رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -125
جالِسـات في حديقتهم المنزليـة والعصر يقترب من سمائِهم والأجواء مُعتدلة تمامًا في الرياض.هيفاء : وتبين تطلعين بس عشان كذا ؟
نجلاء : هيفا حسِّي بشعوري ! يعني كل حركاتي لازم عليّ طرحة وإذا أبي شي بليل من المطبخ أضطر أغيِّر لبسي عشان أنزل .. يعني ماارتاح
هيفاء : إيه عارفة! طيب الدور الأوَّل في مساحة من ورى لو تبنون لكم جناح ويكون كامل ومنعزل عن البيت لأنه منصور مستحيل يطلع
نجلاء تنهِّدت : مدري يا هيفا جد متضايقة من هالوضع كثير وأخوك يحسبني عشان مهرة
هيفاء : تعرفين الموضوع حساس بينه وبين يوسف ومايحبون حتى يتكلمون فيه
نجلاء : طيب أنا ما قلت شي ! بكيفها هي خلها تسوي اللي تبيه لكن أنا تهمني راحتي
هيفاء بضحكة : للحين تكرهينها ؟
نجلاء تغيرت ملامحها للضيق : تكفين هيوف اللي يقول أنها سوَّت شي حلو بحقي عشان أحبها! ماتهمني لا أحبها ولا أكرهها
هيفاء : حسني علاقتك معها والله تراها طيبة وبعدين أسلوبها بعد الحمل هاجد وحبوب
نجلاء : ما تمُر من هنا *تُشير لعنقها*
هيفاء : خليها تمُّر يختي! يعني فرضًا منصور عيَّا ومستحيل تطلعون بتجلسين تقابلينها دايم فحسني علاقتك معها ..
نجلاء : مين غلط بالبداية ؟ هي ! خليها هي تجي تعتذر وذيك الساعة أفكر
هيفاء : أعوذ بالله حريم ما يتصافون لو بعد 100 سنة .. شوفي يوسف تهاوش ويا خالد مدري نايف وبنفس اليوم تصالحوا
نجلاء : عاد الله خلقنا كذا ! ماأعرف أعتذر إذا أنا ماني غلطانة
هيفاء : نجول والله حتى كلامك معها كان غلط من بدايته يعني إثنينتكم غلطتم
نجلاء : بالله سكري الموضوع لأنه ينرفزني
،
تنظر إليْه بتوتر وقلق معًا ، لم تفهم لِمَ سؤاله مُفاجىء لها ، شعرت بأن قلبها ينقبض بلهجته : مو مسألة خايفة بس فاجئتني
ريَّان : لو واثقة من نفسك ما يضرِّك أني أشوف جوالك
ريم تمدُ هاتفها لها : شف بنفسك
ريَّان : لآ خلاص ماأبغى دام من أولَّها رفضتي وكأنك ماتثقين فيني
ريم : لا طبعًا! أنت اللي بطلبك حسستني أنك ماتثق فيني
ريان : طبيعي ما عندي ثقة فيك .. توني أعرفك ماصار لنا حتى شهر
أندهشت حتى أتسعت محاجرها : بس .. يعني حتى لو ما صار لنا لكن فيه بيننا ثقة
ريَّان : ماأثق بالناس بسهولة ! بالعِشرة ممكن أثق فيك
ريم شعرت بأنها ترتبك أكثرُ مما ينبغي ، ولكن أن تواجه هذا التصرف لأول مرة في حياتها الزوجية يجعلُ وجهها يحمَّر من ربكتها.
ريَّان وكأنه يكتشف شيئًا : ليه أرتبكتِ ؟ لو أنك واثقة من نفسك ماترتبكين
ريم بمثل حجته ترُد : لأني ما صار لي معك إلا كم يوم أكيد بكون متوترة في سوالفنا
ريَّان : هذا شي وهذاك شي ثاني! ماله علاقة أنك ترتبكين كذا
ريم : قلت لك شف جوالي وتأكد من نفسك بس لا تحقق معي كذا
ريَّان بحدة مالت للصراخ : لآ تكلميني بصيغة الأمر ماني أصغر عيالك
ريم وقفت لتتجه لغُرفتها وتدفن وجهها المُحمَّر بوسادتها ، أنفجرت ببكائها من غضبه عليْها ، لم تُجرب شعور أن يغضب أحدٌ عليْها بهذه الصورة ، لِمَ يشكُ بيْ هكذا ؟ شعرتُ بأن حياتنا ستبدأ بالإزدهار ولكن عاد لمثل مزاجه في أول يومٍ من زواجنا. يالله لِمَ كُل هذا ؟ لا يشكُ احدٌ إلا لأن لديه علاقات سابقة! شعرت بوخزٍ في يسار صدرها .. يُكلِّم وصاحب فتيات ! لا يالله ! مستحيل .. مستحيل يكُون من هذه الفئة. ولكن هُم الفئة الوحيدة التي تتمتع بالشك.
،
فتحت عينيْها بتثاقُل بعد أن أخذهم النوم في غرقٍ عميق ، حركت رأسها التي تشعرُ بأن كُتلة حديد تحطُّ عليه من ثقله ، وضعت يدها بجانبها بإنغماس حقيقي بالنعاس لتشعر بأزارير صغيرة تُلامس أصابعها ، فزعت لتستوعب أنها تنام على صدره ، رمت عليه الوسادة الواقعة عند أقدامهم والتي كانت بالأمس تفصلُ بينهما : ما ينوثق فيك
عبدالعزيز فتح عينيْه وببحة النوم : انا في مكاني انتِ اللي تحركتي يا قلق
رتيل تنظرُ لنفسها وفعلاً هي من تحركت من مكانها ، بحرج تُبرر : لأن السرير صغير طبيعي بتحرك .. وأتجهت نحو الحمام لتجعل عبدالعزيز يُمدد ذراعيْه بإرهاق من النوم على سرير ليس وثيرًا بما يكفي ، شعر وكأنه ينام على قطعة خشبْ.
نظر للنافذة والسماء الغائمة ولكن واضح أن المطر أنقطع. أخذ هاتفه ليُصدم بإنتهاء بطاريته. تنهَّد بأفأفة ليتجه نحو الحمام ، خرجت رتيل وهي تبحثُ عن هاتفه : عبدالعزيز وين حاط جوالك ؟
ثواني طويلـة حتى خرج عبدالعزيز وهو ينشفُ وجهه من البلل : جوالي مافيه شحن
شهقت بخوف : كيف يعني ؟
عبدالعزيز : الحين بنمِّر أي محل نشتري شاحن ونشحنه
رتيل بتوتر : ياربي .. ليه كذا
عبدالعزيز يأخذُ أغراضه ويُقلد صوتها الناعم : ماندري ليه كذا ! وش نسوي نضرب الطريق اللي خلانا نجي هنا
رتيل تُلملم أغراضها في حقيبتها : ها ها ها ظريف مررة .. طيب معقولة أبوي للحين مقدر يوصلنا !
عبدالعزيز : غطي شعرك ولا يكثر
رتيل تأفأفت لتخرج خلفه وهي تقلد صوته بكلماتٍ غير مفهومة ولكن تشبهًا باللغة الفرنسية.
عبدالعزيز ألتفت عليها : لو يشوفك أحد بيتفل بوجهك على اللغة
رتيل أبتسمت وهي تُشير لرأسها : كيفي
عبدالعزيز : الحمدلله والشكر ! تعيشين طفولة متأخرة يا قلبي أنتِ
رتيل كانت ستُعلق لولا أنها عطسَت ليحمَّر وجهها وتدمعُ عينها : الحمدلله
عبدالعزيز : يرحمك الله
رتيل : يهديك الله ويصلح بالك .. شكلي مرضت
عبدالعزيز : كلنا مرضنا ..
سلِّم مفتاح الغرفة للإستقبال ، خرجَا وهُم يبحثُون عن محل للهواتف. أستنشق رائحة الخبز الفرنسي وفزَّ قلبه له : لحظة بنآكل
رتيل : رايق مرة ! يعني تدري اننا ضايعين
عبدالعزيز يتجاهلها مُتجهًا للمخبز : وإذا ؟ يعني أحرم نفسي من الأكل! طيب ماتبين تآكلين أحسن
رتيل تشعُر بالجوع ولكن أنحرجت من أن تتراجع عن موقفها لذلك ألتزمت الصمتْ.
عبدالعزيز بخبث : هاا غيرتي رايك ؟
رتيل : لا ماني مشتهية
عبدالعزيز يشترِي لنفسه دُونها، وأخذ قارورة عصير برتقال طازج : يالله دوري على محل جوالات ماعلى آكل ..
رتيل : بتتركني ؟
عبدالعزيز بتلذذ بطعم الخُبز المحشوّ بالشوكلاته وإغاضةً لها : بمشي معك بس ماأعرف أركز وأنا آكل
رتيل تنهَّدتْ لتبتسم بعد زمن : فيه شي جميل على خشمك
عبدالعزيز يأخذ منديلاً ويمسح أنفه
رتيل : مانسيتها يوم أحرجتني وقتها سبحان الله الله ما يضيِّع حق أحد
عبدالعزيز ضحك ليُردف : على الأقل ماأنحرجت زيِّك
رتيل : طبيعي بنحرج بس أنت وجهك مغسول بمرق
عبدالعزيز يُبعد الفطيرة عنه للأعلى لتسيل الشوكلاته بداخل فمه.
رتيل بغضب : لو أبي راح أشتري بدون لا تحرِّني وتقول أني أعيش طفولة متأخرة وماتشوف نفسك
عبدالعزيز صخب بضحكته : لذيذة .. هذا أكثر شي فقدته بالرياض
رتيل : مافيه محلات هنا
عبدالعزيز ألتفتت ليرى اللوحات ووقعت عيناه لرجُل يُشابه أولئك الرجال. ثبَّت عينِه في عينيْه ، شعر بأنه يتوَّعدِه بنظراته.
تمتم وهو يُلامس جيوبه : نسيت سلاحي!
رتيل بغير فهم : طيب ؟ خلنا نآخذ شاحن ونشحن عندهم ونرجع للسيارة لين يجي أبوي
سحبها من يدِها وبخطوات سريعة بدأ يسير و . . .
،
يُراقبها من بعيد ، يشعرُ بأنها تحسُّ به ، تفهمُ بأنه على بُعدِ خطواتٍ يكُون هو ، أنا أثق بحُبِك ليْ من هذه الإلتفاتات التي تشعرُ بمراقبتِك ليْ ، ياليتك تفهمين يا عبير أنني أُحبك بشدَّة ، بأكثرُ من كلمة " بشدَّة " يالله كم يلزُمني من كلمة تصف جنُوني بِك ، كم يلزمُني يا عبير ؟
عبير : يعني بتروحين!
أفنان ببهجة : إيه نهاية هالأسبوع أستلم شهادتي ، وأصلا حاجزة تذكرة العودة من الدمام
عبير : كويِّس ، الله يوفقك
ضيْ المُنشغلة بحالِ رتيل : جوالها طافي
عبير : أبوي راح لهم
ضي : إيه بس رجع لأن الطرق اللي بالشمال مسكرَّة .. الله يستر لا يكون صاير لهم
عبير : لآ إن شاء الله ..
بخوف بدأت تُفكِر ، رُغم نزاعاتهم ومشاكلهم المتكررة ولكن لا تتحمل بأنها تفقدُ أختها وصديقتها وكُل حياتها.
تنهَّدت وهي تجلس على كُرسي المقهى الذي على الرصيف. وقعت عيناها مرةً أخرى لمثل الرجُل ، أختى بغمضة عين ليجعلها تشكُّ بداخلها ، هل رأته أم تتوهم ؟
،
رفع عينه بتثاقل ، والغطرسة تظهرُ على ملامحه : قلت لي مين ؟
بلع ريقه بخوف : بنت عبدالرحمن آل متعب الله يسلمك
رائد يزفرُ دخان سيجارته : بنته !! وفارس ؟
شعر بأن الأرضُ تهتز من تحته : إيه طال عُمرك
رائد بهدُوء : وين فارس ؟
: طلع يتمشى من ساعة
رائد : و من متى هالعلاقة ؟
: من سنة ونص تقريبًا
رائد بسخرية : حلو .. من سنة ونص وأنا آخر من يعلم
: تونا نعرف طال عـ
قاطعه بعصبية وصل صوته الغاضب لكل جزء في الشقـة : جب لي فارس الحين لا أقصِّر لك هالعمر
،
الساعة تقتربْ من التاسعة مساءً ، أتصل عليْه بحزنٍ يُلامس أطراف يدِه : أحجز لي بأسرع وقت ، لو مافيه رحلات شف لي ترانزيت .. أبي هاليومين أكون في باريس.
،
فتح عينه على صرختها التي ضجَّت أركان البيت ، أستعدل بجلسته من الكنبة التي كسرت ظهره : الجوهرة !!!
.
.
أنتهى ، نلتقي الإثنين إن الله أراد.
.
.
إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()
لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.
و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.
أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة
*بحفظ الرحمن.
-
لفقد أبي وأمي والحبيبيـــن
هل سأراهم أم أن ذلك بعيـد
أبكيت عينيــي الحزينتيــــن
ماهذا الذي تقولـه ياوليــــد؟
هذا الذي أعرفه أرجوك لا تبكين
هل تَرىَ أن قلبي من حديد
أنا مثلك مصاب ولأجلك حزين
لا تلمني كل يومٍ همي يزيد
عند لقائك بزوجك قد ترتاحين
وأهلي وأخي وأختي ياوليد؟
اصبري وأن الله مع الصابرين
وهل عبدالعزيز مات أم فقيد
أدعي لهم بالمغفرة ولا تجزعين
* وصف المشاعر.
رواية : لمحت في شفتيْها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ !
الجُزء ( 56 )
فتح عينه على صرختها التي ضجَّت زوايـا البيت و حفرتْ بغشاءِ أذنه إبرٍ حادة الحواف ، أستعدل بجلستِه من الأريكة التي كسرت ظهره ليتمتم بإستيعاب لِمَا سمَع : الجوهرة !!
بخطواتٍ سريعة صعد للأعلى وأفكاره تضيع بين أشياءٍ كثيرة لا يستطيع التركيز بها إلا أنه يثق تماما بالحُراس المحاصرين البيت تمامًا والحيّ بأكلمه ، ثبتت أقدامه على الدور الثالث لينظرُ لحصـة المُعانقة للجوهرة وتحاول أن تُهدئها ببعضِ الكلمات الناعمة.
سلطان نظر لعائشة الواقفة علَّهُ يلتقط شيئٌ يفهمه ولكن سُرعان ما أنسحبت الأخيرة بخوفٍ يتجعدُ بملامِحها ، جلس على الأرض بالقُرب من عمتِه ليهمس : وش صاير ؟
حصَة لم تُجيبه وأكتفت برسمِ علاماتٍ تُنشط بها عقل سلطان الناعس ، بصوتٍ ثقيل : طيب .. الجوهرة
حصة وقفت لتتركها : بروح أسوي لها شي يخليها تسترخي ..
ضغطت بيديْها على رُكبتيْها المتلاصقتيْن وشعرُها يتناثر على وجهها المُنجذب للأرض التي لم تبتسم لها يومًا، أكان ثقيلاً على هذه الأرض أن تُزكِي عن نفسي الحزينـة وتُعطيني قطعةً منها لا تعرفُ للبؤس جوًا ؟ هذه الأرض مازالت تُمارس ضياعها في قلبي الذي بحجمِ الكفّ ! أكان لزامًا عليها أن تضيع وتُضيِّعني معها.
سلطان عقد حاجبيْه ، أبعد خصلات شعرها بأصابعه : ماراح تقولين لي وش فيك ؟
الجُوهرة بإختناق : أبي أبوي
سلطان : أدق عليه ؟
الجوهرة بنبرةٍ تحشرج بها البُكاء : أبي أرجع بيتنا
سلطان بهدُوء : أنتِ في بيتك
الجُوهرة رفعت عينها له لتضغط على شفتِها السُفليـة بأسنانها العلوية وكأن هذه الطريقة الطفولية ستمنعها من البُكاء، لا أعرف لِمَ نُجاهد أن نُمثِّل اللامبالاة ونحنُ خلقنا من تُراب قابل للتطاير والصمُود ، لسنَا من حجر حتى نتحلى بالجمُود على الدوام.
سلطان بحدَّة باغتت نبرته : وش صاير لك ؟
الجُوهرة تنظر لِمَ حولِه ، ليسترجع عقلها عائشة التي صدمتها بالأعلى حتى خُيِّل لها أنها سُعاد، ذاك الوجه البشوش الذي رأتهُ بإحدى الصور التي تجمعها مع سلطان، أتت صرختها بعنفوان الدهشـة والخوف، أتت بحدةِ الحُب الذي ينمو في داخلها دُون حاجتها لحنان/إهتمام يُحفِّز هذا النمو، روحها عطشى منذُ أن وُلِدت لم يتغيَّر شيء، تستطيع التكيُّف بجوِ سلطان الصحراوي الذي يشتدُ بضراوتِه، قادرة أن أتحمل ولكن هذا الحُب الذي يكبرُ يومٌ عن يوم يزدادُ بحدَّةِ أطرافُ النبات الذي يُعشعش بأرضِك يا سلطان.
الجوهرة : وش صاير!! أبد سلامتِك .. وقفت ليسحبها من معصمها بغضب حتى سقطت بجانبه. لو أن أحدًا غيرها لن يصرخ بهذه الحدة أو حتى لن يخاف من إصطدامه بشخصٍ ما، لكن أنا ؟ دائمًا أختلف عن البقية حتى في خوفي، أخشى أن يأتِ يومًا أخافُ به من ظلِّي.
أردف رافعًا حاجبه بحدَّة : هالأسلوب ما يمشي معي
بربكة الحواس شتت نظراتها التي ترمشُ بتناسب طردِي مع نبضات قلبها المُتصاعدة.
سلطان بصيغةٍ أمر بالجواب : وش اللي صار تو ؟
الجوهرة بقهرٍ تراقص على نبرتها : دلع بنات ما يهمِّك
سلطان بحدةٍ أكبر : وش اللي صار تو ؟
الجوهرة رفعت عينها للسقف حتى تمنع الدموع من التساقط وبخفُوت كأنها تُحادث نفسها : كنت أشوف صور زوجتك وعلقت في بالي بعدها طلعت لي عايشة ... و
يُقاطعها : مين زوجتي ؟
الجوهرة ثبتت نظراتها به لتغرق في حصُونِ عينه ،أصطدم قلبها بقوَّة في صدرها الرقيق : مين عندك غيرها ؟
سلطان بهدُوء ملامحه : ما أعرف إلا وحدة
الجوهرة شعرت بوخزِ الإهانة في عُنقها الذي بقيَ خاويًا بعد تجمُع الضربات في صدرها، ألتزمت الصمت لتنظرُ لعينيْه.
أكمل وهو يقف : تعرفينها ما يحتاج أقولك
مدّ يدِه لتُعانق كفَّها وتقِف من على الرُخام البارد، سحبت كفَّها لتُردف بضيق حروفها التي لاتُنطق عادةً : أبغى أروح لأهلي
نزل بخطواتٍ بارِدة تُشبه برود أعصابه الآن : طيب
الجوهرة : أكلم أبوي ؟
سلطان ألتفت عليها : لا وهالموضوع لا ينفتح
بغضب أتى ناعمًا كخامة صوتها الرقيقة : بتمنعني عن أهلي ؟ أنا برتاح!! تعبت نفسيتي من هالبيت وهالمكان
سلطان : تعاملي مع مشكلتك بنفسك
الجوهرة تقف عند آخر عتبة من الدرج في الطابق الثاني، بمُقابل جناحهم : مشكلتي هي مشكلتك!! توِّك تقول زوجتي يعني مسؤول عني
أبتسم وهو يستفزها ببروده : مسؤول عنك؟؟
الجوهرة تستقيمُ بظهرها لتتضح قوتها بمثل مفهومها : إيه رضيت ولا ما رضيت أنت مسؤول عني، إسمي زوجتك وعلى ذمتك سواءً برغبة منك أو لا
سلطان : شكرًا على الدرس الأخلاقي .. وأتجه نحو غُرفتهما لتلحقه ومازالت دموعها تُبلل ملامحها الدافئة.
أردفت : ليه تعاملني كذا ؟
سلطان يفتح أزارير قميصه مُتجهًا لدولابِه : كيف تبيني أعاملك ؟
الجوهرة : لا تتناقض وبيكفيني هالشي
سلطان رفع حاجبه : تناقضت!!!
الجوهرة بحرج بدأت تنظرُ لكل الأشياء ماعداه.
سلطان الذي يخشى أن يتعرى بقلبه أمامها أردف : لازم ليْ أصحح لك معلوماتك
الجوهرة بحدةِ موقفها : طيب صحح ليْ ؟
سلطان تنهَّـد : خلينا ننهي هالنقاش عشان عيونك لا تبكي أكثر
الجوهرة نظرت إليْه بسهامٍ حادة تخترق عينيْه الواثقة ، أردفت وهي تمسحُ دموعها المترسبة على ملامحها : أبكي؟ أنا لو أبكي تأكد أنه ماهو عشانك! أبكي على عُمري اللي ضاع معاك
سلطان بتجاهل : كان الله في عونك
،
الساعة تقتربْ من التاسعة مساءً ، أتصل عليْه بحزنٍ يُلامس أطراف يدِه : أحجز لي بأسرع وقت ، لو مافيه رحلات شف لي ترانزيت .. أبي هاليومين أكون في باريس.
فيصل : أبشر الحين أدوِّر لك حجز
ناصِر بضيق : أنتظر منك رد .. وأغلقه دُون أن يسمع جوابٍ ، ينظرُ للسواد الذي يُحيطه بعد أن شعَر بأن الحياة تتذبذب بلزوجة أسفل قدميْه، لا يستطيع أن يتزن أبدًا أو يُصدق أن قلبُها مازال ينبض إلا حينما يُلامس قلبُها بيدِه ويتحسس نبضاتِها بعناقها، أحتاج أن أراهَا بصورةٍ حسيـَّـة تُحرِّك ذاكرة القلب كيفما تشاء، أحتاج ان أستسلم لهذا العالم حتى يُبعد عنِّي " بياخته " المُلازمة له في تشتيت طُرقنـا. أحتاج أن أحيـا على عينِ غادة وقلبِ غادة ورائحةِ غادة وكُل غادة.
،
يسيرَان بخطواتٍ سريعة طويلة ، يُخرج هاتفه المُغلق حتى يعكس بشاشته صورة الرجل البعيد جدًا ولكن مازال يُلاحقهم، أخذ نفسًا عميق ليُردف بصوتٍ خافت : لو صار شي ترجعين لنفس الفندق وتخترعين أي كذبة عشان تدخلين الغرفة قولي أنك نسيتي جوالك أو أي شي.. وأتصلي على فندقكم بباريس من تليفون الغرفة وكلمي أبوك... أخرج من محفظته بطاقة فندقهم .. هذا رقمكم ...
رتيل بتشتُت : وأنت ؟
عبدالعزيز : معاك بس لو صار شي تعرفين كيف تتصرفين!
رتيل بربكة : طيب ...
عبدالعزيز ينظرُ لمحل الهواتف : أدخلي وأشحني الجوال بس 10 دقايق يكفينا
رتيل بهدُوء دخلت بينما عبدالعزيز واقف ينتظرها بالخارج ويُراقب أفكارها التي بدأت تخيط بحيلةٍ حتى يهرُب.
إلتفاتاتها الكثيرة تفضحُ خوفها الذي يُداعب شفتيْها المُتشققة بفضلِ أسنانها المُرتبكة : شكرًا .. بعد أن مرَّت أقل من 10 دقائق ، أنهالت عليها الإتصالات الفائتة : بتصل على أبوي
عبدالعزيز مسكها من معصمها ليدخلان طريقًا فرعيًا مُقارب من نهر السين الذِي تُعتبر هي عاصمتُه.
رتيل بخوف : ما يرِّد !!
عبدالعزيز : على مقرن ؟
رتيل بدأت أنفاسُها الخائفة تتصاعد : ماعندي رقمه الفرنسي .. نسيت لا أحفظه لأنه غيَّره أول ما وصلنا
عبدالعزيز : عبير .. مرت أبوك .. اي أحد !!
رتيل أصابعها المرتجفة تخطأ في كل مرة ، باغتها إتصال والدها لترُد بصوتٍ متلهف : يبـــه
عبدالرحمن : وينكم ؟
رتيل : في روَان
عبدالرحمن : طيب الطريق مسكرينه أنتظروا بالسيارة للغروب وبعدها راح نجي
رتيل بربكة كانت ستتحدث لولا يدِ عبدالعزيز التي سحبت الهاتف : هُم في روَان !!
عبدالرحمن تنهَّد : مافيه طريق ثاني يوصلني لـ روَان طيب! عز حاول قد ما تقدر تروح لآي مكان آمن بس لين الغروب وساعتها إن شاء الله بنكون عندك
عبدالعزيز بغضب : سلاحي بالسيارة اللي تعطلت ومعاي رتيل وفيه واحد يلاحقني! وش أسوي ؟ فرضًا كان مسلح بجلس أدافع عن نفسي بأيش ؟
عبدالرحمن بمثل غضبه : طيب أنا وش أسوي ؟ رحت مرتين والشمال كله مسكرينه ..
عبدالعزيز تنهَّد بعد صمتٍ لثواني : وش صار مع رائد ؟
عبدالرحمن : ماعندنا خبر عنه لكن أكيد الحين شاك فيك لأنك خلفت بالموعد بدون لا تبلغه .. بس تجي نشوف لنا عذر له
عبدالعزيز : طيب ..
عبدالرحمن : الله يحفظكم بعينه اللي ما تنام .. أنتبه لنفسك ولا تروح لمناطق فاضية .. خلك بمركز المدينة
عبدالعزيز : إن شاء الله .. وأغلقه ليُردف : أغلقيه عشان ماينتهي شحنه
رتيل : بننتظر لين الغروب ؟
عبدالعزيز : أيه .. نظر للسماء التي تُنبأ عن مطرٍ سيزور الأرض قريبًا، تبللت فرنسـا بأكملها هذه الأيام، والأكيد أنها تزُور قبر أحبابي، ماذا لو كان هُناك شيئًا يجعلني أتحسس ما بهم وهُم نائمين بسلام منذُ عام وأكثر؟ يالله لو أن الطُرق تقودني لهُم الآن؟ أنا في أشَّد أحزان هذا السماء أتذكركُم. يالله لو يأتيني حلم سعيد يجمعني بكم ، أن يأتيني عيدٌ أبيض يجعلني أبتسم فقط. إلهي! " وش كثر " أنا مشتاق وبيْ من الحنين حدُ الهذيان.
،
دفعه بقوة حتى أسقطه على كُرسي من جلدٍ أسوَد، شدُّهُ من ياقتـِه بعد أن شطَر ظهرهُ نصفيْن إثر ضربته له ، صرخ به : تبي تجنني!!
فارس الذِي نزَف من أسفلِ شفتيْه ألتزم الصمت لا يُجيد التجادل مع والدٍ غضبه يُشبه ريحٍ تقتلعُ كُل من مرّت به.
رائِد بغضب ترك ياقته ليعُود لمكتبه ويُخرج سيجارةٍ يُدرك أنها لن تُطفىء النار التي توهّجت بصدرِه ، منذُ متى والأشياء المُحرَّمة تُطفىء شيئًا غير طريق الطاعة ؟ أدرك تمامًا أن ما بينْ أصبعيّ نارٌ يتحرك وأنا أزيدهُ إشتعالاً : من متى تعرفها ؟
فارس بهدُوء مُشتتًا نظراته : سنة و 7 شهور
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك