بداية

رواية ام الجماجم وحب في المقابر -8

رواية ام الجماجم وحب في المقابر - غرام

رواية ام الجماجم وحب في المقابر -8

باشعال شموع على قبرها قبل ان يغادرن ...وما ان تم اشعال الشموع حتى ظهرت جورجيت قادمة من بعيد ببطء وكانها تعمدت ان لا تفاجئهن حتى لا يخفن منها ...اقتربت منهن وعانقتهن وجلست معهن وسألتها احدى الفتيات
قائلة :يا جورجيت ..انت طيبة ولا ميتة ..؟
-ابتسمت جورجيت وقالت :لا يا حبيبتي انا طيبة ومش ميتة ..
-وسالت اخرى : صحيح يا جورجيت الي بحكوه انك انت اللي بتخطفي الرجال وبتقتليهم ...
صمتت جورجيت ولم تجب على السؤال ...واعادت الفتاة السؤال من جديد ...
-تنهدت جورجيت وقالت :انا ما بقتل وما بخطف ....
-فقالت اخرى :طيب وين بروحوا وين بختفوا ليش بحكوا عنك انك انت الي بتوخذيهم ...
لم تجب جورجيت على السؤال ....والحت النساء على جورجيت ان تجيبهم ولكن جورجيت رفضت الاجابة...
-فقالت اخرى :سامحيهم يا جورجيت علشانا احنا سامحيهم ، ولا تنسي يا جورجيت انهم اخوتنا وابوتنا وولادنا.. سامحيهم يا جورجيت علشانا ..
- بكت جورجيت وقالت :قلن لي انتن ، وانا شو ذنبي اعيش في القبور وانا طيبة.. وليش حكموا علي ما اشوف الشمس شو ذنبي انا ..شو ذنب بنتي ، في حد منكن يقول لي مين ابو بنتي ...احكن.. ليش ساكتات ..بنتي انا مين " ابوها" ??!!...بدكن اسامحهم علشانهم ابوتكم واخوتكم وولادكم ...حاضر علشانكم راح اسامحهم ..انا مسامحتهم في كل اللي عملوا فيّ ، بس بنتي لما تكبر حتقدر تسامحهم ...
صمتت النساء ولم يستطعن الرد على جورجيت وصمتت جورجيت ومرت دقائق من الصمت لا احد ينبس بحرف واحد ...ووقفت جورجيت وقالت :
-يا بنات الدهري كلكن خواتي.. وبناتكن بناتي.. بحبكن وحظل احبكن وراح اعلم بنتي تحبكن ...
وانا بقلكن انا ما بخطف وما بقتل حدا ....رجال الدهري بفتحوا القبور بخاطرهم وبسكنوها بخاطرهم والحال مش حيتغير ، انا وبنتي حنظل ساكنين القبور وما دام في ذكر من دم الدهري بتجرأ وبفتح قبر بخاطره حيسكنه بخاطره ...ما تلومنّي وسامحنّي وقولن لرجالكن ما يفتحوا قبور ...علشان ما يسكنوها .....وادارت جورجيت ظهرها وسارت مبتعدة عنهن حتى توارت عن الانظار ومرت اشهر وعائلة الدهري على حالها ..حتى وصل اليهم نبأ بان هناك عجوز في بيت المقدس ذات قدرات كبيرة ارسلوا في طلبها لتساعدهم في الخلاص من هذه اللعنة التي اصابتهم ..
رفضت العجوز الذهاب الى الشام وارسلوا وفدا لمقابلتها وحكوا لها مصيبتهم وما يحدث معهم ...
-فقالت العجوز :لقد اصابتكم لعنة القبور ان لم توقفوها الان فستستمر الى ولد الولد -فقالوا :وكيف نوقفها ؟؟
-فقالت :كم قبرا فتحتم ؟؟
-فقالوا :عشرين قبرا ...
-فقالت :وكم شخصاً اختفى منكم ؟؟؟
-فقالوا :سبعة عشر شخصا ...
-فقالت: اختاروا من بينكم ثلاثة اشخاص ليذهبوا ويسكنوا داخل القبور لمدة سبعة ايام ، فمن استطاع منهم ان يحافظ على عقله خلال الايام السبعة سيخرج ولن تصيبه اللعنة ...وبعدها احذروا ان تفتحوا اي قبراً جديداً لان كل قبر ستفتحوه يجب ان يسكنه احدكم ..وبعد ذلك اضيئوا الشموع في بيوتكم ليل نهار حتى تكبر ابنة جورجيت ..ومن ثم ابحثوا عنها واعرضوا عليها شبابكم فان احبت احدهم واحبها ..تتزوجه وتخرج من الظلام وتنتهي اللعنة ...لا تنسوا ان لم تبحثوا عنها انتم ستبحث هي عنكم.. اما بخصوص اقاربكم الذين اختفوا فمن بقي منهم على قيد الحياة ستجدوه هائماً على وجهه في البراري ..

جورجيت وابنتها
وفي المغارة تحت القبور حيث تسكن جورجيت وابنتها التي بلغت الثالثة والعشرين من العمر ...تقدمت جورجيت تحمل بيدها عباءة وخمارا ووضعتهم امام ابنتها وقالت لها :
يا ابنتي اليوم جاء دورك وقد بلغت السن الذي يسمح لك بالخروج من الظلام والبحث عن النور...اليوم انت اجمل بنات الدنيا ؛ جمالا حُرم من النور هذا قدري وقدرك لم نسعى اليه بل هو سعى الينا جمالك هذا لن يراه الا زوجك ..ابو بناتك وملعون من يراه غيره يا ابنتي لن يخرجك من عتمة القبور الى النور ، الا من احبك واحببته وقدرك ان لا يكون هذا الا من نسل العائلة الملعونة واما ان يخرجك او تدخليه انت يا ابنتي هذا قدرك واتمنى ان لا يكون قدر ابنتك من بعدك اتمنى ان تنجحي بالعودة الى النور وتخرجي من عتمة القبور يا ابنتي.. ظلمونا ولم نظلمهم وكتب عليك ان تطارديهم ما دمت تريدين النور فيجب عليك ان تطارديهم اينما ذهبوا ..لن تستطيعي العودة الى النور الا اذا اخرجك احدهم او ان لا يبقى ذكر من نسلهم يرى النور عندها فقط تستطيعي الخروج من عتمة القبور الى النور ....
يا ابنتي قبل سنين عاهدت العجوز "عهد القبور " عهدا.. حولنا الى لعنة واليوم بعد ان كبرت اصبح العهد بيدك اوصيك ان تحافظي عليه وتصونيه ليحافظ عليك ويصونك ، مع العهد لا تخافي لن يظلمك احد ولن يؤذيك احد وملعون من تجرأ وفكر ، يا ابنتي العهد يعطيك كل شيء الا النور ولهذا لم اسمح لك بالخروج من القبور حتى لا تعتاديه وانتظرت حتى تكبري لاسلمك العهد وتاخذي فرصتك بالعودة الى حياة النور وان نجحت واستطعت العودة الى النور فاياك يا ابنتي ان تكشفي ما عرفتيه وشاهدتيه تحت القبور لاي كان فوق القبور...والان يا ابنتي اخرجي واكملي طريقي لا تخافي فلن تكوني وحيدة كلنا معك حتى تنجحي ..ان سألوك عن اسمك فقولي لهم اسمي لعنة وان نجحت بالخروج الى النور فاستبدليه....
خروج لعنة ابنة جورجيت
خرجت لعنة ابنة جورجيت للمرة الاولى من عتمة القبور للعالم الذي لم تره او تعرفه منذ طفولتها وفهمت ما قصدته امها بعالم النور ...اخذت تسير فكل شيء تراه جديدا لم تعهده ولم تره من قبل ، تجولت لعنة اياما واياما وكانت مع نهاية كل يوم تعود الى امها جورجيت وتروي لها ما حدث معها ...وبدأت لعنة تتعرف على عائلتها عائلة الدهري من بعيد دون ان تقترب منهم او تحدثهم واستمرت على هذه الحال اكثر من عام.
وبدأت لعنة تبحث عن من يخرجها الى النور الى الابد وعاد كابوس القبور معها ليحل على عائلة الدهري من جديد ومرت سنوات حتى احبت لعنة ابنة جورجيت احد شباب الدهري واحبها هو ووافقت على الزواج منه بشروطها وتم الزواج وعاش معها تحت القبور لا يخرج ولا يرى نورا وما مرت عدة اشهر حتى حملت لعنة وفرحت لعنة وفرح زوجها ، فان شاءت الاقدار وانجبت لعنة "بنتا " فبعد مولدها باربعين يوما يستطيعون الخروج من تحت القبور الى الابد وتنتهي اللعنة وان انجبت ذكرا فيجب ان يبقوا تحت القبور ، حتى تنجب انثى وخلال هذه الفترة لا يسمح لهم برؤية النور وبدأت الايام تسير ولعنة وزوجها بسعادة بالغة وكلهم امل ان ينجبا بنتا.
زوج لعنة كان اسمه نعيم الدهري بدأ يعتريه الوسواس ويصيبه الملل برغم وجود كل ما يريد وما يحتاج ويسال نفسه ماذا لو لم تنجب لعنة انثى وانجبت ذكرا فهذا يعني انه يجب ان يبقى معها لا يرى النور حتى تنجب انثى ليخرج ويخرجها ولكن ماذا سيحدث لو لم تنجب لعنة انثى الى الابد فهذا يعني انه سيبقى معها تحت القبور والى الابد.
الخوف من المستقبل حول حياة نعيم زوج لعنة الى جحيم ودفعه ليأخذ قرارا بالخروج دون ان يأبه أنه بهذه الطريقة سيقضي على الأمل بخروج زوجته الى النور والحياة الطبيعية ، انانية نعيم جعلته لا يطيق ان ينتظر عدة اسابيع حتى تنجب "لعنة" وخرج وتركها وحيدة وحينما علمت لعنة صدمت وحزنت وبكت وعلمت ان قدرها قد كتب لها ان تبقى تحت القبور وتذكرت قول امها جورجيت بأن ابناء الدهري كلهم واحد ولن يتغيروا ، مرت اسابيع وانجبت " لعنة" توأم "طفلتين" متشابهتين كأنهما القمر وقد قسما قسمين، حزنت لعنة اكثر على حظهما فلو انتظر زوجها عدة اسابيع لانتهى كل شيء.
ودار الزمن من جديد وعادت القبور تفتح ورجال الدهري يختفون وكابوس اللعنة يطارد الصغير والكبير، وكبرت ابنتا "لعنة" وقد سمتهما الاولىياسمين والثانية وردة وحينما اصبحتا في الثالثة والعشرين جلست معهما امهما لعنة واتفقت معهما على ان تسلم العهد لكل واحدة منهما لمدة ثلاث سنوات تخرج فيها الاولى وان لم تنجح تسلم العهد لاختها.
وهكذا تم الاتفاق وكانت المرة الاولى من نصيب وردة وخرجت ، وانتهت الثلاث سنوات وعادت وسلمت العهد لأختها التوأم ياسمين .
مرت ساعات طويلة ..وفارس ما زال يستمع من ياسمين ام الجماجم الى القصة التي رفضت امه ان تحكيها له ، قصة جورجيت ..
لم يستطع فارس ان يخفي تأثره من قصة جورجيت ولم يكن باستطاعته ان يوقف دمعة تسقط من عينيه بين الفينة والاخرى فهو لم يكن يتوقع ان تكون قصة جورجيت بهذه المأساوية وان على وجه الارض اناس بهذه القسوة والبشاعة ولا سيما اذ كان هؤلاء اهله وعائلته...انهت ياسمين قصتها لفارس وقالت له: انها واختها التوأم وردة لم تخرجا من حيث تسكنان تحت القبور الا بعد بلوغهما سن الثالثة والعشرين وتسلمت اختها وردة العهد وخرجت وبعد ذلك عادت وقامت امها لعنة بتسليم العهد "لياسمين" ...صمتت ياسمين قليلا ونظرت الى فارس لترى اثار الدموع في عينيه وقالت له: شو يا فارس بتبكي على حالك وعلى اللي حيصير فيك ولا بتبكي علينا وعلى قدرنا؟ .
رد فارس: كل اللي صار معي ولا شيء مقارنة مع اللي صار معكم وهلأ يا ياسمين كيف ممكن اساعدكم؟..
فقالت ياسمين: ساعد حالك احنا مش محتاجين حد يساعدنا ..!!
فقال: كيف يا ياسمين كيف؟؟؟
فقالت: انت عارف كيف يا فارس...!!
فرد: كيف يا ياسمين تفتحي لي قبر وادخل فيه وانا طيب ..؟!
فقالت: طبعا لا انا ما بدي افتحلك قبر ...عارف ليش؟ لانك فتحت بدل القبر قبور ، روح اختار واحد وادخل فيه وان شاء الله تظلك بعقلك.
فرد: انا مش خايف من القبور ..انا بحبك ويهمني ننهي هاللعنة وتطلعي تعيشي بالنور
ردت ياسمين:انت يا فارس دهري... وامي وستي علمونا انو الدهري ما بحب الا حاله.
فقال: انا ما دخلني بعيلهالدهري انا ما تربيت عندهم ومالي ذنب في اللي عملوه مع ستك وامك ...وانا ما عرفت اني من هالعيلة الا منك انت يا ياسمين... انا ضحية مثلك وليش نحمل ذنب شيء صار قبل ما نيجي على الدنيا.
فردت ياسمين: اللعنة يا فارس بتظل لعنة كلنا ورطنا بلعنة القبور وهلأ ما في حل ..انا ترجيتك ما تحاول تشوف وجهي وقلت لك انو ما حد بشوف وجه بنات جورجيت الا وبشوف عتمة القبور وانت ما صبرت وما صدقت!!
فقال فارس:ياسمين انا ما كنت اعرف انو وراك كل هالقصة وهلأ لازم نلاقي حل ان كان الحل انو ادخل قبر واسكن فيه لسبع ايام انا جاهز وما يهمني شو حيصير فيّ...وان كان الحل انو اتجوزك واسكن معك تحت القبور تتخلفي بنت انا جاهز من هلأ بس هاللعنة تنتهي وتطلعي انت للنور.
ضحكت ياسمين وقالت: هذا الكلام قالوا ابوي لأمي ...واكثر من هيك كمان ، بس ما صبر وهرب وحكم علينا ننولد في العتمة ونعيش في عتمة القبور ...ما فيّ حل يا فارس "لعنة القبور ما في منها هروب.
ما في شيء ما الو حل يا ياسمين كل شيء الو نهاية .
فردت ياسمين:الا لعنة القبور ما الها نهاية...
فتنهد فارس ورد باستياء :ما الها نهاية لانه انتن ما بدكن تنتهي.
فقالت ياسمين:هذا اللي كتبوه علينا عيلة الدهري...
طيب يا ياسمين عيلة الدهري السبب ، عيلة الدهري عذبت ستك جورجيت ودفنتها طيبة وبسببها عشت انت وامك واختك تحت القبور بس مية سنة مروا .... مية سنة وانتوا بتقتلوا برجال الدهري اللي الو ذنب ولّي ما الو ذنب ...كل هذا الانتقام ما بكفي
غضبت ياسمين وقالت:احنا ما قتلنا وما اذينا حد...رجال الدهري فتحوا القبور وسكنوها بخاطرهم وما حدا اجبرهم...!!!
يا ياسمين في حد بحفر قبره بيده وبيدفن حالو فيه وبخاطروا ...في مجنون في الدنيا بيعمل هيك؟؟!!
رفعت ياسمين حاجبيها ورمقت فارس بنظرة غريبة مليئة بالغموض والثقة وقالت:آه يا فارس فيّ ناس كثير وخاصة اذا كانوا من ذكور الدهري بفتحوا القبور وبسكنوها بخاطرهم وبدون ما حد يجبرهم...ما انت يا فارس كمان فتحت قبور وما حدا جبرك وحتسكن القبر بخاطرك مثلك مثل كل رجال الدهري.
فقال: صحيح كلامك بس انت اللي دفعتيني اعمل هيك ...وانت اللي سحرتيني........
فردت: شو يا فارس ارجعنا للكلام الفاضي ..سحرتيني وسحرتك مليح اذا صرت بتأمن بالسحر وبالكلام الفاضي على اخر ايامك...
فقال بصراحة: فيّ اشياء احسن للانسان ما يفهمها واذا انا بدي افهم قصة ستك جورجيت وامك واختك واهلي وكيف بفتحو القبور وكيف بيسكنوها وشو هالقوة الغريبة اللي عندكن ما بعرف ..اصدق ولا ما اصدق بكفيني اللي شفتوا واللي عرفتوا ...وما بدي افهم الا كيف هالقصة بدها تنتهي..وما بدي افهم ولا شيء ثاني؟؟؟
فقالت ياسمين: انا ما عندي مشكلة اذا بدك تفهم أي شيء انا جاهزة افهمك ..انا اصلا ما في شيء وراي غيرك.
فقال فارس: شغلة وحدة اللي بدي افهمها وبس ...اللي كانوا بدخلوا القبور من رجال الدهري كانوا بموتوا ولا شو اللي كان بصير فيهم؟؟!!
فقالت ياسمين ساخرة:هلأ قلت انك ما بدك تفهم اشي ..شو غيرت رأيك...؟ على العموم اللي كان بيطلع منهم بعقله كان يتعلم انو عمرو ما يئذي حدا وعمروه ما يتباهى انو من عيلة الدهري واغلبية رجال الدهري كانوا بطلعوا مجانين لانه اصلهم مجانين.
فقال فارس مازحا: طيب هو ما ظل حدا من عيلة الدهري غيري!
فقالت: لا ظل أكم واحد هون وهون بس انا تاركتهم لاختي وردة تتسلى فيهم.
اقترب فارس من ياسمين وامسك بيدها دون ممانعة من طرفها وقال لها: بحبك ...بحبك وما بدي الا هالكابوس ينتهي..
رفعت ياسمين رأسها وقالت بلهجة حزينة: لو هالموضوع بأيدي كنت تركتك بحالك وما بدي كل هاللعبة .
فقال فارس: طيب شو راح تعملي هلأ ..؟!
بكت ياسمين وقالت: مش عارفة؟؟!!
انا تعبت وانا لازم ارجع لامي واختي واسلم العهد لاختي من جديد بلكي هي عرفت تعمل اشي..
وسحبت ياسمين يدها من يد فارس وتركته وسارت بين الاشجار ..لحق بها فارس وحاول ان يستوقفها..فنظرت اليه وسارت من جديد ..لم يستطع اللحاق بها وكأن هناك قوة ما تمنعه من فعل ذلك...جلس فارس على صخرة واخذ يفكر ويفكر ومن ثم قاد سيارته وعاد الى منزله في الناصرة.
اما ياسمين التي لم تستطع ان تخفي حبها لفارس ...فقد سارت عبر طرقها السرية الغامضة حتى وصلت الى احدى المقابر وجلست على حافة احد القبور القديمة شاردة الذهن تبكي لا تأبه بشيء ومن ثم مسحت دموعها واستعدت وكأنها تتهيأ لمقابلة احد... ارادت ان لا يشعر بأنها تبكي ...ازاحت حجرا من طرف القبر ليفتح من خلاله باب صغير يكشف عن درج قديم نزلت منه الى سرداب طويل يضيئه نور خافت منبعث من فتحات صغيرة تظهر بالكاد من جوانب .....

سرداب ، تزينه رسومات وحروف قديمة ...اخذت تسير بخطى حزينة بطيئة ...حتى وصلت الى نهاية السرداب المغلق بجدار حجري... وضعت يدها على طرف الجدار فتزحزح وافضى الى سرداب آخر دخلته فاغلق الجدار من جديد وسارت ياسمين من سرداب الى آخر حتى وصلت الى قاعة واسعة كبيرة مفروشة بأجمل الاثاث...
وفي القاعة جلست هناك امرأة غاية في الجمال والوقار تبلغ من العمر نحو60 عاما لا يبدو عليها انها من ذلك الجيل بل يبدو على ملامحها انها ابنة ثلاثين عاما او حتى اقل وبجانبها جلست فتاة سبحان الذي خلقها انعكست عليها صورة ياسمين ولولا اختلاف ما ترتديان لاستحال التمييز بينهما ...وقفت ياسمين تنظر اليهما وهما ينظران اليها.
ولم تتمالك ياسمين نفسها فأسرعت والقت بجسدها في حضن المرأة ...واخذت تبكي بحرقة وألم ....احتضنتها المرأة بقوة واخذت تمسح بكفها على شعرها وجسدها ورفعت ياسمين رأسها قليلا وقالت وهي تشهق من شدة البكاء "ماما انا تعبت" واعادت رأسها من جديد الى حضنها وثلاثتهن صامتات لا يتكلمن..وانهمرت الدموع من عيني الفتاة التي كانت تراقب المشهد بهدوء وصمت وكانتا تعلمان سبب بكاء ياسمين.
مرت دقائق ودقائق ...لترفع المرأة رأس ياسمين من حجرها وامسكت برأسها بحنان وازالت خصلات من الشعر المبتلة ، ومسحت الدموع المنهمرة عن خدي ياسمين وامطرتها بقبلات حارة ..وقالت لها:مالك يا ماما شو فيّ ؟؟!!
ردت ياسمين :انا تعبت يا ماما ..انا زهقت ...
نظرت اليها امها بأشفاق وحزن وقالت:بعرف يا ماما ، بعرف... بس شو نعمل قدر وانكتب علينا.
رفعت ياسمين رأسها وصرخت بأعلى صوتها وقالت.. قدر شو يا أمي اللي مش مخلينا نشوف النور..؟ قدر شو يا أمي اللي حكم علينا نعيش تحت القبور .
تأففت ام ياسمين وامتعضت وقالت بلهجة حادة: شو ناقصك يا ياسمين؟!!...في شيء طلبتيه انت واختك وردة وما اخذتوه ...في شيء اتمنتوه وما حصلتوا عليه ..شو ناقصك انت واختك احلى واذكى واقوى بنات الدنيا ..شو ناقصكم.
ضحكت ياسمين وهي تطلق ضحكة مقهورة وقالت: شو ناقصنا يا أمي ...ناقصنا نعيش تحت الشمس،ناقصنا نعيش مثل كل الناس...وجمال ايش ياأمي اللي بتحكي عليه واللي بشوفنا ملعون ، جمال ايش اللي محرم على حدا يشوفوا.. جمال محرم عليه يحب ويتجوز الا عدوه...جمالنا مدفون بين القبور يا أمي ولو ينتا يا أمي بدنا نظل نطارد اولاد الدهري....
اقتربت الفتاة الاخرى من ياسمين واحتضنتها ليشكلان معأ اجمل لوحة حزينة ...واخذت تهدأها بحنان ...
نظرت اليها ياسمين وقالت:اتعبت يا وردة ؟....
ردت عليها :معليش يا اختي...
اقتربت الام واحتضنت ابنتيها وردة وياسمين واجلستهما الى جوارها وقالت: يا بناتي انتو بالنسبة الي نور هالدنيا وشمسها ،وانتو الامل اللي هيطلعنا للنور ...انا لما كنت بسنكن بكيت كثير وحزنت كثير وتعبت كثير وكانت ستكم جورجيت بتقول لي انه البكا مش عيب ..ابكي مثل ما بدك بس لا تبكي قدام عدوك.
واحنا انكتب علينا نبكي بالعتمة وما نبكي بالنور.
وبكلمات ناعمة وبريئة قالت ياسمين :طيب ليش ما نغير الوضع اللي أحنا فيه يا امي؟!
ردت عليها وقالت:ما بنقدر احنا جزء من لعنة القبور وبنحمل عهد جورجيت ولازم نحافظ عليه.
قالت وردة:وهاللعنة هاي ما الها نهاية ..؟؟
فردت الام :لعنة الها بداية وما الها نهاية...ولعنة جورجيت على كل اولاد الدهري وما دام في ذكر منهم بعيش تحت النور احنا مش راح نشوف النور.
فقالت ياسمين: بس يا أمي ما ظل حدا اليوم يحمل اسم الدهري...!!!
فردت الام: لا يا ابنتي ظل كثير وولاد الدهري معبيين البلد ....ومش مهم اسم العيلة اللي حاملينها المهم انهم من دم الدهري ومن نسله.
فقالت ياسمين:بس يا امي معظمهم ما بعرفوا انهم من عيلة الدهري وما الهم دخل في اللي صار..
الام: هاي لعنة الدهري ومش احنا اللي صنعناها ..حتلاحق ولد الولد.
فارادت وردة ان تتكلم...ولكن الام قاطعتها قائلة لكلتا بنتيها :شو يا بنات انتن بنات جورجيت ولا بنات الدهري ولا نسيتن انكن حاملات العهد..
فقالت ياسمين: احنا ما نسينا ياأمي بس الزمن تغير وولاد الدهري اللي دفنوا جورجيت ماتوا واسم الدهري انمسح من الوجود... وحتى ستي جورجيت اللي احنا عمرنا ما شفناها لو كانت طيبة كانت حتسامح.
صرخت الام بغضب وقالت: اخرسي جورجيت ما ماتت وعمرها ما حتموت وحتى ولو هي سامحت احنا مش لازم نسامح..
فقالت وردة: يا أمي لا تزعلي بس احنا بنعرف انو جورجيت ماتت من زمان.
غضبت الام وقالت:يا بنات بقلكن جورجيت ما ماتت افهمن ما ماتت وعمرها ما حتموت .
فقالت ياسمين: كيف يا أمي كيف؟؟؟
بكت الام وقالت:الملعونة عمرها ما بتموت وعمرها ما بترتاح وانا والله ما حخلي حدا من نسل الدهري يرتاح.
خيم جو من الحزن والبكاء وانعكست الامور واخذت ياسمين واختها وردة في تهدئة امهما لعنة ابنة جورجيت وعيون الواحدة تقول للاخرى من ولد في الظلام كتب عليه ان يبقى في لعنة ويموت بها.
وقفت وردة وقالت:خلص يا أمي لا تبكي ما في شيء بستحق دموعك احنا حنظل انطارد اولاد الدهري وحنجننهم وين ما كانوا ان شاء الله في اخر الدنيا وغمزت بعينها لأختها ياسمين.. "مش هيك يا ياسمين"اومأت ياسمين برأسها علامة على التأكيد وعيونها تقول: الى متى!!
لم يخفى على الام عدم رضا ياسمين...فقالت موجهة كلامها لوردة :باين على اختك تغيرت كثير من يوم ما عرفت فارس ابن الدهري وقدر ينسيها انها بنت جورجيت وانا خايفة ينسيها العهد اللي حاملتوا يا وردة...الحب المجنون دخل قلب اختك وسيطر عليه.
ياسمين بقية صامتة ولم تعلق على أي كلمة مما قالته امها ووجهت الام كلامها لياسمين :اسمعي يا ياسمين اولاد الدهري شو ما كانوا بظلوا ولاد الدهري ...والدهري عدونا وحيظل عدونا وانت مسموحلك تختاري واحد منهم علشأن تتجوزيه ويكون ابو بناتك ويعيش معك هون تحت القبور وان كان بحبك حيطلعك ويطلع للنور...بس ولاد الدهري كلهم واحد ومش حيكون احسن من ابوك اللي تركنا وهرب..وما صبر حتى يشوفكن.....مر وقت وياسمين صامتة تطرق برأسها الى الارض لا تنبس بكلمة ،هادئة شاردة الذهن لا ترد ولا تبد أي رد فعل لكلام امها "لعنة" التي حاولت ان تجرها للحديث بكل طرق حتى انها شتمتها...
ويبدوا ان ياسمين قررت اخيرا ان تخرج من صمتها فقالت لامها:
انا يا أمي بسنة وحدة من يوم ما سمحتي لي اطلع واشوف النور جبت اربعة من ولاد الدهري وخليتهم يفتحوا قبور ويدخلوها ...انا يا امي عمر ما حدا شاف وجهي وعقله ظل معوا ... فارس كان خامسهم وانا ما تعرفت على فارس علشأن احبه ...انا في الدنيا كلها تعلمت احبك واحب اختي واحب ستي جورجيت اللي ما شفتها بعمري ....وانت يا امي طلبت مني اتعرف على فارس وقلتي انوه الدور أجا عليه، اتعرفت عليه وخليتو يفتح بدل القبر ثلاثة بس يا أمي القدر اللي بتحكوا عنه ما خلاه يتجنن والقدر خلاني احبه...انا انسانة بحبه ومش بأيدي اني بحبه ويا ريت يا أمي هاللعنة تبعد عن فارس.
استاءت الام من كلام ابنتها ياسمين وردت عليها بأمتعاض :بتحبيه يا ياسمين طيب تجوزيه وجيبيه يسكن معك هون حتى تخلفي بنتك الاولى واطلعي انت وياه للنور...
هيك شرط يا ياسمين وهيك الاتفاق يا أمي ...
ردت ياسمين: ما بدي اتجوزه يا امي وما بدي يسكن هالقبور بدي نتركه بحاله.
ردت الام.. يا بنتي مش انت بتخططي اللعنة وبتحددي مين تصيب ومين ما تصيب ..حبيب قلبك فتح قبر ولازم يدخله وانت ما جبرتيه يفتحوا ولي بفتح قبر من بره لازم يسكروا من جوا.
ياسمين :هذا الكلام بتحكيلهم اياه بس احنا بنعرف انه لو ما بندفعهم ليفتحوا القبر ما بفتحوه وما بتصيبهم اللعنة .
احتدت الام وغضبت واخذت تصرخ بياسمين ، فتدخلت وردة لتهدئة الجو وقالت لياسمين... يا أختي ان كان فارس بحبك مثل ما بتحبيه...ممكن تتجوزيه ويسكن معك هون وممكن يصبر ونطلع كلنا للنور.
ابتسمت ياسمين ونظرت لاختها بحزن وقالت: يا وردة الناس بره بتخاف من عتمة القبور افهمي انه الناس بره مش مثلنا ولا طباعهم من طباعنا انت تعرفتي عليهم قبلي وعشتي معاهم اكثر من ثلاث سنوات كنت معاهم قبل ما ييجي دوري واطلع انا ....وما فهمتي انه الدنيا بتختلف عن هون يا وردة في حد وصل عنا وظل بعقلاته يا حبيبتي فارس كان حيتجنن ولساتو ما شاف شيء وبدك اجيبو هون.....
ورغم الجو المشحون الا ان وردة لم تمنع نفسها من الضحك وكذلك فعلت ياسمين وهن يعلمن ماذا سيحدث لو وصل فارس الى حيث هن.
دموع وكآبه وحزن وابتسامات ...امتزج الجو بمزيج من المشاعر المتناقضة ...وتسمرت عينا وردة بالاتجاه الاخر من الغرفة ولكزت بيدها اختها ياسمين لتلتفت بنظرها الى ما تراه "امها لعنة" وظهرت من بعيد عجوز ترتدي الابيض تسير نحوهم بخطى واثقة.
ظهر القلق والارتباك بعيون وردة وياسمين وعلى عكسهن ارتسمت ابتسامة على شفتي امهن "لعنة". اقتربت العجوز لتسرع اليها لعنة وتنحني وتقبل يدها وكذلك فعلت ياسمين ووردة .
نظرت اليهن العجوز وقالت بحنان:
شو القصة يا بنات؟ ..شو اللي عم بصير ؟
اسرعت الام واجابت: شايفة يا خالتو ،شايفة البنات كيف تغيروا ؟..شايفة كيف متفقات عليّ؟! ...
ربتت العجوز على كتف لعنة...وقالت: معلش يا بنتي البنات لسه صغار وبكره بيكبروا
اطرقت ياسمين وكذلك وردة برأسيهما بالارض خجلا وطلبت العجوز البيضاء ان يجلسوا الى جانبها ويحدثوها عما يحصل...ووجهت كلامها لياسمين بالذات وقالت لها:"شو اللي عملتيه يا ياسمين ؟ ردت عليها ياسمين برهبة دون ان ترفع عينيها: انا ما عملت شيء يا خالتي انا طول ما انا بره حافظت على العهد وصنته ...بس يا خالتو غصبن عني ...حبيتو يا خالتي حبيتو.. واخذت ياسمين تبكي فربتت العجوز على رأسها وتنهدت وقالت: "يا بنات انا بحبكن وما بدي حد يأذيكن وما بدي يصير فيكن مثل ما صار لجورجيت" ..العهد اللي انتقل من ستك لأمك لاختك ما يمنعك انك تحبي بس ما يسمحلك تعملي اللي بدك اياه...
فقالت ياسمين: والحل يا خالتو شو اعمل ...؟!!!
ردت العجوز: شو يا ياسمين انت بدك تتركينا...؟
فقالت: لا يا خالتو انتو اهلي ومالي غيركم مش ممكن افكر هيك بس بكفي يا خالتو.
ردت العجوز:...احنا يا بنتي ما بنئذي حدا احنا بنذي اللي بئذينا بس.
"ستك جورجيت قبل (..1) سنة عاهدتنا وحافظت على العهد والعهد ما حولها للعنة عيلة الدهري هي اللي عملتها لعنة "والعهد" ساعدها وحماها ...ستك جورجيت كان مطلبها انو كل ذكر من نسل الدهري ودمه وين مكان وفي أي بلد كان ان كان صغير لما يكبر انه تعرفوه على قذارة اصله وتخلوه يشوف عتمة القبر ويعيشها علشأن ما حد يحمل اسم الدهري من جديد وما تتكرر مأساة جورجيت من جديد وهي انذرت انه ما بنت من بناتها تعيش بالنور ما دام على وجه الارض ذكر من نسل الدهري ما شاف عتمة القبور وتركنا لكن "العهد" علشان ينتقل لبناتكن وبنات
يتبع ,,,,
👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -