسألني عن أبي : أبوي الله يرحمه .. توفى من زمان ... وأمي .. في البيت ...
سكت مرة أخرى ... يبدو أنه انصدم بأمر وفاة والدنا : الله يرحمه ... وانتي جيتي هني تدورين علي ؟
رفعت نظرت إلى أحمد : لا ... بس أحمد الي جى يدور عليك .. أنا ادرس هني ...
اللتفت لأحمد : لهـ الدرجة أنا غالي عليك ؟ تترك أشغالك وتجي تدور علي ؟ الدنيا ممتلية ناس ... ليش ما دورت لك صاحب ثاني ؟
قال أحمد ... وبداخله غصة : لما ترجع لك ذاكرتك ... بتعرف ليش أحبك أنا هـ الكثر وليش أغليك ...
فقال : طيب قولي اللحين ؟ جـاني فضول ... خلوني أعرف أنا شلون كنت ...
قال أحمد : وبتبقى بعد ..... يا محمود ... انت أكبر من اني أقدر أتكلم عنك وأوصفك .... انت شنو أقولك ؟ ما في أحد اللتفى بك .. ما حبك ...
فقال : لهـ الدرجة ؟ ليش شنو كنت أسوي ؟؟
تبسم أحمد : علاقتك بلله قوية .... وهـ العلاقة حببت الناس فيك ... وخلتهم يشتاقونك ...
/
[ محمود ]
حينما ذكر اسم الله ... شعرت بهـزة من الداخل ... الله الذي أهداني كل شيء ... ورزقني أناسا يحبونني ... ويشتاقونني ... الله الذي جمعني بأهلي ... وأنقذني من اؤلك القتلة ..... ماذا فعلت من أجله ؟؟ كيف شكرت نعمه ؟ كيف حمدت آلائه ؟
مسحت دمعي الذي هـطل رغما عني : ممكن تخلوني بروحي شوي ..
نهضــا ... قبلت رأسي وخداي بيان : تحمل بحالك ... أنا بكرة بعد ما أخلص الجامعة .. بجي لك ... وبسولف لك عن كل أهلنا ...
تبسمت لها : اوكي ... انتظرج ....
وبعدهــا جـاء أحمد ... قبل رأسي ... وقال : حــاول تتصبر .. من بكرة ... ما بيعطونك ابر مهدأة .. من بكرة بيبدأ علاجك ... لا تضعف .. انت قدها ..
أمسكت كفه : ان شاء الله .... تحمل ببيان .. وخلها بعيونك ...
هز رأسه : ما توصي حريص ...
وبعد أن خرجا ... تناولت القرآن الذي أحضراه إلي ... وأخذت أرتل بعض الآيـــات ... علهــا تهدأ نفسي .... ويطمأن قلبي .... بذكـــر خـــالقه .........
==
ثلاثة شهـــور مرت ..... وزيـــــــارة بيــــان لأخيهـــــا لا تتعدى العشر زيــارات ... وفي كل زيارة ... تبقى عنده عشر دقائق إلى الخمسة عشر دقيقة ....
ليس تقصيرا منها ... وإنمــــا حــــالته السيئة .... ومعاناته في مقاومة رغبته بإحتساء السم .... تجعله هائجـــا طول الوقت ... ليس بوعيه .... لا يعرف أحـــدا ...
واليوم ... عـــاد أحمد ... فقبل شهرين ... رجع إلى البحرين ليطمئن على أهله ... ولم يعد وحده .... بل أتى ... ومعه دعـــــــــاء ... التي أجبرته على أن يخبرهــــا عن محمود !!
أمــا بيان ... فرغم أن هذا الفصل انقضى .... وعاد الطلبة إلى ذويهم .. إلا أنها بقت ... فهنــا كل أهلها .... هنا محمود ولا يمكن أن تتركه ... حتى وإن لم تتمكن من زيارته .....
ضمتهـــــا دعاء وهي تبكي : شفتينه ؟؟ شلونه ؟؟ صار أحسن ؟؟
تبسمت بألم : الحمد لله .. أحسن من قبل بواجد ... على الأقل اللحين أقدر أقعد معاه ربع ساعة ... قبل بس أطل عليه من الباب ...
ما زالت تبكي : ودوني له .... خلني أروح أشوفه ....
ضمها أحمد : حبيبتي لا تعورين قلبي .... بناخذه لج ... بس ارتاحي أول ...
فقالت : راحتي لما أشوفه ....
وبعـــد مدة من محاولة اقناعها ... دخلت غرفة بيان ... ونامت .... وجلس أحمد بجانب بيان وسألها : حسيت بأحد يلاحقكم ؟؟ أو شي غريب ؟؟
قالت : لااا ....
فتنهد براحة : الحمد لله ... كنت أحاتي من هـ الناحية ... خفت يشك أحد بالموضوع ... أهم شي وصيتين صفاء وبشار وحسن إن ما يقولون لأحد عن محمود ...
تبسمت : ايوة ... خبرتهم ....
فقال : أنا لما رديت ... تسللت بيتنا ... ودخلت مكتب أبوي .... حاولت أدور على شي يثبت الي سواه بمحمود ... بس مالقيت شي ....
فقالت : مو هم نعرف من ... اذا رجعت ذاكرته ... بقول لنا هو بنفسه ... لا تخاطر بنفسك ... احنا محتاجينك ...
أثرت فيه كلمتها : سامحتيني بيان ؟
احمرت عينيها : من اليوم الي جيت لي فيه وقلت لك أبي محمود ....
تبسم : عجل ليش خليتيني أرجع ؟؟
فتبسمت : لأنك وعدتني تدوره وما دورته ... قلت ما في غير هـ الحل علشان يلقاه ... ولو ما قالت لي إنك عرفت عنه شي ... كان ما خليتك تظل معاي ...
قال : تدرين شنو صار فيني لما رديت ؟؟ في كل لحظة كنت أتمنى فيها انج تكونين معاي ... فقدتج وااجد ...
وضعت رأسها على صدره : فقدتني لأنك ما عرفت قيمتي ...
قبلها : لا مو لهدرجة .... بس كنت مو راسي على شعور ... كنت متخربط ... احاسيسي كانت مبهمة ...
ضحكت : لا تتفلفس اللحين بالكلام .... كنت أمزح معاك ...
تبسم : بيون ...
رفعت رأسها : هلا ...
قال لها : اشتقت لج ...
تبسمت بخجل : توى الناس ...
ضحكا معا .. ثم سألها : وانتي ... اشتقتي لي ؟؟ ولا استغنيتي عني لما شفتي محمود ؟؟
قالت : امممممم ... نص نص ..
فتح عينيه بصدمة : طالع !! على الأقل جاملي ....
تبسمت : أنا ما اجامل ... ما تبي الصج ...
فقال : وشنو هو ؟؟
همست : اشتقت لك ....
==
قصد أحمد الطبيب ... وذهبت دعاء وبيان إلى محمود .....
[ محمـــــــود ]
كــــل ما قاسيته بكفة ... ومعاناتي مع الحقن بكفة أخرى ... أشعر بأن روحي تفارقني ... في اليوم عشرات المرات ... ومن ثم تعود ... فليتها لا تعـــود .. ولا يتكرر الوجــع بإنتزاعهـــا ...
طرق الباب ... فتبسمت .. لابد أنهــا بيان ... شكرت ربي لأن اليوم أنا أفضل من السابق .. واستطيع الاستماع لكل ما تود قوله : حياج بيان ...
دخلت .. واحتضنتني كما تفعل في كل مرة : شلونك أخوي الحبيب ؟؟
قبلتها : الحمد لله .... اليوم أحس روحي أحسن ... شفيج فرحانة ؟؟
قالت لي بفرح : جايبة معاي ضيوف ....
فقال : أحمد ؟؟
تبسمت : ايوة .... أحمد ...
فقال : وينه ؟؟ ليش ما دخل معاج ؟
فقلت : راح للدكتور ...
وكانت تلعب بالحلق الذي باصبعها : تحبينه ؟؟
تبسمت : ايوة ....
قلت لها : الله يوفقكم ... متى بنفرح فيكم ؟
ضحكت : توى الناس ... أنا قايلة له أول شي أخلص دراستي ....
تبسمت : تعرفتين عليه هني لما جى يدورني ... ولا من البحرين كنتي تحبينه ؟
استغربت سؤاله لكنها قالت : اكييد من البحرين ...
فقلت : وبيتنا ؟؟ يعرفون انج تحبينه ؟
تبسمت : ايوة ... مو هو خطيبي .. اكيييد احبه ...
لم أفهم : يعني شلون خطيبج ؟ خطبج من امنا ؟؟
قالت لي : محمود ! خطيبي .. يعني بينا عقد شرعي .... يعني أنا زوجته عند الشرع .. بس ..
قاطعتها وأنا منصدم : صج ؟ انتي متزوجة يعني ؟؟
استغربت : مو متزوجة ... احنا في فترة يسمونها خطوبة .... عجل شلون بروح وبجي معاه ؟؟
قلت باستغراب : عادي ... حسبته صديقج بعد ....
قالت باستغراب : صديقي ؟؟!!
تبسمت : أنا كان عندي صديقة ... بس واجد تلصق فيني ... وما ارتحت لها ... فاعتذرت منها وتركتها بحالها ....
قالت لي والدموع بعينيها : محمود بالبحرين عندنا ما يصير ... ما في صداقة بين رجل ومرأة !! محمود لما كنت بالبحرين ... كان عندك مو بس صديقة .. عندك صديقة وحبيبة .. وخطيبة ..
قلت بصدمة : صج ؟؟ ومن هي حبيبتي ؟؟
أدرت وجهي نحو الباب : دعاء دخلي ....
دخلت ووجهها قد غسله الدمع ... وقفت بجانب الباب ... وبيدها باقة ورد .... عينيها تنظرانني ... وأنا انظر إليها باستغراب .... وقلبي كان يخفق بقوة ... وجهها .... كان مألوفـــا ...
اللتفت لبيان : دعاء ؟؟
تبسمت وهي تبكي : ايوة ...
نهضت من على السرير بصعوبة ... ومشيت نحوهــا ... وقفت أمامها .... وما إن رأتني ... حتى رمت نفسها بأحضاني ... لم تقل شيئا ... لكن شهقاتها المتتالية ... أثبتت لي أن هذه الإنسانة ... تحبني جدا ... أنها روحها هي الأخرى ... كانت تحتظر بدوني ....
بكيت ... ولا أعرف لما ... ربما لأنني شعرت باختنـــاق ... فأشياء كثيرة تزاحمت بذاكرتي ... خصوصا أنني الآن ... أستطيع رؤية بعض الوجوه ... وسماع بعض الأسمــاء ...
أبعدتها عني .. أود أن أتنفس ... لكنني وجدت الاوكسجين فيهــــا ... أود أن أهدأ نبضاتي ... أود أن أستلقي ... لكن شيئا ما ... يجذبني إليها ...
همست في اذنها : لا تصيحين ... عورتين قلبي ...
لكنها لم تهدأ .... بل زاد بكاؤهـــا .... شعرت بالدوار .... الموقف .. أصعب بأن يحتمله قلبي الضعيف .... فقدت السيطرة على نفسي .. وتهاوى جسدي على الأرض .....
==
بعد خمسة أسابيع ..... تعافى محمود .. وكم هي فترة قياسية .... أثبت فيها محمود أنه قادر على تحمل الوجع ... رغم أنها كانت أسوء فترة قضاها .....
وفي هذا اليوم ... قد أخرجوه من المستشفى .... وسيظل مع أحمد في الفندق ... ليوم واحد فقط ... وفي الغد ... سيذهب إلى المستشفى النفسي ... ليبدأ رحلة علاج ... تمكنه من استرجــاع ذاكرته الشبه عائدة .....
وفي احد المطــــاعم .... كان جالسا مع دعاء .... نقص عليه كيف أنقذها ... كيف كان يوم خطوبتهما ... كيف أحبته ... وكيف اعترف إليها بحبه ....
كان يستمع ... وهو مستمتع بتلك الذكريات .... شعر بأنه مشتاق إلى محمود السابق ... الذي أحبه النــاس وأحبهم ..
وهمـــا يتبادلان أطراف الحديث .... أتى أحدهم .... وأخفى مسدسه خلف معطفه ... ووجه ناحية دعاء ... وهمس : بعد إلى الثلاثة ... ما بتتحرك معي ... ما بكذب ... بقتل حبيبتك ....
لم يتكلم .. لأنه ما زال منصدمـا ... ظن أنه تخلص منهم .... لكنه على ما يبدوا .. أنهم لن يتركوه وشأنه إلا إذا فارقت روحه الحيــاة ...
اللتفت لدعاء ... وتبسم في وجهها بألم : حبيبتي روحي لأحمد الفندق اوكي ؟؟
فقالت له وهي تبكي : لا ..... ( اللتفت للرجل ) اقتلني ...
اللتفت الرجل لمحمود : شو ؟؟ اقتلها ؟؟
قال محمود : ما تشوفني واقف ... كاني بروح معاك ... يلله مشينا ....
ووجه سلاحه لمحمود ومشيا ... ودعاء .. نهضت وأمسكته : محمود ... لا ... تروح وتخليني ... خذوني معاه ..
قال بحزم : دعاء والله ثم والله ثم والله إنما قعدتي مكانج .. أنا الي بذبحج مو هذا .... تباعدي عني .. أكرهج ...
وقفت أمامه مصدومة مما قال ... أبعدها الرجل حينمـا وجه لها حركة بأنه سيقتل محمود .... تبسم محمود بأوجــاع الدنيا كلها ... ومشى بعيدا عنها ... لكنه لم يستطع إلا أن يلتفت للخلف ... وهمس : أكرهج يعني أحبج .. سوري حبيبتي ...
تبسمت .. والدموع بعنينها ... لكنه سرعـــان ما اختفى عن ناظريها .... خرجت من المطعم ... أين هو ؟؟ اختفى ... وكــأنه طـــار في الهواء ... جلست بجانب المطعم .... تبكيه مرة أخــرى ... لم تصدق أنه عـــاد ... فكيف يرحل بهذه السهولة ؟؟؟!!!
يمشي ... ويداه مقيدان ... عينانه قد ربطوا عليهما قطعة قماش ... وعلى فمه ابتسامة سخــرية ... فهو يتذكر .. أن هذا الموقف .... يتكرر ... أجـــل .. صدقت يا محمود .. أتتذكرون ... عندما قيده مساعد أبو وليد وزجه في تلك الغرفة أسفل الشركة ؟؟!
ومن أنقذه من سطوة أبو وليد ... غير غير .... شعر ببعض الوجع ... وهمس : أحمــد ....
ضربه أحد سجانيه : اسكت ....
ومر ذاك الموقف أمام عينيه .... تذكر كيف أقنع والده بأن يخربه .... ولكن .... أين أحمــد عنه الآن ؟! أين هو لينقذه من بطشة هذا الزعيم ... الذي يجهــل سبب عداءه له ؟؟
توقفوا عن المشي ... وسمع صوت انفتاح الباب .... مشوا خطوات أخرى .... ورمي على الأرض ......
حـــاول النهوض ... يكره أن يهـينه أحــدهم ... وهذه أكبــر اهــانة له !!
وبعد ثوان ... أزالوا ذالك القمــاش عن عينيه ... لتسلل خيوط النور إلي بصره ... تــأمل بالمكـــان ... وكلــمة " فخـــم " قليلة بحقــه ... كــل شيء ... وضع بطريقة منظمة ..... كــل شيء يلمع .... واخيرا ... التفت لذالك الرجــل الجــالس أمام مكتب كبير ...
نظر إليه من بعيــد ... لا يستطيع أن يميز ملامحه ... فنظره ضعيف .... أمعن النظر ... وتقدم إلى الأمام بعض خطوات ... وحينمـــا رأى تـــلك التقاسيم ..... أجبــر نفسه على أن يكتم غصته : أحمـــد ؟؟!!
ضحك الرجـــل الجــالس أمام مكتبه بسخرية ... ولم يعقب ... فركــز محمود به أكثــر ... النظرة العامة ... توحي بأنه أحمـد ... لكن .. لا ... هنــاك فارق في السن بينهما ..... أحمــد ليس بهذا السوء ... وهذا ... الشـــر يتضح من عينيه الثاقبتين : شكلك مو غريب ... بس ما اذكرك ...
نهض من كرسيه ..... وأخذ يدور حول محمود ... وقال بسخرية : يا حلاتك وانت فاقد الذاكرة والله ... ما تتصور أي كثر أنا سعيد لأني تشرفت بهـ اللقاء .... ( ثم أخـــذ يضحك .. ووقف أمام محمود ) سمعنــا إنك بطلت إدمان ؟؟
هذا الصوت ... وهذه السخرية .... مرت علي من قبل ... لكن أين : ايوة ... وما سمعت اني بكرة ببدأ علاجي وبترد لي ذاكرتي ان شاء الله ؟؟
تبسم : والله ؟؟! عجل نقول مبروك ..... بس أضنها جت من وقت ....
قال محمود بنفس سخريته : خلها لوقتها أحــسن ......
سكت الرجــل .... وأكمــل دورانه حــول محمود : ذاك اليوم ... لما نقطيت فيه على الأرض ... توقعناك ميت ... بس شكلها روحك عنيدة مثلك ... موب راضية تفارق وتفكنـــا ...... وطبعـــا احنـــا نعرف كــل شي ... لقاك أحمـد .. خذاك المستشفى ... تعالجت .... وطول هــ الفترة ... احنـــا قاعدين ... ننتظرك تتشافى ..... ويقولون من صبــر نــــال ... ( وأشار بسبباته إلى محمود ) وآنا صبرت عليك بما فيه الكفاية .... كنت أقدر أخلص عليك من البداية ...... بس هذي معناتها ... انك بتموت وبترتاح ... واحنا شغلنا ما فيه راحة .... الخساير الي خسرناها عليك لين ما صرت مدمن ... ما تطير في الهوا .. جذي ببلاش ... وتعبنـــا .... كله ... له ثمن ...
ارتجف محمود من الداخل ... نظرات هذا الرجــل وكلماته .... حركت فيه ذكريات ميتة : والمطلوب ؟؟
تبسم : باين عليك ذكي .... وأنا أحب أتعامل مع أمثالك ... الي ما يستسلمون بسهـولة .... وبمـــا أنك اللحين صرت اوكيه .. وتعافيت ...... بعـــد مـــا عانيت وانت تقاوم رغبتك بالإبرة ... بعـــد ما جن جنونك وانت محبوس بذيك الغرفة ... تصارخ ... الوجــع قطعك قطعة قطعة ..... شنو بكون شعورك .... لمـــا كــل تعبك هذا ... يتبخـــر ....
لم يتكلم محمود ... فأكمل الرجل : وهذا الي بصير يا حـــلو .... أستانس أنـــا لمـا أشوفك تتعذب ... وانت حبوب ... و ما بتكسر بخاطري صح ؟؟ وبتفرح قلبي .. وبنفس الوقت .... انت بعد ... بتاخذ لك الي يعدل مزاجك ... عارفك اشتقت له .....
نطق أخيرا .... بعدما استوعب ما يقصده الرجل : بتضربني ابرة ؟؟ تبيني أرد مدمن من جديد ؟؟
هز رأسه بإيجاب : مو قلت لك فاهم ؟ وأنا احب اللعب مع الي مثلك ....
لم يتمالك محمود أعصابه فقط .... بل تمالك دموعه أيضا ... أدار وجهه بعيــدا عن وجــه هذا الحقير .... لكن الرجل ... أمسكه من شعره ... وأجبره أن ينظر له : لا تلف بوجهك عني .... لما أمل من وجهك الحلو ... أنا بطلب منك مو بس تباعده ... إلا تنزله ( ورمـــاه تحت قدميه ) بالأرض ...
حقن نفسه بالصلاة على محمد وآل محمـــد ... لا يود أن يتسرع .... لا يود أن ينطق بشيء يسرع في خلاصه .... فدعــاء ... بيـــان وأحمـــد .. كلهم بحـــاجة له ....
صفق الرجـــــل .... وأعطـــوه الحقنة .. نظر إليهـــا ... لتتوالى عليه أحـــداثــــا ... مسحت من ذاكرته .....
تذكــــر حينمــــا كـــان في منزل جدته .... واتصل به أحدهم ... طلب لقاءه بالخــارج ... خرج له ... لكنه لم يجد أحــــدا ... ولم يشعــــر إلا بأحد وضع منديلا على أنفه ... فتهاوى جسده .....
تذكــر حينمـــا أفــــاق .... كــــانت الظلمــة تملأ الشـــاحنة التي يتحركون فيهـا ... والهدوء التــــام .... جعل من معه ينتبهون لإفاقته ..... فوضعوا على أنفه منديلا آخــــر ... وغاب عن الوعي مرة أخـــــرى ....
تذكــــر حينمـــا فتح عينيه ... ووجـــد نفسه ... في مثل هذا المكـــــان ... ونفس هــذا الرجــــل ... كـــان يضحك بسخرية عليه .... تذكــــره حينمـــا قاله منصدما : انت !!
فتبسم الرجــل : ايوة ... عرفتني ولا مثل كــل مرة ... تسوي نفسك ما تعرفني ؟؟
قال : وليــــد !!
ولم يشعر ... إلا برفساته : سيـــدك وليد .....
كـــان يتــأوه ... بل يتــألم بشدة .... لكن هذا لم ينمعه عن استرداد كرامته المجروحة .... وصرخ عليه : في الحــــلم ..... أمثالك يكونون ساداتي ...
وزاد في ضربه ... لحيــــن ســالت الدمـــاء منه ... وبعــدهـــا هدأ وليد ... فقال له : في وين أنـــا ؟؟ وليش جايني هني ؟؟
فقال وليد وهو يبتسم : انت في مـكان بعيــــــد .... بعيــــد وما تقدر ترد لهلك ... لو شنو تسوي .... وجبتك هني ... لأني أبيك تكون بعيــــــــــد ... عن أحمـــد ... عن دعــــاء ...
قال له وهو منصدم : وشسويت لك ؟؟ شنو سويت لك علشان تحقـــد علي هـ الكثر ؟؟
قـال وليد : وانت يـالحشرة ... تقدر تسوي لي أنا شي ؟؟ شنو فاكر نفسك ؟؟؟ إنت أصغر من انك تفكر في انك تأذيني .....
فقال له : عجـــل ليش كـــل هذا ؟؟ دام أنــت مستصغرني لهـ الدرجة .... ليش مكلف نفسك ... وجايبني لهني ؟
فقال : علشان تتأدب ... وتحترم الكبـــــــار ... وما تخلي خشمك بخشمي .. أو ترادد الوالد ..... وعلشان تتعللم مرة ثانية ما تتحدى حدودك ... وتنـــاسبنـــا .... احنــــا أولاد الــــــ.... تتجرأ .... وتناسبنــــا ؟؟! وتساعدهــــا على الهرب من البيت بعد ؟؟؟
تبسم محمود : وهذا الي قاهرك اللحين ؟؟ اني خذيت دعاء ؟؟
فقال : انت أقل من انك تقهرني .... ليش قلو الناس ؟؟ عندك خيارين ... يا تطلق دعــاء .. وتنسى أحمــد ... وتروح للوالد وتعتذر جدام كـــل الي بالشركة ... أو ... تكون نهايتك هني ....
فقال محمود : تحــــــلم ! دعـــاء لو تقتلني اللحين .. ما اطلقــها ... وأحمـــد لو تقلب سماي أرضي .. وأرضي سماي ما انا ناسنه ... والموت .. أرحم لي ... من اني اعتذر لأبوك !
ثــــارت براكين وليد : هذا آخـــر كلامك ؟؟
قــال محمود بإصرار : ايوة ...
فتبسم وليد بمكر : ولو قلت لك انك بتطلقهــا غصب ... ومو بس بتنسى أحمــد .. بتنسى نفسك .. وأهــلك .. وغرورك الي ما ادري على شنو ..... بعنـــادك هذا ... بتضيــع روحك ... وهذا الي أبيه أنــــا ...
صفق ... فأتوا بالحقــنة ... رفعوا كم بلوزته .... فصرخ محمود : يالــ.... بعـــد .... شنو بتسوي ...
لكن كل استغاثاته .... لم تحرك ساكنـــا في قلب وليــد الممتلئ بالذنوب ... الذي أغراه سلطانه .. وأدخــل الإبرة في ذراع محمــــود ..
لحــظات ... وانتهــى كـــل شيء ... طلب منهم أن يأخــذوه إلى مكــانه المخصص ... وطيلة ثلاثة اسابيع ..... في كل يوم ... يحقنوه هذه الحقنــة ... لحيــــن أن أصبــح مدمنــا ... وليس هذا فحسب ... بل ... كانوا يعذبوه أشــد تعذيب ... يرمونه على الجــدار ... يضربون رأسه بالأرض ... يرمونه من من ارتفاع بعض مترات ... لحيـــن أن فقــد ذاكرته ... رموه في المشفى .... وسخــروا له أشخــاصا .... يكمــلون ما بدأوا به ... وهم صاحبه ذاك الذي فتح له أبواب شقته ... وتوفيق ووائل ...
كلهم ... كــانوا اتباعا للزعيم ... الذي لم يكـــن غير وليـــد ... كلهم أحبو محمــود ... وأشفقوا عليهم .. وترحمو عليه .. وقدموا له المساعدة بعض الوقت .. لكن وليـــد ... متجــرد من الرحمــة .. وانسانيته ... منذ زمن ... قد تبرأت منه !!
.
.
وليـــــد ...
قالهــــا ودموعه على خديـــه ... لا يعلم أيبكي .. أم يضحك ... ها قـــد عادت إليه ذاكرته .... ولكن كيف ؟؟ ومتى ؟؟ وأيــن !!
الزمـــان والمكـــان لا يسمحــان له بأن يرسم ابتسامته حتـــى ... ترى هل أضعفه ما تذكـــره ؟؟ أم قــواه !
قال وليد : تذكرتني ؟؟ شكلها ذاكرتك ردت لك ؟؟
كتم شهقاته : ايوة ... تذكرتك يالنذل ... تذكرتك وأنـــا أترجـــاك ... أبيك ما تطقني الإبرة ... لكن .... طلعت مو انســـان .. عمــرك ما حسيت ... قلبك ميت .... ومو غريبة عليك ... مو انت ولد أبو وليد ؟؟!
أمــا وليد ... فكتم غضبه : تبيني أرحمك اللحين ؟؟ اذا تبيني ... ترجــــاني ... ( مد يده ) بوس يدي ... قولي تكفى ... ترجـــاني وبتركك بحـــالك ....
مريض نفسي !! حقيـــر !! جشــع !! قــذر !! ولم أرى انسانا دنيئا مثله : قابل كــــل الي ذقته .. يتكرر ... وما أنزل نفسي لك .. وأترجـــاك ....
صرخ عليه وهو يصفعه : لا تسوي نفسك عندك عزة نفس .. نسيت من أبوك ؟؟ أبوك حتى الفراش الي بشركتنا أغنى منه ....
كـــل شيء يمكن أن يحتمله ... إلا أن يغلط أحــدهم على أهله : فقير وشريف ... والفلوس الي معيشنا بها جت من طريق الحلال ... ومربينا صح ... أحسن من غني ومو شريف ... وحرامي و ما عرف يربي عياله .....
صفعه ثانية : جب .... فضلاتنــــا تحلم فيها انت واهلك ...
فقال محمود : مكرمين احنـــا عنكم .... ولو عساني أدور أكلنـــا من الخمام ما كلينا فضيلكم ...
صفعة للمرة الثالثة : لا تتكلم ... شكلك ناوي تموت اليوم .... تبي أقط جثتك لأمك ؟؟ تبي ؟؟
تذكر والدته ... وجهها الملائكي ... عينيها الجنتين ... حضنها الدافئ ... تذكر مبسمها .. حنانها ... صوتهــا ... اشتاق لها ... يود أن يقبل قدميها ... إنه ضح من أجل الجميع .. عداها : بكيفك ... الي تبي تسويه سوه ... بس بقولك شغلة وحــدة ... لمـــا بياخذ الله روحك ... وتصيدك ضغطة القبر .... لمـــا ينهض الدود جسمك ... وتحترق بنار جهنم بحفرتك قبل يوم القيامة .... لا تندم ... ولا تقول تبي ترجع وتصحح أخطائك وتعمل عمل جديد .... بتكون قتلت نفس ... وأضنك مسلم ... حتى لو كـان بالاسم بس ... ومعلمينا بالمدرسة الي يقتل .. شنو عقابه ....
خرس وليد .. كيف نسى ؟ أساسا هو متى تذكر أن هنـــاك يوم حساب ؟؟ وسيحاسب فيه على أعمـــاله ؟؟!
فقال بهدوء : ليش تقولي جذي ؟؟
فقال محمود بنفس الهدوء : أبي أصحي ظميرك الميت ... اصحى ... موتي ما بينفعك بشي .. لأني مو ضارك بشي .... لكن اذا قتلتني .. دعوة أمي ... بتلاحقك ... ومثل ما قتلتني ... بجي الي يقتل ولدك ... سمعت إن عندك ولد اسمه محمود .... تتوقع شنو شعورك لما تفقده ؟؟
صرخ عليه : بس ..... بس ...
جلس خلف مكتبه ... يفكـــر بمــا قاله .... شعر بالخوف .. لا يود أن يلطخ يداه بدماء محمود .... لكن ... والده .... فهمس : وأبوي ؟؟
ظن أن محمود لم يسمعه ... لكن محمود سمعه وقال : لا طاعة لمخلوق في معصية الخـــالق ...
رفع وليد رأسه بصدمة .... الخـــالق ... من هو خــالقي ... من أعطــاني كل هذه السطوة والسلطــان : طلعوه ...
قال أحدهم : وين ناخذه ؟
صرخ : فكووه .... خلوه يطلع ....
قال الآخر : عمي ... نطلع محمود ؟؟ بروح يشتكي عليك عند الشرطة ...
ما زال يصرخ : نفذو الي قلت لكم عليه وبدون نقـــــاش ....
حرروا كفيه ... وطلبو منه أن يخرج معهم ... لكنه قبل أن يخرج ... اتجه لوليد .. ووضع كفه على كتف وليد : أنا مسامحك .. بعـــد كل الي سويته فيني ... بشرط .. إنك ترجع لنفسك ... يوم القيامة ... ما بينفعك أحــد ... لا فلوسك ... لا أبوك .. لا ولدك ... ما بينفعك إلا عملك الصـــالح ....
أدار وجهه إلى محمود وقال بصدمة : تسامحني ؟؟ والي سويته فيك قليل ؟؟
تبسم محمود : الإنسان ... مو كـــامل ... يخطأ ... ويرتكب معاصي ... لكن .. الله فتح لعباده باب .. سماه التوبة ... وقال لنا نتوب بنفس الوقت الي نعصي فيه .. بس لازم ... ما نضيع الفرص .. ونذنب ونقول الله بيغفر لنا .. لأن ساعات الله يحرمنـــا من التوبة ... شفت شلون الله كريم ؟؟ رغم إن نعصيه ... وما نذكره كثر ما هو ذاكرنا طول الوقت ومو مقصر علينا ... ما نستحي منه .. بس اذا رفعنا يدينا للسما ودعيناه .. يحقق لنا الي نبي ... فمن واجبنا .. انا نشكره .. ونحمده على نعمه ... وما نعصيه .. ونحــاول ننال رضاه .... ( سكت قليلا ثم قال ) النبي محمد صلى الله عليه وآله .... عفى في فتح مكة .. لما كان يقدر .. وقال اذهبو فأنتم الطلقاء ... وانا شناقصني ؟؟ دام الله يغفر ... والنبي محمد صلى الله عليه وآله يعفو ... مو احنا نقول انا نحبه ؟ والي يجب ... يقلد محبوبه بكل شي ... وأضن هذا أقل شي أقدر أسويه ...
خرج ... لكنه سمع صوتا يناديه .. صوتا ضعيفا كسيرا : ما ألوم أحمد ودعـــاء فيك ...
تبسم محمود .. وهو لم يلتفت بعد لوليد : مع السلامة ...
خرج محمود .... وترك وليد ... في صراع مع نفسه ... صراع غير متوقع .... تركه لعذاب الضميــر .... ضميــر أفــاق توا من غفوته .....
==
[ أحمــــد ]
لا أستطيع وصف شعوري لكم ... حينمـا أتت دعاء ... وهي تبكي ... وأخبرتنتنــا عن محمـــود .... استنجت أن ولــيد خلف كـــل هذا فقصدت الشركة ..... وها نحن توا .. وصلنــــا عند المدخل ...
ترجلنا من السيارة ... وحـــاولنا الدخول ... لكن الحــارس منعنـــا ... ونحن نتشاجر معه ... بــــان محمود .. بوجهه الواضحة عليه آثار الصفعات ... والدم يسيل من فمه ... ووقف أمامنا ... والابتسامة مرسومة على فمــه ... نظــر إلى دعــــاء أولا .... تأملهـــا ثوان ... ثم وجـه ناظريه إلى بيـــان ... وتبسم في وجهها بحنان .... وما إن رفع نظره إلي ... حتى ارتمت دعاء وبيان في أحضـــانه .... كـــان يهدأهمــا ... وهو يبتسم إلي ... ودموعه في عينيه ...
أيعقل ؟؟ اقتربت منه ... وهمست : تذكرتنا ؟؟
هز رأسه بإيجـــاب : تذكرت إنك صاحبي ... ورفيق دربي ... الي اشتقت له ...
هطلت دموعي : واخيرا ....
ابتعدتا ... وحضنته ... كلينـــا بكينــــا ... وقلت له : ما بسامح نفسي لو صار لك شي مرة ثانية ... أنا اسف محمود ..
فقال : على شنو تتأسف ؟؟ انت مالك دخل بشي .... ( ابتعد عني وقال بشوق ) أحمــد خلنا نرد .. أبي أشوف امي ... اشتقت لها ...
تبسمت : اللحين بنحجز لنا تذاكر ..... اللحين انت رد معاهم ... وأنا بخلص كم شغلة ...
فقال : أنا عارف شنو عندك .... تراه هو الي قال لي اطلع ... أخوك كلمة أبوك الي تمشيه ...
قلت منفعلا : وهو ما عنده مخ ؟؟ يتابعه في كل شي ؟
تبسم : ما عليه ... أنا سامحته ... الله يهديه ... يلله خلونا نمشي .. اشتقت للبحرين ...
قلت له : هذا آخر كلامك ؟؟
قال لي : ايي ...
ركبنا السيارة ... فسألته دعاء : حبيبي .... طــارق ... شدخله بالموضوع ؟؟
أدار وجهه إليها وتبسم : طـارق كان داري بكل شي ... وشفته قبل ما أفقد ذاكرتي ... كان بالشركة معاهم ... وبعد ما طلع وليد ... قال لي ... اذا ابي اتصل لكم أخبركم وين أنا .... قلت له اوكي ... بس قال طبعا لازم مقابل ... إني أقنع أحمد يقنع أميرة ترد له !!
قالت دعاء : مالت عليه .... ما يسوي لوجه الله ...
قلت : لا تقولين جذي .. ما تجوز على الميت إلا الرحمة ...
فقالت دعاء وبيان : الله يرحمه ...
قال محمود باستغراب : طارق مات ؟؟
قلت له : منى ماتت بالولادة .. وطــارق مات بحـادث .. وهو الي خبرنا انك هني ..
فقال محمود : الله يرحمهم ...
==

وفي الطـــائرة ...

[ بيـــان ]
قال لي أحمد : المفروض ما أرضى تردين ... بتطوفج دروس ..
قلت له : كلها يومين ... أنا اشتقت للماما .. وبعدين ما تبيني أشوف لقاء أمي بمحمود ؟؟
تبسم : تراني حجزت لج بعد يومين ... يعني بعدين ... اجباري تردين .. مو تحلا لج القعدة ...
تبسمت : ان شاء الله ..
فقال : سويتي الي اتفقنا عليه ؟
قلت له : ايوة ... اتصلت لعمار ... وقلت له اني اليوم بجي ... وخله يجهز كل شي في عودو لاستقبالي ...
فقال : زين ... بنسوي لهم مفاجئة ... تتوقعين شنو ردة فعل أمج ؟
فقلت : امممم ... حلم وبيتحقق ... يعني اكيد ردة فعلها مو عادية ...
فقال : وانتي ؟
قلت له : وآنا شنو ؟
قال : أحلامج .. كلها تحققت .. ولا أحمد للحين ما حقق لج أحلامج ؟
تبسمت : بلا .. انا امنيتي كانت يرد محمود ... والحمد لله .... بفضل الله ... رد لنا محمود ^^
فقال : وبعد .. قولي شنو خاطرج فيه ؟ شنو تتمنين ؟
قلت : اقعد سبوع ...
فقال : لا لا ... ما ارضى ...
ضحكت : وتقول كل شي ابيه بتعطيني اياه ...
تبسم : بعد يومين ... محضر لج مفاجئة ...
فقلت : صج ؟ شنو هي ؟
فقلت : مفاجئة ... شلون أقولها لج ...


[ اللقـــــــــــــــــاء ]
وهـا قــد وصل أبطـالنا إلى أرض الوطن .... وها هي سيارة التاكسي ... تتوقف عند منزل الجدة .... ترجــل الجميع ... ومحمود ينظر إلى المنزل ... يتأمل بالمكـــان الأخير الذي كـان فيه قبل الرحيـــل ... المنزل ... الذي كان له بالصغر المتنفس .. ومكمن اللقـــاء .. مع أبنـــاء خـــالته ... وهـا هو مرة أخــرى .... يشعر بالسعـــادة ... كمــا كان يشعر بهــا عندما كان طفلا ... حينمـــا يرى بناءه القديــــم ....
ربت أحمد على كتفه ... يحثه على الدخــول بعد أن دخلت بيـــان .... تبسم ... وهم بالدخـــول .... لكنه لم يدخـــل إلى الصـــالة .. بناءا على طلب بيـــان ... بل .. ظل واقفـــا في فنـــاء الدار ... يتأمـل بكــــل شيء ... لم يتغير شيء ... مـــا زال كـــل شيء كمـــا كـــان .. حوض البركة الصغيرة .... بعض الشجيــرات ...
وفي داخـــل المنزل ... تحديدا في الصـــالة ... دخلت بيــــان ... وفرح الجميع بقدومهـــا .. وكـــان كـــل شيء معد له من قبل ... البالونـــات معلقة .... ورائحة البخور .... تداعب الأنفــــاس ...
وبعد أن قبلت رأس والدتها وخديها .. وتحدثت معهــا قليلا ... اللتفت لفطوم ورمقتها بغضب : أنا زعلانة عليج .. وبقوة ..

يتبع ,,,,,

👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -