بداية

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -128

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي - غرام

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -128

رائد : بتتزوجها يا فارس .. وهالشي ماأشاورك فيه أنا أقولك خبر راح يصير ! إذا مو اليوم بكرا
فارس تنهَّد : تآمر على شي ؟
لم يُجيبه وهو يعود لمكتبه ، خرج بخطوات غاضبة يجرُّ إذلال والده لهذا الحُب، وطَأت قدمُه على الرصيف المقابل للدكاكين الصغيرة الفرنسيـة ذات الرائحة المنعشة، أستنشق هواء باريس والمطرُ بخفَّة يهطل. أدخل يديْه بجيُوب جاكِيته البنِي، الخُطى تقُوده لمكان إقامتها، منذُ أن رأيتك وأنا أقدِّس معنى " الحُب "، أنا المتفقه بأموره وأنتِ الشريعة التي لا تُخطىء كيف أتجاوزك ؟ منذُ أن تطفلتِ على رسوماتي وأنا لا أعرفُ منفذًا لِأرسم غيرك، منذُ رجوعي تلك الليلة وعقلي يُسيطر عليْه فكرة واحِدة " الملامح الحسناء البيضاء من صاحبتها ؟
" منذُ تلك الليلة وأنا لا أنام إلا من بعدِ أن تسترجعك ذاكرتِي وتهرول رقصًا بِك، أنتِ يا عبير التي كتبتُ إسمها و زخرفتُه الرقيقة أسفل القصائِد، كُتبت لكِ ولكِ فقط، لو تعرفين كم أوَّد أن أكُون شاعرًا فقط لأكتُب عن حسنك، مللت النثر ، أحتاجُ أن أكتبك بقافيةِ الفتنة التي تنتمي إليْك. أسفلُ أشعار نزار وإخضرار قلبي بكلماتِه يُوجد أنتِ. تجاورين القصائِد بإستيطان لا يرحم ولا يرحمُ قلبي، " أشهد أن لا امرأة قد أخذت من اهتمامي نصف ما أخذت واستعمرتني مثلما فعلت وحررتني مثلما فعلت " و ليس هذا فقط، أشهدُ لكِ بحُبِ يعبرُ المحيطات وعينيْك. " أشهد أن لا امرأة تجتاحني في لحظات العشق كالزلزال ، تحرقني .. تغرقني ، تشعلني .. تطفئني ، تكسرني نصفين كالهلال "
جلَس بالمقهى المُقابل لفندقهم، تحديدًا بالكُرسي الذي أعتادت عبير عليه منذُ ان أتت باريس ، أخرج قلمه ليكتب على منديل المقهى المُزخرف بخطُ الثلث " يقُول نزار وأقُول لكِ : أيتها البحرية العينين والشمعية اليدين والرائعة الحضور أيتها البيضاء كالفضة والملساء كالبلور أشهد أن لا امرأة على محيط خصرها . .تجتمع العصور وألف ألف كوكب يدور أشهد أن لا امرأة غيرك يا حبيبتي على ذراعيها تربى أول الذكور وآخر الذكور أيتها اللماحة الشفافة العادلة الجميلة أيتها الشهية البهية الدائمة الطفوله "
طوَاه ليُخبر النادِل الذي وضع كُوب القهوة أمامه : هل لي بطلب شيء آخر ؟
النادل : بالطبع تفضَّل
فارس : تأتِ هنا أمرأة عربية دائِمًا مع فتاة اخرى
النادل بإبتسامة : العرب كُثر
فارس : أعلم ولكن تجلس هُنا أيضًا .. أخرج هاتفه ليفتح على صورتها .. هذه
النادل : عرفتها
فارس : تأتِ كل يوم، هل لك أن تحتفظ بهذا المنديل حتى تأتِ وتُعطيها إياه مع قهوتها
النادل الوسيم يتسعُ بإبتسامته : بالطبع يا سيدي
فارس : شكرًا لك.
أخذ النادل المنديل ليضعه في جيبه، حكايا الحُب تُدَّس في بلادِنا ولكن تستنطقها العيُون بفضيحة كبيرة، ليست فضيحة بمعناها بقدر فضيحة إنسانية مُشرَّفة تبدأ بـ " أحبك " و تنتهِي بمثل الـ " أحبك " و ترتيلها. وأحيانًا تكون فضيحة لا تُشرِّف إن أتت بعصيانٍ لله، هو الحُب يكُن أجمَل إن غلَّفهُ رضـا الرحمن.
،
لم ينطق حرفًا وهو يواصل طريقُه للخرُوج من باريس ناحيـة الشمال الفرنسي، ضاق فِكره لايستطيع التركيز وهو يبحث عن منفذ، ليس أكثر ذكاءً من والِده الذي واجه مثل هذا الموقف وأنقطعت أنفاسه حتى أندثر التراب عليه، ليس أكثرُ دهاءً من سلطان العيد حتى يُفكِر بحلٍ غير الإستسلام للموت الذي سينتهي به وهو يصطدم بإحدى السيارات. وهذا السيناريو المتوقع، الموت الذي يختمُ الحياة، يبقى السؤال كيف نفُّر من النهاية ؟
ألتفت إليْها، صمتها ، هدُوئها وصدرها الذي يهبطُ بشدَّة ويرتفع بمثل الشدَّة، فمُها الذي يتمايل تارةً وتُقطعه أسنانها تارةً وجبينها الذِي يتعرج لحظات ويستقيمُ بثوانِي مُتقطعة، أصابعها التي تتشابك فيما بينها ويدُها التي تتكأ تحت خدِها بجانب الشباك، أقدامها التي تهتزُ ، لِمَ أتأملُ أصغر تفاصيلك في وقتٍ ضيق كهذا ؟ عطشان يا رتيل لكلمة منك، كلمة وأنتِ شحيحة جدًا.
: أربطي حزام الأمان
لم ترد عليه ولم تُطيع أمره، تفيضُ بقهرها حد انها لا تطيق أن تسمع صوته الآن. يلعبُ معي كالمراهقين، يستفزُ كل عرق يتصل بعقلي ليجنُّ معه جنوني، أخذتُ كفايتي من أسلُوبه ولا أظن أنني سأستمر أكثر.
يُكرر لها بحدةِ صوته : قلت أربطي الحزام
رتيل بنبرةٍ مُرتفعة وهي تلتفتُ إليْه بكامل جسدها : مالك دخل فيني !!
بصرخة ألجمتها : أربطي الحزااااااام
تعبَّرت وهي تنظرُ له، أختنقت بعبراتِها وتدافع الدموع عند عينيْها، صرختُه زلزلت صدرها لتسند ظهرها على الكُرسي وتنظرُ للطريق المُبلل وتُجاهد أن تمنع دموعها من إستعمار محاجرها أكثر.
نظر للطريق الذي فرغ بشكلٍ تام سوى من بعض السيارات البعيدة ، بحركاتٍ سريعة سحب الحزام ليربطه عليْها. لم تتحرك سوى دمعة أبت الغرق في محاجرها لتنزل على خدها.
سحب هاتفها ليتصل على عبدالرحمن، ثواني طويلة حتى أجابه بصوتٍ يستبشر الفرح : هذاني بجيكم
عبدالعزيز بصوتٍ متزن تخونه الكلمات المتقطعة على حافتِه : مقدر أرجع
عبدالرحمن من نبرته أستطاع التخمين بأن أحدًا ثالثٌ معهم : وش صاير ؟
عبدالعزيز مسح وجهه ليُردف بقلة حيلة وكأنه يستقبل الموت مثل أهله، أصواتهم تتداخل في ذاكرته، تتداخل بتقاطع حاد يشطرُ قلبه، ضحكاتهم وصرخاتهم تعبرُ إذنه وتخنق عينيْه بلا رحمة : كان فخّ منهم بس مقدرت أتوقعه
وهذه النبرة التي تعني الخلاص تُنهي قلب عبدالرحمن أيضًا، أردف : كيف فخ ؟ أنت وينك ؟
عبدالعزيز : السيارة ماتوقف .. الدواسَّة ما تشتغل ولا راح تشتغل لأنها بس شكل قدامي لكن منفصلة
ألتفتت رتيل له وهي تسمعُ كلماته، بلعت غصتها ودموعها تتدافع على خدها،
أكمل : مقدر أرجع باريس والطرق كلها زحمة .. الحين في طريق الشمال ...
صمتٌ مهيب يعقدُ على لسان عبدالرحمن الذي جلس على طرف السرير بعد أن تجهَّز للخروج ، هذا الحادث تمامًا ما حصَل مع سلطان العيد وعائلته، لا قوة لديْ لأتحمَل كل هذا مرةً أخرى.
عبدالعزيز ينظرُ للهاتف الذي يُضيء برسالة تُخبره عن نفاذ الرصيد، رماه جانبًا ليأتِ صوت عبدالرحمن الندِي : ألو. .. عبدالعزيز .... عبدالعزيز ... *صرخ* .. عبدالــــــــــــــعزيــــــــــز ...
سقط هاتفه من يدِه ليُحاصر رأسه بين يديْه ، يشعرُ بالضياع التام، رتيل وعبدالعزيز معًا! قلبيْن يشطران روحه الآن.
عبدالعزيز عقد حاجبيْه ليُردف بصوتٍ هامس : كتفِي إيدك ،
رتيل بصوتٍ يختنق : وش بيصير ؟
عبدالعزيز يفتحُ النافذة التي بجانب رتيل حتى إن حصَل شيئًا وأصطدم لا يأتِ الزجاج عليْها : كتفيها يا رتيل عشان ماتنكسر
رتيل أخفضت رأسها لتبكِي بإنهيار تام، يُشبه إنهيارها في تلك الليلة التي أغتصب بها شفتيْها، يُشبه تمامًا ذلك الأنين الذي يشطره نصفيْن، شتت نظراته : رتيل ..
رتيل هزت رأسها بالرفض، لا تُريد أن تُصدق ما يحدث الآن، لا تُريد أن تعرف. والهواء البارد يلعبُ بدمعها المُتطاير.
عبدالعزيز يفتحُ شباكه أيضًا والشارع الواسع الطويل يكاد يكُون خاويًا الآن إلا من الشاحنات الغذائية : تنطين ؟
رتيل ببكاء عميق : ما أبغى
عبدالعزيز ينظرُ للطريق مرةً أخرى وبنبرةِ المواساة التي يُدرك أنها كذب : إن شاء الله ماراح يحصل شي ..
صمتَا لدقائق طويلة ولا يحضرُ سوى بكائها، ببحة : ياربي عبدالعزيز كيف كذا ؟
تنهَّد بضيق : أبوك صار عنده خبر يمكن يقدر يسوي شي
أنتبه للوحة المكتوبة بالفرنسية " يوجد إصلاحات يُرجى المرور من الطريق الفرعي " ، تجاوز الطريق الفرعي الذي خلفه بعدةِ مترات قصيرة ، لم يستطيع أن يتراجع للخلف والسيارة مازالت مُستمرة بالسير أمامًا، . . . والآن لا مفَّر يا أنا ، تبًا.
،
تقدَّم بخطواتٍ ضئيلة للصالة العلويـة التي كانت سابقًا مكانًا للوحشة فقط، ألقى السلام بجمُودِ ملامحه : السلام عليكم.
: وعليكم السلام
سلطان : غريبة جالسين هنا !!
حصَة : قلنا نغيِّر
سلطان بصوتٍ يُثير الريبـة : تصبحون على خير .. ونزل للأسفل.
حصة : ألحقيه شوفي وش فيه
الجوهرة : لآ .. أصلا ماراح يقولي ليه أتعب نفسي !
حصة رفعت حاجبها : طيب روحي له .. وأنا بدخل أنام تأخر الوقت
الجوهرة تنهَّدت أمام أنظار حصة المراقبة لخطواتها، عادت للخلف : بنزِّل القهوة للمطبخ
حصة أخذتها من الطاولة : أنا بنزِّلها
الجوهرة تبحثُ عن حجة أخرى : طيب بآخذ لي كتاب أقرآه لأن مو جايني نوم
حصة أمالت فمها لتُردف : الجوهرة!! وش فيك تدورين الحجة عشان ماتنزلين
الجوهرة بحرج : مين قال كذا ! بس .. خلاص طيب .. ونزلت للأسفل بإتجاه جناحهم.
وضعت يدها على مقبض الباب وبمُجرد مرور حصَة بجانبها فتحته بهدُوء لتلتقط عيناها خطواتِ أصابعه التي تُغلق هاتفه ، رمقها بنظرة لم تفهمها تمامًا، تُشبه نظرات العتاب أو الحزن أو الضيق أو اللاأدري، بلعت ريقها بمُجرد ما أعطاها ظهره، أتجهت نحو دولابِها لتُغيِّر ملابسها ، أفكارها ضاعت بنظراتِه وهدُوئه الذي يُزلزلها دائِمًا، أرتدت بيجامتها بخطواتٍ خفيفة/سريعة ، فتحت شعرها المرفوع كـ " كعكة " ، بخفُوت سارت نحو الجانب الآخر من السرير المصوِّبـة نظراته له، جلست والأرق يهرول في جسدها من بدايته حتى نهايته، نظرت له وهو مُغمض العينيْن ، منتظم الأنفاس ، ملامحه هادئـة لا مجال بها للغضب أو الحقد الذي أعتادته في الفترة الأخيرة، الإستفزاز الصامت من عينيْه الدائِمة الحُب ، الذبذبات التي تقفزُ من جسدِه نحوي لا يُمكن أن يُنكرها عقله مهما فعل، رجولته التي تسيرُ بثبات نحو قلبٍ ناعم، حاجبيْه الغامقتيْن، عيناه المرَّة كالقهوة الشديدة التعقيد ، صخبُ فحولته وصخبُ جسدِه الذي يمرُ دائِمًا ليُضيئني ويُشعلني ويقتلني وكيفما يشاء يفعلُ بيْ ، يا رجُل التاريخ الأول، يا رجُل الوشم الذي لا يُمحى من جسدِي. يا رجُل الحُب المُعقّد والعُقَد من عينيْك تقتلني، يا رجُل البُنّ المُرّ أني أحبك في وقتٍ لا أُريد به أن أحبك ، " يا أيها اللغز الذي.. دوّختَني وأنا أحاولُ جاهداً أن أحزرَكْ " يالسماء النديَّـة أنا والله أخشى أن يُغمى عليْ إن قُلت ليْ يومًا " أحبك ".
فتح عينيْه التي لم تنام ويشعرُ بالتفاصيل الرقيقة التي تُراقبـه، كيف ينام وأفكاره تتلخبط وتصطدم بشدَّة/بحدة.
شهقت بمُجرد أن فتح عينِه، لتضع يدها على صدره وتهمس : بسم الله.
سارت الحُمرَّة وليست وحدها هي التي تسير، الحرارة الداخليـة تتفجرُ من قلبها بهذه الثواني. ضحك بشهقتها دُون أن يلفظ كلمة.
وضعت رأسها على الوسادة وهي تُغطي وجهها بالفراش تحاول أن تتجاهل نظراته وضحكته والمحاولات بحقِ سلطان شديدة الفشل والحرج.
بهمس : الجوهرة
لم ترد عليه وهي تغرز وجهها في الوسادة وتُغطي كامل جسدِها بالفراش، أردف بعد أن رأى الصدّ : تصبحين على خير
،
يرمي كل شيء أمامه وهو يرتدِي ملابسه المُجعَّدة، يُريد الخروج ما عاد به قوَّة للتحمل أكثر، أُريد أن أنظر لها، أن أشعر بها، أن أصرخ وأقول " هذه والله غادة " ليست من الأربعين الحمقى الذين تشبهُوا بها ، ليست أحدٌ والله سرق ظلالها ، إنها هي غادة أوَّد أن أسقط لعناقها كما لم أعانقها من قبل، أوَّد أن أبكِي على صدرها وأتخلص من الشرقية المُتغطرسة التي تأبى الدموع، يالله كم كان عقابِي شديدًا في الوقت الذي تفاخرتُ به بهذه الشرقيَّـة ، كم كان فخرِي مدعاةً للحزن وللسخرية وأنا أبكيك الآن.
عينايْ وإن جفَّت فهُناك قلبٌ يبتهلُ بِك، لا يرى من النساءِ إلا أنتِ ، يا مخملية العينيْن التي أشتهيها، يا الحضُور البهي التي يخضرُّ به القلبْ ، يالغياب الذِي يُشارك الموت في مفرداتِه، يا الصباح الزاهِي يشتَّقُ من غيابِك شحُوبِه.
خرَج بإضطراب خطواتِه وهو بجنُون يُفكر أن يسير على أقدامه لباريس إن صعب عليْه الأمر، يُريد أن يغمض عينيْه ويفتحها وهي أمامه، ياللمجانين الذين يريدُون أن يهذبُون قلبي وأنا ميتٌ بِك ؟ يا للمجانين الذين يمحُون البكاء وأنا عينايْ مسامات لا تيبس !
مرّ من الإستقبال المُلتهي ليخرج من المستشفى و سماءُ الرياض الجافـة مازالت تُمارس قمعها لقلبي الذي يتُوق للبلل.
في مثل هذا الفجر، في مثله قبل سنوات.
غادة : وجهة نظرك خاطئة ماله علاقة بالرجولة!
ناصر : هذا اللي ناقص !! أنا الرجال اللي يبكي قدامي يطيح من عيني
غادة تنظرُ لفجرِ باريس الذي يُزاحم الغيم : يالله يا ناصر! والله أنك تكذب مستحيل ما قد بكيت
ناصر : إلا بس ما أبكي يعني أدمِّع أحيانًا لكن أني أبكي وأنهار بصراحة لا و هالشي عندي عيب
غادة : يعني بينقص من رجولتك أنك تبكي ؟ بالعكس الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة كانوا يبكون أحيانًا
ناصر : صلى الله عليه وسلم لكن أنا بالنسبة ليْ ماأحب البكي ولا أحب أشوف رجال قدامي يبكي
وبضحكة أردف : البكي مخلينه لكم يا رقيقات
خرج للشارع الرئيسي وهو يوقف إحدى سيارات الأجرة ، لو تعلمين يا غادة كم تغيَّرت قناعاتِي منذُ أن غبتِ، أنا الذي لم أُحب البكاء يومًا بات لا يمرُ يومًا دُون أن أسجِد ببكائي من جنُون شوقِي إليْك.
،
حك جبينـه ، لم يأتِه النوم منذُ إتصاله ، أخرج ورقـة بيضاء من الدرج ليرسم بوقعٍ ثقيل على البياض، افرادٌ مشتتة و إسم " عبدالرحمن " يُنقش بطرف الورقة و يوازيـه إسم " سلطان " تنهَّد لتختلط أفكاره بغثيانٍ شديد.
رفع هاتفه الذي يهتز : هلا . . . هههه ضحكتني وأنا ماني مشتهي، تستهبل معي ولا كيف ؟ . . . طيب . . تعرفون أنكم تلعبون مع الشخص الغلط ! بمجرد ما توصل لجهاز الرياض راح يتحرك اللي أكبر من سلطان بن بدر وساعتها مدري مين اللي لازم يفلت ! . . طبعًا لا أنا أحاول ألقى نهاية لهالمسألة بما لا يضرني ولا يضرّك . . . . . . وتحسب عبدالرحمن بيسكت ؟ هو أصلاً بدآ يشك وسلطان بعد بدآ يشك . . . . . . أنا مايهمني كل اللي تقوله اللي يهمني أنه ما ينداس على طرف واحد من اللي يعزهم عبدالرحمن . . . إيه نعم يؤسفني هالشي يا حبيبي . . . . عبدالرحمن وأهله خط أحمر وماأبغى أعيد هالحكي مرة ثانية.
أغلقه بهدُوء لينظرُ لرسالة متعب " مقرن دوَّرت على ملف قضايا 2008 ومالقيتها، بس تصحى أرسلي مكانها "
مقرن تنهَّد ليكتُب له بأصابعٍ مُثقلة " في أرشيف الدور الرابع ".
،
ترك ضيء في ريـبة من أمرها ومن خلفها عبير التي بدأت تُخمِّن بعينيْه المُتسائلة عن ما يحدُث، أبلغ الشرطَة ولكن الأمور تفلتُ منه في وقتٍ يُخبره رجل الأمن أن الطريق بأكمله خاوٍ من أيّ سيارة تحمل هذا الرقم، أين ذهبُوا في هذه الساعات ؟ أيُّ أرض تحمل خُطاهم المسكينة التي لم ترى يومًا أبيض! لا هاتف يستطيعون الوصول إليْه ولا رقم يستطيعون مراقبته لمعرفة أين هُم ! سيئـة الأجواء والأكثر سوءً هي الظروف. في مُنتصف الشارع بعد أن تم إغلاقه والمطر يُبلل أجسادهم : إذن ماذا ؟
: يا سيدي إننا نفعل كل ما بوسعِنا والآن يتم البحث في الناحية الأخرى من المدينة
عبدالرحمن مسح وجهه لا يستطيع التفكير أكثر، الرماديـة تغشاه والضباب يُخبره بأن لا أحدًا تنتظره. لسانه يبتهل بالدعوات منذُ أن سمع صوتُ عبدالعزيز المرتبك.
: هل بإمكاني أن أرى آخر مكالمة له ؟
عبدالرحمن : مسجلة في البريد الصوتي.
: حسنًا ، سمع صوتُه وهو لا يفهم العربية تمامًا ، سنرى آخر مكانٍ له ، دقائق عريضـة مُمتدَة تسوء على قلوب الجميع دُون إستثناء. أتى الشاب الآخر بلكنة فرنسية بحتَة : الإشارة عند ( إستوِيغ ) بجانب مصبَّات النهر
ينظرُ عبدالرحمن للطريق ذاته : نحنُ هنا !
الشرطي : رُبما تقدمُوا للأمام قليلاً سنتجه في ناحية الطريق ذاته ..
ركبَا السيارة التي تسيرُ بمثل الطريق ، أعينهم الشاردة تبحثُ بكل بُقعة في هذا الشارع التي على جانبيْه الأرضُ الخضراء المُصفَّرة.
الشُرطي بصوتٍ متزن وبإنكليزية مُغلظة : تم إبلاغ شُرطة الميناء بفقدانهم، أمرُ الحادث واقع لا مُحالة لن يستطيعُوا السيطرة على السيارة التي تسير بسرعة مثل ما تم تحديدها 180 كيلومتر في الساعة ، معنا مُسعفين في حال كانوا أحياء ولم يحصل لهم شيء.
،
في صباحِ الرياض الباكِر، الجوُ يعتدل مائِلاً لقليلٌ من البرد. دخَل المستشفى مُتجهًا لغُرفته ، أتسعت محاجره من السرير الفارغ المُرتب ويتضح أن لا أحدًا نام عليه ليلة الأمس ، أتجه للإستقبال : بسأل عن المريض ناصر الـ .. لم يُكمل إسمه من مقاطعته له : إيه للأسف مالقيناه موجود وتوقعناه طلع حتى كنا نحاول الوصول لرقمك عشان بعض الأوراق المحتاجة توقيع
فيصل رفع حاجبه : كيف طلع ؟
: آعتذر بس
قاطعه فيصل بعصبية : هذي مسؤولية المستشفى كيف مريض يطلع بدون لا تتم إجراءات الخروج!!
: أخ فيصل إحنا مـ
فيصل : لآ آخ ولا زفت أنا راح أشتكي عليكم .. هذي أرواح كيف تغفلون عنها
: لو سمحت إحنا بمستشفى وماينفع تعلِّي صوتك، إحنا نعتذر عن الخطأ الغير المقصود وممكن أنه هرب بطريقة تحايل يعني خارج عن إرادتنا
فيصل بتهديد : هالشي تقوله لمُدير المستشفى ..
أبتسم موظف الإستقبال بضيق : يعني بتقطع أرزاقنا الله يهديك!
فيصل يتجاهله بغطرسة لا تخرجُ منه عادةً : أنتهى كلامي معك ... خرج وهو لايعرف كيف يصِل إلى ناصر الآن.
أتصل على بيته لتُجيب الخادمة : ناصر موجود ؟
الخادمة : إيه الحين يبي يطلع
فيصل أغلقه وهو يتجاوز السرعة المطلوبة في مثل هذه الطرق، هذا الرجل بات لا يعرف أين مصلحته. ستقتلني يا ناصر!!
،
وقفت عند الباب لتُردف في داخلها كثيرًا " يالله يا ريم تشجَّعي .. هو الغلطان ماهو أنا " ، يارب رحمتِك التي وسعت كل شيء، هو المخطىء في كل هذا لستُ أنا ، تقدَّمت له وهو جالِس بهدُوء على الأريكـة : ريَّان
رفع عينه : نعم ؟
ريم شتت نظراتها لتُردف بربكة لسانها : أظن لازم نفهم بعضنا ، يعني تفهمني وأحاول أفهمك
ريَّان بنظرةٌ جارحة تحملُ اللامبالاة وكأن أمرُ علاقتنا لا تهمه : طيب ؟
ريم : أنا مدري سبب طلاقك في زواجك الأول ...
يُقاطعها بغضب : الماضي مالك دخل فيه زي ماأنا مالي دخل في ماضيك
ريم بتوتر : وأنا وش الماضي اللي بيكون لي ؟
ريَّان : مدري أسألي نفسك
ريم : ماأعرف يمكن فيه موقف مآخذه ضدي وأنا ماأعرفه أو فاهمه غلط لازم أوضَّحه لك .. فكون صريح معي عشان نبدأ صح
ريَّان يتجاهلها وهو ينظرُ لهاتفه، أخذت نفسًا عميقًا : لو سمحت ريَّان ، إذا زواجك الأول مأثر عليك إلى الحين فمن الظلم أنك ..
يُقاطعها مرةً أخرى : قلت لك لا تفتحين سالفة زواجي الأول
ريم بدأت تختنق بعبراتِها : بس
بنبرةٍ مُرتفعة : قلت لا تفتحين هالموضوع وأنتهينا
ريم تنهَّدت : طيب يعني كيف ؟ أنت تعاملني كأني ولا شي
ريَّان وقف مُقتربًا منها، عادت بخطواتِها للخلف حتى ألتصق ظهرها بالجدار ، تخافُه كثيرًا لتُردف : أنا أحاول أفهمك
ريّــان : أنا أقول أفكارك أحتفظي فيها لنفسك، مايمشي معي هالموَّال وسالفة أفهمني وأفهمك
ريم شدَّت على شفتيْها ليتدافع دمعُها على خدِها الأبيض، أردفت بحشرجة صوتها : كيف نعيش إذا ما بيننا تفاهم ؟
يُتبع
،
نزل للأسفَل ومزاجهُ لا يُناسب يوم العطلة، تركها نائِمة دُون أن يلفظ كلمة تُزعجها، يحتاج أن يتحدث معها أن يفهم ما تُريد وأن يعرف ماذا توَّد أن تُقرر.
أتسعت محاجره عندما رأى هيفاء : وش مسوية بنفسك ؟
هيفاء بإبتسامة مُتسعة : تان يا حبيبي
يُوسف عقد حاجبيْه : الحمدلله والشكر ، وأمي راضية ؟
هيفاء بضجر : والله أنه يهبل عليّ بس وش يعرفك أنت! .. لا مسوية لها مفاجئة
يوسف : الناس يدورون البياض وأنتِ تلاحقين السواد
هيفاء : أولاً هذا ما هو سواد إسمه برونزاج!
دخلت الوالدة المُبتهِّلة بلسانها لتتجمَّد في مكانها ويصخب يوسف بضحكته على منظر والدته : حسبي الله ونعم الوكيل وش مسوية بنفسك ؟
هيفاء بإحباط : يالله وش يعني مسوية!! تان يمه
والدتها : يا مال الضعفة قدامك زواج ولاعبة بنفسك
هيفاء وستبكِي من الأراء المُحبطة لها رُغم انه في نظر صديقاتها " وآو " : يروح يا بعد قلبي بعد فترة
يوسف بسخرية : أعوذ بالله منكم يالحريم مابقى شي ما قدرتوا توصلون له !! عزِّي لنا بس
هيفاء : لو سمحت أنت وش يعرفك بالتان خلك على ساعاتك
يُوسف : فرضًا طلب فيصل يشوفك .. بينصدم من وصف أمه لك .. بيقول ذي البيضا اللي تقولين عنها !!
هيفاء بحرج حاولت ان لاتُظهره : وش دراك أنه أمه وصفته ليْ
يوسف بضحكة : لآ أبد قالت له أبيك لهيفاء وهو وافق
هيفاء تنهَّدت لتتكتف : أولاً البرونز حلو عليّ ثانيًا اللون ماهو غامق يعني لون حلو ويجنن .. بس طبعًا أنتم نظام قديم البيضا اللي أحلى شي لو ملامحها حفريات الرياض أهم شي بيضا وشعرها طويل
والدتها : حسبي الله بس .. شايفة وجهك بالمرآية كيف معدوم !
هيفاء ضربت صدرها بخفَّة : بسم الله عليّ يمه ورآه تبالغين كذا! .. انا بروح غرفتي ماعمري شفت ناس يحبطون زيّكم.
يُوسف يُعلِّي صوته : لا تحطين مكياج أخاف تقلبين رصيف
هيفاء وهي تصعد الدرج : ها ها ها تقتلني بظرافتك
يوسف بجدية : يمه شفتي منصور اليوم ؟
والدته : أنت كبِّر مخدتك بس!! راح ويا ابوك المزرعة
يوسف عقد حاجبيْه : كان صحيتُوني
والدته بغضب من هيفاء بدأ يصبُّ في يوسف : أبد حبيبي أنت بس بلغني بمواعيدك وأنا أقوم وأصحيك
يوسف زفر أنفاسه بضيق : لاحول ولا قوة الا بالله .. هالحين تحطين حرة هيفا فيني ؟
والدته : أنهبلت ذا البنت .. وأختك الثانية بعد منهبلة
يوسف : وش فيها ؟
والدته : متصلة تبكي تقول أنها ماتبي ريَّان
يوسف : هههه أستغفر الله .. شر البلية ما يُضحك وش تحس فيه ريم !! لا يكون ما عجبتها قصة شعره
والدته نظرت له بحدَّة : تحسب أختك تافهة يالتافه
يوسف بمزاج مُضطرب : طيب ولاتزعلين .. وش عندها ؟
والدته : مدري عيَّت تقولي بس تقول أنها ماهي مرتاحة
يوسف رفع حاجبه : يمكن مشكلة بسيطة وهي مهولَّة بالموضوع! كلميها و سحبي منها الحكي
والدته تخرج هاتفها : بتصل عليها الحين .. الله يصبِّرني بس
وقف مُتجهًا للأعلى ، قرر أن يذهب للمزرعة ويتسلى مع أخيه ووالده، دخَل بخفُوت ليسمع بكائها الذي جمَّد خطواتِه وهو يُغلق الباب. أخذ نفسًا عميق وأنينُها لم يعتادِه أبدًا، يشعرُ بالغصات التي تتراكمُ في عنقها وتُؤذيه أيضًا، تقدَّم بخطواته نحوها وهي تُغطي وجهها بالفراش العنابِي، جثَا على ركبتيْه بجانب رأسها : مهرة
لم تُجيبه سوَى بكتمها لأنفاسها وبُكائها الضيِّق، كيف لا تحزن ؟ تشعرُ بالضياع التام. ولا إجابة تشفي صدرها وكلمات أمها تتجاوزها وتشطُرها أيضًا ، صوتُها الداكِن يُخبرها بمُرِّ لم ترحمها به " لا تجدِّدين الجروح الفايتة، أهتمي لبيتتس ورجلتس وماعليتس من شي ثاني ، تُخبرها بقهر : طيب أبي أرتاح! أنتِ تدرين عن شي ماأعرفه ، والدتها : قلت لتس أني متطمنة عليتس عنده ولا تكثرين الهرج وتخسرين يوسف "
أبعد الفراش عن وجهها المُحمَّر بالبكاء، لتُشتت نظراتها بعيدًا عنه. يُوسف بنبرةٍ حميمية : مهُور يابعد عُمري الحين البكي وش بيفيدك ؟ أنا داري أنك مقتنعة مهما حاولتِ تبعدين الأفكار عن رآسك بس هذي الحقيقة ، لاعاد تفكرين باللي مضى وخلينا في اليوم . .
بعد ثواني طويلة تجادلت بها أعينهم أردف : يالله قومي وريِّحي صدرك من هالبكي
مُهرة تشدُ على شفتيْها لاتستوعب بعد ما يحدُث، تحاول أن تنظرُ له ويخترقها بعينِيْه الغامقة.
يُوسف : مهرة .. يالله قومي .... وقف ليمُد يدِه لها .... أنتظر كثيرًا حتى قال : بتفشليني ؟
وضعت كفِّها في باطن كفِّه وهي تقف ليشدّ جسدها النحيل نحو صدرِه، أحاطت عنقه بيديْها وبدمعها المُنهمر على كتفِه، قبَّل عنقها الذِي واجَه وجهُه ،قُبلاتِه الدافئـة كفيلة بتلاشِي رعشة عروقها المُشتتة، الراحة التي تمتصُ من جسدِه تُشعرها بقُدسيـة العناق، ربكةُ قلبها التي تزيدُ بإلتصاق صدرِها بصدرِه تربتُ عليْها لتُخفف وطأة الحياة التي تقطعها دُون إلتفات. دسَّت وجهها في عنقه لتستنشق رائِحته، رائِحة العُود التي منذُ قابلته أول مرَّة وهي تشمُه منه ، هذه الرائحة الخاصَّة به ولم تشمُّها في غيره تلتصق بقلبها وعقلها معًا، برقَّـة قبَّلت عنقه كقُبلة الأبديـة، كقُبلة الإستسلام، همست : ماني عارفة وش أسوي! أمي عيَّت تقولي شي
أبعدها بهدُوء ليمسح دمعها بباطنِ كفِّه : لو عندها شي يدين منصور كان قالت لك بس أمك مقتنعة بعد باللي قلته لك
بلعت ريقها لتُردف بتشابك أصابعها : بس ...
يُقاطعها : الحين مقتنعة صح ولا لا ؟
مُهرة : طيب مين ؟

يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -