بداية

رواية عندما تنحني الجبال -5

رواية عندما تنحني الجبال - غرام

رواية عندما تنحني الجبال -5

قال متهكما :- هذا جيد .. لديك قلب يهتم بالآخرين .. انت تتطورين
كبتت غيظها وهي تقول :- ما الذي أردته مني ؟
:- أن أطوف بك المكان قبل أن أغادر إلى عملي .. كي تعرفي أين تتحركين بالضبط أثناء تجوالك فيه ..
أشار لها حوله إلى الطابق الثالث قائلا .. هذا الطابق مخصص لإقامة المستخدمين .. اختارت جدتي الإقامة فيه لتبتعد عن الضوضاء .. ولأنها لا تغادر غرفتها أبدا .. بل هي بالكاد تغادر سريرها بسبب التهاب المفاصل .. ولكنني أزورها باستمرار وأخصص لها ممرضة للاهتمام بها .. كما يزورها الطبيب بشكل دوري للاطمئنان عليها
تابع تجواله بها عبر الطابق الثاني حيث غرف النوم .. وصالة فسيحة للجلوس .. ثم إلى الطابق الأرضي الذي احتوى على غرف الاستقبال والطعام .. والمكتبة .. كانت تستمع إليه وهي تتأمل الجدران العالية المزينة باللوحات الجميلة .. والأثاث الثمين الملائم للديكورات الحديثة الطراز ... ما زالت غير قادرة على تقبل ثراء محمود الشديد .. بدلا من أن يريحها هذا ويسعدها أشعرها بالخوف من المستقبل الذي ينتظرها مع رجل بسطوته قامت هي بإهانته أكثر من مرة
أخذها في النهاية إلى غرفة مكتبه التي احتلت مكتبة كبيرة جدارا كاملا ضمت أكبر مجموعة كتب رأتها في حياتها .. ثم مكتب ضخم مصنوع من الخشب الثقيل مرتب بعناية علاه جهاز كومبيوتر حديث الطراز .. وسجادة بألوان مشرقة غطت جزءا كبيرا من الأرضية الرخامية .. قال بهدوء :- هنا أقضي معظم أوقاتي
تحسست الكتب بأناملها وهي تقول بذهول :- هل قرأت كل هذه الكتب ؟
ابتسم قائلا :- لقد جمعت أمي جزءا كبيرا من هذه الكتب .. فقد كانت مولعة بالقراءة .. وأنا من بعدها اقتنيت مجموعة كبيرة
نظر إلى الكتب ذات الأطر الأنيقة وقال :- ولكن إجابتي عن سؤالك هي النفي .. لم أقرأها كلها .. فهناك كتب لا توافق ذوقي
أدركت بأنه يقصد ما يعود إلى غيره من سكان المنزل .. تأملت قسما ضم روايات رومانسية نسائية الطراز .. وكتب عن الجمال والموضة .. من الواضح أن هذه الكتب تخص ريم
قال :- يمكنك استعمال هذه الغرفة أثناء دراستك
لاحظ تغير ملامحها بسبب التوتر فقال :- أنت تذكرين اتفاقنا يا نانسي .. أريدك أن تعودي إلى الجامعة منذ صباح الغد .. ومأمون سيكون تحت أمرك .. سيكون عمله الاهتمام بتنقلاتك .. إلا في حال كنت أنا موجودا فسأوصلك بنفسي
لم ترد عليه .. فأدارها إليه قائلا بحزم :- لا أريد ترددا .. لن يجرؤ أحد على التعرض لك بالكلية .. أعدك
ابتلعت ريقها باضطراب .. كيف عرف بما يخيفها .. ثم تذكرت بأنه كان شاهدا على اضطهاد الطلاب لها أكثر من مرة .. قالت بعصبية :- أنا لست قلقة .. فليجرؤ أحدهم على الاقتراب مني وسيناله ما لا يعجبه
ابتسم وهو يقول مداعبا :- يا إلهي .. لقد بعثت الخوف في نفسي .. هذا ما أريده منك .. أن تعودي إلى الكلية محملة بقوتك القديمة .. التي لا يجرؤ أحد على مواجهتها
لم تبتسم .. فقد كان القلق يعصف في كل خلاياها من العودة إلى ذلك المكان بعد هجوم جابر لها .. ومن لقاءه مجددا وإن كان قد حكى لأحد عما فعله بها ..
عندما شاهدت جميع أنحاء المنزل أخذها في جولة في الحديقة قائلا :- في الربيع يصبح هذا المكان رائعا
تمتمت وهي تنظر إلى الجمال المحيط بها :- أستطيع تخيل هذا
استدار نحوها قائلا :- سأذهب الآن يا نانسي .. كنت أرغب بالبقاء معك في أول يوم لك هنا .. ولكن العمل يناديني
تمتمت :- هل ستتأخر ؟
ها هي تستجوبه كأي زوجة تقليدية تفتقد زوجها .. الناقص هو أن ترتمي عليه وترجوه ألا يذهب .. نظر إلى وجهها متفحصا وهو يقول :- في الواقع نعم .. سأتأخر قليلا
اقترب منها وربت على وجنتها قائلا :- تذكري بأن هذا هو بيتك الآن
أومأت برأسها دون أن تقول شيئا .. ظنت بأنه سيضيف شيئا إلا أنه قال أخيرا :- أراك لاحقا
راقبته يبتعد .. ويستقل سيارته .. فتنهدت وهي تعود إلى داخل المنزل .. كانت في طريقها إلى غرفة لينا عندما أتاها صوت ريم قادما من خلف أحد الأبواب .. كادت تتابع طريقها لو لم تسمع اسمها فتوقفت .. وسمعت ريم تبكي وهي تقول :- ما الذي أعجبه بها ؟ .. ليست أكثر جمالا مني .. إنها ابنة لص حقير وستحرجه أينما ذهب
توتر جسد نانسي بغضب .. سمعت صوت منار تقول :- لا تقلقي يا حبيبتي .. لن تمر فترة طويلة حتى يمل منها .. ويرميها في الشارع كما فعل مع غيرها
لم تستطع نانسي أن تسمع المزيد .. وإلا كانت ستقتحم الغرفة وتنهال على الإثنتين ضربا .. دخلت إلى غرفة لينا لتجدها جالسة على طرف السرير ساهمة .. جلست إلى جانبها وهي تقول برقة :- ما الأمر ؟.. تبدين وكأن المكان لا يعجبك .. إنه أكبر وأجمل من منزلنا القديم
قالت لينا بخفوت :- بالتأكيد ؟ ولكن ما الفائدة إذا كان سكانه لا يحبوننا
عقدت نانسي حاجبيها قائلة :- لماذا تقولين هذا ؟
قالت لينا بغضب :- تلك المتعجرفة ريم .. إنها تعاملني وكأنني أحد الخدم
قالت نانسي بهدوء :- لا تهتمي لأمرها يا لينا .. كما أن فراس يبدو لطيفا معك
أشرق وجهه لينا وهي تقول :- بالفعل .. فراس طيب جدا ويحب الموسيقى والرسم .. لقد تحدثنا كثيرا .. إنه معجب بمحمود كثيرا ويحترمه .. وقد قال عنك بأنك جميلة جدا
ابتسمت نانسي بخبث قائلة :- فقط أنا ؟
احمر وجه لينا دون أن تجيب فضحكت نانسي برقة .. ثم قالت بجدية :- اسمعيني جيدا يا لينا .. من المؤكد بأن المرحبين بنا في هذا المنزل قلائل .. ولكننا لن نستسلم لريم ولأمها .. لا تنسي بأن محمود معنا .. وهو لن يسمح لأي أحد بأن يزعجنا
لم تكن متأكدة حقا مما تقول .. ولكن الراحة التي ارتسمت على وجه لينا استحقت تلك الكذبة .. قالت لينا فجأة :- هل تحبينه يا نانسي ؟
أجفلت نانسي وهي تقول :- ماذا ؟
:- أنا أعرف لماذا تزوجت بمحمود .. لقد سمعتك تتحدثين مع حنان
وعندما لم تجبها نانسي قالت :- أنا لست صغيرة يا نانسي .. أنا أعرف بأنك لن تتمكني من العيش معه إن كنت تكرهينه
قالت نانسي بهدوء :- أنا لا أكرهه
تمتمت لينا :- محمود شخص رائع .. أنا أحبه كثيرا .. وأتمنى أن تحبيه أنت أيضا
ربتت نانسي على شعر أختها الناعم وقالت :- لا تشغلي رأسك بهذه الأمور .. أنا سأكون بخير
ذلك المساء لم يحضر محمود وقت العشاء .. وحول المائدة .. انتقلت عينا نانسي عبر الوجوه الضاحكة وهي تشعر بالأسى الشديد لغيابه .. فشعورها بالغربة وسط أشخاص لا تثق بهم كان قويا .. تركزت نظرات ريم عليها وقد أطل منها الحقد .. فتذكرت نانسي الحديث الذي سمعته سابقا .. هل سيمل منها محمود حقا ويرميها في الشارع ؟ .. هل سبق وفعل هذا مع غيرها من النساء ؟
تذكرت الشائعات الغامضة التي سمعتها دائما عنه في الكلية .. من الواضح أنها لم تكن قادمة من فراغ .. وأن محمود فعلا كان له العديد من الصديقات قبل الزواج .. وربما ما زال
فاجأها الغضب الذي اعتراها .. لماذا تزوج منها إذن إن كان يعبث هنا وهناك ؟ لقد كان واضحا عندما قال بأن الوقت قد حان ليستقر وينجب الأطفال .. أهذا هو السبب الذي دفعه لربط نفسه بها ؟ أم لتكون ستارا لمغامراته المتعددة ؟
لا .. لا يبدو على محمود أنه من هذا النوع .. كان دائما وقورا ومتزنا .. ولطالما عاملها بتحفظ دون أن يقلل من احترامها يوما ..
خطرت على بالها فكرة أخرى أذهلتها .. هل يعود السبب إلى أنه قد عرف بأنها ليست من النوع المستهتر .. فقرر بأن الوسيلة الوحيدة للحصول عليها هي الزواج ؟
لم تستطع البقاء أكثر برفقة الآخرين بعد انتهاء العشاء .. فاعتذرت وغادرت غرفة الجلوس .. وبينما هي تصعد الدرج متجهة إلى غرفتها .. لحقت بها ريم لتقول وهي تقف أسفل الدرج :- لا تبدين بخير
ردت نانسي وهي تنظر إليها :- أنا متعبة فقط .. سأخلد إلى النوم
قالت ريم بهدوء :- لا أظنك تعانين من التعب .. ربما من القلق
نزلت نانسي حتى واجهت ريم قائلة ببرود :- ولماذا علي أن أكون قلقة ؟
هزت ريم كتفيها قائلة بلؤم :- ربما تتسائلين عن مكان محمود .. وعن موعد عودته
:- محمود في عمله .. لقد سبق وأخبرني بأنه سيتأخر
ضحكت ريم باستهزاء قائلة :- أ مازال محمود يستعمل هذه الخدعة ؟
عقدت نانسي حاجبيها دون أن تعلق فأكملت ريم :- عليك أن تكوني حذرة يا نانسي .. فمحمود ولد وحوله جيش من النساء .. وليس من السهل أن يتخلى عن كل هذا لمجرد أنه قد تزوج
ردت نانسي بصلابة :- أنا أثق بزوجي ثقة عمياء
أطلقت ريم ضحكة صغيرة وهي تقول ساخرة :- لا تنسي بأنه يعمل مع والدي .. ووالدي ماكان ليتركه ويعود باكرا تاركا محمود وحده غارقا في العمل
اقتربت من نانسي قائلة :- هل تعرفين بأن لمحمود شقة في المدينة .. شقة فاخرة مجهزة بجميع وسائل الراحة .. لقد اعتاد أن يقضي فيها الكثير من لياليه .. فهو قطعا لن يحضر صديقاته إلى هنا .. وأنا واثقة بأنه لم يخبرك بها ولن يفعل .. كي تبقى شقة العزوبية جاهزة دائما لأي موعد طارئ
بالرغم من توتر جسد نانسي وتأثير كلمات ريم السامة عليها .. قالت بمرح :- أنت محقة .. فهو لم يخبرني بها
منحتها ابتسامة لعوب وهي تقول :- لقد أخذني إليها ... أين تتوقعين بأننا قد قضينا الوقت بعد زواجنا وقبل حضوري إلى هنا ؟
اقتربت لتنظر إلى عينيها العسليتين الغاضبتين وقالت :- أما عن صديقاته اللاتي تتحدثين عنهن .. فأنا واثقة بأن العديد منهن تمنين الزواج به .. بل ربما انتظرنه طيلة حياتهن .. وهذا لا يهمني إطلاقا .. لأنه عندما قرر الزواج أخيرا .. اختارني أنا
منحتها ابتسامة حلوة وهي تقول :- تصبحين على خير يا ريم
صعدت إلى غرفتها .. ومنعت نفسها بصعوبة من صفق الباب بقوة .. تمتمت بغضب :- الحقيرة
ثم نظرت إلى صورة صغيرة له على منضدة الزينة وقالت بغل :- أيها المزيف الحقير
بدلت ملابسها وارتدت منامة حريرية بيضاء .. ثم دست نفسها في السرير وهي تتساءل .. هل كانت ريم تكذب عليها .. أم أن محمود يمتلك مثل تلك الشقة في قلب المدينة ؟
تقلبت في الفراش وهي تفكر كالمحمومة .. هل سيشاركها محمود هذه الليلة فعلا ؟ .. هل سيشاركها السرير ويحاول أخذ حقوقه منها ؟
التدفئة المركزية كانت تعمل بأقصى طاقاتها .. ولكنها كانت تعرف بأن الحرارة التي كانت تجتاحها نابعة من أعماقها هي .. كان مجرد التفكير في محمود يلمسها تثير جنونها .. كيف ستسمح له بهذا بينما تأخذها الأفكار حوله في كل مكان .. أخذت تقسم بأغلظ الأيمان بأنه لو حاول لمسها فسينال منها ما يستحق .. ستقاومه وتركله .. تترك الغرفة إن اضطرت مهما كان وضعها سيكون مذلا أمام ريم ..
أخفت وجهها في الوسادة بإرهاق .. لقد أخبرها صراحة بأنه يريدها .. وهو ليس بالرجل الذي يقبل بسهولة ألا يحصل على عروسه بعد أسبوع من زواجهما .. تذكرت نظراته في كل مرة كان يوضح لها نواياه ... فارتجفت ..
إن حصوله عليها في ظروف زواجهما الاستثنائية سوف يشعرها بمزيد من الذل والهوان .. ويؤكد لها على بيعها لنفسها له .. بالضبط كما قال ماهر ..
لم تدر كم مر من الوقت وهي تتقلب عاجزة عن النوم .. حتى شعرت بوصوله
أدرات ظهرها متظاهرة بالنوم في لحظة دخوله إلى الغرفة .. كانت حركاته هادئة وصامتة وهو يتجول في الغرفة .. سمعته يفتح الخزانة .. ثم سمعت حفيف ثيابه وهو يبدلها .. شعرت بالعرق يبلل جسدها ووجهها من فرط التوتر والترقب .. شعرت به يزيح البطانية الثقيلة والدافئة ففاجأها التيار البارد الذي تسرب إلى جسدها الدافئ .. استقر إلى جانبها بصمت .. فأحست بدفئه رغم المسافة الفاصلة بينهما.. واستنشقت عبير عطره الرجولي الزكي .. لم يلمسها .. أو حتى يحاول الاقتراب منها .. وخلال دقائق .. سمعت صوت انتظام أنفاسه .. لقد استغرق في النوم
رغم استرخاء أعصابها أخيرا .. إلا أن مزيجا من السخط والحيرة اجتاحا فكرها .. الحيرة من تصرفه .. والسخط من حرمانه لها من فرصة رفضه ومقاومته .. ما الذي يهدف إليه بالضبط ؟ .. هل أدرك فجأة بأنه لا يريدها حقا كما كان يظن ؟ .. أم أنه يهدف إلى إثارة أعصابها وإهانتها برفضه هو لها ؟
مهما كانت أسبابه .. فقد جنب نفسه الكثير من المشاكل .. وعندما نامت أخيرا .. كانت قد استغرقت وقتا طويلا لتفعل مانعة نفسها بصعوبة من إلقاء أي نظرة عابرة نحو الرجل الذي تزوجها
لا .. بل الرجل الذي اشتراها


الفصل الثالث عشر



هل أغار ؟؟
هتفت حنان باستنكار :- لم يحدث شيء !
قالت حنان وهي تمشط شعرها بعصبية :- لقد أخبرتك بأنه قد وصل متأخرا ونام دون أن يوجه لي أي كلمة .. لقد كان يظنني نائمة في الواقع
فكرت حنان قليلا ثم قالت بحزم :- هذا يدل على نبل أخلاقه
نظرت إليها نانسي باستنكار فأوضحت حنان :- لابد أنه يقدر عدم تجاوزك بعد لوفاة والدتك .. ويترك لك المجال لتتأقلمي مع وضعك الجديد كزوجته
تجهمت نانسي .. قطعا هي لم تفكر بهذه الطريقة .. هل كان هذا هو هدف محمود ؟ ألا يجبرها على شيء ليست مستعدة له بعد ؟ .. لم تعرف هل تقدر فيه فعله هذا أم تحقد عليه لأنه يثبت لها من جديد بأنه أفضل منها .. ولكن الحقيقة هي أن صورته داخلها قد تغيرت قليلا .. ما الذي توقعته ؟ الدكتور محمود أستاذ جامعة قدير .. وليس رجل غابة متوحش .. تنهدت وهي تقول :- من الأفضل أن أذهب إلى الجامعة قبل أن أتأخر
ارتدت ملابس داكنة اللون بالطبع شديدة الأناقة .. مع زينة خفيفة على وجهها لم تنقص شيئا من جمالها ورقي مظهرها ..
إن كانت ستعود إلى الجامعة .. فستتسلح بأقوى أسلحتها .. الأناقة
أوصلها مأمون إلى بوابة الجامعة .. وهناك سألها :- متى أعود لاصطحابك يا سيدة نانسي
نظرت إلى ساعتها قائلة :- في الساعة الثانية والنصف
ترجلت من السيارة بساقين مرتعشتين .. وبصعوبة استطاعت اختراق الجامعة وهي تعتنق روحها القديمة .. المشبعة بالثقة والكبرياء .. أدهشها رد الفعل الذي وجدته إذ أسرعت زميلاتها نحوها مرحبات بها ببشاشة .. بعبارات العتاب للغياب الطويل .. ثم أطلقت إحداهن تعليقا خبيثا عن الدكتور محمود .. هكذا إذن .. لقد أدركن بأنها الآن أصبحت زوجة أستاذهن .. بل هي زوجة رجل مهم في المجتمع .. مما يعني أن إغضابها ليس من مصلحتهن .. لدهشتها لم تكن نانسي سعيدة لهذا .. فهي لا ترغب بأن يعود مجدها القديم القائم على المصالح والذي أثبت هشاشته من خلال تجربتها .. لم ترغب بمودة تختفي عند حدوث أي مشكلة معها .. إلا أن هذا يبقى أفضل بكثير من عدائهم واضطهادهم لها
تساءلت عن مصدر معرفتهم بخبر زواجها .. وعندما انتهت محاضرتها الأولى .. خرجت لتجد ماهر في انتظارها.. نظرت إليه ببرود وهو يتجه نحوها قائلا :- صباح الخير يا نانسي .. تسعدني عودتك
تمتمت بهدوء :- أشكرك
قال بخفوت :- أعتذر عما بدر مني في المستشفى يا نانسي .. لم يكن من حقي مخاطبتك أو الحكم عليك بهذه الطريقة .. لقد عرفت بوفاة والدتك .. والدكتور محمود هو أفضل من يهتم بك ويحميك وقد خلت حياتك من أي معين
رفعت عينيها إليه قائلة :- هل أنت من أخبر الطلاب بزواجي من الدكتور محمود ؟
:- كان لابد أن أمهد لعودتك .. وقد توقعتها .. الآن لن يجرؤ أحد على الاقتراب منك أو الخطأ في حقك
ثم قال وقد ظهر القلق في عينيه :- هل تسامحينني يا نانسي ؟
ابتسمت قائلة :- أنت صديقي الوحيد يا ماهر .. لو لم تأت إلي لأتيت أنا إليك
تبادلا بعض الأحاديث قبل أن يفترقا ليلتقيا بعد المحاضرة الثانية
لم تر نانسي محمود في الكلية ذلك النهار .. بل هي لم تره على الإطلاق ذلك الصباح إذ استيقظت لتجد جانبه من السرير فارغا مما أشعرها بالراحة والإسترخاء
أوصلها ماهر إلى حيث يقف مأمون بالسيارة في انتظارها وهو يقول :- ان احتجت لأي مساعدة فلا تترددي في سؤالي .. وسأحضر لك كل ما تحتاجينه من أوراق ومحاضرات فاتتك
:- أشكرك يا ماهر
ترددت قبل أم تطرح عليه السؤال الذي كان يقلقها منذ الصباح .. وعندما طرحته قال بدهشة :- جابر ؟ ما الذي ذكرك به الآن ؟ لقد طرد من الكلية منذ فترة طويلة .. ربما بسبب إحدى فضائحه الأخلاقية
هدأت أعصاب نانسي التي أمضت يومها تتلفت يمينا ويسارا خوفا من مصادفته في الكلية .. عندما وصلت إلى البيت .. بدلت ملابسها ثم تفقدت لينا التي كانت ترسم في غرفتها .. قضت معها بعض الوقت .. ثم قررت النزول إلى المطبخ والبحث عما تأكله وقد شعرت بالجوع الشديد بسبب وصولها متأخرة عن موعد تقديم الغداء ..
توقفت جميع العاملات عن العمل على إثر دخولها إلى المطبخ .. ونظرن إليها بدهشة .. أسرعت نجوى نحوها وهي تقول بارتباك :- سنعد لك الغداء فورا يا سيدتي
قالت نانسي بهدوء :- أخبريني أين أجد كل شيء وسأخدم نفسي بنفسي
موقفها كان مفاجئا حتى لحنان التي أبت إلا أن تساعدها في وضع الطعام داخل المايكروويف وتسخينه .. ورغم اعتراضها لم تقبل نجوى أبدا إلا أن تقدم لها الطعام في غرفة المائدة وبطريقة لائقة
وعندما بدأت بالأكل سألت نجوى :- هل يأكل السيد محمود كثيرا خارج المنزل ؟
أجابت نجوى :- نادرا ما يتناول غداءه هنا .. ولكنه غالبا ما يعود وقت العشاء
أنهت نانسي طعامها بهدوء .. ثم سألت فور انتهائها :- هل الجدة مستيقظة ؟
:- لا أعتقد يا سيدتي .. فهي تنام دائما في هذا الوقت
تساءلت نانسي عما تفعله .. فقررت الدخول إلى مكتب محمود والبحث عما تقرأه .. دخلت لتجد ريم هناك تجلس على إحدى الأرائك الجلدية باسترخاء وتتصفح إحدى المجلات .. اعتذرت نانسي قائلة :- أنا آسفة .. لم أعرف بوجود أحد هنا
أجابت ريم ببرود :- كما ترين .. أنا هنا ولا أحب أن يقاطعني أحد أثناء مطالعتي
كبتت نانسي غضبها وهي تقول :- في هذه الحالة عليك إيجاد مكان آخر لمطالعتك .. فأنا بحاجة إلى كتاب
نهضت ريم بغضب .. ولكن قبل أن تنطق بـأي كلمة .. ارتفع صوت محمود يقول :- مرحبا أيتها الفتاتين
استدارتا نحوه فاقترب من نانسي قائلا :- كيف حالك يا حبييبتي ؟
وكي يفاجئها .. انحنى ليطبع على وجنتها قبلة سريعة جعلت قلبها يخفق بقوة .. ولكنها فاجأته بدورها وهي تقول برقة شديدة :- بخير يا حبيبي .. لقد اشتقت إليك كثيرا
ارتفع حاجباه بدهشة بينما استرقت نانسي النظر نحو ريم الساخطة .. والتي قالت بحنق :- بالإذن
ما إن خرجت حتى ابتعدت نانسي عنه وهي تقول بجفاف :- أهلا دكتور .. لم أتوقع عودتك باكرا
قال ساخرا :- كما لم اتوقع عند عودتي عرضا غراميا أمام ابنة عمي .. ما هو هدفك بالضبط ؟
قالت ببرود :- ربما انا لا أحب أن يدرك أي من سكان المنزل حقيقة زواجنا المخزي .. وريم تنتظر كالصقر الجائع أقل لمحة عن ذلك .. لا تحاول التظاهر بأنك لم تعرف بان ابنة عمك مغرمة بك
قال ببرود مماثل :- اتركي ريم في حالها .. وأنصحك أن تهتمي بأمورك الخاصة في هذا المنزل .. وبدلا من إجهاد نفسك في مشاكسة الآخرين .. تذكري كيف وصلت إلى هنا
قبل أن تتمكن من منع نفسها هتفت بغل :- أنا أكرهك
وضح حقيبة اوراقه على المكتب وهو يقول :- وهل ظننتني متيم في هواك ؟
استدار نحوها يسألها فجأة :- كيف كان نهارك في الجامعة .؟
هزت كتفيها قائلة :- جيد
نظر إلى وجهها متفحصا وكأنه كان في انتظار جواب أكثر إسهابا .. سألها :- هل قابلت ماهر؟
:- طبعا قابلته .. هل نسيت بأنه صديقي ؟
تجهم وجهه دون أن يعلق .. قال مغيرا الموضوع :- جهزي نفسك هذه الليلة .. فنحن مدعوان للعشاء
قالت بدهشة :- نحن ؟
:- نعم .. أحد شركائي وأعز أصدقائي عرف بزواجنا ودعانا للعشاء احتفالا به .. يجب أن تتوقعي الكثير من هذه الدعوات .. فأنا لدي الكثير من المعارف
لاحظ ترددها فسألها :- هل من مشكلة يا نانسي ؟
لم ترغب حقا بقول ما يشغل بالها .. ولكنها تجاوزت كرامتها وقالت بانزعاج :- ليس لدي ما أرتديه
دهش وكأن هذا كان آخر ما توقعه منها .. وقال :- عرفت بأنك قد أحضرت معك الكثير من الحقائب الممتلئة بالملابس
قالت بحدة :- أنت لا تفهم .. ملابس السهرة لدي قديمة وقد لبستها أكثر من مرة .. كما أنها لا تناسب امرأة متزوجة
نظر إليها طويلا ... قبل أن يبتسم لدهشتها بحنان قائلا :- علي إذن أن أعتذر منك يا زوجتي العزيزة .. لم تحصلي على زفاف لائق كغيرك من العرائس .. أو حتى على جهاز مناسب .. كان علي التفكير بهذا مسبقا .. أنا آسف
فغرت فمها ذاهلة عندما قال :- يمكنك أخذ مأمون والذهاب إلى السوق وشراء كل احتياجاتك .. واحتياجات لينا أيضا .. ما يهمني هو أن تكوني جاهزة في تمام الساعة الثامنة لنلحق بموعدنا .. هل يناسبك هذا ؟
أفاقت من دهشتها .. ورفعت رأسها قائلة بشموخ :- لا بأس
ضحك وهو يقترب منها .. وينظر إليها برقة قائلا :- أنت طفلة صغيرة يا نانسي .. مهما حاولت التظاهر بالقوة والنضوج .. فأنا أستطيع بسهولة رؤية تلك الطفلة المختبئة هنا
أشار إلى صدرها .. قبل أن يداعب أنفها بخفة ويتركها مغادرا المكتب .. عقدت ساعديها أمام صدرها محاولة إبعاد تأثير لمسته العابرة وهي تفكر بعناد .. إن كان يظن بأنه قد اشتراني .. فهو لن يدفع ثمنا بخسا لي .. من واجبه أن يوفر لي كل ما أرغب به .. أليس كذلك ؟
في تمام الساعة الثامنة .. كانت نانسي تضع لمسات الزينة الأخيرة أمام المرآة .. وبطرف عينها كانت تراقب محمود وهو يحكم وضع ربطة عنقه .. ملاحظة وسامته وجاذبيته الصارخة في الملابس الرسمية .. حتى الآن لم تستطع التأقلم مع إقامتها في غرفة واحدة معه .. كانت تشعر بالتوتر في كل مرة ينفردان فيها .. نهضت قائلة :- أنا جاهزة
نظر مطولا إلى ثوبها الأسود الجميل .. الذي غطى بطوله كاحليها .. وناسب جسدها بشكل تام .. كان عاري الكتفين وقد زين صدره دبوس على شكر نمر ماسي صغير بعينين من الزمرد كان من بقايا مجوهرات والدتها
تأمل شعرها الذي رفعته بشكل بديع أظهر عظام وجنتيها الجميلة وعنقها الناعم الرشيق .. فابتسم قائلا :- مدهشة
توترت تحت أنظاره المتأملة .. راقبته وهو يرتدي سترته قائلا :- ولكن هناك شيء ناقص
عبست قائلة :- ماذا ؟ ما هو ؟
استدارت تنظر إلى المرآة بقلق .. لقد تبرجت بإتقان فظهر لون عينيها الأخضر الفيروزي .. وفمها بدا أكثر جمالا وامتلاءا بعد أن طلته بلون وردي فاتح .. راقبته يقترب منها بهدوء ويخرج شيئا من جيبه .. حبست أنفاسها عندما فتحها لترى محبس الزواج الذهبي مرفقا بخاتم ماسي يخطف الأنظار ببريقه .. تمتمت باضطراب :- ما هذا ؟
قال بهدوء :- زوجة فاضل محمود لن تتجول امام الناس بلا خاتم زواج يليق بها
عقد لسانها .. ولم تستطع النطق بكلمة وهي تتأمل الخاتم الجميل .. أمسك يدها .. وأحاط بنصرها الأيسر بالخاتمين دون أن يتوقف عن النظر إليها ..ثم رفع يدها إلى شفتيه ليطبع قبلة طويلة على بشرتها الناعمة مما جعل رجفة خفيفة تسري في أوصالها .. قال بعمق :- لقد سبق وقلت بأن هذه الأصابع الناعمة قد خلقت لأجل ارتداء الخواتم الثمينة
تسارعت أنفاسها وقد أحست بشيء كالشلل يلفها عندما قربها منه بنعومة هامسا في أذنها .. أنت تشبهين هذا النمر النائم على صدرك يا نانسي .. بعينيه الخضراوين .. واستعداده للقفز بعيدا عند أول لمسة
وكأنها كانت في انتظار كلمته لتصحو من غيبوبتها وتهتف بذعر :- لقد تأخرنا
انسلت من بين يديه وتناولت حقيبة يدها قائلة :- ألن نذهب ؟
ظهر شيء من الفوضى في عينيه وهو يقول :- بلى .. سنذهب .. هيا بنا
ارتدت معطفها وهي تحاول تهدئة نبضات قلبها العنيفة .. يا إلهي ساعدني .. ثم غادرا معا
التقت في المطعم الفاخر بشريك محمود وزوجته .. كان رجلا متوسط العمر .. وزوجته كانت ثلاثينية حسناء .. بدا من حرارة استقبالهم لمحمود شدة إعجابهم به .. وبعد أن عرفها إليهما وبالعكس قالت الزوجة إيناس :- أخيرا تزوجت يا محمود .. لم أظن أبدا بأن هذا اليوم سيأتي قط
قال محمود باسما وهو ينظر إلى نانسي :- لابد ان يتخذ الرجل القرار الحاسم عندما يجد الشخص المناسب
تورد وجه نانسي وهي تتحاشى النظر إليه بينما قالت لها إيناس :- عندما نلتقي ينشغل عصام ومحمود دائما في أحاديث العمل .. فأشعر بالملل الشديد .. الآن لا امانع ان يتحدثا في العمل طوال الأمسية .. فقد حصلت على صديقة جديدة
منحتها نانسي ابتسامة صادقة وقد أعجبت بها .. بينما قال زوجها مفكرا :- أنت من عائلة راشد .. بالتأكيد لا يمت إليكم سلمان راشد بأي صلة صحيح ؟.. إنه ذلك الرجل الذي اتهم بالقيام بأعمال غير مشروعة .. والذي مات في السجن .. لقد عرفته شخصيا قبل أن يتم اتهامه .. لقد كان شخصا جيدا .. ما زلت غير مصدق للاتهامات التي وجهت إليه .. هل تعرفينه ؟
شحب وجه نانسي في الوقت الذي قال فيه محمود باهتمام :- لقد أخبرني عمي بأنك قد طرحت عليه موضوع الأرض هذا الصباح .....
تمكن محمود من تغيير الحديث بمهارة حيث التفت الرجل لحديثه باهتمام .. بينما مالت زوجته نحوها قائلة :- لم أتخيل يوما ان أرى محمود متزوجا .. لقد بدا لفترة طويلة عازفا عن الزواج .. وقد كرس نفسه لعمله في شركاته وفي الجامعة .. أما عن زواجكما دون ضجة فهذا لم يدهشني .. لطالما كان محمود كارها للمظاهر الزائفة
ابتسمت نانسي قائلة :- يبدو أنك تعرفينه جيدا
قالت إيناس بمرح :- لقد كنت زميلته في الجامعة .. محمود كان شابا مجتهدا في دراسته .. وذا شخصية لامعة بين زملاءه .. ولا أخفي عنك مدى شعبيته بين الفتيات .. فقد كن يحمن حوله كالنحل حول وعاء العسل .. أي منهن لم تكن مميزة بالنسبة إليه
تساءلت نانسي إن كانت هذه المرأة أيضا إحدى المعجبات القديمات به .. وكأنها قد قرأت أفكارها قالت :- لو لم أكن مغرمة بعصام ابن خالتي منذ الطفولة لأغرمت بمحمود كأي فتاة طبيعية أخرى .. فهو يمتلك جميع المقومات التي تجعله مرغوبا .. ولكنني دائما أحببت عصام 00 تزوجنا بعد تخرجي مباشرة .. ولدينا الآن 3 أطفال بارعي الجمال
كانت سهرة لطيفة للغاية .. فقد قضت نانسي وقتا ممتعا بصحبة الزوجين المرحين .. بل واكتشفت بأن زوجها البارد قادر أيضا على أن يكون مرحا بدوره عندما يرغب .. كادت الأمسية أن تكون كاملة لو لم تقترب فتاة سمراء من طاولتهما وهي تقول بسعادة :- محمود .. يا لها من صدفة سعيدة .. مضى وقت طويل منذ لقائنا آخر مرة
وقف محمود لتحية الفتاة التي أسرعت ترمي نفسها عليه معانقة إياه فقال بهدوء وهو يبعدها عنه بلطف :- مرحبا هديل ..
التفتت هديل إلى الآخرين قائلة بمرح :- عذرا أيها السادة .. محمود صديق قديم ... لا يظهر إلا لماما .. فكان علي استغلال رؤيته لتبادل بعض الحديث معه
عادت تعاتبه قائلة :- أين أنت يا رجل ؟ منذ تلك الحفلة التي أقامها والد نسرين لن نرك في أي مناسبة .. اسمع .. أرغب بأن أراك في ...
قاطعتها نانسي قائلة ببرود :- ألن تعرفني بصديقتك يا محمود
انتبهت الفتاة في تلك اللحظة إلى رفيقة محمود التي شملتها بنظرات ازدراء شديدة .. فتنحنح محمود وهو يقول :- أقدم لك زوجتي يا هديل .. نانسي .. هديل صديقة قديمة
الصدمة العنيفة بدت جلية على وجه الفتاة وهي تنقل نظرها عبر الوجوه وكأنها تنتظر من يضحك في وجهها معلقا بأنه محمود يمزح .. بينما بدا القلق على وجه إيناس .. وانزعاج في وجه محمود الذي لم يخف ضيقه من هذا اللقاء غير المتوقع
تمتمت هديل قائلة :- أنا آسفة .. لم أعرف
قالت نانسي بفتور :- بالتأكيد لم تعرفي .. لقد تزوجنا حديثا جدا
استدارت الفتاة نحو محمود قائلة :- هل عرفت نسرين بذلك ؟
قال بهدوء :- سيعرف الجميع عاجلا أم آجلا .. تفضلي وشاركينا السهرة
قالت ببرود :- أشكرك .. أنا مضطرة للذهاب .. سعدت بلقائكم
منحت نانسي نظرة قاسية وكأنها تستثنيها من كلامها .. ثم ابتعدت
قضت نانسي بقية السهرة صامتة بالرغم من محاولة إيناس الترويح عنها ..وعندما ذهبتا إلى استراحة السيدات وجدت إيناس الفرصة لتقول لها :- كل الرجال لديهم قصص ومغامرات قبل الزواج .. أنا واثقة بأن هذه الفتاة كغيرها لم تعد تعني شيئا لمحمود
قالت نانسي بهدوء :- بالتأكيد
لم تتفوه بحرف طيلة الطريق إلى البيت .. وعندما دخلت إلى غرفة النوم كان أول ما فعلته هو انتزاع خاتمي الزواج من إصبعها ورميهما فوق منضدة الزينة .. دخل محمود خلفها وهو يقول :- أفهم من هذه التصرفات الطفولية بأنك غاضبة
استدارت إليه وهي تقول بانفعال :- غاضبة .. هذه هي أقل كلمة قد تصف مشاعري في هذه اللحظة .. أعرف بأنك لا تهتم بمشاعري مثقال ذرة .. ولكن إياك أن تهزأ بكرامتي في العلن يا دكتور محمود .. إياك أن تظهرني أمام الناس بمظهر الزوجة المخدوعة الحمقاء وأنت تتباهى بتاريخك العظيم مع النساء
قال بغضب :- الفتاة لم تكن تعرف بزواجنا يا نانسي
صاحت :- وأنت لم ترغب بإيذاء مشاعرها ففتحت لها ذراعيك
ضيق عينيه وهو يقول :- هل أفهم من هذا بأنك تغارين ؟
احمر وجهها من هذه الحقيقة التي لم تخطر على بالها .. ولكنها قالت بعصبية :- أنا لا أغار عليك .. بل على كرامتي وكبريائي .. ومظهري أمام الناس .. كيف سيكون رد فعلك لو تركت أنا زميلا لي يحتضنني أمام معارفك
قال بخشونة مفاجئة :- كنت قتلتك
أجفلت لعنفه المفاجئ والبريق الوحشي الذي أطل من عينيه وهو ينظر إليها بطريقة جعلتها تخاف حقا .. تمتمت بتوتر :- هاقد فهمت وجهة نظري
قال ببرود :- الزوجة الحقيقية هي التي تبذل جهدها لتمنع زوجها من النظر إلى غيرها بدلا من الانفجار غضبا كلما اقتربت منه امرأة
راقبته متوترة وهو يبدأ بتبديل ملابسه فقال :- ما الذي تفعله ؟
قال وهو يحل أزرار قميصه :- كما ترين .. أبدل ملابسي
توقف فجأة وهو يلاحظ وجهها المحتقن فقال :- ما الأمر ؟ هل تكرهين أن أفعل هذا أمامك ؟
قالت بصوت مختنق :- نعم
نظر إليها من رأسها حتى أخمص قدميها بطريقة جعلتها ترتعش .. ثم قال :- هل نسيت بأنك زوجتي يا نانسي ؟ وأن ما يحق لي هو أكثر بكثير من تغيير ملابسي أمامك
شعرت بالذعر وهي تراه يقترب منها .. تراجعت وهي تقول بقلق :- ما الذي تفعله ؟ إياك والاقتراب مني
ولكنه استمر في الاقتراب فتراجعت حتى التصقت بزجاج النافذة الكبيرة وهي تصيح بذعر :- إياك أن تلمسني .. أحذرك بأنني سأصرخ عاليا .. سأركلك .. سأضربك
أغمضت عينيها بقوة عندما مد يده نحوها .. ثم فتحتهما بدهشة وهي تدرك بأنه لم يلمسها .. بل مد يده إلى النافذة خلفها يحكن إغلاقها قائلا ببرود :- الجو بارد في الخارج .. تأكدي في المرة القادمة من إحكام إغلاقها
تراجع وهو يحمل ملابسه ويدخل إلى الحمام مغلقا الباب خلفه .. فزفرت بقوة وهي تحاول استعادة هدوئها .. إنه يعبث بها وبأعصابها .. ولكنها تعرف بأنه عندما يقرر بأن الوقت قد حان لامتلاكها فإن أي من اعتراضاتها لن تجدي .. وهذا اليوم لن يكون بعيدا .. لقد قرأت هذا في عينيه بوضوح .. بدلت ملابسها بسرعة ودست نفسها في السرير .. سمعته يخرج من الحمام ويستقر إلى جانبها .. ساد صمت طويل في الغرفة المظلمة إلا من ضوء الأباجورة المجاورة لطرفه من السرير ..
قال فجأة بينما هي تدير ظهرها له :- لم أقصد جرح مشاعرك يا نانسي .. لم يكن بيني وبين هديل أي علاقة في أي وقت مضى .. لطالما كانت مجرد صديقة لا أكثر
أرادت أن تتجاهله .. ولكنها قالت دون أن تنظر إليه بجفاف :- من الواضح أنها لم تعتبرك صديقا على الإطلاق
:- هذا شأنها هي .. إن آخر ما قد أرغب بفعله هو إهانتك أمام الآخرين
استدارت نحوه مترددة .. فاستطاعت رؤية بريق عينيه القاتمتين .. بينما غطت الظلال معالم وجهه تمتمت :- أشكرك لأنك وقفت إلى جانبي عندما تحدث السيد عصام عن أبي
قال بحنان فاجأها :- أنت زوجتي يا نانسي ... وقد وعدتك يوما بأنني سأحميك
فكرت بأنها لا تتذكر هذا الوعد .. إلا ان حنانه جعلها تشعر بالضعف فجأة وبالرغبة بالبكاء .. منذ متى لم تشعر نانسي بالحماية ؟ أحست بان هذا الشعور بعيد جدا عنها .. فتمتمت بصوت اجش :- تصبح على خير
وادارت له ظهرها كي لا يتمكن من رؤية دموعها .. فأطفأ هو نور الأباجورة .. وساد الظلام في المكان .. فراحت نانسي في النوم بعد فترة قصيرة
بعد حلم مريع .. استيقظت نانسي مذعورة عندما سمعت صوت محمود ينادي باسمها .. لاحظت بأن وجهها مغطى بالدموع .. وأن شهقاتها تتلاحق بسرعة وكأنها تبكي قال محمود وهو يمسح الدموع عن وجهها :- اهدئي يا نانسي .. إنه مجرد كابوس
تمتمت بكلمات غير مترابطة :- لقد رأيت أبي .. ورأيت أمي أيضا .. ولينا كان تغرق
ضمها إليه بقوة وهو يقول بصوت حنون :- لم يحدث شيء .. ولن يحدث لك أي مكروه
ارتعدت وهي تشعر بذراعيه القويتين تحيطان بها .. وبصدره الصلب يحتويها .. استنشقت عبيره الرجولي الذي كان له أكبر التأثير على أعصابها .. بينما هو يهدهد لها كالأطفال هامسا :- لن أسمح لأحد بأن يؤذيك يا نانسي .. أنت ستكونين بأمان .. أعدك
انتابها شعور غريب وهي تستمع إلى هذه الكلمات وإلى نبرة صوته .. ثمة شيء مألوف لم تستطع تمييزه .. ولكنها سرعان ما نسيت كل شيء وهي تغفو على صدره


الفصل الرابع عشر

وماذا بعد ؟
رفعت نانسي عينيها عن كتابها لتبتسم في وجه لينا التي دخلت عليها وهي تقول بلهفة :- نانسي .. لقد دعاني فراس لحضور حفلة موسيقية يقيمها المعهد الذي يدرس فيه مساء اليوم.. هل أستطيع الذهاب ؟
نظرت نانسي إلى فراس الذي وقف عند الباب بحرج ثم ابتسمت قائلة :- بالتأكيد
أطلقت لينا صيحة سعادة وهي تعانقها بامتنان ثم تستدير نحو فراس قائلة :- سأبدل ملابسي وأوافيك
ركضت خارجة بينما اعتدلت نانسي التي كانت تجلس مسترخية على أريكة جلدية احتلت موقعا تحت نافذة غرفة المكتب .. قال لها فراس :- شكرا لسماحك للينا بمرافقتي
قالت بلطف :- بل شكرا لك لأنك تعاملها بلطف
نظر إلى كتابها قائلا :- انت تدرسين الاقتصاد كابن عمي محمود .. لقد رغبت دائما بأن أكون مثله .. ولكن هوايتي الموسيقية قد غلبتني
قالت :- أنا متأكدة بأنك ستصبح موسيقيا بارعا
صمت لثواني قبل أن يقول :- على عكس والدتي وريم أنا سعيد لزواج محمود بك .. ما كان ليسعد مع ريم
قالت بحذر :- لماذا تعتقد هذا ؟
قال وهو يهز كتفيه :- لقد كانا صديقين دائما .. وقد خرجا معا مرارا .. ولكنه لم يشعر نحوها يوما بما يتجاوز الأخوة .. كما أنه وريم غير متلائمين .. ريم لا تناسبه أبدا
تمتمت :- أنت تحب محمود كثيرا
قال بصدق :- لطالما كان قدوتي الأولى
بعد دقائق نزلت لينا بعد أن تأنقت .. ورافقت فراس إلى الخارج .. فخلعت نانسي حذائيها ورفعت قدميها فوق الأريكة وعادت تحاول متابعة الدراسة
استغرقت في القراءة حتى أنها لم تشعر بمحمود وهو يدخل إلى الغرفة ويقف متأملا إياها لتوان قبل أن يتنحنح كاشفا عن وجوده .. فارتبكت عندما رأته وحاولت الاعتدال فقال مسرعا :- ابقي كما أنت
اقترب وهو ينظر إلى كتابها قائلا :- أنت تدرسين .. هذا جيد .. إن أردت أي مساعدة في الدراسة أخبريني
قالت بقلق :- إن رغبت باستعمال المكتب .. يمكنني أن أخرج
قال :- لا تقلقي .. لدي بعض المحاضرات لأجل الغد أرغب بمراجعتها .. ولن يزعجني وجودك
جلس خلف المكتب .. وأخرج حاسوبه المحمول من حقيبته الجلدية .. وأخذ يعمل بصمت .. وجدت نانسي نفسها تنسى كتابها وترمقه بطرف عينها .. هي لم تره منذ يومين .. كان يستيقظ مبكرا قبل نهوضها .. ثم يعود متأخرا بعد أن تنام .. وقبل هذا .. كان دائما يعاملها بلطف حيادي .. يشبه لطفه مع لينا أو أقل .. ولكنه كاف ليدفعها لافتقاده خلال الأيام التي لم تره فيها
رف رأسه إليها سائلا :- هل من شيء يزعجك ؟
احمر وجهها وهي تقول :- لا شيء
اعتدل قائلا :- كيف لا شيء .. لقد كنت تنظرين إلي بتركيز وكأنك ترغبين بالحديث معي
كانت مضطرة لاختلاق شيء ما .. فقالت :- كنت أتساءل كيف استطعت دراسة كل هذه الكتب الضخمة والوصول إلى المراتب العالية بينما أعجز أنا عن فك طلاسم كتاب واحد
ضحك قائلا :- هل تجدين أي صعوبة في الدراسة ؟ كل ما عليك فعله هو أن تحبي ما تدرسينه
قالت :- لم أستطع يوما أن أحب الاقتصاد أو أن أستوعبه
:- لماذا تدرسينه إذن ؟
هزت كتفيها :- لم يكن لدي طموحا مختلفا .. ولا هواية مميزة كحب لينا للرسم
ابتسم وهو ينهض ليتجه نحوها .. جلس إلى جانبها على الأريكة الكبيرة فاعتدلت باضطراب .. تناول كتابها من بين يديها قائلا :- لكل إنسان هواية أو ميول معينة .. فكري جيدا .. لابد من وجود عمل تحبين القيام به
فمرت قليلا ثم قالت بتردد :- ألن تضحك ؟
ابتسم فجأة لسؤالها الطفولي فقالت بسخط :- لن أخبرك إذن
لم تدرك نانسي إلى أي حد كانت تبدو طفولية بالتنورة الزرقاء القصيرة والقميص الأبيض المقلم .. وشعرها المعقود على شكل ذيلي حصان خلف عنقها .. أطلت نظرة رقيقة من عينيه وهو يداعب شعرها قائلا :- لن أضحك .. أعدك
رغبت بإبعاد يده عنها ولكنها خشيت ان يدرك الاضطراب الذي تسببه لها لمسته .. تمتمت :- أحب الطبخ
رفع حاجبيه دون أن يعلق .. فأوضحت :- عندما عملت لفترة في المخبز .. انبهرت بشدة وأنا اجد موادا بسيطة تتحول بشكل سحري إلى انواع مختلفة من الخبز والفطائر .. شعرت بالفضول لمعرفة ما تفعله حنان لتحضر لنا الأطعمة الشهية التي كنا نأكلها .. فبدأت أساعدها .. كنت أستمتع فعلا بهذا
قال مبتسما ..:- ما الذي يمنعك من استمرار المحاولة .. انا متأكدة بان الطباخة لن تمانع اقتحامك للمطبخ ..أحب أن أتذوق شيئا من صنعك .. حتى لو مت بعدها تسمما
تأوه عندما ضربت ذراعه بقبضتها .. ثم ضحكا معا .. قالت بحرج :- الأشياء الاخرى التي أحبها ليست مهمة .. اعني بانها تافهة نوعا ما .. أحب كل ما يتعلق بالملابس والزينة والرياضة .. باختصار أحب كل ما يجذب فتاة أفسدها الدلال

يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -