بداية

رواية وش رجعك -5

رواية وِش رجعك - غرام

رواية وش رجعك -5

ما زالت مبتسمة : تفضلي ..
قلت لها : ما تخافين على درجاتج ؟
ضحكت : قصدج على الي صار اليوم والي يصير كل يوم بحصتها ؟
هززت رأسي بإيجاب وصدمتني حينما هزت كتفيها بحيرة : ما ادري .. أعرف اني ساعات أمصخها .. بس الله يدري إنها ظالمتني .. وتدور أي زلة على شان تحاسبني عليها .. ( و بابتسامة تخفي خلفها بعضا من الوجع ) الله ياخذ حقي منها .. والي قالته اليوم ما بسامحها عليه ..
حاولت مواساتها لكن يبدو أنه حدث العكس : تتوقعين أهل فطوم هم الي قالو لها يباعدونج عنها ؟
اختفت ابتسامتها .. ولم تتفوه ببنت شفه .. فأكدت إلي أن ما قالته المعلمة صحيح !
==
بعد أن ركبتا السيارة .. تحركنا قاصدين منزل بيان أولا .. كان الضيق يفترس ضفائري .. فطول الوقت .. كانت بيان شاردة الذهن تنظر من النافذة .. وكنت أراقبها من حين لآخر .. لا أعلم ما الذي حدث .. لكن يبدو أنها جرحت وفي الصميم .. حينما أوصل دعاء .. سأذهب لمحمود وأحدثه .. لأن أتركها حائرة تائهة هكذا ..
كنت ألتفت إليها بين الحين والآخر .. وأراها ما تزال على ما هي عليه .. أود بأن أرى وجهها الملائكي .. لكني لا أرى إلا رأسها .. المغطى بشالها الأسود ..
استيقظت على صوت دعاء حينما قالت : أحمد .. خاطري في اسكريم ..
فهمت قصدها .. تبسمت لها شاكرة وقلت : من عيوني ..
وحركت السيارة لمكان آخر .. وحينما وصلنا لكفتريا تقوم بصنع أكواب لذيذة من الآيس كريم .. سألتهما : تبون على شنو ؟
قالت دعاء : كاكو ..
" وانتي بيان "
هذا ما قلته لها .. لتلتفت إلي وهمست : نعم ؟
يبدو أنها كانت ليست معنا .. كررت سؤالي مرة أخرى لتقول : فانيلا ومانجو ..
تبسمت : عندج ذوق ..
يبدو أنها لم تفهم ما أقصد .. فقد نزلت من السيارة .. وأتيت بثلاثة الأكواب .. مددت يدي لدعاء .. وأعطيتها كوبها وكوب بيان .. وبعد أن أغلقت السيارة التفت لبيان وأنا أمد لها بآيسكريمي : أنا مثلج .. أحب الفانيلا والمناجو ..
رأيتها تبتسم : مشكور ..
هززت رأسي .. وقصدت طريق منزلها ..
==
" مرحبا ماما "
بعد أن قبلتها في رأسها جلست على المقعد وأنا أتنهد بعنف فقالت : الا جاية من وقت ؟ توها الساعة وحدة ؟
قلت لها : صديق محمود أحمد .. اليوم جى ياخذ دعاء .. وقالي بوصلني وياها .. وجييت ..
قالت لي معنفة : عجل فاتتج الحصص ؟
قلت لها : كان عندها حصص اثرائية .. ما عليها درجات ..
نهضت من جانبي وقالت : زين .. بدلي ثيابج .. وصلي .. وسبحي خواتج .. طفشوني اليوم ..
نهضت قاصدة غرفتي : ان شاء الله ماما ..
وما إن مشيت بعض خطوات .. حتى ركضت إلي مروة .. تلحقها زهور : بيااان .. جبتيين لنا حلاوة ؟
فتحت ذراعي لها : لا حبيبتي .. بس عندي في غرفتي .. تعالو ..
قالت لي زهور وهي تمد يديها : جيبي شنطتج بحملها ..
رميت عليها حقيبتي .. لتسقط على الأرض .. ضحكنا كلنا .. وجرت شنطتي .. ومروة تمسك بكفي ..
دخلت غرفتي .. فتحت ثلاجتي الصغيرة .. وقبل أن أمد يدي لأخذ الكاكو .. اقتربتا مني بسعادة .. وأخذتا تعبثان بمقتنيات الثلاجة .. فتركتهما تأخذان ما تشاءان .. وأنا ارتميت على السرير بضيق ..
خلعت شالي الأسود .. وأغمضت جفناي .. هذا ما أفعله دوما كي أقاوم ذرف الدمع .. لكن دموعي التي حبستها من تلك الساعة .. تمردت على أوامري .. وقاومتني .. وخرجت شلالا لطخ خداي ..
غطيت وجهي بكفاي .. محاولة بأن لا تظهر تلك الشهقات المخفية .. وشيئا فشيئا .. هدأت .. مسحت دمعي .. نهضت قاصدة الحمام .. وتلاحقني أربعة أعين .. لم تكن إلا أعين الصغيرتين اللتان تبلغان من العمر ثلاث سنوات و ستة أشهر ..
بعد أن تسللت برودة الماء إلى قلبي .. وخمدت بعضا من النيران التي تشتعل فيه .. هدأت ثورة أنفاسي .. وخرجت حاملة بها المنشفة أنشف وجهي ويداي .. ورأسي ..
فرشت مصلاتي .. ولبست إحرامي .. وما زالتا تراقباني .. تبسمت لهما بلطف : مرووي .. زهوري .. اطلعوا برى شوي .. بصلي .. وبسبحكم تدرون في وين ؟
ابتسمتنا بسعادة : ايييي ..
هززت رأسي بإيجاب .. وخرجتا معا .. وفي داخلي شيء يبتسم .. كم هو سهل أن تدخل السرور في قلب طفل .. ليتني أفرح مثلهما بـ السباحة في حوض السباجة الصغير الموجود خلف المنزل ..
==
هذه المرة العاشرة التي أتصل بها ولا تجيب علي .. متأكدة بأنها زعلانة مني .. ولكني لم أفعل شيئا .. أقسم بأني لم أذنب .. وكل شيء حصل هو بسبب أحد من أفراد عائلتي .. وأحصره بين ثلالثة .. ضياء .. جهاد .. وعمار ..
خرجت من غرفتي وأنا أبكي .. أذهلهم منظري .. أي أبي وأمي ..
قلت بين دموعي : تدرون اليوم شنو صار ؟ اليوم بيان طلعت من الصف وقلبها مكسور وردت البيت .. وتدرون شنو السبب ؟ آنا .. تفهمون ..
استغربا ما أقوله وقال أبي بعدم فهم : لا تصيحين يفطوم .. تعالي قعدي .. ومسحي دموعج .. وفهمينا شنو صاير ؟
ارتميت في حضن أمي قبلتني .. وهدأتني .. وحينهما تمكنت من البوح : اليوم المعلمة الكرييهة شافتنا أنا وبيان نكتب في الدفتر .. نسولف بس بالدفتر .. ما هاوشتني .. هاوشت بيان .. وباعدتها عني .. وبيان رضت .. بس ردت هاوشتها وقالت لها ما تبيها في الصف .. وإن أهلي أنا قالو لها تباعدون بيان عني لأني أخربها ..
ضاق صدرهما .. فهذا ما التمسته من ملامحهما لتقول أمي : ومن هذا الي قال لمعلمتكم هـ الكلام ؟
قلت بقهر : ومن غير بناتج وولادج ؟ أكيييد يا جهاد يا ضياء يا عمار .. لكن ماما صدقوني .. إذا ما تسامحو من بيان .. ما بروح المدرسة .. أصلا مالي وجه أشوفها ..
وركضت لغرفتي .. وأبقيتهما في ذهول ..
==
همسة : يا رب ارحم ضعف بدني .. ورقة جلدي .. ودقة عظمي ..
,
.
؟
نهاية الجـزء الخامس ..

[ 6 ]
الآن فقط !
أستطيع أن أقول ..
أننا بدأنا ..
الآن فقط ..
أستطيع أن أجزم بأننا صديقان ..
منذ اللحظة الأولى ..
التي أقبلت بها على هذه الحياة !
الآن .. أرحب بك .. وأقبل ما بين عينيك ..
أحسن ضيافتك ..
وأصدمك بعدها بطلب صغير ..
صغير جدا ..
وهو البعد عني .. أيها ..
الحـــــــزن !
كنت جالسا أمام شاشة الكومبيوتر الذي بمكتبي .. أدون بعض البيانات المهمة .. لأسمع طرقا على الباب .. قلت وأنا ما زلت مشغولا بالنظر إلى الصفحات التي بين يدي تارة .. وبين النظر إلى شاشة الكومبيوتر تارة أخرى : تفضل ..
لم ألتفت للذي هم بالدخول علي الآن .. بل نسيت وجوده أصلا .. وواصلت عملي .. لكن انتبهت لوجوده حينما طرق طرقا خفيفا على طاولتي : مو حلوة يتجاهلون الضيف ..
كان شخصا ألتقي به للمرة الأولى .. ولكن ملامحه بدت وكأنها مألوفة لدي .. لأترك عملي .. وأبتسم له : مسامحة .. لهيت مع الشغل .. ونسيت إن أحد موجود معي ..
تبسم لي .. لا أعلم لما اطربت من ابتسامته .. أشعر بأنها غير صادقة .. اممم .. ربما كانت مخادعة أو من هذا القبيل ..
قال لي : شلونك محمود ؟
يعرفني ؟ صدمت بذلك حقا : بخير .. شلونك .. ما عرفتنا من حضرتك ؟
بدا وكأنه استغرب ما قلته .. بدا وكأنه يشتعل غضبا من داخله .. لتتغير تعابير وجهه ويتضح ما بمكنون نفسه : اسمع ! تراني احذرك .. وقد أعذر من أنذر ..
تبسمت " ببلاهة " .. ماذا يقول هذا الرجل ؟ انني أراه للمرة الأولى ويهددني ! لا أتذكر أنه لي أعداء ؟
قلت له مستغربا : تحذرني ؟ ليش آنا شسويت لك ؟
نهض من مقعده .. يبدوا أنه يحاول تهدءة أعصابه .. أخذ يعبث بالملفات التي على مكتبي وأنا مستغرب منه .. من هذا الرجل المغرور ؟ لأقول بضيق : يا أخي .. آنا مشغول .. وقرب يخلص وقت الدوام ..
قاطعني : قصدك أطلع ؟ طردة ؟
هززت كتفي بحيرة : والله ترجمها مثل ما تبي .. بس اذا تبي تقعد حياك .. لكن خلني أكمل شغلي ..
ضحك .. بل ضحك بشدة .. أخذ يقهقه بطريقة مستفزة .. وأنا أراقب ما يفعل بضيق وذهول ..
لكن .. الشيء الذي لا أستطيع نسيانه .. ويعود لذاكرتي كل ما همتت بدخول مكتبي .. هو يداه التي أخذت تلقي بملفاتي على الأرض .. وتتناثر الأوراق ..
عبث بكل شيء .. ألقى بكل ما هو موجود على الأرض .. انقلب المكان رأسا على عقب .. وأنا عاجز عن النطق حتى !
==
ركنت سيارتي أمام مدخل الشركة .. وما إن ضغطت على زر المصعد الكهربائي .. حتى فتح .. لم يكن خاليا .. بل كان فيه وليـــــــــــــد ..
التقت أعيننا .. الذي أذكره .. أنه يسكن في الأردن .. فقد كلفه والدي بالعمل هناك يدير أحد شركاته .. ما الذي أتى به ؟
فلأكمل لكم .. التقت أعيننا ... كانت تعابير وجهه تحتوي الكثير من المشاعر .. الحقد .. الغضب .. الضيق .. السعادة .. والسخرية !
تبسم لي .. وربت بكفه على كتفي : حيى الله دكتورنا ..
حاولت أن أبتسم .. لكن .. لم أستطع .. لأني في حالة من الذهول والحيرة .. ليكمل باستهزاء : أمداه صاحبك يستنجد فيك .. وأمداك توصل تساعده ؟
لم أفهم ما قاله .. لأنني أساسا كنت شاردا في التأمل به : ما شاء الله ما ضنيت انك سريع لهدرجة .. يلله روح لا أعطلك .. روح ساعده .. قبل ما يجي الوالد ويطرده من الشغل .. وتفشل مخططاتك ..
ابتعد عني .. وأنا بقيت كما أنا .. لا أعلم ما الذي حدث لي .. فمجرد رؤيته .. تذكرني بأشياء وأشياء قد نسيتها .. أجل .. نسيتها .. وعينيه القذرتين .. ذكرتني بها .. لكن .. لما عاد ؟ لما هو هنا ؟ لما قال تلك الجمل ؟
مهلا .. كأنه قال صاحبك .. اي .. محمود .. وهل لي صاحب غيره ؟
إذن محمود بخطر ..
هذا ما استنتجه عقلي .. لأضغط مرة أخرى على المصعد .. لحين فتح إلي .. ودخلت بسرعة .. ضغطت على الزر الذي كتب عليه رقم 4 .. وببطء .. وصلت إلى مكتب محمود .. طرقت الباب .. لم أسمع ردا .. فتحت الباب .. وهممت باقتحام المكان ..
كادت عيناي تخرجان من مكانهما .. وأنا أرى المكان قد تحول لفوضى .. فوضى عارمة .. الأوراق في كل مكان .. جلت ببصري المكان مرة أخرى .. بحثا عن محمود .. لأراه واضعا رأسه على الطاولة ..
اقتربت منه بصعوبة .. وأنا أتخطى الأشياء المرمية .. وضعت كفي على ظهره .. ليرفع رأسه ..
وأنا أيضا .. لن أنسى هذه اللحظة أبدا .. كأنني رأيت دمعا متجمعا في عينيه .. كأنني رأيت الانكسار باديا على ملامحه .. كأنني رأيت بحرا من الهم في عينيه ..
احتضنت رأسه .. وقال لي بهدوء قاتل : من هذا ؟
همست له وأنا متأكد من ما أقول : وليـد .. أخوي ..
==
حل المساء .. وفي منزل فطوم ..
صرخت في وجهه لأول مرة : تروح تعتذر لها ..
صرخ هو الآخر : لا والله ؟ آخر زمن .. آنا أعتذر لها ..
صرخت ثانية : اوكي .. لا تروح .. بس لا تكلمني .. أصلا أنا ما أتشرف تكون أخوي ..
صفعة باردة .. ساخنة .. كحال الجو الذي نعيش فيه .. نتجت عنها .. دمعة باردة ساخنة أيضا .. وابتسامة بصعوبة بالغة رسمتها .. حاولت أن أتفوه بشيء أستعيد به كرامتي التي دهسها بصفته .. ولكن .. الصدمة ألجمت لساني .. وقادتني للذهاب لغرفتي ..
أقفلت الباب .. استرخيت على سريري .. غطيت رأسي بلحافي .. وأخذت أبكي .. ولكن .. بصمت مطبق ..
أفكار تأخذني هنا وهناك .. لأمد يدي .. والتقط هاتفي .. وأقطع خلوتي مع الدمع .. بالاتصال إليها ..
==
كنت حينها .. أشبه بمنهارة .. فمحمود .. لم يعد بعد .. ولا يجيب على اتصالاتنا .. وأمي قلقلة .. وبين الحين والآخر .. يرتفع عليها ضغط الدم .. وأنا .. أسارع بعمل كوب عصير ليمون ..
أما أختاي .. فهما تلهوان خارج الدار .. في حديقة المنزل الصغيرة .. وعلي .. يجلس أمام التلفاز .. يقلب من قناة لأخرى .. ليخفي توتره وقلقه ..
" أحمــد .. "
هذا متفوهت به .. لتفترسني أنظار كل من أمي وعلي .. وقبل أن أكمل .. رن هاتفي .. لننصت لرنين الهاتف .. وخفقان قلوبنا في ازدياد ..
نظر إلي علي : يمكن محمود ..
ركضت نحو هاتفي الموجود فوق المنضدة .. انتزعته برفق وما إن نظرت إلى اسم المتصل .. لأرى بأنها .. فطـوم ..
ضغطت زر الرد .. وقد أصابهما إحباط كبير حينما قلت : هلا فطووم ..
وصلني صوتها المخنوق بالعبرة : بيان .. انتي زعلانة علي ؟
تبسمت .. يبدو أنها تبكي .. كم أحبها فطوم .. تشعر بالذنب لذنب لم تقترفه .. لكنها ذكرتني عن ما كنت غافلة عنه : الا فطومة .. وبعدين ليش أزعل ؟
عادت لنوبة بكاء أخرى : فطووم .. لا تصيحين .. اللحين صدق بزعل ..
وصلني صوتها المتعب : ليش ما تردين علي ؟
تبسمت : لما تصلتين الظهر كنت أسبح خواتي .. وما كان عندي كردت اتصل فيج .. وقلت لعلاوي يشتري لي .. ولما بغيت اتصل فيج .. امي قالت لي إن محمود لين الحين ما رجع .. وكان المغرب .. والحين الساعة 10 ومحمود ما رجع .. واحنا كلنا خايفين عليه ..
لم تجبني إلا بالسكوت .. فأكملت : فطوم ؟
وصلني صوتها ثانية : محمود فيه شي ؟
تبسمت : ادعي ربج إن ما فيه شي .. بس بسألج ..
قالت لي : بدعي له .. آمري ..
قلت لها : عندج رقم دعــاء ؟
قالت لي : اييي .. لحظة بعطيج إياه ..
==
أغلقت بيان الهاتف .. وجلست بجانبي وقالت : ماما .. أنا أخذت رقم دعاء اخت احمد .. بقول لها تعطيني رقم أحمد وسأليه عن محمود اوكي ؟
قالت أمي بتعب : طيب .. سرعي ..
كنت أنظر نحوها .. ورأيتها تضغط زر الاتصال وما إن أجابتها دعاء تلك .. طلبت منها رقم أحمد .. يبدو أن الأخرى تفاجئت من طلب بيان .. لذلك أخذت تشرح لها الأمر .. وبعد عدة لحظات .. تهلل وجه أختي فرحا .. ونهضت باتجاه أمي وهي تضغط زر الاتصال أيضا ..
رن طويلا .. ولا أحد يجيب .. ورأيت الخيبة مرة أخرى على تقاسيم وجه أمي .. نهضت لها .. كنت أود التفوه بـ " لا تقلقي " لكنها .. سرعان ما نكست رأسها وأخذت تبكي ..
أخذت أنظر نحو بيان .. وبيان تنظر إلي .. والدمع اتضح بعيني بيان .. يا ربي .. ماذا أفعل الآن ؟ أمي بحاجة للمواساة .. وبيان ستبدأ بالنحيب لبكاء أمي .. وأنا .. مكتوف اليدين .. لا أستطيع القيـــام بشيء !
==
كنت جالسا على المقعد بجانب عمار .. وأنظر إليه بتمعن وهو يكتب مسجا يريد إيصاله لإحداهن .. كنت مصمما .. أن أنفذ ما اتفقنا عليه أنا وبيان .. وبعد أن سمعت ما سمعت من أمي .. وأن أحدا ما بين الثلاثة الذين أراهم أمام وجهي قد تسبب بجرح بيان .. زادت عزيمتي ..
لا أعلم كيف خطر هذا ببالي .. لكنني قلت لعمار : عمار ..
لم يلتفت إلي .. وبقى يعبث بلأزار لكنه قال : هممم ..
قلت له : يصير أستخدم لاب توبك ؟
رمقني من طرف عينيه .. ثم قال : انزيين .. حدك ساعة ..
نهضت بسعادة : مشكوور .. أعرفك ما تقصر ..
وبسرعة ركضت نحو غرفتي .. أخذت ( الفلاش الموميري ) .. واتجهت نحو غرفته .. تناولت الاب توب .. وضعت بحضني .. وفتحته بسرعة .. وأخذت أفتش بين ملفاته عن شيء ينفع لخطتنا ..
وأي شيء سينفعنا أكثر من سجل المحادثات ؟
اتجهت لذاك الملف .. ضغطت عليه .. الحمد لله أن لا رمز قفل عليه .. قمت بعمل نسخة له في ( الفلاش ) .. جبت هذا الملف وذاك .. وعثرت على بعض الصور .. كنت أراها وأنا مبتسم .. لم أنصدم .. فهذا شيء متوقع ..
أغلق الجهاز .. أخذت فلاشي .. وهرولت نحو غرفتي .. وضعتها في خزانة ملابسي .. وطرشت لبيان مسجا ..
==
كنت جالسة بجانب جهاد .. نتبادل أطراف الحديث .. حينما جاءت أمي وجلست بيننا : اختكم زعلانة .. روحو راضوها ..
قلت لها بضيق : يمه .. هي غلطت على عمار .. فتستاهل الصفعة ..
قالت أمي : هي للحين جاهلة .. وانتون وش كبركم .. كل وحدة عندها عيال .. وتخلون بالكم وبالها ؟
قالت جهاد : الحين احنا وش سوينا ؟ هي تهاوشت مع عمار .. وبعدين عمار الي صفعها مو احنا .. المفروض تقولين لعمار يراضيها ..
كل الأعين اتجهت نحو عمار الذي نظر نحونا بضيق : لا تخافين .. براضيها .. بس مو الحين .. أول شي خلها تحس بأن الي قالته خطأ ..
قالت أمي بيأس : انتو ما منكم فايدة .. قلوبكم قاسية وما فيها رحمة .. ما أدري طالعين على من .. وأنا للحين ما هاوشتكم على الي سويتونه في بيان .. هذي عمايل تسوونها في بنت خالتكم ؟
قلت بحذر : هذا الحق وينقال .. محد مخرب بنتج إلا هـ البيان ..
قالت أمي بعصبية : الي يسمع إن بنتي الحين صايعة وعلمها الصياعة بيان .. والي يسمع بعد .. يقول إنكم ما سويتون إلي يسونه لما كنتون بسنهم .. ها عمار ؟ نسينا ؟
التفتنا له ثانية .. ليقول بعد صمت : أنا مالي دخل .. ضياء وجهاد قالو لي أتصل .. وأنا الي علي بس أتصل للمدرسة وأكلمهم ..
فتحت جهاد عينيها بصدمة : الحين عاد حاس بالذنب ؟ مو انت الي قايل انها عايرتك وتبي ترد الصاع لها صاعين ؟
قال وهو يبتسم : ومن الي قال لي الفكرة ؟؟
ليقطع حديثنا دخول فطوم .. والدمع على خديها وهي تقول : محمود من الصبح ما رد بينهم .. وخالتي صاحت وارتفع عليها الضغط ..
[ ضياء : 29 سنة ]
==
فتحت الباب وأنا أنشف دمعي بكفاي : دخلوا ...
لتدخل خالتي أولا .. ثم تدخل خلفها فطوم .. وكلهم .. لأني لا أود ذكر أعدائي البقية ..
ليتجهوا نحو أمي المستلقية على أحد الكنبات .. وعينيها لم تتوقفا عن ذرف الدمع .. فأمي قد نسيت شرب أقراصها .. جراء خوفها على ولدها الذي يغطي وجود أبيه .. فكان الخوف ونسيان الأقراص .. كل هذا دفع لارتفاع ضغط الدم أكثر من المعدل الطبيعي .. بضعفين ..
وقفت بجانب علي .. أستمع لتزاحم الأصوات .. وأتأمل الوجوه .. وقلبي يفكر باثنين .. أمي ومحمود .. كنت خائفة .. وأسمع صوت نبضي بوضوح ..
ليرن هاتفي .. ولكن نتيجة الضوضاء .. لم يلتفت أحد .. أخذته من جيب بنطالي برجفة سرت في جسدي .. وكـ المرة السابقة .. لم يكن محمود .. بل كان عماد ..
خرجت من الصالة ووقفت عند بابها : هلا عماد ..
وصلني صوته : شنو صاير ؟ تقول الخدامة بيتنا عندكم ؟
قلت بحزن : ماما ارتفع عليها الضغط .. وأنا وعلي ما نعرف شنو نسوي .. اتصلت في فطوم علشان تقول لأمك .. تجي تشوفها .. وكلهم جو ..
قال لي : انزين أنا الحين بجي .. باي ..
قلت بهدوء : بيباي ..
قبل أن أغلق هاتفي .. انتبهت لوجود مسج .. تجدد الأمل بداخلي .. يبدو أنه من عند محمود .. لكن .. تكررت خيبة الأمل .. حينما كان المرسل " عماد " ويقول :
تمت العملية بنجاح ..
==
حاولت في خالتي أخذها للمشفى .. لكنها رفضت وبإصرار .. خوفا منها أن يأتي محمود ولا يجدها .. ماذا فعل لها هذا المحمود ؟ ألا يأتي ويريح بالها ؟
رفعت هاتفي واتصلت له .. لكنه لم يجيب .. اتصلت له ثانية .. ولم يجب أيضا .. لأرفع نضري .. فأرى بيان جالسة بالقرب مني .. اوه .. عذرا .. أقصد بأنها بالقرب من خالتي .. وتجبرها على احتساء عصير الليمون !
حدقت بها طويلا .. يبدو أنها لم تكف اليوم عن البكاء .. فعينيها محمرتين .. وأنا أتذكر .. منذ أن كنا صغارا .. نخاف أن نضربها .. لأنها حينما تبكي .. لا تزول آثار الدمع .. بل يبقى احمرار بياض العين دليل بأننا أبكيناها ..
تبسمت على هذه الذكرى .. وحركت رجلي للذهاب نحو فطوم " الزعلانة " ..
طوقت كتفيها بذراعي .. لكنها حينما رأتني .. أبعدت ذراعي .. وجلست بجانب علي ..
ذهبت نحوها مرة أخرى .. جلست بجانبها .. وهمست لها : روحي لبيان .. طالعيها تعور القلب ..
احتقرت نفسي حينما قالت : ليش انت فيك قلب ؟
صصحيح ما نقوله .. فطوم لا تتمرد على ما نقوله .. فطوم مسالمة .. لكن جراء احتكاكها ببيان .. أصبحت طويلة اللسان مثلها !
حاولت اخفاء ضيقي : معاج حق .. ما عندي .. بس تسلفت قلبج .. روحي لها .. تكفيين ..
لدغني سؤالها : وليش تبيني أروح لها ؟ كاسرة خاطرك مثلا ؟
هنا .. توقف لساني عن النطق .. هنا شعرت لما قلته .. مالي ومالها ؟ سحقا لها ..
نهضت عن فطوم .. فقد أيقضت مشاعر الكراهية لتلك الإنسانة في داخلي .. لكنني لحقت تلك أي " بيان " بعيناي .. حينما قرأت الفرح في عينيها .. وهي تهم بالركض خارج الصالة ..
تبعتها .. ولنرى من هذا المتصل .. الذي أفرح قلبها الصغير ..
==
كنت على وشك البكاء .. لكنني أرغمت نفسي على السكون .. وحينما شعرت برنين الهاتف ثانية .. تجدد الأمل في داخلي .. ورفعت هاتفي .. لأقرأ اسم المتصل الذي دونت رقمه توا " أحمــد صديق محمود " ..
ركضت خارجة من الصالة .. لا لشيء .. وإنما لأتمكن من معرفة كل شيء قبل أن أقوله لأمي .. كي أخفي عنها بعض الأشياء .. لو كان مكروها لا سمح الله حدث لأخي الحبيب محمود ..
ضغطت على زر الرد : أحمـد ؟؟
وصلني صوته ولكن يبدو أن الإرهاق أخذ مأخذه منه : انتي بيان ؟
هززت رأسي وكأنه يراني : اييي .. وين محمود ؟ محمود معاك ؟
نفس ذاك الصوت وصلني ثانية : اي .. بس هو ما برد بيتكم .. بجي معاي ..
استغربت ذلك فقلت بخوف : محمود فيه شي ؟
قال لي : لا .. بس أنا تعبان وبيقعد معاي ..
كذب ما يقول : ما أصدق الي تقوله .. لو كان كلامك صحيح .. كان هو بنفسه الي اتصل .. أحمد والي يرحم والديك رد علي .. أنا طلعت عن أمي بس علشان أفهم الموضوع .. أحمد ترى أمي ارتفع عليها الضغط ... تراها واجد خايفة على محمود ..
قلت كل هذا الكلام بدون أن أخذ نفسا واحد .. ليجيبني بعد صمت : لحظة شوي ..
جلست على العتبات وسندت رأسي إلى الجدار .. ورغما عني .. سقطت دموعي .. إحساسي يقول بأنه حدث لمحمود شيئا .. محمود لا يغيب عنا .. محمود لا يتركنا ..
لكن .. ظل أحدهم .. أجبرني لرفع رأسي .. وصدمت حينما رأيته عمار .. بنظرات غريبة ..
==
اقتربت منها .. كنت غاضبا .. لا أعلم لماذا .. لا أدري ما يحدث لي في هذه اللحظة .. لكنني غاضب .. مددت كفي .. وتناولت هاتفها من دون أي صعوبة .. فقد كانت مذهولة من تصرفي ولم تستطع التفوه بحرف ..
وبهدوء قلت : ألو ؟
لم أسمع صوتا .. رمقتها بنظرة .. ووصلني صوت أحمد الذي التقيت به عدة مرات مع محمود : بيان ؟ انتي معاي ..
قلت بضيق وأنا أسمعه يتلفظ باسمها : أنا عمار .. وينه محمود ؟
قال لي بنفس الهدوء : هلا عمار .. اسمعني .. محمود في المستشفى خالين عليه مغذي .. وهو نايم ..
نظرت إلى عينيها .. فقد كانت تلتهمني بنظراتها المهتمة وأشحت بوجهي خوفا من الإبحار في تلك العينين : ليش شنو فيه ؟
وصلني صوته : صارت عنده مشكلة في الشغل .. وفنشه الوالد .. وصار شجار حاد .. تدخلت الشرطة .. ولأنه ما أكل شي من الصبح .. انخفض ضغطه .. وارهق .. أخذته المستشفى .. والحين نايم ..
كنت منكسا نظري .. لكنني شعرت بحركة .. فقد قامت من مكانها .. ووقفت أمامي .. أغمضت عيني .. ابتعدي بيان .. ابتعدي : طيب في أي مستشفى ؟
لم أستطع التركيز .. فقد أمسكت قميصي وأخذت تهزني بخفة .. ودمعها على خديها وهي تقول : شفيه محمود ؟
أغلقت الهاتف بعد أن ذكر لي اسم المشفى .. تنهدت بضيق وأنا أستمع لصوت بكاءها : قولي شفيه محمود ؟
مددت كفي لها بهاتفها وقلت بحدة أخفي خلقها مشاعري : مرة ثانية لا تتكلمين مع أحد غريب .. فاهمة ؟
لم تعر لما قلته اهتماما بل واصلت بكائها ورجاها فقلت : ما فيه شي .. تراه في المستشفى نايم ..
جلست على العتبة .. وغطت وجهها بين قدميها وواصلت بكاءها .. أشفقت لحالها .. وجلست بجانبها : صار له مشكلة في الشغل .. وهواش .. فصلوه من الشغل .. ونزل ضغطه وأخذه أحمد المستشفى .. خلو عليه مغذي لأنه ما أكل شي .. ونام لأنه تعبان ..
رأيتها ترفع رأسها .. وهي تمسح رذاذ دمعها .. لم أستطع البقاء أكثر .. فأنا أشعر بأن الأوكسجين لا يصل لرئتي .. شعرت باختناق حاد .. مما دفعني للنهوض لداخل المنزل .. لأخبر خالتي ما جرى وأطمئن فؤادها ..
==
طلت أمنا الشمس باستحياء على أبناءها .. طلت ابتسامة السماء .. لتنثر على بعض أهل الأرض .. ابتسامات لأيضا ..
أفقت من نومي حينما صفعتني بيدها .. أبعدت يدها عني .. وانقلبت الجهة الثانية .. وما إن أغمضت عيناي .. حتى تذكرت بأنني رأيت بعض النور قبل قليل .. نهضت على عجل .. لأرى أن النور انتشر في المكان .. لم أغسل وجهي حتى .. بل إنني هممت بالخروج من غرفتي .. والذهاب لغرفة محمود .. وطرقها ..
" محمـــــــود "
فتحت الباب .. رأيته يتوسط سريره .. رأيته مغمض العينين .. رأيته نائما .. اتجهت إليه .. قبلت رأسه .. وخرجت من الغرفة ..
عدت إلى غرفتي .. استحممت .. اغتسلت غسل الجمعة .. لبست ملابس " كشخة " .. خرجت من الحمام .. تعطرت .. ومشطت شعري .. وتركته مفتوحا .. وجلست على سريري .. أوقظ فطووم ..
هززتها : فطووم يالكسوولة قومي ..
فتحت عينيها بإرهاق : هممم ..
قبلت خدها : قووومي بسرعة .. خلنا نسمع شنو صار في حبيب القلب ..
رأيتها تبتسم .. وتبحث عن شيء تقذفني به .. ضحكت ورفعت يداي باستسلام : خلاص .. أسحب كلمتي ..
أبعدت الحاف .. ونهضت قاصدة الحمام .. وأنا .. سارعت بفتح النافذة .. صحيح أنني أكره الضوء .. ولكني سأنعش غرفتي بأشعة الشمس .. فأنا الآن لا أحد يفوقني سعادة ..
ما زلت أتذكر أحداث الأمس الغريبة .. كان يوما طويلا كئيبا .. بدأ مع شجاري مع المعلمة تلك .. الآيس كريم اللذيذ الذي سأطلب من محمود شراءه لي فقد استهواني .. لحين قلق أمي عن تأخر محمود .. ارتفع ضغطها كثيرا .. اتصلت بفطوم .. جاءت خالتي وجاء معها أكثر الناس كراهية لي .. مسج عماد .. اتصال أحمد .. و تفاهات عمار ..
وآخر شيء .. هو اتصال أحمد ..
أجل .. فقد نمت على صوته .. سأحدثكم بما جرى ..
*
كنت نائمة .. حينما أيضني صوت هاتفي .. ضغطت على زر الرد من دون أن أقرأ اسم المتصل : نعم ؟
وصلني صوته الهادئ : قعدتج من النوم ؟
ابتسمت رغما عني وأنا مغمضة عيناي : ما في مشكلة .. في خبر عن محمود ؟
قال لي : اييي .. محمود قعد .. وقال لي أرده البيت ..
قلت له بسعادة : الحين الساعة كم ؟
وصلتني صوت ضحكاته : الساعة ثلاث وانص .. يلله قومي صلي .. وافتحي باب الطريق .. وردي نامي ..
نهضت بنشاط من على سريري : لااا .. بصلي وبنطره ..
قال لي وهو ما زال يضحك : اذا جييت ولقيتج قاعدة .. باخذه معاي ..
قلت باستسلام : اوكييه .. بنام .. بس انت جيبه ..
لا أعلم ما سر تلك النبرة حينما سألني : تحبيينه ؟
سكت مطولا ثم أجبته : وفي بنت ما تحب أبوها ؟
ساد الصمت بيننا طويلا .. ثم وصلني صوته البارد : الله يرحمه .. تصبحين على خير .. وادعي لي في صلاتج ..
*
" ههههه " ما بالكم تنظرون نحوي هكذا ؟ أجل .. أنا سعيدة .. لأمرين .. بل لثلاثة أمور .. أولها صحة أمي التي عادت .. وثانيا عودة محمود سالما .. وثالثها .. أحمـــــد ..
==
على غير عادتي .. صحوت مبكرا .. إنه الجمعة .. اعتدت أن أستيقظ عند التاسعة .. لكنها الآن الثامنة .. والسبب معروف .. بل لا أستطيع الإفصاح عنه ..
وهو أنني طول ليلتي هذه لم أنم .. ولم تغفو عيناي .. فصورته بين الحين والآخر تتضح لي .. لا أعلم سبب ظهورها .. قمت بهذه الأمور كثيرا .. لكن .. لم أجد صعوبة في اقتراف هذا الشيء إلا مع هذا الصعلوك .. الذي استوقفتني نظراته .. نظراته بريئة .. هادئة .. صوته هادئ .. وكل شي فيه يبعث السكينة .. لكنه بعث إلي عكس ذلك !
محتار أنا .. أأكمل ما بدئت به .. ونفذ ما طلبه مني والدي .. أم أبتعد عنه .. وأتنـــاساه ..
ليقطع علي تفكيري .. صوت ولدي " محمود " .. مهلا .. اسمه محمود .. ليتني لم ألتق بك يا محمود .. فقد قلبت أفكاري وبعثرتها .. كما بعثرت الهدوء الذي يلفحك ..
==
خرجت من غرفتي .. طلبت من الخادمة أن تجهز فطوري .. وخرجت خارج المنزل .. جلست على المقعد الهزاز .. ورغم أنه أول النهار .. إلا أن أشعة الشمس ساخنة .. فارتديت نظاراتي الشمسية .. لأستذكر ما حدث مع يعقوب .. حينما أعطاني نظاراته لأرتدها .. إنها لا زالت معي ..
ابتسمت على هذه الذكرى .. كم أنا خجلة منه .. لا أعلم كيف ارتميت في أحضانه .. كل ما أعرفه هو أنني كنت خائفة من عمي .. وحينما رأيته .. حاولت الاختباء كي لا تصلني يداه ..
وصلني فطوري .. ولكن .. لم تكن الخادمة وحدها .. بل كانت أمي خلفها .. وجلست أمامي .. وتناولت كوب الشاي : شلونج منتهى ؟
ابتسمت لها .. ليس من أجلها .. وإنما لأنني هادئة ولا أشكو من شيء : بخير ..
احتست شربة أخرى .. وأخذت تحدق بي مطولا وأنا أتناول سندويشة الجبن والزيتون ..
قلت لها : تبين تقولين شي ؟
تبسمت وقالت : كبرتين ..
هذه الكلمة .. تذكرني بحادث حدث قبل عدة أشهر .. قد قالتها أمي .. حينما خطبني أحدهم ..
قلت لها أنهي الموضوع : بس انتي تعرفين رايي إن غير أحمد .. ما باخذ ..
تبسمت بثقة : واذا أحمد تزوج ؟
هذا الأمر لم أفكر به قبل هذه اللحظة .. أحمد يتزوج .. من فتاة غيري ؟ مستحيل ..
قلت لها بنفس تلك الثقة : مستحيل ..
قالت لي : بس هذا الي صار .. والي جاينج هـ المرة أحسن من أحمد ..
كان الدمع قد تجمع في عيناي قلت متداركة : لا تقولين لي مازن ؟
هزت رأسها بايجاب : شكله مكلمج بالموضوع ..
نهضت بضيق : لا .. ما كلمني .. قولي مضايقني بتفاهاته .. ماما .. أنا متأكدة إنه هو الي قال لكم إن أحمد تزوج .. آخر شي في حياتي أصدق هـ الجذاب .. ولو خلصو الرجال الي في العالم .. ما تزوجت مازن ..
==
كنا على مائدة الفطور .. نستمع لما يقوله محمود .. كنا .. أقصد بذلك أنا " فطوم " .. وبيان .. علي .. التوأمان .. خالتي .. ومحمود ..
قال بضيق : وقلب مكتبي فوق تحت .. وأنا مذهول من الي يسويه .. وبعدها طلع .. تأملت بالمكان .. حالته حالة .. فخليت راسي على الطاولة .. بعد ما حسيته يفتر من الصدمة .. وكلها دقايق .. وجاني أحمد .. انصدم من الي شافه .. سألته عن الشخص الي سوا كل هذا .. وقال لي بأنه وليـــد .. أخوه ..
قالت بيان بقهر : هذا الشبل من ذاك الأســـد .. شكلها الأخلاق الزفتة وراثة .. أبا عن جد ..
تبسمنا .. وأكمل محمود : صحيح إني كنت مضايق .. ومعصب .. لكن بعد ما كنت مثل أحمد .. الي ثار .. وراح مكتب أبوه .. ما ادري شنو صار بينهم بالضبط .. بس جى أبو وليد .. وضحك ضحكة مستفزة .. وبعدها صرخ علي .. إني مفصول .. وهذي لعبة آنا مسونها .. والدليل .. شلون عرفت إن وليد هو الي سوا كل هذا وأنا ما أعرفه ؟
اتصل بالشرطة .. وقال لهم إني أهدده بأني أدمر شركته .. وإني أحرض الموظفين ضده وكلام واجد .. وبعدها قامو بياخذوني الشرطة .. أنا كنت ساكت .. لسببين .. أولها لأني منصدم .. وثانيها .. لأن ما عندي دليل .. لكن أحمد وقف في وجه أبوه .. وقال لشرطة بأنه يشهد إن كل شي قاله أبوه جذب .. رحنا مركز الشرطة .. وكملو التحفيق .. أبو وليد قاله إنه بيتكرم وبيتنازل عن القضية .. بعد ما أوقع تعهد بأني ما أكرر الي سويته .. ولأني كنت حينها دايخ ومفتر راسي .. ما حسيت نفسي إلا في حضن أحمد يكب علي ماي ..
أبو وليد حب إنه يبين إنه كريم وعطوف .. قال لي أرد الشغل .. لكني رفضت .. وقلت له إن الزمن بينا ..
السكوت يملأ المكان .. غير من صوت خالتي أم محمود التي تدعي على ذاك المدعو " أبو وليد " .. يقولون أن دعوة الأم مستجابة .. يقولون بأن دعوة المظلوم مستجابة .. ويقولون أيضا .. بأن لا حجاب بين دعوة المظلوم والله .. وأن الظالم .. سينال جزاءه في النهاية ..
==
أغلقت سيارتي بالرموت .. وهممت بدخول منزل جدتي وأنا أحمل السلة التي يوجد بها أغراض أمي .. التي تحملها أسبوعيا .. ليبدأ هاتفي بالرنين .. مسكت السلة بيدي الأخرى .. وما إن حططت يدي في جيبي لأخذ هاتفي .. حتى توقف الرنين .. تركته وشأنه .. ودخلت الصالة ..
" الســـلام عليكم "
هذا ما قلته وأنا أرى أفراد العائلة كلهم متجمعون .. وأخذ كل واحد منهم يرد السلام بطريقة خاصة .. اتجهت نحو والدتي ووضعت سلتها بجانبها : يمه .. السلة اليوم أثقل من كل مرة .. شنو خالة فيها زيادة ؟
قالت وهي تضحك : مسوية دلتين شاي .. لأن أم محمود ..
قطعت حديثها خالتي أم محمود : ليش تعبتين روحج .. تراني اللحين بخير ..


يتبع ,,,,,

👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -