بارت من

رواية وشايات المؤرقين -35

رواية وشايات المؤرقين - غرام

رواية وشايات المؤرقين -35

الجزء التاسع و العشرون :

*
*
*
النهايات حتمية و الفراق آخر ما يتصل بسلسلة ..
والأفئدة التي من لحم و دم تنبض با الحياة و تنتهي با الموت ..
*
*
*
النهايات في حياتنا كثيرة و مهما سلمنا بحتمية ما سوف يحدث و أعددنا تفاصيل الغياب و حكنا فصوله في المخيلة إلا أن القلب ما إن يعتصره قوة الفقد حتى يلقي بكل ما قد سبق و يئن متألما لا يقوى على النبض ..
المقاعد المرصوصة بجانب بعض على جانبي صالة الاستقبال تبدوا مرعبة و هي فارغة كأشباح ظهرت مع انطفاء الأنوار ! .. فقد انفضت جموع المعزين في آخر يوم من أيام العزاء و أصبح المكان أخرس لا يتردد به صوت بعد أن كانت المعزيات يرددن عبارات العزاء و ينشرن الطمأنينة في المكان !..
لأبقى أنا في حيرة بعد أن رحل الكل و أوكلت لي كليا مهمة مواساتهم , فا كيف أواسيهم و أنا أعلم أن حزنهم أثخن من أن تخترقه كلماتي الخرقاء التي لا اعرف كيف أصيغها فانا أيضا بحاجة لمواساة , أنا أيضا فقدته و الفرق بيني و بينهم أن لهم مطلق الحرية في بكائه و في بكائي تطاول على حزن من له الحق !
*
*
*
انتهى العزاء و لم تنتهي مهمتي . فا كيف أتركهم و هم من ناموا على قصص طفولية يرويها أحدهم للآخر و بطلها هو .. , قلوبهم الصغيرة التي ترفض الحزن حتى و أن فرض ظله عليهم تبحث عن فرح و ضحكات مصنوعة من بذخ الطفولة و عالمها الوردي الذي كل شخوصه أبطال لا يموتون و لمكان في السماء يصعدون ليطلوا عليهم بين الفنية و الأخرى ليطمأنوا أنهم شربوا الحليب و كتبوا واجباتهم المدرسية ..
و رغم ما لونوا من حقيقة إلا أنهم يدركون أنه غادر للأبد و لكن لا يفهمون لماذا ؟! .. يقترحون أن يعود فا المكان يسعهم كلهم و ليس عليه أن يبحث عن مكان هادئ لارتشاف قهوته .. و آخر ما اقترحوا أن يزوروه في الغد .. فقد نسي عباءته المتينة التي تقيه برد الشتاء !
*
*
*
وضوح المرهقة : وداد يله البسي عباتج ..علي برى ينطرج .
وداد : و أنتِ ؟
وضوح : ما اقدر أروح و اخليهم .. انتِ شايفه حالتهم .
وداد : خلاص أجل أنا بعد بنام هني الليلة عشان العيال .
وصايف المتعبة دخلت لتو غرفة أطفالها : أنتِ صارلج ثلاث أيام بعيده عن أخوج , و حنا تعبناج معانا ..
وداد بخجل : زين اجيكم باجر ؟
وصايف تبتسم بصعوبة : أنتِ من أهل البيت و ما يحتاج تستأذنين , حياج الله بأي وقت .
*
*
*
كان يقف عند باب المنزل بانتظاري , رافقني حتى تأكد من ركوبي السيارة قبله , و لا اعرف لماذا و كيف .. لكني بدأت أجهش با البكاء حالما بدأ بتحريك السيارة !
*
*
*
علي با نبرة خوف : وداد شفيج .. ليش تبجين .. صاير شي ؟
وداد تحاول أن توقف سيل دموعها : لأ .. مو صاير شي ..
علي الذي ما زال قلقا: أجل ليش تبجين ؟
وداد تريد إنهاء التحقيق : علي تكفى لا تحقق معاي , ودني البيت بسرعة تعبانه أبي أنام ..
*
*
*
أعرف أن الإنسان عندما يبكي فا هو يخطو لإراحة قلبه مما كتم من أوجاعه , و عندما يريد ختم أحزانه ينطلق لأقرب شخص له ليبيح سده و يفرغ كل ما تراكم من حزن وراءه , لكن وداد بصدها لي مررت لي رسالة بأني لست بهذا القرب ! .. فها هي ما إن وصلنا حتى توجهت لغرفة سالم لتمر بضع دقائق و يخرج هو نحو المطبخ ليجلب لها كأسا من الماء و علامات الاستياء على وجهه , بينما أنا اجلس على المقعد المقابل لتلفاز أراقب من بعيد متمنيا أن يناديني أحد منهم حتى أفهم ! ..
*
*
*
شملان الذي وصل لتو من منزل عمه : أنت للحين ما نمت ؟!
علي كأنه وجد بشملان المنقذ : وين أنام من ركبت معاي وداد و هي تبجي و لا أنا عارف السبب ..
شملان يجلس با المقعد القريب من أخيه : و أنت خليتها و قعدت هني من دون ما تعرف السبب ؟!!
علي بتذمر : هي اللي خلتني و راحت لسويلم ..
شملان الذي لم يقدر على الابتسام لأيام يضحك بعفوية : يا الله كنت محتاج شي يضحكني .. يا ها الليالي اللي مرت كانت طويلة و متعبة ..
علي بعد صمت أمتد :أنا بروح أشوف شنو فيها ..
شملان : خلاص مدامها عند أخوها ما عليها شر .. خلها على راحتها ..
علي المتوتر: لو هي مرتاحة ما رحت اتبعها .. بس أنا متعبني تعبها
شملان : معقول يا علي ما تدري شنو اللي متعبها ؟
علي بصدق : ليتني أدري ..
شملان يجرد الحقيقة : ما أخذت بعزى أبوها و با العزى كان الكل يعزيها لأنها وحده من العايلة .. و ما تبيها تهتز و تتعب ؟!!
علي و الرعب تدفق بنبرته: معقول هذا السبب ..
شملان يكمل ما وصل له من تفسير: وراحت لسالم اللي من دون ما تشرح بيعرف شعورها ..
*
*
*
أتت لي باكية و كان احتضانِ لها مختلفا هذه المرة , لم أعد أخيها الصغير بل " عزوتها " و " سندها" الذي تلجأ إليه عندما تتقطع بها السبل , لم أحتاج أن اسأل و قبل أن تنطق عرفت ما الذي يبكيها فقد شعرت بما شعرت به , كنا أنا و هي من ضمن من أخذ العزاء برجل لا يمت لنا بصلة دم بينما لم نقدر أن نصرح حتى أن والدنا ميت و نأخذ العزاء فيه , لم يُسمح لنا أن نحزن أمام الكل أو نتقلد أوشحة اليتم علنا , وضعنا محزن و مخزي و يدعوا لتهكم و السخرية , و الذي يؤلمني على وجه الخصوص أنني لا أعرف كيف أغير الوضع .. و كيف أواسي أختي و أخبرها أن مستقبلنا واعد و تباشيره بالأفق و أن يمكنها أن تعتمد علي من الآن و صاعدا , إن كنت بنفسي لا أعرف كيف أحل معضلتي و أخرج لدنيا من دون أن تصفعني ..
*
*
*
سالم ممازحا أخته : أبي اعرف ليش خشمج ينتفخ لما تبجين ..
وداد تمسك أنفها بخجل : يتراوالك ..
سالم : إذا مو مصدقه أنادي علي يثبتلج ..
وداد و خجلها ينبثق من خديها : لا تصير سخيف .. و يله روح نام وراك مدرسة ..
*
*
*
صدره وسعني و أخي الصغير كبر .. بثثت له همي و أنا لأول مره أعترف لنفسي انه أصبح أقوى مني ... و هكذا أصبح سالم .. يجعلني أنطلق بكل وجعي متحدثه و باكية من دون أن يوقفني لثانيه ليعقب أو ليضيف مما يجول في رأسه من أفكار أو ما يعتمل في قلبه من مشاعر , و أحتفظ سالم برأيه فيما بثثت من حزن و أنهى العزاء الذي أقمته بفكاهة لا تناسب سوداوية الموقف ..
*
*
*
و خرجت أخيرا بعد أن أنتصف الليل و هممت نحوها متقدما بمخاوفي حتى أوقفتني بنظرة أتبعتها بجملة روتينية " تصبح على خير " .. أردت أن أوقفها و أطالبها با التفسير حتى لو علمت أن ما سوف تخبرني به يؤلمها و سوف يؤلمني بالمقابل , لكن في اللحظة الأخير اتخذت قراري با التريث و معالجة الأمر بتروي , فا أنا الآن لا يمكن لي أن أعدها بشيء و لا يمكن لي أن أقدم لها أي مواساة و كل ما سوف أقوله سيبدو لها فارغا و لي محرجا ..
.................................................. .......... .......
*
*
*
هذا المنزل لم يتعود على الضجيج و لا في زواياه أعتاد الفرح أن يبيت , لكن هذا الصمت المطبق الذي يرتدي الحزن و يتجول في أرجاءه يبث الخوف في أوصالي , فجعت بموته و كدت أفقد صوابي , و على الرغم من كل خيالاتي المخيفة التي صورت لي فقد أحد والديّ إلا أنني لم أحسن اكتشاف الألم الذي يصحبه !
مرت أيام العزاء ثقيلة فيها دموعي لم تتوقف فا شعور با الخواء و الوحدة لازمني على الرغم من تواجد كل الأحبة من حولي مؤازرين لي و أولهم والدتي التي لازمتني و احتضنتني مردده أنها هنا من اجلي , والدتي التي أصرت أن أعود برفقتها لمنزل خالي في آخر يوم من العزاء تفاجأت بإصراري على البقاء هنا , نعم ليس لي مكان هنا من بعد موت والدي لكن ليس علي أن أستعجل و اخرج نفسي من المكان الوحيد الذي كنت أعتقد أن لي حق فيه ..
و قد أبدو أنانيه أمام من يقرأ أفكاري لكن حالما علمت بوفاة والدي قفز لذهني سؤال " أين أذهب من بعده و من سوف يحميني " . نعم حزنت على نفسي قبل أن احزن على غيابه المطلق !
فأي مكان أطلق عليه بيتي بعد أن مات والدي , صلتي الوحيدة في هذا المنزل .. والدتي لا تملك منزلا يخصها و هي بنفسها عاله و أنا لا أملك ما قد أقدر على بيعه و توفير سكن لها و لي ..
موت أبي فاجعة كبرى لي , و يتمي تعدى معناه بفقد أب !
*
*
*
أنفال عبر أسلاك الهاتف : ديمة تكفين لا تبجين .. أحلف لج اني حاولت اقعد عندج الليلة بس ساري الله يهداه حلف علي امشي معاهم عشان أمي ..
ديمة بصوت مبحوح من البكاء : تخيلي يا أنفال كل واحد منهم واسى الثاني و محد فكر فيني .. أحس أنهم قتلوني و ما عاد لي وجود .. راح أبوي و ليتني رحت معاه ..
أنفال : أسم الله عليج لا تقولين جذيه .. و أن كنتِ ما تهمينهم تراج تهمينا ..
ديمة : بس يا انفال لجيت فوق راسكم عاله بتملون مني و بصير حمل ما ينطاق ..
أنفال تنهرها : بس عاد عن السوالف البايخه اللي مالها معنى ... و يله روحي صلي لج ركعتين و أدعي لخالي و أقري القرآن لين تنامين .. و من الصبح تجين تزورينا و توسعين صدرج ..
*
*
*
لا أريد أن أتطير لكن منذ أن أتينا هذا البيت و نحن في ضيق .. كأنه مستودع للأحزان له كلنا نفينا .. مات خالي و تفككت عائلتنا بشكل أكبر , يبدوا أن الكل يبحث عن بداية جديدة !
إلا عمتي التي يصلني بكائها المكتوم عبر الجدران المتهالكة, الوحيدة التي لا تفكر أن تخرج من سجنها الذي بنته بيديها ! ..
*
*
*
ساري يدخل غرفة أنفال بعد أن أستأذن : كنتِ تكلمين أحد ؟
أنفال بعتب : كنت تنصت علي ؟!!
ساري يبتسم بتعاطف : الظاهر نسيتي أن في ها البيت حتى لو عطستي نسمعج ..
أنفال بإحراج : فعلا معاك حق .. كنت أكلم ديمة زعلانه أني ما نمت عندها مثل ما وضوح نامت عند فينوس ..
ساري المتفاجأ : وضوح نايمه في بيت خالي ؟!!
أنفال : أي ..
ساري بغضب : هذي لا يكون تحسب أن ما عاد لي كلمة عليها .. ما كلفت على نفسها تستأذني !
أنفال شعرت بأنها عن غير قصد بدأت مشكلة : يمكن فينوس طلبت منها تنام و هي أنحرجت منها ..
ساري : يصير خير .. أنتِ نامي اللحين و باجر أروح أنا وياج لبيت خالي نجيب وداد ..
*
*
*
لا أعرف ما الذي يخطط له ساري لكن لا يبدوا أن هدفه الحقيقي هو توفير وسيلة مواصلات لي تنقلني لوداد و تنقل وداد إلى هنا !!
.................................................. .......... ...............
*
*
*
تمنيت أن لا يغادر شملان ... و حتى لو استثقلت ظله لأعوام إلا أنني أردته اليوم أن يبقى و يردد على مسامعي كل ما يجيد حبكه لتخفيف عن موكليه ! ..
لكنه لحق با المغادرين الذين تركونا مع الذاكرة نسترجع آخر لحظات الرحيل ... انزلاق السيارة و الأضواء المعكوسة و صرير الفرامل و كل الزجاج المتناثر و حشرجة الموت المخيفة التي كنت منها قريب, ونواحها و ذاك الصريخ و نداءات الاستغاثة وتلبيه كل من توقف با القرب للمساعدة ..
*
*
*
هذه أول ليلة يأتي بها من مجلس الرجال لغرفتنا فقد بات الليالي الماضية في أحضان والدته , كنت أتمنى أن يأتي هنا حيث يمكن لي أن أواسيه و يواسيني و نبكي سويا فقد أب ملكنا بقلبه الكبير , كنت أريد أن أقبل ذراعه التي كسرت بالحادث و أقرأ عليه من آيات الذكر الحكيم كلما توجع , لكن عذبي لم يدلي بحزنه أمامي و لم يرد أن يتحدث معي بتفاصيل الحادثة فقد هرب للمسكنات لتقوده لفراشه طالبا النوم على عجل .. والرجاء عدم الإزعاج هذه كانت ملخص تعليماته ! ...
*
*
*
كانت تنتظرني لتبكي ! .. و أنا من أحتاج للبكاء ..
كانت تريد أن تعبر عن حبها و مساندتها و أنا أكره ذبولها و تلك الدموع التي تجتمع بين رموشها ..
هربت لا لأني لا أريد أن أبث لها وجعي حتى تشملني برعايتها
لكن أعرف يقينا أن وجعي لا يمكن أن تطيقه و با الأخص عندما أخبرها أني تصلبت في مقعد سيارتي مرددا .. وصايف أستجيب لدعواتك و سوف أفارق !
وصايف الهشة لا تتقبل الحزن و لا الهزائم و لا تعرف التعامل معها , فا دموعها دوما حاضرة و لا تعرف أن تنأى بحزنها لتقتله قبل أن يوجع أحبابها , و أنا لست بصدد السهر و تحمل حزنها فوق ما تحملت من حزن و ألم ..
.................................................. .......... .........
*
*
*
أستصعب ممارسة الحزن و إتقان دوره , و رغما عني أجد نفسي ابكي ثم أستسخف نفسي ! ..
حبي لوالدي و مدى إحساسي با الفقد لا يمكن أن يقاس با دموع فا سوف يأتي يوم و تجف , و أنا في مهمة حفظ لملامحه و نبرته التي أحب في مجرى الإحساس , فا سوف يغزوني المشيب و تعرى ذاكرتي و يصبح إحساسي هو كل ما أملك ..
و كنت اعلم ! ..
ذاك الشعور دوما استوطنني و منه دوما كنت متخوف .. انه سوف يأتي اليوم الذي فيه يغادرنا و يختفي و ها هو قد أتى من دون أي مقدمة , فلِما أفجع أم كان علي أن أكون أكثر دقة وأحدث صورته في المخيلة و هو يودعنا في حادث مأساوي و ليس مع امرأة فضلها علينا !
هن من علي أن أكترث بهم الآن فا أبي عند الرحمن و لا خوف عليه , أما فينوس و والدتي اللاتي به كن متعلقات لا يمكن أن أتجاهل حزنهن مهما حاولن التماسك أمامنا...
فا هي فينوس تذهلني .. فا بدل البكاء كل ليلة على وسادتها تلجأ لسجادتها و تناجي الله أن يرحمه .. كم أصبحت قوية و اجتازت مسافات منذ تلك الأيام التي كانت فيها تلجأ لمعالجة ألمها با البكاء
فينوس التي غرقت ملابسها بدماء والدي و بح صوتها من فاجعتها به تتمسك بإيمانها و به تتجاوز الصدمة أمام الكل لتكون قدوة , لكن قلبي الذي يحبها يخبرني أن لا ابتعد و علي أن اقترب و أواسيها مهما رددت أنها ليست بحاجة لأي مواساة ..
*
*
*
أصيل الجالس على طرف سرير فينوس : دعيتِ لي ؟
فينوس التي طوت سجادتها : أنا دايما أدعي لك ..
أصيل : بقولج شي يمكن يكون سخيف ..
فينوس تلتفت للخلف و توقف تدفق حديثه بهمس : خلنا نطلع لصالة وضوح داخل غرفة الملابس و شكلك ما حسيت بوجودها ..
أصيل بحرج يهمس : ما دريت حسبالي راحت مع أخوانها ..
فينوس بعد أن خرجوا لصالة أجبرت نفسها على الابتسام حتى يمكن لأصيل متابعة الحديث : تكلم و خلني احكم إذا اللي بتقوله سخيف أو لا ..
أصيل بعد أن استرخى على أحد المقاعد : تخيلي أبوي مات و هو بعيد عنا , و كان كل ها السنين مع أم ديمة و ديمة , هل حزننا عليه بيختلف , و بنقول أحسن انه أبتعد عشان بغيابه ما نتأثر ..
فينوس بصوت واثق : ما عمري تخيلت أبوي تاركنا .. أنا مدري ليش أنت و عذبي كنتم دايما خايفين من ها الفكرة ؟! .. أنا كنت أعرف شي واحد أن الموت راح يكون المسبب الوحيد لغيابه عن حياتنا ..
أصيل : حتى مع معرفتج أن مع أمي ما كان سعيد و أن أم ديمة اللي يحبها على ذمته كل ها السنين ..
فينوس بعبرة تخنق صوتها : كنت أعرف أن حبه لنا ما يحكمه مقدار حبه لأمي أو عشقه لأم ديمة , أبوي طلعنا كلنا من الصورة اللي حاولت أمي و أمي ديمة يخلونا فيها طرف قابل للمساومة عليه , أنا وأنت و عذبي و ديمة كنا خارج أي منافسة أو مساومة با النسبة له ... مشاعره أتجاهنا سهمها ثابت ما تأثرت في يوم حتى مع تغيرنا ..
أصيل بخجل : ما عمري فكرت بها الشكل ..
فينوس تهاجمه من دون أن تنوي: أنت خليت نفسك طرف , مع و ضد اعتقدت أنك لازم تكون , بس المسألة كلها ما كانت محتاجه منك إلا أنك تكون أبن يحب أمه و أبوه بنفس القدر .. أبوي يا أصيل من زمان تجاوز مسألة المادة و حصار أمي باستثمارات أعتقد أنك عرفت اليوم بتواجدها باسمه , أبوي ما كان معانا لأي سبب ثاني غير حبه .


أصيل و دموعه تسبق حروفه : ليش يا فينوس تقسين علي , ليش تخليني أندم و أتمنى لو أقدر أرد و أصحح نظرتي و أقول لأبوي أنا مصدق أنك معانا لأنك تبينا مو لأنك تبي الأمان المادي ..
فينوس بوجع : لأني أبيك تكبر و تتخلص من حقدك و ظنونك و تصفي نيتك , و من قال لك أنك ما تقدر تصحح مسارك ؟! .. هذي ديمة موجودة , طالع فيها و بتشوف أبوي , أبوي اللي كان يخاف عليها من الهوى الطاير , أبوي اللي يشوف فيها حلمه الضايع , أبوي يا أصيل اللي آخر ما ردد وصاتي لكم ديمة ...
*
*
*
ديمة .. هي أكثر من كنت فرحا برؤية دموعها !
نعم أبدوا بشعا و أنا أتذكر تلك الأمنية التي ناقضت حزني وأنا ابكي والدي , أمنيتي بأن تكون ديمة أتعس مني !
فا هي كانت الأغلى و أمها المعشوقة ...
و يجب أن تكون خسارتهم أعظم و أفدح , و أن يكون حزنهن الأعمق مع تمنياتي أن يمتد لقرن !
و ها أنا أعلم من فينوس أن آخر من ذكر و وصى بها ديمة ليربطها بنا إلى الأبد .. أي ظلم يلحق بنا , نعيش لسنوات تحت ظل الخوف من فقده لننتهي بفقده مخلفا ورائه إرث لا نريده !
*
*
*
غادر أصيل لأعود لوحدتي و يهاجمني الحزن لأجهش با البكاء المر و أنا من رددت على نفسي أن كفى و أقبلي بما كتبه الله و احتسبي الأجر ..
نعم أنا جدا مؤمنة و أعرف يقينا أن الموت حق لكن أعرف أن البكاء لم يحرم و انه وسيلة لشفاء , نعم فا أنا شفيت من الألم الذي خلفه طلاقي من شملان بهذه الطريقة ! .. لأعوام كنت ابكي كل ليلة من دون أن أمل و في الأخير أصبحت أنام بعمق لليالي طويلة غير مبالية لأصحو في احدها باكية !
*
*
*
وضوح تخرج لفينوس : تكفين فينوس ريحي نفسج لو شوي ..
فينوس تحاول أن تتماسك لتبتسم : تصدقين أني جوعانه ..
وضوح : يخسى الجوع .. روحي أخذي شور و صحصحي و بتطلعين و تلقين قدامج كل اللي تشتهين ..
.................................................. .......... .....
*
*
*
لأعوام كنت أعاني و كل ما تمنيته كان بمتناول قلبي لكن العقل دوما كان يقف حاجز !...
تمنيت أن اقتلعه من ذاكرتي و أمسح كل تفاصيله و أشوه صورته التي تصدرت هويتي العاطفية , و لو أني نجحت في ذلك لما كنت لأعوام أتوسد الخيبة و ألتحف الوحدة لأفجع بنهاية أنه تركني ورحل !
رحل بأحلامي التي انتهت دوما باعتناقه لي مرددا أنه لتو أستعاد ذاكرته و عرف أنه يحبني أنا و ليست تلك !
رحل .. ليملني صوتي و تجزع أناملي كلما ما مررتها على وجهي الذي جعده الفقد ..
لم أعد انتظر المساء ليعود إلي بصوته الذي يبدد الوحدة و لا الفجر لأرى وجهه قبل طلوع الشمس و أستيقظ على أمل ..
غاب إلى الأبد ليتركني في مهب الريح بنافذة مثقوبة و باب مكسور
و أرض تحتضر !
تركني مع الذاكرة و رحل .. و أنا من كنت مترفة و بتدليل غارقة و كان هو أمنيتي ليوم العيد لاتخذه زوجا و أبا لأولادي إلى الأبد ..
كنت من أجل البقاء أدفع بما أنا منه متيقنة لأقصى دائرة المخاوف , فقد كنت أعلم أنه لا يراني كا أنثى يشتهيها بل كا زميلة سكن فرضتها الظروف عليه , و علمت أنه في يوم سيقع في الحب و عني سوف يتخلى و عندها لا يمكن لي أن اربطه فيني إلى الأبد , لكن المضحك المبكي أنه هزم ظنوني و بقي بجانبي حتى النهاية ليعاقبني و يرحل فجأة من دون قرار مني !
*
*
*
....................... قبل مغادرة أبو عذبي بساعة ......................
*
*
*
أبو عذبي : يعني مو ناوية حتى تقولين لي تروح و ترد بسلامة ..
أم عذبي : تروح و ترد بسلامة .. و ما أوصيك على فينوس لا تخليها تقنعك تقعد سنين في الغربة , واجد ترى عليها شهرين تغير جو ...
أبو عذبي مبتسما : لو مسجل اللي قلتيه و أعيده عليج بتضحكين ..
أم عذبي : و ليش أضحك ؟!!
أبو عذبي : في كلامج شي محير , مدري أنتِ تبيني أرد بفينوس و لا تبيني أرد بعد شهرين فيها و إلا من غيرها ..
أم عذبي : أسم الله على بنتي .. و ليش ترد من غيرها ..
أبو عذبي : اقصد لو أنا اللي أقعد هناك لسنين بتفرق معاج وقتها لردت فينوس بعد شهرين ؟
أم عذبي : و أنا رادتك لتقعد في أي مكان يعجبك .. سنين و لا يومين يا أبو عذبي ما تفرق كلها واحد مدام قلبك من زمان هاجر ..
أبو عذبي يقترب من أم عذبي و يفتح قلبه : لو ما اشتريتيني ما كنت أدور على اللي يحررني منج , أنا دايما معاج كنت أحس أني مسلوب الإرادة .. و أنا تحديتج .. قلبي يا ردينه ما ينشرى و ينباع ..
أم عذبي بكبرياء مجروح : و من قال أني نافست على قلبك و لا بقيت أشتريه , من أول ما تزوجنا و أنا أقولك أنا أبيك زوج و أبو لعيالي .. و أنت أخذت أتعابك ..
أبو عذبي بخيبة : با الضبط .. في هذي عني تخليتي .. كنت دايما متأكد أنج ما تبيني أمثل أكثر من ها الدورين ..
*
*
*
لم أخبره أنني أحبه و أني أريده أن يتواجد في حياتي في دور العاشق بل رددت لأعوام أني أريده زوج و أب لا أكثر لاقتناعي بأني لست أنثى جميلة يمكن أن تمتلك بحسنها قلبه , و أن أي شخص سيردد كلام الحب و يقترب سيكون له مآرب أخرى كلها تنصب في ما أملك من مادة تثقل حساباتي .. و كلما أقترب هو كنت أسدل ستاره أعلق بها كل مآربه الأخرى و منها صور لأخيه و أخته و أقاربه الذين في مقدمتهم ابنة العم الفاتنة .. كنت دوما أجد أهدافا مخفيه و أتذرع بقبحي لأرفض ما أتمنى من مشاعر !!
كيف فعلت ذلك بنفسي ؟! ..
كيف ظلمت مشاعري و لِما لم أجازف ؟!
.. لِما لم أغيّب عقلي المثقل بكل الأفكار المنطقية و اتبع إحساسي مع الشخص الذي ربطني به رباط مقدس و أنجبت منه أطفالي ..
لمِا دفعته نحوها و حاولت تحرير نفسي لأعاندها في الأخير و اثبت أني الأقوى و يمكن لي أن أحتفظ به إلى النهاية !

يتبع ,,,,

👇👇👇


تعليقات