بداية

رواية الملعونة -15 البارت الاخير

رواية الملعونة - غرام

رواية الملعونة -15

خرج من منزل والديه ومشى بسيارته في شارع الكورنيش وهو حائر ومشتت الأفكار . اتصل بكاميليا عدة مرات ولم تجبه فقرر الذهاب لمنزل والديها في حي الخامسة . أوقف سيارته قرب أحد البيوت المقابلة وظل يراقب الحركة . بعد دقائق لمح والدها يوقف سيارته ويدخل فعاود الاتصال بها ولم ترد عليه أرسل لها رسالة نصية يخبرها بأنه موجود أمام باب البيت ويعلم بأن والدها قد عاد لتوه وهددها بأنه سيدخل ويخبر والدها بكل شيء في حال استمرت بتجاهله . اتصلت به بعد دقيقة وبدا صوتها متغيرا وهي تقول :
- ماذا تريد الآن ؟
بلع ريقه وقال :
- عرفت بما جرى .. الحمد الله فلو لم يمت لربما تهورت وقتلته .
قالت له بسخرية :
- وهل تكذب وتصدق الكذبة ؟
ذكرته بما قاله لها عندما زارها عصر الأمس وطلب منها أن لا تنتظر عودة ناصر فهو سيترصد له ويقتله . برغم كراهيتها له وبغضه وكل الأذى الذي ذاقته وعاشته معه إلا أن بدنها يرتعد كلما فكرت بأنه أصبح في عالم الأموات وهي أرملته الآن . تفاجأ من كلامها ولهجتها المليئة بالاتهامات . وأوضح لها بأنه هددها بقتله ثم عاد لمنزله مباشرة وأخذ جواز سفره وتوجه إلى البحرين وقضى الليلة هناك وعاد اليوم . قالت له :
- لو لم تأت لبيتي وتهددني وتتوعدني بقتله لما شككت بك .. لكنك ..
قاطعها بعصبية :
- لقد قلت ذلك ولكني لم أقتله .. يجب أن تصدقيني .. هل أحضر لك جواز سفري لتتأكدي بأني كنت في البحرين ؟
ظلت ساكتة وهو يقول لها بأنه لا يصدق بأنها تشك بارتكابه جريمة قتل ، وسألها إذا ما تأكد بأنه مات مقتولا فقالت له 
- نحن ننتظر تقرير المستشفى بفارغ الصبر .. أتمنى أن تكون بريئا من دمه .
قالت ذلك ثم اعتذارات عن إكمال الحديث معه لأنها مشغولة . عاد لبيته وهو حزين لما وصلت إليه علاقته بكاميليا . أصبح يشوبها شكوك واتهامات وجرائم ، أحس بالضيق وهو يتذكر لهجتها القاسية في الكلام معه .
خرج من الشركة وهو لا يعرف إلى أين يذهب . مشى بمحاذاة البحر من الدمام ومرورا بسيهات وعنك حتى وصل إلى الكورنيش القطيف . فكر بالذهاب لأمه فاتصل بها وأخبرته بأنها تتسوق مع نسرين . أوقف سيارته وفتح النافذة واسند رأسه إلى الوراء وهو يفكر بكاميليا ، فهو ينتظر اتصالها منذ ثلاثة أيام . رن هاتفه مرة أخرى وكانت ريم هي المتصلة . عاتبته على عدم اتصاله بها فهو لم يتصل إلا مرة أو اثنتين بعد سفرها ليطمئن على وصولها إلى لندن ودائما هي من تتصل به .
جلس في سيارته لبعض الوقت يتأمل البحر بنظرات تائهة ، ثم عاد لمنزله وتوجه لغرفة نومه . رمى بنفسه على السرير وهو يفكر ويتساءل . يا للمفارقة الغريبة يموت زوج كاميليا في اليوم التالي لتهديده بالقتل ، وإنها تشك فيه الآن . أغمض عينيه رغما عنه وراح يتذكر يوم قتل علاء وكيف كانت التحقيقات حيث بقيت جثته في المستشفى لعدة أيام .
غسل رغوة الحلاقة عن وجهه وخرج من الحمام وتفكيره محصور بكاميليا التي لم تتصل به ، بالتأكيد وصلها خبر ما عن تقرير الطبيب الشرعي أو التحقيقات . قاد سيارته متجها للشركة وهو يشعر باستياء كبير . ركب المصعد وتفاجأ عندما رأى صورته على مرآة المصعد . كان وجهه عابسا وحزينا لدرجة ضايقته أكثر . دخل إلى مكتبه وطلب من موظف الكافتيريا فنجان من القهوة التركية . أمسك ببعض التقارير وسرعان ما وضعها جانبا عندما جاءت القهوة . شرب القليل منها وجاءه رنين هاتفه الجوال تتصل به من ينتظرها بلهفة . رد بسرعة وجاءه صوتها الرقيق الذي أحبه منذ سمعه بالصدفة . قالت له بلهجة يفوح منها الحزن والأسف :
- أنا آسفة لشكوكي بك حبيبي .. صدقني كنت خائفة عليك .
ظل ساكتا فتابعت حديثها تخبره بأن التقرير النهائي بين بأن سبب وفاة ناصر هو سكتة قلبية مفاجئة أدت إلى اصطدام سيارته بجانب الطريق ، ووجد أثر ضربة على عنقه مما جعل رجال الشرطة يشكو بأنه مقتول ، كما وجدوا نسبة الكحول في دمه مرتفعة . قال لها :
- أريد أن أراك .
- لا أستطيع .. سيدفن بعد قليل وعلي أن أحضر الفاتحة ومجالس العزاء فأنا أمام الناس أرملته وسأبقى أربعة أشهر وعشرة أيام في العدة .
- لا يهم .. سنتزوج بعد إنتائها مباشرة .. أنا أحبك كاميليا وتعبت من الانتظار .
قال ذلك وأضطر لإنهاء الحديث عندما دخل فيصل وجلس أمامه . تحدثا بشأن العمل . لبعض الوقت ودعاه لتناول العشاء في منزله .
ذهب مساءا لمنزل أخته التي رحبت به وذكرته بعمق علاقتهما قبل زواجها . كما كانا قريبين من بعضهما وكم ابتعدا بعد زواجها وكأنهما لم يعيشا في بيت واحد . انشغلت ندى بزواجها ثم بإنجابها ، وكثيرا ما اتهمها بأنها نسيت عائلتها وعاشت لعائلتها الجديدة . وكثيرا ما يذكرها بأنه تحمل ضربة الحذاء أمه من أجلها في حادثة الطبلة . تناول عشاءه وأمضى الوقت في الحديث مع ابن عمه وأخته التي عرضت عليه أن يذهب لزيارة زوجته في لندن فرفض . لم يرد رؤيتها فهو لم يكن موافقا على سفرها لكنه سمح بذلك في الوقت الذي كانت كاميليا ترسل له رسائلها في الجريدة لتعذبه وتضغط على جرحه بقلمها وهمساتها .
خرج من منزل أخته وعرج على ماجد وقضى معه بعض الوقت ثم عاد لبيته وتوجه لغرفة نومه وكاميليا تطوق أفكاره . هي في العدة الآن وعليه أن يتزوجها بعد ذلك . تذكر ريم وهي زوجته وابنة عمته أيضا . زواجه بها كان خطئا كبيرا وعليه أن يطلقها حالما تعود من لندن ويصحح الخطأ .
بقي أربعة أشهر وعدة أيام كيف سيتحملها وهو الذي تعب من الانتظار ، ويريد الزواج بها بسرعة ويكفى انتظار خمس سنوات . أتصل بكاميليا وصبرته بأن الأيام تمر بسرعة وسينام ويصحو ويجد أن المدة قد مرت بسرعة دون أن يتنبه . تفاجأ عندما سألته عن زوجته المتعجرفة فوعدها أن يطلقها متى عادت من سفرها ، وأخذ منها وعدا أن لا يؤثر ذلك على زواجهما لو أن العدة انتهت قبل عودتها فلن يطلقها وهي مسافرة . أنهى حديثه المطول ونام وهو يدعو الله أن تمر الأيام بسرعة ويستيقظ من نومه ويجد العدة شارفت على النهاية .

الفصل 38


أستحم وتعطر ، وارتدى بذلة أنيقة اختارها سواد بالكامل لتتناسب مع عينيه وشعره وتعزز شخصيته . قاد سيارته وقلبه يدق بقوة والسعادة ترقص أمام عينيه بإغراء . كان متلهفا لكاميليا وتذكر لقاءه الأول بوالدها وكيف خطبها منه ورد عليه بأنه جاء متأخرا فابنته مخطوبة لابن عمها . الآن مات ناصر وانزاحت العقبة وكاميليا ليست مرتبطة بأحد . انتهت العدة وهي مستعدة للزواج ، وحتى فحص قبل الزواج أجرته بسرية تامة استعدادا للزواج بعد انتهاء العدة مباشرة . حافظت على السرية وحتى صديقتيها لم تخبرهما بشيء وهما تظنان أن علاقتها بحبيبها المجهول مازالت مقطوعة .
ترجل من سيارته وهو يتذكر الملاحظات التي أعطتها له . طلبت منه أن لا يخبر والدها بأنه يعرفها لا من بعيد ولا من قريب ، وغير أنها صديقة أخته لا يجب أن يقول . كما طلبت منه الموافقة على أي شروط يضعها . جلس في أحد زوايا المجلس فهو تذكره عندما جاء وتقدم لخطبتها قبل سنة . قدم له الشاي والفاكهة بنفس الطريقة السابقة عندما جاء يجر عربة التقديم . شرب عماد رشفة من الشاي ودخل في صلب الموضوع مباشرة وطلب يد كاميليا بثقة فهي أرملة ولا بد أنه سيسهل زواجها به . ابتسم والدها العابس دائما وقال له :
- ولماذا تأتي لخطبتها وحدك للمرة الثانية ؟
تنهد عماد وعلا وجهه ابتسامة المفاجأة فلم يتوقع أن يسأله هذا السؤال بالذات . توقع أن يسأله عن سبب تمسكه بها مثلا أو سبب زواجه للمرة الثانية . أجابه :
- لم اعد شاب الذي لم يسبق له الزواج .. أنا رجل وأريد الزواج بأخرى .. وبما أني أطمع في مناسبتك جئت أطلب يد كريمتك مرة أخرى .
سكت والدها للحظات بدت طويلة لعماد المتلهف لسماع رأيه وهو يراقب تعبير وجهه فربما تعطيه أشارة ما ليفهم ما سيقوله . هز رأسه وقال :
- لقد انتهت عدة ابنتي قبل يومين وصعب جدا أن اعقد قرانها بهذه السرعة وذلك احتراما لأخي ولعائلة ناصر بأسرها .. ماذا سيقول عني الناس .. إضافة إلى أنك متزوج وهذا أمر آخر لم أتحدث عنه .
بلع ريقه وأخبره بأنه وزوجته شبة منفصلان ، وسكت للحظة ثم أردف :
- لا داعي لإقامة حفلة زفاف .. لنعقد قراننا ونسافر لأي مكان ..و..
قاطع حديثه قائلا :
- أنا آسف .. فتوقيتك غير صالح هذه المرة أيضا .. لن أزوج ابنتي الآن احتراما لذكرى ابن أخي .
انتهت الزيارة وخرج من منزل حبيبته للمرة الثانية والرفض المسبق معه . تمنى لو يمهله والدها عدة أيام ثم يعطيه رده ، لكنه يرفضه وجهها لوجه وخلال دقائق . عاوده الإحساس بالخذلان من الدنيا ، هي تخذله وتسرق منه السعادة دائما . يخاف أن يبتسم أو يفرح أمامها ، فلم يشعر بالسعادة إلا وأنكسر ظهره بعدها . قاد سيارته بسرعة لا يعرف إلى أين يذهب . أراد أن يتصل بكاميليا ويخبرها لكنه لم يفعل ، فالكرة الآن في ملعبها وقد أدى دوره كاملا . جاء لخطبتها للمرة الثانية ووالدها رفضه من أجل ذكرى ناصر . كان يشعر بدمه يغلي ودقات قلبه تقرع كالطبل في أذنيه . أحس برغبة عارمة في تفريغ غضبه ، وما أن احتكت السيارة التي بجانبه بزاوية سيارته حتى فتح النافذة وانهال على السائق بالسباب ولو لم تفتح الإشارة لربما ترجل وضربه .
مشى في شارع القدس وأمام مفترق الطريق أنعطف يمينا واتجه نحو جزيرة تاروت . سار في شارع أحد لا يعرف إلى أين يذهب . تمنى لو يوجد شخص ما في هذه المدينة يستطيع أن يخبره أو يبوح له بما في قلبه . كان مستعدا لأن يدفع أي ثمن ليحصل على صديق يحمل فكرا لا ينتمي لهذا البلد ويستطيع أن يتكلم معه بحرية ويخبره بما يجول في خاطره . قبالة قلعة تاروت الأثرية رن هاتفه وكاميليا هي المتصلة . سألته عما جرى بينه وبين والدها ، فقال لها بغضب :
- والدك رفضني احتراما لذكرى ناصر هذه المرة .. ليتني قتلته لأشفي غليلي منه .
بدت له شجاعة وهي تقول :
- اهدأ حبيبي .. سأحول أن أفتح معه الموضوع أو مع أمي فلن أبقى مكتوفة اليدين هذه المرة .. سأخبره بمعرفتي بالأمر وبأني أريدك .
عادت وطلبت منه أن يهدأ وأن يعود لبيته وينتظر اتصالها وفعل . جلب له قنينة ماء وكأس وجلس في الركن الفرنسي وبدأ يستمع لفيروز فربما تستطيع أن تمتص غضبه بصوتها وعذوبته .
نزلت كاميليا الدرج لتوجه والدها بمعرفتها بأمر خطبة عماد لها ولن تدعه يخفي الأمر عنها كما أخفاه أول مرة . وجدت والديها وأختيها مجتمعين في الصالة يشاهدون التلفزيون بصمت تتخلله أحاديث بين شذى وهديل . جلست بقرب من شذى التي عاشت معها ولادة حبها لعماد واستأذنت والدها برغبتها في الحديث معه أمام الجميع . أذن لها وأحست بالخوف من والدها ينتظر كلامها بوجهه العابس ، ونظرات الاستغراب ترتسم على وجه أمها وأختيها . بلعت ريقها وقالت :
- أبي .. لقد أرغمتني على الزواج من ناصر ودفعت الثمن من حسابي الخاص وهذا يكفي .
سألها عن قصدها من وراء هذه المقدمة ، فقالت :
- أعرف بأن عماد الغانم شقيق صديقتي نسرين جاء اليوم لخطبتي وأنت رفضته احتراما لذكرى ناصر .. أرجوك يا أبي لا تعلقني به حيا وميتا والعدة انتهت وأنا الآن حرة .
ظل والدها للحظات وهي تنتظر ما سيقوله فاستجمعت شجاعتها وقالت له بصراحة أنها تريد الزواج بعماد ، فقال لها بحدة لم تخلو من الدهشة :
- انتهت العدة قبل أيام .. ماذا أقول لأخي ؟وماذا أقول الناس ؟
لم تنظر له وهي تقول :
- ناصر مات والعدة الشريعة انتهت وأستطيع الزواج متى أريد ولا شأن لي ..و..
قاطعها منهيا الأمر :
- لست موافقا على زواجك الآن .. لا من عماد ولا من غيره .. وانتهى الأمر .
تندت وعينيها بالدموع وشعرت بالقهر من رفض والدها الذي مازال يصر على ربطها بمبادئه العائلية الخاصة وهو يعلم بأنها دفعت ثمن فشل زواجها من أعصابها وحياتها . تغيرت كثيرا بعد زواجها بناصر وكان أول ردة فعل انتابتها هي الابتعاد عن والدها فلم تكن تزوره إلا نادرا .
أغرقت عينيها بالدموع وقالت له بأنها تريد الزواج من عماد وتعرف بأنه تقدم لخطبتها قبل زواجها بناصر وبأنه رفضه بدون أن يسألها أو يعلمها على الأقل ، وسكتت عندما شعرت بغصة الدموع في حلقها فتدخلت أمها وطلبت من زوجها أن يفكر بالأمر وختمت :
- عماد شاب جيد وابن عائلة .. ودع قرار الزواج هذه المرة لها فإذا كانت تريده دعها تتزوجه وتتحمل مسؤولية قرارها .
غضب منها وقال لابنته بعصبية حاول السيطرة عليها طوال الوقت :
- ولماذا أنت متلهفة على الزواج بعد خروجك من العدة بأيام .. أصبري فأنت مازلت ..
لم يكمل كلامه وجاءه ردها المفاجئ الذي نزل عليه كالصاعقة عندما رفعت رأسها ونظرت له بعينيها الغارقتين بالدموع :
- أنا أحب عماد وسأتزوج به رغما عن الجميع ويكفي ما حدث لي وأنت السبب .. ولن يقف ناصر في طريقي وهو في قبره .. ولن أضحي بشيء من أجل سمعة هذه العائلة البائسة التي أكرهها من كل قلبي .
لم يكن والدها مستوعبا لما قالته وظل في مكانه صامتا فنهضت من مقعدها ووقفت أمامه وأخبرته بأنه تعرف عماد منذ خمس سنوات . وطلبت منه أن ينتظرها حتى تتخرج من الجامعة ليتزوجا وفعل ، وعندما حكم عليها بالموت مع ناصر جاء لخطبتها دون فائدة . راحت تصرخ بهستيريا أمام الجميع وهي تقترب من ساند الدرج :
- لن أسمح لكم بالوقوف في وجه سعادتي هذه المرة .
قالت جملتها وركضت نحو غرفتها وأقفلت الباب عليها . كانت تبكي بنحيب وحرقة وخوف . حزينة لأنها وصلت لهذه المرحلة التي تقف فيها بوجه والدها وخائفة من ردة فعله التي لم تظهر حتى الآن . رمت بنفسها على سريرها وأغمضت عينيها وما لبثت أن فتحتهما بهلع ووالدها يضرب بقوة على باب غرفتها ويحاول فتحه وصوته المرتفع وصراخه يرهبها . بكت أكثر وهي تسمع تهديداته وتشعر بأنها تسرعت وتهورت بإخباره بحقيقة علاقتها بعماد . ظل يضرب الباب غرفتها وهو يسمعها التهديدات والشتائم والوعيد بدفنها بجانب ناصر . ظلت ساكتة وخائفة ومتيقنة بأنها لو فتحت الباب لوالدها فهي تعطيه رخصة ليرسلها إلى عالم الآخرة .
جلست على سريرها وهي تسمع أمها تحاول لملمة غضب والدها وتحثه على الهدوء وحل الموضوع في وقت آخر ، فخف صراخه تدريجيا وقال لها قبل أن يذهب :
- لن تتزوجي به ما دمت حيا يا ملعونة .. سأعيد تربيتك من جديد وسابقيك حبيسة في هذا البيت .. حتى العمل لن اسمح به وسأزوجك بأول من يطرق الباب سوى ابن الغانم .
شعرت بالحيرة وهي تفكر بوالدها وغضبه وتهديداته فهو لن يغفر لها هذا الخطيئة ولو دفعت عمرها كله من اجل الحصول على صك الغفران . سيسامحها في أي شيء إلا علاقتها بأي رجل وهي تعرف ذلك جيدا . جاءت شذى تطرق بابها وتطلب منها أن تفتحه ورفضت ، وجاءت لها أيضا عدة مرات ولم تفتح لها . ظلت ساكتة ولا ترد ولا يسمعون سوى صوت بكائها . أمسكت بهاتفها واتصلت بعماد الذي ينتظرها وقالت له من بين دموعها :
- وقفت في وجه والدي من أجلك .. فهل ستتخلى عني هذه المرة أيضا ؟
سألها عما حدث فأخبرته باختصار بكل الذي جرى ، وان والدها صار يعرف بأنهما على علاقة لم تخبره بمداها أو حدودها .
- أنا متمسك بك .. ومستعد للتفاوض مع والدك من جديد .
قال لها ذلك وهو يحاول أن يمتص غضبها ، فقالت له بحزم :
- هل أنت مستعد لكي نكون معا .. حتى لو بعد فضيحة .
وطلبت منه أن يأتي لأخذها في الثالثة فجرا فهي لن تبقى في هذا المنزل ليلة أخرى بعد ما حدث .
انتصف الليل وهي مازلت في غرفتها والخوف يتملكها كلما جاءت شذى تطرق بابها بهدوء ، وفتحت لها عندما أقسمت لها بأن والديها في غرفتهما . صارحتها كاميليا بحقيقة نيتها بالهروب مع عماد لإجبار والدها على السماح بزواجهما . حاولت شذى أن تثنيها فوجدتها مصممة ومصرة على الذهاب معه والزواج به ولو بعد فضيحة فلم يعد يهمها شيء . ظلت تبكي والوقت يمر بسرعة ويركض نحو ساعة الهروب . شعرت بالخوف وهي تفكر بما سيحدث ، وكيف ستكون ردة فعل والديها . كيف ستكون ردة فعل عائلة عماد وبالخصوص نسرين وأمل . حاولت أن تبرر فعلتها فوالدها هو السبب لماذا لا يدعها تتزوج بمن تريد بعد كل الذي حصل وبعد ما قاسته من عذاب في السنة الفائتة .
خرجت شذى من غرفة أختها في الساعة الثانية والنصف لتطمئن على وضع البيت ووجدته هادئا والأنوار مطفأة والكل نيام . عادت لأختها التي ارتدت عباءتها وجهزت لها حقيبة صغيرة وضعت بها القليل من الملابس وأدويتها وأوراقها الهامة وكل هدايا عماد وزجاجات العطر التي تحتفظ بها ، وورقة الفحص الطبي واتصلت به تخبره بأنها جاهزة . تأكدت من أنها وضعت خاتم الياقوت في خنصر يدها اليمنى ، وعانقت أختها وطلبت منها أن تذهب لسريرها وتنسى كل ما دار بينهما فلا يجب أن تكون على معرفة بخروجها ، وعليها أن تتفاجئ مع الجميع عندما لا يجدوها في غرفتها صباحا . شعرت بقلبها يضرب في جسدها بعنف والقشعريرة تسري في جميع أطرافها عندما أتصل بها عماد يخبرها بأنه واقف أمام باب المنزل . نزلت الدرج بخفة لص وفتحت الباب الخارجي وهي تشعر بأن والدها قد يفاجئها في أي لحظة وعندها سيذبحها بكل تأكيد . ركبت سيارة عماد ودموعها تغرق وجهها وطلبت منه الذهاب بعيدا .
وصلا إلى المزرعة النائمة والمتدثرة بأغطية الليل والسوداء ودخلا الاستراحة الهادئة لدرجة الخوف . جلست كاميليا في احد الزوايا وهي تشعر بأنها بعيدة عن كل شيء في هذا العالم ولا احد يتصور بأنها مع عماد في مزرعته في الجش . غطت وجهها بكفيها وبدأت تبكي بحرقة على صدر عماد التي تنازلت عن كثير من الأمور المقدسة لأي فتاة من اجله . التصقت به معانقة ودموعها تبلل قميصه ، وطلبت منه أن لا يتخلى عنها الآن . هي بحاجته أكثر من أي وقت مضى بعد أن خرجت بكامل إرادتها من عباءة عائلتها وتخلت عن حمايتهم وأسمهم لتكون بجانبه . لم تأبه بوالدها ولا بسمعة العائلة عندما يستيقظوا بعد ساعات وهي غير موجودة والجملة التي ستشيع بأن ( كاميليا هربت ) . لا يهمها المجتمع ولا القطيف والناس ، وستضحي بكل شيء من اجله .
مسح عماد دموعها وقبل ما بين عينيها ووعدها بأنه لن يتخلى عنها مهما حدث ، ولن يتركها إلا عندما تخرج روحه من جسده ، ضمها لصدره بقوة وهي تنتحب وتبكي وتفكر بموقف عائلتها . سيتصلون بصديقاتها ليسألوا عنها وستفاجأ نسرين وأمل فهما لا تعرفان عن مجريات الأمور الأخيرة بينها وبين حبيبها المجهول الذي لا يعرفون هويته وهو اقرب الناس لهما . سيحققون مع شذى وستخبرهم بأنها لا تعرف شيئا عن الموضوع ويتصلوا بناهد وسيشيع الخبر .
أقفل عماد هاتفه وطلب منها أن تقفل هاتفها وفعلت ، ثم أستأذنها وتوجه للمطبخ وجلب لها كاس من الماء فشربت رشفة ووضعت الكأس على الأرض وأخرجت من حقيبتها حبوبها المنومة . ابتلعت ثلاثة أقراص رغم ممانعة عماد فهي تريد أن تنام ولا تفكر بشيء . نهضت متوجهة إلى الحمام وتوضأت وصلت الفجر ودموعها مازلت تتدفق من عينيها بحرارة . أرادت أن تنام فأخذها عماد لغرفة النوم وطمأنها بأنه سينام في الغرفة المقابلة وسيبقى بابه مفتوحا في حال احتاجت لأي شيء . تمنى لها ليلة سعيدة ومد يده ليغلق الباب فقالت له من بين دموعها :
- لا تغلق الباب فلو لم ائتمنك على نفسي لما جئت معك .
اقترب منها وعينيه السوداويين تتفحص عينيها المتعبتين من البكاء . قبل جبينها وذهب للغرفة الأخرى وأطفأ الأنوار واستلقى على السرير . أغمض عينيه وهو غير مصدق لما يحدث فكاميليا معه الآن كما أرادت عندما جاءته قبل سنة . كانت خطتها إيهام عائلتها بالهروب معه بينما تكون في منزل خالها ، أما الآن فلقد فعلتها . هو الآن مسئول عنها وسيتحمل تبعات ما يحصل مع عائلته وعائلتها . هما الآن معا رغما عن الحياة والمجتمع والناس . لم يستطع النوم بسرعة رغم نعاسه وهو يفكر بردة فعل أهله عندما يعرفوا ، وماذا يجب عليه أن يفعل . هل يختفي عنهم أيضا أم يخبرهم بأنه في إجازة لعدة أيام ومسافر خارج البلاد حتى لا يسألوا عنه أو يجيبوا عائلة كاميليا التي سيسألون عنه بالتأكيد فهم على علم بعلاقتها به وسيعرفون بأنها معه . قطعت عليه كاميليا أفكاره عندما جاءته في غرفته وهي مازالت ترتدي عباءتها وحجابها ملفوف حول عنقها وشعرها مرفوع وعينيها حمراوين من البكاء . جلست على الأرض واستندت على الجدار وهي تحاول أن تمنع نفسها من الانخراط في نوبة بكاء جديد . قالت له :
- أشرقت الشمس..أنا خائفة يا عماد.
نهض من سريره واقترب منها . قال لها مطمئنا :
- سيكون كل شيء بخير .
انفعلت وهي تخبره عن مخاوفها وبما قد يفعله والدها وسألته عن الخطوة المقبلة . امسك بيدها وخرجا وجلسا في أحد زوايا الاستراحة مستندان على المساند الأنيقة . اخبرها بأنه سيتصل بوالدها ليلا وسيخبره بأنها معه في مكان ما خارج الشرقية وابنته لن تعود للبيت قبل أن يتزوجا ، وسيطلب منه أن يعقد قرانهما بأسرع وقت فنتائج التحليل الطبي قد أجرياها وهي ملائمة ولا داعي للمماطلة تجنبا للفضيحة وليقتصر الأمر على عائلتيهما . سألته إذا ما كان ينوي إخبار عائلته ، تنهد وهو يتذكر عيني أمه ويتخيل ردة فعلها . زم شفتيه وقال :
- سأخبرهم بكل تأكيد .
سكتت للحظات ثم سألته بخوف :
- ماذا لو لم نتزوج بعد كل هذا ؟ ..ماذا لو عاند والدي ؟
- الخوف من الفضيحة سيجعله يوافق .
قال لها ذلك وحاول أن يخف من توترها ويخفي عنها توتره ومخاوفه . ضمها إليه بحنان فأغمضت عينيها وأحاطته بذراعيها ونامت بسرعة بأثر الحبوب التي تناولتها . استيقظت في الواحدة ظهرا ووجدت نفسها على السرير بعباءتها واللحاف يغطيها في مكان غريب لم تألفه قبلا . ليست غرفتها الزهرية ولا غرفة نومها التعيسة في بيت ناصر . لم تدرك أين هي فنهضت بسرعة وخرجت من الغرفة ورأت عماد أمامها فاسترجعت كل ما حدث البارحة وأدركت ما فعلته ، فلقد هربت من بيت والدها فجرا مع حبيبها وبكل تأكيد عائلتها تبحث عنها الآن .
ابتسم وطلب منها أن تصلي لكي يخرجا لتناول الغداء فهو يشعر بالجوع . سارا في شارع الهدلة متجهين إلى الخبر وتناولا طعامهما بلا شهية وهما يفكران بما سيحدث لاحقا . تمشيا في كورنيش الخبر لبعض الوقت وذهبا لأحد المتاجر الغذائية واشتريا التفاح وبعض المعجنات والخبز ، والبسكويتات والعصير والكولا والماء . كما اشترى عماد عددا من الجرائد واشترى لكاميليا مجلة علها تتصفحها وتبعد تفكيرها المحصور في عائلتها وما يفعلونه الآن .

ما قبل الأخير

الفصل 39


تناولت كاميليا وعماد عشاء خفيفا وسكبت لها كأسا من الكولا وراحت تشرب بنهم وهي تراقب عماد الجالس بقربها وعينيه الغامضتين تعبر عن حيرة يعيشها . أغمضت عينيها للحظة وهي تسترجع ما حدث قبل خمس سنوات ، عندما رأته لأول مرة بنظرة مختلفة . ضايقها بنظراته التي غزت قلبها وجعلها تستلم لحبه . أستخدم لباقته ولطفه وأحاطها باهتمامه وسط استنكارها لهذا الحب الغريب . كثيرا ما كانت تتساءل عن توقيت حبهما ولماذا لم يحبها عماد قبلا وهي صديقة أخته ويعرفها منذ الطفولة . تنهدت وكلمة النصيب ترن في أذنها فمن كان يصدق بان يحدث لها ما حدث .
- سأتصل بناهد لأجس النبض .
قالت له ذلك فأومأ برأسه موافقا وأمسكت بهاتفه واتصلت بناهد التي أجابت بحذر على هذا الرقم الغريب . قالت لها والدموع تتجمع في عينيها :
- أنا كاميليا .
سألتها بخوف وقلق :
- أين أنت كاميليا ؟.. هل هربت مع عماد فعلا ؟
كاد قلبها يتوقف وناهد تخبرها بان والديها اكتشفا عدم وجودها في المنزل عندما استيقظا لصلاة الفجر وجاءا صباحا ليسألا عنها وأخبرتهما بأنها لا تعرف شيئا عنها ، ومن ثم اتصلت بشذى التي أخبرتها بالحقيقة . بكت وهي تشعر برعشة خوف تسري في جسدها وناهد تخبرها بما حصل باختصار :
- أمك اتصلت بنسرين وأمل وهما لا تعرفان شيئا بعد .. ويبدو هروبك سيجعل والدك يتصالح مع والدي فهو معه منذ العصر ويتناقشان في حل المشكلة ومتيقنين بأنك مع عماد وسيتصلوا بعائلته .
أنهت كاميليا حديثها مع ناهد واتصلت بأمل لترى ما حدث وكيف وصل لها الأمر . قالت لها أمل باستغراب حالما سمعت صوتها :
- كيف تتصلين من هاتف ابن عمي ؟
- هو الحبيب المجهول الذي لا تعرفون هويته الحقيقة .
صعقت أمل فهذا ما لم تفكر به أبدا أن تكون صديقتها على علاقة بابن عمها المتزوج ، والذي حكت لها عنه ولقاءاتها به وقصة حبهما . أخبرتها أمل بأنها لم تسمع بان احد اتصل بعمها ليسال عن عماد ويعلمه عن هروبهما سويا والأوضاع في العائلة هادئة . بلعت كاميليا ريقها وقالت لصديقتها :
- لقد خرجت من منزل والدي وأنا مع عماد .
- ولماذا فعلت هذا ؟
- هذه قصة طويلة ليس لدي وقت لشرحها الآن .
شعرت كاميليا بالخوف فوالدها لم يتصل بعائلة عماد وهو يعرف بأنها معه . أخبرته بصراحة بأنها تحبه وتريد الزواج به وهربت في الليلة ذاتها ولا بد أنه يدبر أمرا ما . طلبت من عماد أن يتصل به ليتفاوض معه فهي تخشى أن يتصل بالشرطة ، واتصل رغم اقتناعه بان والدها لن يفعل ذلك فسيحمله الكثير من التبعات والفضائح . ضغط على زر مكبر الصوت وظل يستمع لنغمة الهاتف بتوتر وكاميليا تبكي وأجاب والدها بعد الرنة الثالثة . وما أن عرفه بنفسه حتى انهال عليه بالشتائم وسأله عن كاميليا . حاول عماد أن يكون ثابتا وهادئا في حديثه معه فاخبره بان كاميليا معه وهروبهما كان من أجل إجباره على الزواج ووضعه أمام الأمر الواقع ، وبين له بأن الحل الوحيد هو تسهيل الزواج وإلا سيواجه فضيحة كبيرة كلما ازدادت أيام اختفاء ابنته عن البيت . طلب منه أن يتحدث مع كاميليا ، فقالت له ودموعها تغرق وجهها وتقطع كلامها :
- سامحني يا والدي ولكنك دفعتني لهذا الفعل .. زوجتني بابن أخيك رغما عني .. وعندما أصبحت حرة رفضت زواجي بعماد الذي طلبني للزواج بشرع الله .
أكمل عماد الحديث مع والدها الذي فقد أعصابة وراح يشتمه بألفاظ نابية . طلب منه الموافقة على الزواج واخبره بأنه أجرى مع كاميليا تحاليل قبل الزواج ويستطيعان عقد قرانهما في أي وقت . واخذ الخال سيعد الهاتف وتحدث مع عماد بهدوء وطلب منه أن يأتي لحل الأمر معهم وان يحضر كاميليا معه قبل أن ينتصف الليل . لكن عماد قال له :
- سآتي لمقابلتكم بشروطي .
اشترط عماد أن يجتمعوا في منزل هو سيحدده لاحقا وقد فكر بمنزل ماجد أو فيصل وسيتواجد الشيخ ليعقد قرانهما مباشرة ولن يروا كاميليا إلا عندما توقع في ورقة العقد . طلب منه الخال مهلة ليطرح الفكرة على والد كاميليا وسيعاود الاتصال به لاحقا . مر الوقت ببطء وهما جالسين وساكتين ينتظران أن يتصل والد كاميليا أو خالها ليخبراهما بموافقتهما على الزواج . بعد قليل رن هاتف عماد وأمه المتصلة وتسأله عن مكان وجوده فأم كاميليا اتصلت بها وأخبرتها بكل ما حدث . صرخت فيه بانفعال :
- خمس سنوات وأنت تخفي عنا علاقتك بها .. كيف أمكنك أن تخدعنا بهذه الطريقة المخزية ؟.. وكيف تمكنت عديمة الحياء من ذلك وهي تتظاهر بأنها صديقة نسرين وتدخل بيتنا باستمرار .
بلع ريقه وطلب من أمه التحلي بالهدوء وعدم الإساءة لكاميليا ، لكنها أكملت حديثها بغضب :
- وكيف لا أسيئ لها وهي التي هربت من منزل والديها مع رجل متزوج .. والدك غير مصدق وأنا كذلك بأنك تهرب مع منحلة توفي زوجها قبل أربعة أشهر .
أخبرها بأنهما سيتزوجان خلال أيام وما أن تعود ريم من سفرها سيطلقها ، فصرخت فيه وقالت له كلمتها الخيرة قبل أن تقفل :
- صلي على محمد واعدها لعائلتها ولا داعي للفضائح .. هل جننت ؟ لا بد أنها سحرتك .. عد لرشدك وسنخلصك من هذه الساقطة مهما حدث بينكما .. حتى لو كانت حامل .
تنهد واخبرها بأنه سيبقى مع كاميليا حتى النهاية ، فقاتل له بلهجة تهديد :
- لو تزوجت منها فأنسى والديك وعائلتك .. لن اسمح لك بالزواج من (...) هربت معها ولن نلطخ اسم عائلتنا .. ومنذ الآن لا دخل لنا بك وتصرف مع عائلتها ولا تتصل بنا مهما حدث .
انتهت المكالمة وجاءته مكالمة نسرين الغير مصدقة لما يحدث . لم يشأ الحديث معها وأعطى الهاتف لكاميليا فتحدثت معها ولامتها بكلمات قليلة على كل شيء . علاقتها السرية بعماد ، واستمرار لقاءاتها به وهي متزوجة ومن ثم هروبها معه ، وكررت بأنها ما تزال غير مستوعبة بان حبيب صديقتها المجهول يكون شقيقها . بكت كاميليا وهي تعيش لحظات صعبة جدا من حياتها . انتحبت بحرقة فلم تتخيل يوما بأنها ستعيش هذا الموقف وأنها ستهرب من بيت والدها مع الرجل الذي تحبه والدنيا كلها تلومها الآن . طلب منها عماد أن تهدأ فبكاءها يوتره لم تتمكن من السيطرة على أعصابها التي بدأت تخونها وهي تسمع عماد يتفاوض مع والدها وخالها عبر الهاتف ويطالبانه بعودتهما الليلة . تذكرت أحلامها وأفكارها بأن تجعل حبها لعماد مثلا لما يجب أن يكون عليه الحب هنا . الحب الطاهر الذي كانت تتباهى به صار تشوبه المحرمات وها هي تتوجه بفضيحة .
الليلة الثانية وهي خارج البيت وفي مكان لا يعلم أحد بوجودها فيه مع حبيبها المجهول الذي لم يعد مجهولا فالكل يعرف هويته . ابتدءا بنسرين ونهاية بوالدها . نامت في غرفة وعماد في الغرفة المقابلة . نامت بجانب الحيرة والخوف والقلق ، وفتحت عينيها على صوت عماد وهو يقف بجانبها ويطلب منها بابتسامة أن تنهض فلقد اعد الفطور . أمسكت بيده عندما مدها لها وذهبت إلى الحمام ، ثم جلست لتناول الفطور في الخارج . أكلت الساندويتش الذي أعدها واستطاع أن ينتزع منها ابتسامة عندما قال :
- عليك أن تدلليني بعد أن نتزوج .. فأنا أدللك كثيرا .
سكت للحظة ثم أردف وهو يتأمل وجهها :
- أنت جميلة والنوم يترك آثاره على وجهك وبشرتك المخملية .. تبدين كقطعة سكر فعلا .
رشفت رشفة من الشاي وابتسمت عندما مازحها :
- أنا وسيم أيضا حتى بدون أن احلق ذقني .
ضحك وأكملا فطورهما ومن ثم استأذنها ليستحم فطلبت منه أن يدعها تستحم أولا وتفاجأت بأنها لم تجلب لها منشفة . أعطاها عماد منشفته وجلس ينتظر خروجها وهو يتصفح المجلة . لم تتأخر فخرجت بعد دقائق هي تلف المنشفة على جسدها وشعرها المبلل ودخلت الغرفة . وعندما أرادت أن تقفل الباب جاءها وهو يمعن النظر لها بصمت . طلبت منه أن يذهب ليستحم فقال بابتسامة :
- أريد منشفتي لأستحم .
اقترب منها بشوق فابتعدت عنه واستندت على الحائط وطلبت منه أن يخرج ويدعها ترتدي ملابسها . حاصرها بذراعيه ، وابتعد عنها ونظرة اعتذار تلوح في عينيه عندما قالت :
- أنا في نظر عائلتي والناس ساقطة وأريد أن أبقى شريفة أمام الله .
اقتربت من عماد الذي اتصل بماجد يخبره بما جرى وطلب منه أن لا يوجه له أي لوم فالوقت غير مناسب . طلب منه أن يستعد لاستقبال عائلة كاميليا والشيخ لعقد قرانهما مساء اليوم وطلب منه أن يعلمه عندما يأتي والد كاميليا ويصبح كل شيء جاهزا . وافقه ماجد على مضض وأعلن له دعمه رغم استنكاره لتصرفه الغير مسؤول . اتصل بوالد كاميليا يخبره بان عقد القران سيكون الليلة في منزل صديقه وطلب منه أن يكون مستعدا وأن لا يصحب معه سوى خالها وسيخبره بمكان المنزل في الوقت المناسب .
دخل عماد منزله بصحبة كاميليا التي ترى البيت الذي حلمت به وساعدت على تصميمه وتأثيثه لأول مرة . جلست في الركن الفرنسي ولم تستطيع أن تمنع نفسها من البكاء وهي ترى تمثال برج إيفل . كم كانت برئيه وقتها والآن هي مجرمة في نظر عائلتها ومجتمعها ومدينتها . تنهدت وقالت :
- أنا خائفة .. أشعر قلبي سيتوقف .. ماذا لو اعد لنا والدي كمينا ؟
- لا يستطيع .. ولهذا أنا جعلت الاجتماع في منزل ماجد وسأخبره بكل خطوة في حينها .
بكت وعماد يتصل بماجد الذي ذهب ليحضر الشيخ لمنزله كما اتفقا وأتصل بوالد كاميليا وأعطاه وصف المنزل في " المحمدية " ليلتقوا هناك ، وأتصل بفيصل وطلب منه أن يذهب أيضا . وعندما دقت الساعة الثامنة والنصف كان عماد يوقف سيارته بحذر أمام منزل ماجد الذي وقف ينتظره خارجا ودعاها للدخول إلى الصالة وأخبره بأن الجميع ينتظرونه . جاءت زوجة ماجد واستقبلت كاميليا ودعتها للجلوس حتى يحين دورها في عقد القران ويسألها الشيخ عن موافقتها .
ذهب عماد برفقة صديقه لمجلس الرجال وما أن رآه والد كاميليا حتى نهض من مكانه واقترب منه بسرعة وهو يشتمه . دفعه الغضب وانفعال وهو يصرخ غير مبال بوجود الشيخ :
- كيف تمكنت من ذلك يا ملعون .. يا حيوان .. و ..
ظل عماد ساكتا ولم يقم بأي حركة ووالد كاميليا يحاول خنقه ، وبسرعة تدخل ماجد وفيصل وطلبا منه أن يهدأ فما حصل قد حصل والشجار والانفعال غير مجد الآن . طلب ماجد من الشيخ الإسراع بإجراءات الزواج فبدأ الشيخ وسأل عماد عن المهر وهذا ما قد نسيه ، فاخرج من محفظته خمسمائة ريال . ومن ثم طلب الشيخ أن يرى العروس ويسألها رأيها فذهبوا جميعا إلى الصالة وهناك كانت كاميليا مع زوجة ماجد بالانتظار . أخذ الخال سعيد ورقة العقد لابنة أخته ووقعت ووقع هو مع ماجد كشاهدين وأكتمل عقد القران وخرج الشيخ مع فيصل من الصالة . بقيت كاميليا ووالدها وخالها وعماد . رمت نفسها على الأرض أمام قدمي والدها وبكت بشدة ووالدها يقول لها :
- هل أنت سعيدة بعد أن تزوجت بهذه الطريقة المخزية ؟
طلبت منه أن يسامحها فهز رأسه وقال بغضب :
- أنا برئ منك حتى يوم القيامة .. حتى عندما أموت لا تحضري فاتحتي .. أمك منهارة وتبكي في المنزل بسببك .. لطخت شرف عائلتنا يا كلبه .. يا ملعونة .
حاول سعيد أن يلين موقفه مذكرا إياه بأنها ستظل ابنته مهما حدث وعليه أن لا يتخلى عنها ، وطلب من كاميليا أن تعتذر منه وتقبل رأسه فاقتربت منه بتردد وقال لها :
- لا تقتربي مني .. لا أريد أن اعرف عنك شيئا .

الأخير

الفصل 40


أخيرا أصبح عماد وكاميليا زوجين بعد قصة حب دامت أكثر من خمس سنوات . بذلت كاميليا جهدها لتحافظ على حبهما طاهرا وشريفا . قصة حب لم تحلم بها ووجدت نفسها تعيشها بجمالها وعذابها وسريتها وعواقبها . حكاية حب سعودية مكللة بالفضيحة كما قالت لها أمل ، ولو قرأتها أو سمعت عنها لما تخيلت نفسها مع عماد أبطالها الحقيقيين .
ظلت علاقة عماد بعائلته مقطوعة فهم رافضين لزواجه من كاميليا . طرده والده من منزله ومن الشركة أيضا تحت تأثير أمه لترغمه على التخلي عن كاميليا فأصبح بلا عمل . وجاءته أخته ندى عدة مرات تطلب منه أن يعود لرشده ويكسب عائلته لكنه رفض ذلك فكاميليا هي المرأة التي يحب ولن يتخلى عنها بعد أن أصبحت زوجته . عادت ريم من لندن بعد أيام من زواج عماد الذي طلقها بسرعة ورفض أي مواجهة معها في ظل غضب وسخط العائلة كلها من تصرفاته .
استقبلت كاميليا أمها وأختيها في منزلها الزوجي عدة مرات سرا عن والدها الذي فرض مقاطعتها . تسامحت من أمها وطلبت من عماد أن يفعل ذلك ففعل ، كما جاءت نسرين وأمل لزيارتها وبرغم ما حدث والتعقيدات الحاصلة لم تتأثر صداقتهما . عاتبتاها ولامتاها ومن ثم هنأتاها على زواجها بالحبيب المجهول وهنأتا عماد فهو يستحق السعادة . ظل عماد في عزلة عائلية لا يزوره غير فيصل ونسرين ، وقرار طرده من الشركة كان الصعب فهو لم يتعود أن يعمل في أي مكان غير شركة الغانم . شعر بضيق كبير ازداد عندما بدأت كاميليا عملها فأصبح يجلس في البيت وزوجته خارجا . فكر بمشروع يبدأ به فنصحه ماجد بشراء محفظة أسهم في احد البنوك وبالبدء بالاستثمار في سوق الأسهم المحلية والعالمية ووجده حلا مناسبا .

" بأيام البرد وأيام الشتي
والرصيف بحيرة والشارع غريق
تحي هاك البنت من بيتنا العتيق
ويقلا أنطريني ونتظر عالطريق
ويروح وينساها وتدبل بالشتي
حبيتك بالصيف حبيتك بالشتي
نطرتك بالصيف نطرتك بالشتي
وعيونك بالصيف وعيوني بالشتي
ملقانا يا حبيبي
خلف الصيف وخلف الشتي .. "
أطفأ عماد صوت الموسيقى عندما اتصلت به كاميليا تسأله عن سبب تأخره في العودة للمنزل وأخبرها بأنه سيصل خلال دقائق . وصل ودخل بلهفة وشوق وهو يحمل لها ورود الكاميليا البيضاء التي تعود تقديمها لها منذ بداية حبهما . وجدها بانتظاره في الركن الفرنسي كما كان يحلم دائما بان يجدها تنتظره بعينيها الذابحتين والكحل السود وحبة الخال في زاوية فمها وأريج " الور " مستقر برقة على جلدها . نهضت من الأريكة وركضت نحوه تعانقه بلهفة فقبلها وجلس بجانبها ويده تبعثر شعرها بشقاوة ، وعينيه السوداويين تتأملان ملامح وجهها المبتهج . قدم لها الورود وبعثر قبلاته على وجهها وزاوية فمها . وعندما فاجأها بتذاكر السفر إلى باريس كاد أن يغمى عليها . شكرته بدلال وسعادة وهي تبتعد عنه وهو يلحق بها وعينيه على ساقيها وظهرها العاري :
- أريد أن اجلس في الحديقة الداخلية .
اومأ برأسه وامسك بيدها ومشيا سويا نحو الحديقة الداخلية . جلسا بالقرب من بعضهما وطلب منها أن تضع له طعام الغذاء فهو جائع ، وضحك من قلبه عندما قالت له بأنها أعدت له شكشوكة . حملها بين ذراعيه وهو يتوعد بمعاقبتها وهي تضحك لمعرفتها بالعقاب . ذهبا لغرفة نومهما في الجانب الأيسر من المنزل أو جهة القلب كما تقول هي . أغلقت الباب وعماد يحاصرها بعينيه وقبلاته وهمساته . اقترب منها وضمته إليها وقالت له بسعادة بأنها تريده قريب منها دائما ، لن يكون اقرب إلا وهو بين ذراعيها ، تشاركه نسمات الهواء الداخله لرئتيه وتسمع دقات قلبه النابض بحبها .
النهاية

تمـــــــــــــ بحمدالله ــــــــــت
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
اتمنى ان اكون وفقت في نقل الرواية وان تنال على اعجابكم
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -