بداية

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -124

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي - غرام

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -124

غادة أخرجت هاتفها Nokia N76 ، تقرأ الرسائل التي فتحتها منذُ زمن ولكن الملل يفعلُ بها أكثرُ من ذلك.
عبدالعزيز بصرخة : قدام المرمى وتضيع !!
هديل : ياسر مو في يومه !
في الشوط الثاني التي سار برتابة ، عبدالعزيز : ماتسوى عليّ القلق اللي سويته وأنا أركض عشان أجيها بالوقت آخر شي هالمبارة اللي تفشِّل طول البطولة لعبهم وش زينه جت على الأخير يخربونها
هديل بإندفاع : ماأنتهت للحين باقي أمل ! يخي أعوذ بالله من تشاؤمك
عبدالعزيز ينظُر للكرة التي كانت ستأتي على رأس ياسر القحطاني : يالله يا ياسر!! لو أنقز جبتها
غادة : وروني هالمزيون ! وش ناديه
عبدالعزيز أعطاها نظرة إستحقار جعلتها تصمُت.
هديل المُتابعة لدورِي بلادِها : الهلال يا بعدي
غادة : لحظة وين سامي ؟
هديل : ماأستدعوه! أصلا يقولون أنه بيعتزل
غادة وتحاول أن تتذكر شي : أنا أشجع النصر صح ؟
هديل : أنا أقول نامي
قطع حوارهم صرخة عبدالعزيز في الدقيقة 72 معلنة هدف المنتخب العراقي : حمِير ! أجل هذا منتخب على آخر البطولة يقهرنا الله يقهر العدو .. حذف علبة المياه على التلفاز ليخرج وهو يقول بنبرةِ الغضب : الشرهة على اللي يتابعهم
يُتبع
،
تنهَّد بإرهاق : ما يردُّون! والطريق مسكر مستحيل يمشون فيه !!
مقرن : طيب ننتظر لين الصبح .. إذا صفى الجو نروح لـ روَان أكيد انهم هناك
عبدالرحمن : أخاف صار لهم شي! وش يريحني لين الصبح
مقرن : الخبر الشين يوصل بسرعة !!! أنا متطمن إن شاء الله ما فيهم الا العافية
عبدالرحمن يجلس وهو يحك جبينه : واليوم سلطان يقول صاير حريق! هالأشياء اللي تصير ورى بعض تخليني أشك في شي
مقرن : في أيش ؟
عبدالرحمن : مستحيل تكون صدفة ! فيه شخص غير الجوهي قاعد يتلاعب فينا! فيه شخص يعرف وش اللي نرغبه من الجوهي ويعرف أنه الجوهي ما يدري عن رغبتنا !
مقرن يجلس أمامه : ماني فاهم مين له مصلحة ؟
عبدالرحمن : قلت لي أنه اللي كانت مع غادة وش إسمها ؟
مقرن : أمل ! بس سعد بطَّل يتابعها وأنتهينا منها
عبدالرحمن : كيف خدعتنا وبيَّنت لنا أنها أمها الحقيقية ! كيف مقدرنا نستوعب أنها تكذب !!
مقرن بلع ريقه بإرتباك : أمر وأنتهى ليه تعيد فيه
عبدالرحمن : لأني قاعد أفكر بالوضع اللي إحنا فيه !! إحنا أنخدعنا بوضع أهل عزيز .. إذا كانت غادة حيَّة وأمها ميتة هي وهديل لأن عبدالعزيز شافهم ! سلطان العيد .. يعني .. أستغفر الله بس
مقرن : مستحيل اللي تفكر فيه!
عبدالرحمن : أول ما جينا الرياض سألني عز عن أبوه هذا معناته أنه ما تأكد زي غادة
مقرن : بس أنا كنت بالمستشفى ذيك الفترة ومتأكد .. كلهم ماتوا ماعدا غادة وقلت لك أني خبيت عليك أنت وسلطان لفترة عشان أتأكد
عبدالرحمن ينظُر لمقرن : تتأكد من أيش ؟
مقرن ضحك ليُردف : أقنعتك بالمرة اللي فاتت أنت وسلطان ليه ترجع تفتح الموضوع
عبدالرحمن : أقنعتني بوقت ماكان يسمح لي فيه أني أفكر ! بس ليه خبيت علينا أنه أمل ماهي أمها وخدعتنا بسهولة
مقرن بلل شفتيْه بلسانه وهو يُشتت نظراته : قلت لك أني كنت بتأكد من الناس اللي دفنوهم
عبدالرحمن مسح على وجهه : يارب رحمتك! أنا متأكد أنه في طرف ثالث قاعد يلعب ويانا غير الجوهي! وقاعد يلعب بعبدالعزيز بعد .. أمل ومصدرها ؟ مين بالضبط !
مقرن : ماعندي علم
عبدالرحمن صرخ بوجهه : مقرن لا تخبي عني شي ! أنت تعرف أنه هذي مسألة أمن ماهي مسألة حياتك وبس
مقرن بهدُوء : وأنا فعلا ماعندي علم ومين تكون أمل
عبدالرحمن : 4 جثث ، ثنتين منهم صلى عليهم عبدالعزيز وهو يثق مين يكونون و ثنتين وحدة ماهي غادة ! وماندري مين جاب الجثة ووحدة ماندري هو سلطان ولا بعد زي غادة
مقرن : تفكر بأشياء ماضية بوقت ما يسمح لنا نفكر بأشياء راحت وأنتهت !
عبدالرحمن شعر أنه يكتشف شيئًا مرهقًا : الحادث ماهو من تدبير الجوهي هذا اللي أنا متأكد منه الحين لأن لو الجوهي يدري ما ترك غادة وأستعملها ضدنا ! لو يدري كان يعرف عن حياة عبدالعزيز وليه رجع الرياض!! فيه أشياء قاعد تصير ضدنا وإحنا آخر من يعلم !!
مقرن وقف : هذي خرافات من عقلك يا عبدالرحمن!! مين مثلا بيكون الطرف الثالث ؟ ما فيه غير رائد
عبدالرحمن : رائد لو فعلاً كان هو !! كان خذآ غادة عنده .. لكن ليه يسلمها لوحدة مانعرفها وواضح انه هو من الأساس مايدري وش صار بعد الحادث! لو يدري كان عرفنا عن طريق عبدالعزيز لما كان يجيه .. أفهمني يا مقرن !! فيه شخص ثالث إما أحد يخوننا أو أحد يخون رائد
،
بعد محاولاتٍ بائسة ، أنتهت بطارية هاتفها : مافيه شبكة والحين مافيه شحن بعد !! يالله وش بنسوي بهالليل
عبدالعزيز المرتمي على السرير الضيِّق : ننام وبكرا يحلها ربِّك
رتيل تنظرُ له بقلق : يا برودك كيف بتنام!!
عبدالعزيز : تعبان ومانمت أمس كويِّس يعني طبيعي بنام من التعب ولا بجلس أحط إيدي على خدي وأنتظر أبوك يطير لنا
رتيل : طيب وأنا ؟
عبدالعزيز بسخرية : نامي على الأرض ولا ماهي من مقامك
رتيل تتجه عينها للغرفة التي لا شيء فيها سوى هذا السرير ، حتى أنها خالية من أيّ كُرسي تجلس عليه : من جدك !!
جلست على طرف السرير لتُردف : ماراح أقدر أنام
عبدالعزيز يُغمض عينيْه ويضع ذراعه فوق رأسه : أششششش خليني أنام
دقائق طويلة مرَّت وهي تُراقب السماء من النافذة حتى فزعت من صوت الرعد ،
عبدالعزيز يزحف قليلاً : أظن منتي متينة لهدرجة! يكفيك هالمكان
رتيل تنظُر للمساحة الضيقة : لا والله ؟ عبدالعزيز الله يخليك أجلس معي طيب لين يهدأ الجو ونروح لسيارتنا
عبدالعزيز يقلد صوتها : الله يخليك بنام ! يكفي أني متكفخ اليوم ورايح فيها فيعني خليني أرتاح
رتيل وملامح الخوف تظهر بإرتجافة شفتيْها : طيب ... نزعت حذائها لتضع الوسادة بينهُما : هذا حدِّك
عبدالعزيز بإبتسامة : طيب ..
أستلقت على ظهرها وهي تنظُر للسقف ، تعرف أنها في حالات الخوف لن يأتيها النوم.
عبدالعزيز ينظرُ لعينيْها التي تتأمل : ماراح تنامين ؟
رتيل بهدوء : ماراح يجيني نوم .. أكيد أبوي الحين يتصل علينا ويحسب أنه صار لنا شي
عبدالعزيز : أبوك يثق فيني
رتيل ألتفتت والوسادة تحجب عنها ملامحه ولا ترى سوى عينيْه : طيب وأنا ؟ فرضًا أحد يدخل علينا الحين
عبدالعزيز : أولاً مستحيل لأن هذا فندق وفيه أمن ثانيًا محد يعرف أنه عبدالعزيز هنا ! يعرفون أنه .. وش إسمه .. جاكلي مدري أيش اللي أنا الحين منتحل هويته .. تطمَّني
رتيل : طيب جوالك فيه شحن ؟
عبدالعزيز : إيه وبكرا بنروح ونشوف وضعنا .. أرتاحي ونامي
،
الساعة الخامسة فجرًا ، الليلُ بدأ ينجلي عن سماء الرياض الجافَّـة ، نظر لعينيْه التي تُفتَح بهدُوء : الحمدلله على السلامة
ناصر ببحة الوجَع : الله يسلمك
فيصل بإبتسامة : قلت لأبوك أنك نايم عندي عشان ماينشغل باله
ناصر بشحُوب : كويِّس.
بعد صمت لثواني طويلة تسرقُ من جوف ناصر كُل " آآه " حزينة باكية. أردف : متأكد ؟ يمكن تشبهها !
فيصل بكذب مثل ما أخبرهُ الرجل الذِي من بعد الله أصلح له حياته : عرفت من فترة وتأكدت من هالشي!! وخذتها وحدة بعد ماعرفت انها وحيدة ..
ناصر بضيق : كيف ؟ إحنا متأكدين من جثتها ! حتى الدي أن إي عندنا ويثبت جثتها أنه جثة غادة
فيصل : مزوَّر يا ناصر ! ولا تسألني مين زوَّره ومين له مصلحة! أنا بس عرفت ولقيت الوقت اللي أجيك فيه قلت لك عنها .. بس عندي لك طلب! عبدالعزيز الحين في شغله بس يرجع الرياض خبره بهدُوء لأن هالوقت ماهو مناسب
ناصر بتشتت تحشرجت الغصات في حديثه : وش يثبت لي أنها زوجتي ؟
فيصل يخرج هاتفه ليتصل على وليد : ألو
وليد بصوتٍ ممتلىء بالتعب : هلا فيصل
فيصل : وينك فيه ؟
وليد بتنهيدة : بالمستشفى
فيصل : عندك رؤى ؟
وليد بغضب : رؤى ! هذي الرؤى تعرف طلعت مين!
فيصل : بعدين أفهمك المهم عطني إياها الحين
وليد : وش تبغى فيها ؟
فيصل : لو سمحت!! ..
وليد ينظرُ إليْها من زجاج غرفتها : نايمة
فيصل : لو سمحت يا وليد
وليد دخل لتفتح عيناها التي لم تنام بعد.
وليد يمدُ هاتفه : ردي عليه
غادة : ألو
فيصل يضع الهاتف عند إذن ناصر العطشانة لصوتها المخملي ، أنفاسه المُتعبة هي التي وصلت لغادة.
غادة : ألو .. مين ؟ ... ألووو
ناصر شعر بتجمُد كل شيء حوله ، هذا الكون بأكمله يتجمَّد في عينيْه ، نظر بشتاتٍ عظيم يشعُر بأنه حلم ويجب أن يستيقظ منه ، بأن نبتةٌ يابسة تقف فوق قلبه وتثقل عليه. سنة وعدةِ شهُور لم يسمع صوتها ، لم يرَى ملامحها الثلجيـة ، لم يلمحُها حتى على عجل! يالله كيف لهذه الأيام أن تمُّر وهي تشطرني نصفيْن بكل دقيقة تقطعها.
غادة تتحدث مع وليد : هذا مين ؟
أخذ فيصل الهاتف وأغلقه.
ناصر شعر بأنَّ دماغه يغلي بحممٍ من نار ، هذا ليس بسيطٌ عليه. شعَر ببساطة أنهُ ينهار بصمتٍ مُهيب.
فيصل : صوتها ؟
ناصر سقطت دمُوعه وهو الذي لايخجل منها أبدًا. نظر للسقف الأبيض وشعَر بأنَّ الحياة تسترد له ، ولكنها تسرقُ منه نبضات قلبٍ طبيعية ، يختنق ويتحشرجُ بذكرياته التي تنهمر عليه بدفعةٍ واحدة ، يشعُر بأنَّ حشودًا أمامه وليس غادة وحدها.
فيصل وقف : بتركك ترتاح وبمرِّك الليلة .. رقمي عندك إذا أحتجت شي .. تركه دُون أن يسمع له جواب.
نزع المُغذي الذي على يده ليسجد على الرُخام الأبيض ، ألتصق أنفُه بإذلال لله وحده. في داخله حديثٌ لا يسمعه سوى الله. " يالله لا أعرف إن كان الأمرُ طبيعيًا ! يالله لا أفهم والله ما يحدُث ، عقلي أصغر مما يستوعب هذا الكمُ الهائل من الأقدار التي هي لحكمةٌ منك لا يعرفها عبادٌ ضعاف النفوس. يالله " بس " لاتجعلهم يخطئون في حقي وأُذيق لوعة فراقها مرتيْن. يالله أنني لم أُشفى من غيابها الأول فلا تجعلها مزحةٌ ثقيلة على نفسي من الذين لا أعرفهم وألتمس فراقها مرةً ثانية. يالله لا تجعلني أتقلبُ بجحيمٍ حُبها أكثرُ من ذلك. يالله فقط .. أسألُك أن تُريح قلبي الذي يُحبها.
عاد لسريره الأبيض وهو يفكر من أخذ جسدِها العاشقُ له ليُلقيه في مستشفى آخر ؟ كيف يُلقيه أصلاً ؟ وماذا عن الجثة التي رآها عبدالعزيز ؟ أقسم بربِ هذا الحُب لو أنني أعلمُ أن أحدًا خلف كل هذا لأُذيقه عذابي وإن كان ضد مبادئي ، سأجرب أن ألعب بالقذارة مثلما يفعلون! لكن ماذا لو كانت ليست هيَ ؟ يالله . .
ضغطُه على عقله جعله يتألم وهو يدفنُ رأسه بالوسادة ، يكاد هذا الصداع أن يُميته.
دخل الممرض المضطرب بمزاجه عندما رأى المغذي ملقى على الأرض : الله يهديك يا ناصر.
ناصر بصراخ وكأنه يُلاقي جنونه الآن : أتركننني بروحي
: طيب طيب .. أهدآ
ناصر بعصبية تحمَّرُ بها محاجره : ماراح أهدأ ! ماأبغى أهدأ .. أنا كيفي ماأبغى أهدأ
: يالله .. خرج ليستدعي الدكتور المشرف على حالته.
ناصر بغضب يرمي كل ما حوله وهو لا يُفكر سوى بأن " فيصل " الآن يمزح معه مزحة ثقيلة! لا يُصدق أبدًا أنه سمع صوتها. لِماذا أنام كل هذا الوقت لدرجة أنني أحلمُ بأشياءٍ خرافية ؟ أريد أن أستيقظ الآن.
هذا حلم .. هذا إسمهُ حلم
،
الساعة تقتربْ من العاشرة صباحًا.
أغلقت الهاتف بعد أن أستيقظت على خبر ملكتها من ماجد الذِي تُبغضه ، فعلت ما برأسها بمساندة والدها ، شعرت بحاجتها للبكاء ، أخفظت رأسها وهي تُغطيه بكفوفها ، ماأقسى عصيان الأبناء لنا! ماأقساه على قلوبنا نحنُ الأمهات الذين نتكاثر بقلُوبٍ كثيرة. أتكاثر بقلبُ أبنتي لأضيق على حزنها بضُعف ما تضيق وأفرحُ بفرحها بضُعف ما تفرح ، أنا التي أملكُ قلبها في يساري خالفت أمري! قاسية جدًا يالعنود على قلب أُمك.
طل عليها : شغلتي بالي ماهو من عادتك ما تصحين بدري!
رفعت عينها المحمَّرة بالبكاء.
سلطان جلس على الأرض عند ركبتيْها : أفآآ وش هالدموع ؟
حصَّة : ملك عليها ماجد
سلطان بغضب على هذه الدموع التي تنزلُ لإنسانة يراها بأنها لا تستحق كل هذا : طيب! خليها تجرِّب الشي اللي رفضناه عشان تفهم بعدين ليه رفضنا !
حصة : هذي بنتي يا سلطان مو بسهولة أخليها تجرِّب شي أنا أعرف أنه إختيار غلط
سلطان : وتبكين عشانها !! وإذا بنتك دامها ماأحترمت راي أمها في ستين داهية ، أنا أبي ماجد يسوِّد عيشتها عشان ثاني مرة تتحمل قرارتها
حصة بغضب : لا تدعي عليها !! هذي قطعة من روحي كيف تبيني أشوفها كذا
سلطان بهدُوء : آسف! بس بنتك ماتستاهل كل هذا، هذا هي مشَّت رآيها وأنتهى الموضوع! مايستاهل أنك تبكين على شي أنتهى .. خليها تجرِّب ومهو صاير لها شي عن 10 رياجيل الله يحفظها لك
حصة أبتسمت بزحمة غضبها : قل ماشاء الله
سلطان أبتسم : ماشاء الله ... مسح دموعها بكفيّه ...
حصة : مارحت الدوام !
سلطان : إلا بس خلصت شغلي وقلت أجي أجلس معاكم
حصة بقلق : ليه ؟
سلطان : ولا شي بس عشان تتطمنون أكثر
حصة : الله يخليك لنا
سلطان همس : آمين ... وقف ليُردف ... أنا بسبقك للصالة.
حصة : بغسِّل وجهي وأجيك
خرَج ليبحث بعينيْه عن الجوهرة ، صعد للأعلى ليفتح الباب بخفُوت وأبتسم على منظرها ، كانت مستلقية على السرير ورأسُها منقلب قريبٌ من ملامسة الأرض ، تلعبُ بخصلات شعرها وهي مُغمضة العينيْن ، تُسمِّع لنفسها آخرُ آية من سورة هُود : وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
فتحت عينها لتنظُر لسلطان بالمقلُوب ، بفزع كانت سترفع رأسها ولكن سقطت على ظهرها.
سلطان : بسم الله عليك
الجوهرة تحك رأسها الذي أصطدم بقوة : جايْ بدري!!
سلطان : خلصت شغلي وجيت .. وين وصلتي ؟
الجوهرة : خلصت مراجعة الجزء 12
سلطان : كويِّس
الجوهرة أنتبهت لبلوزة بيجامتها الملتفة وظاهر منها جُزء من بطنها ، سحبتها للأسفل بحرج.
سلطان : خلينا ننزل لحصة تحت
الجوهرة دُون أن تنظر إليْه : طيب
سلطان ينظرُ بعينيْها وكأنها يُخبرها بأنّ تتقدم وتنزل قبله.
الجوهرة سارت بإتجاه الباب ومن خلفها سلطان ، كانت بكل خطوة لها تشدُ بلوزتها رُغم أن بنطال بيجامتها القطني فضفاض ، ألتفتت عليه وهي تشعرُ بحرجها من أنه يسير خلفها ، سلطان أقترب حتى سار بجانبها.
حصة أبتسمت عندما رأتهم بهدُوء ملامحهم وسكينتها. جلس بجانب عمته : فطرتُوا ؟
حصة : لا بس ماني مشتهية .. القهوة تكفي
رفع عينه للجوهرة مُتسائِلًا
الجوهرة : إلا فطرت
حصة بإبتسامة : صاحية بدري ومامريتي عليّ ؟
الجوهرة : لآ والله بس رحت أراجع القرآن وخفت تكونين نايمة لأني ماشفتك بالصالة
حصة : الحين تراجعين وش ؟ يعني مو أنتِ حفظتيه وخلصتي
الجوهرة : إذا ما راجعت راح أنسى لازم أراجع دايم بس الحين باقي لي جزئين وأخلص مراجعتي الثالثة بعد حفظي
حصة : الحمدلله الله يجعله شفيعٍ لك
الجوهرة : اللهم آمين
حصة بسخرية ألتفتت لسلطان : وأنت ليه ما تحفظ ؟
سلطان وهو يشربُ من قهوته ، أردف : حفظته من زمان بس لأني قطعت المراجعة نسيته بس الحين الحمدلله حافظ أجزاء كثيرة.
ساد الصمت الثقيل على أنفسهم التي بدأت تمِّل ، أردف سلطان وبوادر النعاس تأتيه : شكلي راح أنام
حصة بإبتسامة الأُم : من زمان مانمت في حضني
سلطان : ولا نخليها في خاطرك .. أستلقى على الكنبة ورأسه في حَجرِ عمته ، خلخلت أصابعها الرقيقة في شعره القصير ، أغمض عينيْه والتعب على ملامحه يتضح.
تتأملُه على بُعدِ خطواتٍ قليلة ، لو أنها مكان حصَّة الآن ، تُلامس شعره وتُدلِّك رأسها ، كم من جُرأة تلزمني حتى أكون مكانها وأجعله ينام في حُضني ، يالله كم من السعادة التي سأشعرُ بها وهو نائم بين يديّ ، يالله يا أكبرُ أحلامي التي سقفُها لسلطان! في وقتٍ كانت أحلامُ الصبايا الزهريـة لا تكُون في أن ينام شخصٌ تعشقه في حُضنها! لأنهُ أمرٌ طبيعي وعادِي ولكن ما بيننا يختلف تمامًا عن كل ماهو طبيعي.
قاطعت سرحانها بصوتٍ خافت حتى لا تُزعج سلطان : وش فيك تطالعيني كذا ! سرحانة بأيش ؟
أبتسمت حتى بانت أسنانُها : تراه ما نام
أبتسم وهو مغمض عينيْه. تضربُه حصَّة على رأسه بخفَّة : صاحي وأنا قلت الحين راح في سابع نومة
سلطان دُون أن يفتح عينيْه : جد تعبان مانمت أمس زين
حصة : خلاص بنسكت
،
بإحدى مستشفيات الرياض النفسيـة ، يجلسُ بجانب أخيه النائم بسلام. ملامحه الطفولية لا تُناسب أبدًا دناءة مافعله بإبنته، لا تُناسبه أبدًا، حديثه المجهول لإحدى علماء الدين من هاتفٍ عام وبإسمٍ مُستعار خشيةً أن يقبضُوا على أخيه/إبنه أيضًا. كلماتُ الشيخُ المتفقه بأمور الدين مازالت ترنُّ بإذنه " الله يآجركم في مصيبتكم ، أنا أقترح أنك تعالجه وتنصحه حتى يتوب لله قبل أن يأتيه الموت ويخطفه ، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم جاء ماعز بن مالك وقال للرسول عليه الصلاة والسلام : طهِّرني ؟ فقال ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه ... تردد عليه كثيرًا حتى سأله فيم أطهرك ؟ فقال من الزنآ ؟ .. فعندما قرروا رجمه أنقسمت فرقتيْن بعضهم يقول هلك بخطيئته وبعضهم يقول أنه ما توبة أفضل من توبة ماعز ، أتى ماعز أمام الرسول صل الله عليه وسلم وقال أقتلني بالحجارة ، بعد يومين وثلاث قال الرسول صلى الله عليه وسلم أستغفروا لماعز بن مالك ، ومن هنا نعرف أنَّ الحدود تسقط في حال التوبة وإن ستر الله عليه وتاب فلا يكشف ستره ويعترف بخطيئته ولكن يبدأ من جديد ولكن إن تاب وأنكشف ستره فالحدُّ له تكفير لذنوبه والله ما شرَع الحدود الا حتى يكفرون عن ذنوبهم وإن شاء الله يتقبَّل توبتهم ولا يكُن في صحيفتهم خطيئة بعد أن كفروا الذنب في الدنيا ، أنت تعلم يا أخي أنَّ الذي يُكفِّر عن ذنبه بالدنيا إن شاء الله لا يعذبه في الآخرة. على العموم بما أنه الله رزقه الستر فأنا أسأل الله أن يتقبل توبته ويعود ليعمل لآخرته ويجزم بأن لا يعود لذنبه وتحرِّم عليه رؤيته لإبنة أخيه بجموع العلماء وإن سألت غيري سيخبرك بمثل ما أخبرتك سدًا للفتن ، ولكن إن عاود لمعصيته فهو يسعى في الأرض فسادًا ولايجوز الصمت عليه فالواجب التبليغ عنه وأن يُطبق عليّه الحد الشرعي ، يقول لك الرسول صلى الله عليه وسلم بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف ، فمن وفَّى منكم : فأجره على الله ، ومَن أصاب مِن ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا : فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه، هذا دليل على أنَّ من ستره الله فليستر على نفسه ويتوب توبة خالصة لله وحده ، يقول الله تعالى : إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيماً "
إما أن تتوب يا تركي وإلا ستلقى عقابُ الله الشديد لك ، يالله لو تعلم بأنني رُغم كل هذا أريد لك التوبة ، " متى تصحى " حتى تختار طريقك في هذه الحياة.
،
بهدُوء الجديَّة التي تظهرُ في ملامحه : أنا بس أسألك
مُهرة بضيق ملامحها : شكرا جد أثبت لي مراعاتك لمشاعري
يُوسف تنهَّد : فهمتيني غلط! أنا بس أبيك تتأكدين لو أمك ماهي واثقة فينا ما قالت تزوجوا بنتي! لأنها أكيد بتخاف عليك وبتخاف من أنك تلحقين أخوك .. صح كلامي ولا لأ ؟ هذا يعني أنه مسألة منصور هي وَهم وخرابيط وأمك تعرف هالشي
مُهرة بغضب : تبي تذكريني وش كثر أرخصتني أمي ولا كيف ؟ تحب تنبش بالجروح يا يوسف
يُوسف بحدة : ماأنبش! أنا سألتك بهدُوء لكن أنتِ اللي حولتي الموضوع لشي ثاني
مُهرة بقهر : طيب خلاص أنا آسفة أني أصلا تناقشت معك .. وقفت لتُردف ... ممكن تطلع
يوسف رفع عينه : نعم ؟
مُهرة : شوفتك تنكِّد عليّ وأنا أبغى أرتاح
يوسف وقف : أنا شوفتي تنكِّد عليك ؟
مُهرة تراجعت قليلاً للخلف فهي مهما حاولت تبقى تخاف منه بغضبه ، ألتزمت الصمت.
يوسف أخذ هاتفه ليخرج ويغلق الباب بشدَّة مُعبرًا عن غضبه.
حديث يُوسف المنطقي جعل قلبُها يتورَّم بندباتٍ أخرى ، لا تستوعب أن والدتها تُخفي عنها امرًا كهذا ؟ ولكن مالذي سيجعلها تعلم بأمرٍ يخصُ الشرطة أيضًا ؟ كيف تعرف إن لم يكُن هناك شهود من الأساس! كاذب يا يوسف يحاول أن يشوِّه صورة أمي أمامي.
،
يطرق بأصابعه مكتبه كأنهُ يعزف على آلةٍ موسيقية ، ينظرُ للأيام التي ستأتي ، حمَد ربِّه كثيرًا أنَّ ناصر لم يجنّ جنُونه ولكن يخشى عليه بعد أن يراها رُبما تكون ردة فعله عنيفة ، يالله الأهم أنني فعلت ما يجب عليّ فعله أما البقية فانا أدرك مهما كان الشخصُ عاقل سيُجَّن إن رآها وهي فاقدة للذاكرة ، لكن من المستحيل أن يسيء إليْها مهما حدث تبقى زوجته التي يُحبها. كيف أُمهِّد لوليد أم أجعله يصطدم مع ناصر لوحده ! من المستحيل أن يتمسك بها إن عرف بأن ناصر زوجها ويحقُ له أن يقترب منها، ماذا لو نقض وعدُه ليْ وأخبر عبدالعزيز ؟ يالله لا يُمكنني تخيِّل الكارثة التي ستحصل.
: هلا بعريسنا
أبتسم لوالدته : هلا بأميمتي .. وافقوا ؟
والدته : إيه وافقوا .. وش فيها عيونك ؟ مانمت ؟
فيصل : مواصل من أمس ..
والدته : طيب متى بتروح لهم ؟ كلِّم عمك وروحوا أخطبوها من أبوها
فيصل : يمه مو الحين خليها بعد شهر
شهقت والدته بدهشة : لا يا حبيبي الأسبوع هذا تخطبها رسمي وتآخذ الموافقة وبعدها تحللون وتملكون
فيصل شعر بالدوَار من السُرعة التي تتحدث فيها والدته : يمه من جدك !! نملك بهالسرعة طيب بتعرف عليها
والدته : ماعندنا فترة خطبة وخرابيط! على طول زواج
ضحك ليُردف : طيب بس بين العرس والملكة راح تكون الفترة..
قاطعته والدته : بتتزوجها الحين
فيصل : يمه وراه الإستعجال فيه أحد يتزوج بهالسرعة !!
والدته : أيه عندنا تتزوج بهالسرعة ! مو تقول أنك بتسافر خلاص خذها معك وسافر
فيصل : يممه الله يحفظك ليْ وش دخل ! عادي أسافر وأرجع لها
والدته : طيب ليه تحب تعكِّر عليْ ؟ خير البر عاجلة
،
جالِسـات في حديقتهم المنزليـة والعصر يقترب من سمائِهم والأجواء مُعتدلة تمامًا في الرياض.

يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -