رواية سجينات خلف قضبان القصور -9
ما استوعبت اللي انقال الا انه سلمان طاح عليهم ضاع الحكي منها وماعرفت شلون تتكلم
او وش تقول ردتت بخوف كبير : سلمان وش صار عليه ؟
جا ولد اكبر منه شوي : ان شاء الله مافيه الا العافية .. بس ودوه يتطمنون عليه ..
قاطعته : قام ؟ ولا طايح يوم خذوه ..
تلقف عبدالرحمن مرة ثانية : لا مغمض عيونه وشالوه عنا ..
ارتجف كل جسمها ومشت بخطوات سريعة للمركز الصحي الوحيد بهالديرة .. طول الطريق
وهي تدعي ربي مايكون فيه شي كايد .. تحس نفسها بتموت خوف مكانها نست مع هالخوف
منيرة اللي اكيد الحين تنتظرها .. " يارب مايصير له شي .. يارب لاتحرمنا منه " تغيرت
مشاعرها في دقائق .. والفرح اللي كان مرسوم على ملامحها تحول لخوف وألم .. لو صار
فيه شي ولا احتاج نقل للمستشفى .. اقرب مستشفى لهم على بعد 200 كم .. زاد خوفها
بقلبها .. ومع كل دقة قلب تلهث بالدعاء للخالق يحفظه .. وصلت وهي تحس دمها نشف
بعروقها .. دخلت وشافته يمشي بخطوات غير موزونة .. بدون شعور نزلت دموعها ..
" اللهم لك الحمد يارب .. اخوي بخير " قربت منه ولمته لحضنها : سلمان وش فيك ؟
مسك يدها : موضي والله شفت الدنيا سودا ..
مسكته وجلسته على اقرب كرسي وجلست مقابلته : وش صار عليك ؟ ووش قالو لك ؟
هز كتوفه علامة انه مو داري .. واشر على نايف .. رفعت عينها وشافته واقف يطالعها
شعورها بهاللحظة كان متناسيه وهمها كله وتفكيرها باخوها .. وقفت ومسكت يده : تعال
معاي ..
وقف ومشى معاها بخطوات متثاقلة .. ماتدري وين تروح ولا وش تسوي .. تجهل بهالأمور
شافت اول ممرضة قدامها استفسرت منها وبالآخر جابت لها ملفه .. خذت الملف وراحت
للطبيبة العامة .. : يعني شلون ماله علاج ؟
دكتورة سهام : لا هوا خفيف اوي .. بس لازم ياخد ادويته اول بأول .. وياكل كويس ..
نزلت راسها ماعرفت شلون تتكلم او وش تقول .. هم الأكل بصعوبة يلقونه .. هزت راسها
وهي تحس بأسى على نفسها وعلى اخوها .. ضعيف كثير وضعف اكثر بالفترة الاخيرة
بعد ماساءت احوالهم .. شكرت الدكتورة وطلعت .. كانت حزينة رغم انه فقر دم خفيف
وممكن حتى الأغنياء يصيبهم .. بس لانها تحبه ماتبيه يتعب .. خذت ادويته ووقفت تناظره
نزلت نفسها لمستواه : تقدر تمشي ؟
هز راسه بإيه .. مسكته من يده ومشت معاه .. ماكانت منتبهة للعيون اللي من اول تتابعها ..
من اول ماشافها جاية بسرعة وداخلة المستوصف وهو مو قادر يشيل عيونه عنها .. يحمل
لها بداخله مشاعر مايقدر يخفيها .. وكل ماكبر هالحب كبر معاه احساسه بالخوف .. خوف
من المستقبل وش ممكن يحمل له من هموم اذا استمر في حبها ..
اما هي مشت معاه للبيت ونست منيرة اللي كانت تنتظرها كانت تسولف له وتضحكه بس
ماتبيه يحس بالتعب ... وبداخلها امتنان كبير لربها انه بخير ومافيه شي وهي اللي راحت
والوساوس تملا قلبها ... وصلت للبيت ومن شافته امه وجهه مصفر فزت على طولها
مرعوبة : يمه سلمان وش فيه ؟
تكلمت وهي تفصخ عباتها : مافيه الا العافية .. احد جاب منيرة ؟
جات نورة من الغرفة وراحت لسلمان على طول : السلمي ورا وجهك اصفر ؟
سلمان ببراءة : والله مدري انا كنت في الفصل .. شوي الا كل شي صار اسود وماعاد
حسيت الا وانا في المستوصف ..
ضربت على صدرها : ياربي امنتك وليدي ..
مسكتها موضي وجلستها : والله مافيه الا العافية يمه .. يقولون فقر دم ويبي له تغذية زينة
" مدت الكيس الصغير لامها " وهذي ادويته فيتامينات ومدري وش هي خرابيطهم ..
نورة : سلمان تونس شي ؟
سلمان : لا بس ابي انوم ..
التفتت موضي حولها وماشافت ابوها : ابوي وينه ؟
ام راكان وهي حاطة سلمان بحجرها وتمسح على راسه : بينوم له شوي .. البارح الليل
كله ماعرف طعم النوم ..
قامت ولبست عباتها مرة ثانية : بروح اجيب منيرة .. واشتري له كبدة .. تقول لي الدكتورة
لازم ياكل لحم وكبدة ..
مدت لها امها 10 ريال : جيبي لنا كلنا ..
خذتهم موضي ورجعت ناظرت امها : وخالتي وعيالها ؟
فتحت ام راكان الشيلة اللي رابطة الفلوس بطرفها : كم تبين ؟
غمضت عيونها تحسب ويوم ضيعت العد فتحتها : هاتي 5 ..
مدت لها 5 ريال ومشت رايحة تشتري لهم الكبدة اللي بيتغدون عليها .. وقبلها تمر تجيب
منيرة .. قعدت ام راكان لامة ولدها بحضنها ..: تونس شي ياسلمان ؟
سلمان وهو يقاوم النوم : لا يمه كان راسي يعورني بس الحين انا زين .. تجمعو حوله كلهم
وبدا شوي يقاوم النوم ويسولف معاهم .. وهالشي خلا الراحة تنزل على قلوبهم ويتطمنون
عليه ويتأكدون انه بخير وعافية ..
/
\
/
\
بوقت متأخر من الليل قامت من نومها .. ناظرت ساعتها وكانت حول الـ 2 وشوي ..
حست بقرصة الجوع .. وقامت بكسل غسلت ونزلت للمطبخ .. فتحت الثلاجة تبي تشوف
لها شي تاكله .. ناظرت بباب الغرفة الملاصقة للمطبخ ماتدري ليش حست انها تبي تتطمن
عليها .. هي تكرهها وماتحبها لكن حست بخوف عليها .. مشت بخطوات مترددة وفتحت عليها
الباب .. شافتها طايحة وآثار الضرب مبينة على جسدها .. تسارعت دقات قلبها قربت منها
ومدت يدها لتحت خشمها .. ارتاحت يوم حست بانفاسها الدافية .. ماعرفت شلون تصحيها
بدون ماتحسسها انها خايفة عليها هزت كتفها بتردد : ديموووووه ..
جاوبها الصمت وطال هالصمت .. علت صوتها اكثر وصارت تصحيها ولكن لا مجيب ..
بدت يدها ترتجف خوف ... : ديماااا .. ردي علي تسمعيني ؟؟
تناهى لمسامعها صوت انين خافت زرع بداخلها نوع من الطمأنينة على حال اختها .. راحت
للمطبخ وجابت كاس مويه .. ومسحت فيه على وجهها وهي تصحيها .. فتحت عيونها بتعب
وهي بالكاد تشوف اللي قدامها .. كانت تتصبب عرق رغم انها ترتجف من البرد .. بصوت
متعب وانهكه كثر الجور والظلم : عطـ ـ ـ شـ .. وضاعت باقي الحروف بداخلها ..
رفعت راسها .. ومدت لها الكاس تشربها .. وهي مستغربة هاللي قاعدة تسويه .. بس يمكن
لان بداخلها بذرة خير ولو كانت ضئيلة .. الا انها تكره موت انسان تعرفه .. مابين اغفائات
متكررة وكلمات مبتورة كانت تراقبها بصمت .. وكل شوي تلتفت وراها تخاف يجي احد
ويشوفها عندها .. سمعت صوت اذان الفجر وتفاجأت انها كل هالوقت عندها ماقلقت كثير
لانها تعرف اهلها مو ذاك الزود في الدين .. يعني متى ماقامو صلو مادام الاب مايروح
يصلي بالمسجد صلاة الفجر فأكيد بيكون اولاده مثله .. : ديمووووه تكلمي ترى تلفت اعصابي
مدت يدها ومسكت طرف بيجامتها تحاول تقوم .. فتحت عيونها وشافتها .. صعقت من هاللي
تشوفه .. توقعتها وحدة من الشغالات توها تستوعب ان اللي كانت حولها من اول اختها ..
كانت تحس احد يناديها .. يلمسها بس مو قادرة تركز بشي .. بصعوبة طلعت حروفها : مروى
ترددت كثير قبل تمد لها يدها وتسندها على اقرب جدار .. : تشوفيني ؟
هزت راسها بإيه وسحبت نفس عميق وزفرته بألم .. : بموت يامروى ..
كانت تقاوم صراعات بقلبها .. احساس مؤلم هاللي تشوفه قدامها .. ابوها قاسي حتى معاهم
وماتذكر بيوم انه حضنهم او قال لهم كلمة حلوة .. وامهم نفس الشي قلب جامد مايعرف الحنية
مغرقتهم بالفلوس والسفرات والروحات والجيات .. واكتفو بهالشي .. " فاقد الشيء لايعطيه
يامروى .. شلون احن عليها وانا ماعمري عرفت وش هو حنان الأم والأبو " : تبين شي ؟
بللت شفايفها بلسانها وناظرتها بارتباك : محد بيدري ؟
قاومت آلامها وجلست بشكل مستقيم تحاول تستجمع قوتها .. : ابي اصلي .. وابي آكل ..
بهاللحظة بس تذكرت انها نزلت من حول الـ 3 ساعات تبي تاكل بس نست جوعها من شافتها
طايحة قدامها .. : اوكي قومي صلي وانا بسوي لك معاي ساندويتش .. كان شعور غبي فيها
ماتبيها تعرف انها مسوية هالشي عشانها .. قامت عنها وهي مكتفية باللي سوته .. ورغبتها
بداخلها تبي تلتفت لها .. تبي تعرف هي تقدر تقوم او لا ... لكنها مشت للمطبخ وهي تكبت
صرخات الرحمة بداخلها سحبت كيس التوست .. وبدت تدهنه بجبن " مروى انتي ماسويتي
شي غلط .. ليش كل هالخوف ؟ " خلصت اللي بيدها .. وصبت لها عصير وماشافتها بالغرفة
اكيد راحت تغسل وتتوضا .. حطت الصحن ورجعت لجناحها .. ماتبي تعيش بهالصراعات
الكثيرة اللي بداخلها .. " اووووف وش هاللي احسه .. خليني اصلي واتجهز لمدرستي احسن
لي من هالتفكير اللي صدع راسي "
حطت الساندويتش والعصير على الكومدينه وغطته .. راحت توضت وبدت تصلي الفجر ..
صلتها بربها متقلبة .. تتقرب منه بفترة الاختبارات اكثر شي حالها مثل حال الكثير من
الطلاب .. مازرعو اهلها بداخلها حب الصلاة والتعلق فيها .. عودوهم على حب الدنيا واللهث
ورا ملذاتها الزائفة .. ماصلت بذاك الخشوع لانها تعودت تصليها وهي مستعجلة .. خذت
فطورها وبدت تاكله .. بعد ماخلصت لبست مريولها وخذت شنطتها ونزلت تحت .. اكيد
الوقت بدري .. بس كان عندها فضول تشوف ديما وش سوت .. فتحت عليها الباب واول
ماشافتها ديما خبت الساندويتش ورا ظهرها .. : بسرعة خلصي قبل يجي احد ويشوفك ..
هزت لها راسها وطلعت على طول وسكرت الباب .. ارسلت لها الشغالة تاخذ من عندها
الصحن وانتظرت زياد عشان يروحون مدارسهم .. بعد ماوصلت مدرستها .. انشغلت مع
صديقاتها ونست مشاعرها اللي كرهتها هاليوم كله ......
/
\
/
\
في جامعة الملك سعود .. وفي كلية ادارة الأعمال قسم الإدارة المالية قاعد يدون ملخص
محاضرته .. التفت حوله وماشاف مشاري استغرب منه وهالانسان مايفارقه دقيقة وحدة
كمل كتابة لانه مستعجل ويبي يرجع للشقة وليد واعده بمفاجأة حلوة وهو متأمل خير فيها
خلص اللي بيده وجمع اغراضه وقام .. راح لمكانهم اللي دايم يجلسون فيه بس بعد مالقى
مشاري .. " لايكون طلع ومابيحضر محاضرته الأخيرة ..؟ " : فهد وين مشاري ؟
فهد : راح مشوار وبيرجع بعد شوي .. بتروح انت ؟
اشر له بيده رايح : ايه قاضي من اول .. فمان الله .. ومشى طالع من الكلية .. وكعادته كل
يوم يحاول يدبر اي واحد رايح لقريب سكنهم ويروح معاه ... شاف واحد معاهم بنفس القسم
وساكن حولهم .. صوت له وركب معاه .. وصل للشقة على اذان العصر .. واول مادخل
صادفهم قايمين يتوضون .. : السلام عليكم
الكل : وعليكم السلام ..
مشى للغرفة وحط اغراضه ورجع طلع لهم : تغديتو ؟
الوليد : ايه والله ضبط لنا منصور هاك الكبسة .. لاتفوتك بس ..
راكان : بعدين .. الحين بروح اصلي .. وعقب بتعلمني وش عندك ..
لف يدينه حول كتفه وابتسم له : ابشر على هالخشم ..
بادله الابتسامة وراح يتوضا ويلحق الصلاة في المسجد .. بعد الصلاة رجعو وراحو منصور
وعبدالله يريحون شوي .. وراشد جلس على النت .. وقعدو راكان والوليد بالصالة ..
اخفى لهفته وناظره ينتظره يبتدي كلامه .. فهم عليه الوليد وابتسم له : لقيت لك شغلة حلوة
فز من مكانه مستانس : بالله عليك جد ؟
فاجأه حماسه وبادره : ايه والله العظيم ..
قاطعه على طول : مناسب لدراستي ؟ يعني مايحسبون علي تأخير ؟
هز راسه يبيه يتطمن : انت خلني اتكلم وافهمك كل شي ..
ابتسم له وهو يحرك يدينه بارتباك واضح حتى على ملامحه .. وكمل الوليد على طول : شوف
يالغالي هي شغلة ماعليها كلام .. وراتبها زوين وما اظن عندك مانع ..
تكلم بتذمر : اوووف عن هالمقدمات كلها وقول وش عندك اخلص ..
للحظة طرى بباله يعانده لكنه كسر خاطره وتكلم : سيكورتي بواحد من المجمعات ..
وراتبه 1500 وشفت مسائي بعد .. واذا تأخرت بيغطون
عليك زملائك .. واصلا المحاضرات
كلها تنتهي على العصر يعني وقتك مناسب ..
جاهم صوت راشد من الغرفة : من جدك انت وش سيكورتي انت الثاني كرف وشقا وبالآخر 1500 ..
لا وبعد من يوم يجي من الجامعة على المجمع ..
متى يلقى وقت ينام ولا يذاكر ..
قبل مايتكلم الوليد رد عليه راكان : ومن قال لك اني ابي ارتاح .. انا راحتي لاشفت اهلي
مرتاحين .. وش ابي بنفسي اذا كنت قاعد ومستانس واهلي قاصرهم اشياء مو شي واحد ..
طلع له راشد ووقف على باب الغرفة : وهالالف وخمسمية وش تسوي ؟
تنرفز الوليد من اسلوب راشد المحبط : وانت وش عليك فيه .. هو يبيها ومقتنع لازم يعني
تجي تضيق صدره وتسودها بوجهه ...
جا لهم وجلس معاهم : ومن قال اني بسودها في وجهه بس خله يدور له وظيفة احسن ..
الوليد بقلة صبر : صاحي انت ؟ هذا هو صار له حول الـ 9 اشهر يدور وظيفة وماحصل
احد حتى يعطيه لو 100 ريال ..
راكان : يعني بتطاقون الحين ..؟ خلاص ياراشد انت غير وانا غير .. انت متعود ابوك
يصرف عليك .. وكل شهر يجيك مصروف .. وعندك سيارة واهلك مو محتاجينك بعد
لا تقيس نفسك علي .. كل واحد وله ظروفه ..
الوليد : وهو الصادق .. انا اللي عارف وش وضعه .. وربي لوما غلاته ما دورتها له
وكلمت الرجال عشانه .. وانا وربي ماكنت ابي اقولها عنده لاني مابيه يظن اني امن
عليه فيها .. بس انت اللي حديتني اتكلم ..
قام له راكان وحب خشمه : ياجعلي افداك يابو خالد .. وربي مدري شلون اجازيك على كل
شي سويته معاي .. عسى ربي يقدرني وارد لك لو شوي ..
طقه الوليد على كتفه : افاااا ياراكان .. من متى بينا هالكلام .. ؟
ابتسم له بامتنان وناظر راشد اللي سكت بعد ماعجز يغير من قناعاتهم .. كان راكان يحس
بسعادة ماتوصف رغم ان الوظيفة متواضعة وراتبها كذلك .. بس يفك ازمة ويقدر يلبي
متطلبات اهله خصوصا انهم بقرية ومتطلباتهم اقل بكثير من سكان المدن .. يعني مرتاحين
من فواتير الكهرباء والتليفونات وهالامور حتى الملابس مايشترون الجديد الا نادرا والاغلب
تجيهم تبرعات ( مو كل القرى البعض وممكن تكون القليل من القرى على هالوصف ) ..
كان مستانس من هالخبر الحلو .. وحاس بامتنان عظيم لهالانسان اللي يفهمه من غير مايشكي
رغم ان مشاري معاه ومن نفس الديرة .. ورغم انه عارف اوضاعه كلها .. الان الوليد غير
يحس فيه .. وفوق هذا يبي يسوي المستحيل عشان يساعده ويحسن ظروف معيشته ..
شاف الوليد يناظره .. ابتسم له وقام للمطبخ مايدري ليش يحس نفسه انفتحت للأكل وللحياة
كلها ...
/
\
/
\
قلبت اوراقها بملل مو قادرة تركز باختبارها اللي بيكون بعد يومين .. ماتدري ليش قدرها
يحمل لها الألم .. رغم ايمانها القوي بأن كل مؤمن مبتلى .. وبأن الله ما ابتلاها الا لأنه احبها ..
الا ان بداخلها حلم مثل كل بنت بهالدنيا .. ابوها اللي تحمل اسمه وتتمنى يكون سندها بهالدنيا
هو الوحيد اللي مستحيل تحس بالأمان بوجوده .. ومجرد خروجه من البيت يعني الأمان
والحرية .. حرمت من هالحلم البريء .. حرمت انها تنتظره بلهفة .. وتستشيره بابسط امورها
انحرمت من احساس انه يجي يوم ويتطمن عليها او يسأل عنها .. " انا ليش احبه وهو ماقدم
شي يشفع لي اني احبه .. لانه ابوي ؟ وين هالأبو اللي عمري ماحسيت بوجوده " كانت من
صغرها تحس بعذاب قاتل وهي تشوفه سكران .. ماكانت تستوعب بالأول .. يقولون لها تعبان
مريض اي شي .. بس عمرهم ماقالو انه باع دينه ثمن لمسكر .. شعور قاتل بالخوف على نفسها
وشعور اقسى بالخوف على خواتها اكثر حتى من نفسها .. هي ممكن تتحمل كل شي .. طقه
وجبروته وكلماته البذيئة .. بس خواتها لا ماتبيه يدنس برائتهم .. طاحت دمعة يتيمة على دفترها
حست معاها بغصة مؤلمة .. حتى بوجود امها واخوها مازال احساس الخوف يسكنها .. ماحست
بالأمان اللي كانت ترتجيه .. من جات امها من اسبوع وهم كل يوم طقاق وهواش .. والفاظ
يتقزز اي شخص من سماعها .. كانت تتعذب وهي تشوفه يطق امها .. تتمنى نفسها مكانها ولا
يجي لها شي .. وكل ماقربت منها تساعدها بعدتها عنه .. تسائلت هل ممكن يجي احد بيوم ويطق
بابهم يخطبها هي او وحدة من خواتها .. صحيح انها توها صغيرة .. ويبقى لها سنة على ماتتخرج
من الجامعة .. بس رسيل من عمرها وتقدم لها كذا شخص وهي رفضتهم .. وهي بحياتها محد
تقدم لها ..حست نفسها غبية وهي تعقد هالمقارنة الفاشلة .. ابو طلال رجل اعمال ناجح .. وفوق
هذا انسان محافظ والكل يشهد له بالدين والصلاح .. شلون تقارنه بعربيد سكير وقته كله خارج
البيت ولولا الله ثم اموال شركاتهم كان الحين هم على حافة الفقر ..تذكرت كلام عادل وطيبة قلبه
غريب كيف يتوقع احد بيتقدم لهم وهذا ابوهم .. حتى عيال عم ماعندهم .. وعيال خوالهم بعد
مشاكلهم مع ابوها مستحيل يتقدمون .. هذا من يبي قربه اصلا وامها تبي الفكة اليوم قبل بكرة ..
مسحت دمعتها بعينها ولمحته واقف يتأملها .. ابتسمت له : من متى وانت هنا ؟
ألم فظيع حسه يعتصر قلبه عليها وهو حاس كل اللي بقلبها : صار لي ساعة اتنحنح وانادي بس
منتي حولي .. اللي ماخذ عقلك ياحلوة ..
كشت على نفسها وهي واقفة : من وين ياحسرة ..
مسك مع اذنها بقوة : وتقولينها في وجهي ياقليلة الحيا .. اجل تبين احد ياخذه ؟
بعدت يده وركضت للسرير وهي تضحك : بالحلاااااال ياخذه بالحلال ..
ضحك عليها وهو يشوف حمرة الخجل بخدودها : اي اشوا على بالي بس ..
زمت شفايفها وناظرته : لا خليت هالحركات لك انت ...
تفاجأ من كلمتها وماحب يبين هالشي على ملامحه : وش حركاته ؟
قعدت تلعب باصابعها وهي تضحك : ههههههههههههههه مثلك عارف ..
قرب منها وركضت بعيد عنه : دنو تعالي علميني وش تقصدين ..
ركضت تبي تطلع من الجناح وهي ميتة ضحك عليه بس كان اسرع منها ومسكها : بسرعة
الحين قولي وش قصدك ...
حاولت توقف ضحك وماقدرت .. وكل ماجات تتكلم تطلق ضحكتها بصوت عالي .. بلا
شعور صار هو بعد يضحك معاها .. دمعت عيونها من كثر الضحك وهي تبي تقول له اللي
بخاطرها وعجزت : هههههههههههههههه عدول تكفى فكني وانا بعلمك ..
حس نفسه مجنون وهو يضحك معاها ولا يدري وش السالفة .. بس على الاقل يقدر يخفي
شوي من ارتباكه لمجرد مرور طاريها : يلا تكلمي ..
رتبت التي شيرت ومسحت دموعها : يقولون رب رمية من غير رام .. وانا قلتها كذا بس
قط كلام فاضي .. و هاللي سويته كله يثبت لي انه في شي فعلا ..
حس انه لو قعد معاها شوي بتفضحه وبتطلع كل اللي بقلبه مشى من عندها : على بالي
عندك سالفة طلعت الآخر تهيؤات ..
ويوم وصل لباب جناحها جاه صوتها وهي تضحك : اقص يدي لو ماكانت وحدة ماخذة
العقل ومتربعة فيه بعد ..
ما التفت عليها واكتفى بابتسامة اختلسها خفية بدون محد يلمحه مجرد ماطرت هي على باله
نزل مع الدرج .. ويوم وصل للصالة تذكر هو ليش كان رايح لها .. حس بغبائه وقعد يلوم
نفسه ويعاتبها : جووودي ..
رفعت راسها من المجلة اللي قاعدة تطالعها : هلا ..
عادل : روحي تجهزي انتي وخواتك بنطلع الحين ..
فزت على طول مستانسة : وين بنطلع ؟
سحب المجلة اللي بيدها وقعد على الصوفا : امي تبيها مفاجأة لكم .. يالله تجهزو بسرعة
لا تأخرونا ..
ماكمل آخر كلمة الا وهي طايرة من قدامة طالعة فوق تقول لخواتها ..ماتعودو يطلعون ابد
لا ابوهم يطلعهم .. ولا امهم ترضى تروح مع ليموزين .. وعادل عمله بتبوك ومايشوفونه
الا كل كم شهر اسبوع او اسبوعين .. سمع اصوات ركضهم على الدرج والتفت لهم وهم
متجهزين وخالصين .. : هههههههههههههههه كل هذا عشان تطلعون ؟
جلست رغد جنبه : ايه وربي مو مصدقة انا بنطلع مليت وربي من البيت للمدرسة ونرجع
للبيت ..
عادل : زين انتظرو امي ونادر يجون ...
نجود وهي تصوت لهم بأعلى صوتها : يممممممممممممممه بسرعة عجلي ..
طقتها دانا على راسها : وجع .. فجرتي اذوني ..
ضحكت من قلب على اختها .. وناظرهم عادل وهو يسمع هوشاتهم ويضحك .. دقائق كانت
حلوة تملاها ضحكاتهم البريئة .. اغتصبها وحش كاسر دائما مايداهم افراحهم ويحولها لحزن
و هم ..صمت مفاجيء ونظرات مملوءة بالرعب ارتكزت على اللي توه داخل وبيده زجاجة
خمر .. بشعره الاشعث .. وثوبه المتسخ بازراره المفتوحه .. وشماغه المرمي على كتفه
باهمال .. على طول التفت لخواته مايبيهم يشوفون هالمنظر رغم انهم حفظوه واعتادوه ...
كان يكره قتله لبرائتهم .. بالذات رغد اللي توها بالمتوسط .. ونجود اللي بثاني ثانوي ..
عجبا كيف ممكن انسان يبيع نفسه لملذاته ويتبع هواه .. ويصير عبد لشهواته ورغباته ..
وجوده بس قتل كل معاني الفرح .. وهدد ببدء عاصفة جديدة من المشاكل اللي ماراح تنتهي
صراخ كالعادة .. سباب وشتائم تعف الإذن عن سماعها .. زرع الخوف بقلوبهم .. رجعو
بكل خيبة امل لدورهم .. ومازال يوصل لمسامعهم صراخه على امهم .. وهواشهم المعتاد
وبداخلهم اسى على فرحتهم البسيطة اللي قتلها بمهدها ..
بعد مافرغت كل اللي بقلبها غسلت وجهها وراحت تشوف رغد .. ماتبي يصير فيها شي
مثل قبل ... لقت نجود عندها ومبين على ملامحهم البكا .. ابتسمت لهم تحاول تخفف وجعهم
ولو بكلمة بسيطة : مو مكتوب لنا نفرح اليوم ..
نجود وهي تضم رغد : طقها اليوم بعد ؟ .. والله اكرهه ياناس اكرهه
قاطعتها بشدة : نجود خافي ربك هذا ابوك ..
وقفت بعصبية : ليش يطق امي .. ليش مايتركنا بحالنا ويروح عنا .. مانبيه والله مانبيه هذا
اللي لا خيره ولا كفاية شره .. حتى يوم جينا نفرح اليوم خرب علينا فرحتنا ..
جاهم صوته متفائل رغم الالم : بعوضكم اذا ربي اراد من بكرة .. بس لاتزعلون انفسكم
وتزعلوني انا بعد ..
راحت على طول وهي تشوف اثر دم خفيف على شفته : طقك انت بعد ؟
بعد يدها اللي حاولت تمدها على شفته : لا بس وخرته عن امي وجات ضربته فيني ..
ناظرت عيونه وهي تشوف الأسى فيهم : وينها امي ؟
عادل : بغرفتها .. ومافيها شي تكفين لاتروحين تصيحين عندها وتضيقين صدرها ترى
اللي فيها كافيها ..
هزت راسها وراحت لها على طول .. دخلت عليها بدون ماتطق الباب ورمت نفسها بحضنها
قاومت رغبة ملحة انها تصيح بحضنها تموت بمكانها الف مرة وهي تحس امها تنطق وتتعذب
وهم مايملكون ادنى شي ممكن يغيرون فيه حياتهم .. تجمعو كلهم حولها ملامح يبان فيها الأسى
ولو اخفوه .. عادل بحنانه الكبير عجز يرسم ابتسامة وهو يشوف الحزن يكسى ملامحهم ...
ودانا اللي تمنت تكون مكان امها وتتحمل الطق بس مايجيها شي .. ونجود ورغد ورائد اللي
كل يوم عن الثاني يزيد كرههم له اكثر من قبل .. ليلة ماتختلف عن كل ليلة قضوها بهالمكان
اللي بالنسبة لهم اشبه بالسجن الفاخر ..
/
\
/
\
احساس السعادة بداخلها يكبر وهي تعد الساعات اللي بتقدم فيها على هالخطوة .. ماصدقت
شلون هالوقت عدى .. رغم بطئه الشديد لبست عباتها ومرت على فصل منيرة .. شافتها
شايلة عبايتها بيدها ومعلقة شنطتها على ظهرها .. ابتسمت لها وبادلتها منيرة الابتسامة ...
تأملتها وهي تلبس عباتها بمجهود خصوصا انها توها متغطية وماتعرف شلون تحط عباتها
على راسها .. كتمت ضحكتها بداخلها وهي تشوفها تصارع شنطتها وعباتها .. كانت تشوف
بعيونها احساس الفرح لانها بتروح معها لبيتهم .. وكل البنات يغبطونها على هالشرف اللي
مانالوه للحين .. : ابلة لمياء ..
ركزت نظرها عليها : هلا
مدت يدها : هاتي اشيل شنطتس عنتس ..
ابتسمت لها بامتنان : لا انا بشيلها .. يالله مشينا ..
هزت راسها وهي متغطية وضحكت عليها ومشت معاها .. استغربت موضي وهي تلمح
هاللي جاية تمشي مع منيرة .. راحت لها منيرة ركض ولمياء تضحك عليها شلون متغطية
وهي مازالت بعقل طفلة .. كادت تتعثر بعباتها وقدرت بصعوبة توقف نفسها : موضي
ابلة لمياء بتجي معنا للبيت تبي نورة ..
راحت لها موضي على طول : ياهلا والله .. يالله ان تحيها تنورين البيت يا ابلة ..
ابتسمت بخجل على فرحتهم فيها .. احساس رائع تفتقده ,, " يالله وش كثر اعشق احساس
المحبة الغامر اللي احسه معاهم .. يابياض قلوبهم ماتعرف الا تحب وتعطي " مشت معاهم
في طرقات الديرة .. دخولها ولأول مرة كشف لها حجم معاناتهم وحجم بساطتهم .. بيوت
صغيرة جدا .. ممكن حجم البيت الواحد مايساوي كبر جناحها .. وتتزاحم بداخل هالبيوت
الأنفس ولكن يعيشون بسعادة هي تفتقدها .. شكر لله بداخلها على ان منحها هالتجربة الفريدة
لتتعايش مع من هم اقل منها طبقة .. واكثر منها سعادة ..كانت تستمع لسوالفهم وتضحك
من قلب .. ولأول مرة من زمااااان تضحك من قلب .. على طول دخلت موضي قلبها ..
انسانة مرحة متفائلة .. تعيش اللحظة بجنون وفرح .. ومبين انها محبوبة لأن حريم الديرة
من تعدي من عند بيوتهم يلقون عليها كلمات محبة .. وصلت معاهم للبيت وتفاجأت من حجمه
وشكله .. قديم جدا ومتهالك بصورة فظيعة .. ابوابه مهترئة .. وشبابيكه متكسرة .. والغرف
اللي فيه بالكاد تكفي لشخص واحد ياخذ راحته فيه .. استقبلوها بترحاب كبير .. ابتسامتهم
الصافية تدخل القلب .. جميلات .. رغم الفقر كانت تحمل ملامحهم الجمال البدوي الأصيل
كانت نورة الأجمل .. بس موضي الأكثر فتنة .. يمكن جنونها يعطيها جاذبية خاصة ...
لمحت ابوهم المقعد بالصالة وامهم اللي قاعدة وحاطة راسه بحجرها .. اخرجها من تأملاتها
صوت نورة الخجول : ارحبي يالغالية .. تو ماتبارك البيت بجيتس ..
ابتسمت بخجل وماعرفت وش ترد عليها بالضبط .. حست فيها موضي وعلى طول مسكتها
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك