بداية

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -178

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي - غرام

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -178

حصة بسخرية : عاد حكم القوي على الضعيف! كل ماجيتك من جهة عنَدت
سلطان : طيب خلاص
حصة : تكلمها ؟
سلطان : إيه
حصة : إحلف
سلطان غرق بضحكته ليُردف بتعب وهو يسند ظهره على الأريكة : ما عاد فيه ثقة؟
حصة : إخلص عليَ وإحلف عشان أعرف كيف أواجهك بالحجَة؟
سلطان : والله العظيم بكرا بكلَمها
حصة إبتسمت : خلَ أسلوبك حلو
سلطان بسخرية : سجَلي وش الكلام اللي تبيني أقوله ؟
حصة : لا طبعا ماراح أتدخل بينكم
سلطان لم يتمالك نفسه من الضحك ليُردف بين ضحكاته : بسم الله على قلبك اللي ما تدخَل
حصة إبتسمت بإحمرار وجنتيْها : اللي سويته مو تدخل . . إسمه إصلاح . . الله يصلح قلوبكم ويجمعكم
سلطان مسح على وجهه بإرهاق دُون أن ينطق شيئًا لتدفعه حصة من كتفه : قل آمين عساك اللي مانيب قايلة
سلطان بتعبٍ واضح : آمين . . آمييييين . . . آميييييييييين
حصة ضحكت لتُردف : يممه منك حتى آمين مستخسر تقولها!!
سلطان : قلتها في قلبي
حصة : أنت ماشاء الله عليك كل شي تقوله في قلبك ولمَا أقولك سوَ كذا ولا لا تسوي كذا قلت أنا أمشي ورى عقلي . .
سلطان سعل بشدَة حتى أردف وهو يغمض عينيْه ويضغط عليها بأصابعه : اللهم صلِ وسلم على محمد . . شكل حرارتي بترتفع من نقاشك!!
حصة بخبث تُلقي عليه من أعظم أبيات الشعر الفصيح في العصر العباسي : جربتُ من نار الهوى ما تنطفي نار الغضا و تكَلُ عما يُحرق . .
سلطان إلتفت عليها بنظرة حادَة لتكتم حصة بضحكتها وهي تُردف واقفة : أمزح وش فيك ؟ . . تصبح على خير . . . أختفت من عينيه سريعًا بلذَة إقناعه بمحادثة الجوهرة.
ضلَ يُراقبها حتى تلاشت، تمتم بتنهيدة : سبحانك لا اله الا أنت وأتوب إليك . . . صعد للأعلى ودُون أيَ سيطرة منه على عقله الذي بدآ يُكمل الأبيات " و عذلتُ أهل العشق حتى ذقته فعجبت كيف يموت من لا يعشق؟ وعذرتهم وعرفتُ ذنبي أنني عيَرتهُم فلقيتُ منهم ما لقوا " دخل لياخذ نفس عميق حتى يطرد كلمات المتنبي من عقله الغارق بقصيدته التي تُضرب بها الأمثال حتى هذا اليوم، نزع حذاءه ليرمي نفسه على السرير بإرهاق دُون أن يغيَر ملابسه، سحب وسادة الجوهرة ليضعها فوق وسادته وتصِل رائحة عطرها أنفه متجهة لعقله الذي مازال يستذكرُ صوت القصيدة،
" أرقٌ على أرقٍ ومثلي يأرَق " في كل جُزء منَي وعلى كل جزءٍ و فوق الحال وبين كل حال تضعين مُسببًا للأرَق، للغرق، للاوجود، للغياب، عفيف يالجوهرة لمْ أسكُر ولم يُذهب عقلي شيء عدَا عينيْك، لم يكذب من لعن الفتنة، الفتنة التي تسرق مني نومًا في هذه الساعات.
أستلقى على ظهره متقلبًا، يحاول جذب النوم بالذِكر : استغفر الله . . .
كاد أن ينفجر عقله من القصائد التي يقرأها عليه في وقتٍ يحاول أن يقرأ به الأذكار، في كل لحظة يلفظ ذكرٍ من أجل أن ينام مرتاحًا يُقاطعه مقطع قصيدة، لم يبقى شيئًا حفظه منذُ زمنٍ بعيد لم يُعاد عليه في هذا الليل، بدأ يُكرر الإستغفار في داخله : أستغفرك ربي من ديارٍ تجلب حُزنًا . . لم يُكمل بمُقاطعة قلبه الذي يحفظ " واستلذُ نسيمها من دياركم، كأن أنفاسهُ من نشركم قُبلٌ "
تنهَد بمحاولة قمع كل محاولات عقله وقلبه في ترديد الشعر في وقتٍ يُريد فقط السكون والهدوء، ولا فائِدة مع كل كلمة تستنطق لسانه بخفُوت يُجيب عقله بطريقة مُستفزة وهو لا يخضع لأيَ سيطرة منه، التفكير يخرج عن إرادتنا مهما حاولنا أن لا نُفكر، نستطيع أن نمنع أنفسنا من الكلام و أعيُننا من النظر و لكننا لا نستطيع أن أنمنع أنفسنا من التفكير وهذه الحقيقة في وقتٍ مثل هذا تشدَ أعصابه وتستفزه.
ـ بإسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه فأن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فأحفظها بما تحفظ به عبادِك الصالحين. بمُقاطعة قلبية : " ولو أنني أستغفر الله كلما ذكرتك لم تكتب عليَ ذنوب "
ـ اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادِك، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادِك، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادِك.
بمُقاطعة أخرى : " هجرتُك حتى قيل لا يعرف الهوى و زرتُك حتى قيل ليس له صبرًا "
دفن رأسه بالوسادة ليشتعل عطرها بكل خليَةٍ في جسده، أغمض عينيْه ليُردد بصوتٍ منخفض حتى لا يُفكر بأيِ شيءٍ آخر : أستغفر الله . . أستغفر الله . . أستغفر الله . . .
أندهش من نفسه التي تحفظ أبياتًا لم يُرددها يومًا، دخل في صراعٍ مع الوسادة حتى ينام " شطرٌ واحد يا حصَة أشعلتي به ذاكرتي النائمة ".
على بُعدٍ طويل في شرق المملكة كانت مُستلقيَة على السرير وكفيَها على بطنها وعيناها للسقف.
لم يجيئها النوم رُغم أنها لم تستيقظ مُتأخرًا، ابتسمت من الإسم الذي جاء بقلبها " بدر بن سلطان بن بدر الجابر "، أريده يحمل سُمرة والِده و عينيْه التي تُناقض كل ما يقول دائِمًا، كيف أنتظر 9 أشهر ؟ لا افهم مقدرة الحامل على إنتظار كل هذه الشهور بصبرٍ وحِلم وأنا منذُ الآن أعدُ الوقت من اجله! وأعدُ اللحظة التي تجيء به، لم اتمنى شيء كمجيئه بظروفٍ اجمل لا ينفصلُ بها عنَي أحدٌ أحببتهُ قاسيًا حتى أصبحت قسوته لُطفًا بعيني، يا وداعة الأشياء الجميلة في صدرِي إني أُحبك بقرارٍ يشملُ الحياة.
إلتفتت للباب الذي انفتح، أفنان : صاحية ؟
الجوهرة أستعدلت لتجلس : إيه
أفنان : طفشت وقلت مالي غيرك
الجوهرة : ما عدلتي نومك؟
أفنان : لآ للحين . . وش رايك نجيب فيلم ونسهر عليه ؟
الجوهرة : مو مشتهية والله
أفنان بملل : طيب الجو حلو خلينا نسهر برا . .
الجوهرة بإبتسامة : جد مالي خلق أتحرك
أفنان : من الحين بديتي تتعيجزين شلون لو تصيرين بالسابع!
الجوهرة : أجلسي وسولفي عن باريس وكَان
أفنان : تعبت وأنا أسولف لك وأعيد نفس السوالف! خلاص خلصت سواليفي
الجوهرة إبتسمت : سولفي عن أيَ شي؟ عن رواية قريتيها ؟
أفنان : يوه يا قدمك! صار لي سنتين ما أقرأ
الجوهرة : أجل بنام وأنتِ روحي أسهري لحالك
أفنان برجاء : جُوج! يخي بموت من الملل . . سوَي معي شي مفيد قبل لا ترجعين الرياض!!
الجوهرة تنهدَت بضيق من كلمتها الأخيرة لتُردف : وش تبيني أسوَي؟
أفنان بصمتٍ لثواني : صح ما قلت لك! رجعت أحفظ أجزاء جديدة من القرآن
الجوهرة بنبرة فرح : شدَي حيلك لا تقطعين . . ما بقى لك الا الأجزاء الأخيرة
أفنان : يارب أقدر وأحفظهم . . والله تعبت تخيلي أحفظ وأسمَع ألقى نفسي ماحفظت نفس الناس
الجوهرة : طيب أنا قلت لك أسمعي بالقارئ اللي تبينه وخلَي إذنك تحفظ معك . . القرآن ما ينفع تحفظينه بطريقة الترديد، لازم تحفظه عينك معك بالقراءة وإذنك بالإنصات عشان يبقى بذاكرتك فترة طويلة
أفنان صمتت لثواني طويلة لا حديث يقطع صمتهم حتى أردفت : طيب بسألك سؤال
الجوهرة : وشو ؟
أفنان : تضايقتي من ريَان اليوم ؟
الجوهرة : أنا ؟ لا ليه ؟
أفنان : أجل ليه بكيتي؟
الجوهرة بلعت ريقها : مو عنه
أفنان : ترى ريَان بدآ يتغيَر والله حتى صايرة أسئلته مو كثيرة مثل دايم، يعني أجاوبه وينهي الموضوع ما يستفسر كثير . . وأنتِ بعد لا تشيلين بقلبك عليه!
الجوهرة : مين قال إني شايلة عليه؟ أفنان تراه أخوي مهما صار مالي غيره
أفنان : أنا بس قلت لك يوم حسَيت أنه اوضاعكم للحين متوتَرة
الجوهرة : لا تطمَني، قلبي ما يشيل على سلطان!
أفنان بضحكة : سلطان!! والله مآخذ عقلك هالسلطان نسَاك حتى إسم أخوك
الجوهرة تصاعدت الحُمرة لوجنتيْها لتستمر أفنان بنظراتِها المتغنجة : إيه وش أخبار سلطان ؟
الجوهرة شتت نظراتها : بخير
أفنان بإبتسامة فسيحة : متى بيجي؟
الجوهرة : ليه يجي ؟
أفنان : يعني عشان يآخذك، ماراح يجي هنا؟
الجوهرة بتوتر : الحين هو مشغول . . مدري بالضبط متى بينتهي شغله
،
في صباحٍ هادىء بالغيم، مُضطرب بالشعور، تتصاعدُ الأحلام وتتسامى دُون أيَ قُدرة على الإمساك بها! تفلتُ منَا أحلامنا التي هي ذواتنا، تفلتُ منَا أنفسنا ولا نُسيطر عليها.
بين أربعة جدرانٍ صمَاء ينظرُ لوميض الضوء المنبعث من ثقبٍ بزاوية السجن الإنفرادي، رأسُ مالي في هذه الحياة ثلاثٌ لا يزيدهم فردًا، والدِي و عبدالعزيز و غادة، و إثنيْن أنفصل عنهم شيئًا فشيئًا، ما حيلتي لأعِيش وأنا مُقيَد بهذه الصورة، لا أطلب من الدنيَا عدل وحُكمها بيدِ البشَر، لله أترُك أمر الحياة والناس. يا وجَع قلبي و يا ضيقُ الفرح بجوفِي! قبل سنواتٍ كانت الحياة تتمهدُ امامي وتُبسِط على كفَها من الفرح حُزمٍ لامنتهية، كانت تأتِ دائِمًا في الكلمات بضميرٍ يحمل غادة، ياء الملكية التي تُنهي الكلمات كان يُزعجني أنها ألتوت على نفسها كهاء الغائب، وأنتِ لم تغيبي لحظةً عن روحي، " أخفض رأسه من فكرة وجود ولِيد معها هذه الأثناء، وعدهُ بأن لا يقترب منها ولا يُخبرها شيء "
قبل ساعاتٍ طويلة في مكتب الضابط يُقابله.
وليد : والحين وش بتسوي ؟
ناصر : ولا شي! . . أبيك تبلَغ فيصل بموضوع غادة أنها بروحها عشان يتصرف
وليد : وينها ؟
ناصِر بتهديد يُشير إليه بسبابته : صدقني ماراح يحصل خير لو عرفت أنك أنت اللي رحت لها
وليد إبتسم بهدوء : قضيت سنة كاملة معها! لو بضرَها كان ضرَيتها من زمان
ناصر : الكلام الدرامي هذا وفَره لنفسك! بلَغ فيصل ومشكور
وليد تنهَد : وش مشكلتك معي؟ أنا أحاول أساعدِك!!
ناصر بحدَة : بتساعدني؟ بلَغ فيصل وماتقصَر
وليد : عطني عنوانها طيَب، أقول لفيصل أيش؟
ناصر يسحب الورقة الموجودة على الطاولة ليكتب عنوانه في لندن، مدَ الورقة وقبل أن يلتقطها وليد سحبها ليُعيد تهديده : صدقني لو يوصلني خبر أنك معها بحرقك في مكانك!!
وليد وقف ليمدَ يدِه ويأخذ الورقة : أستغرب من أنانيتك حتى وهي بروحها! ما خفت عليها من أحد لكن خفت عليها منَي!!
ناصر وقف ليقترب منه : إذا حبَيت بتعرف وقتها وش يعني أنك تغار من ظلَ يلامسها و ماهو ظلَك!
وليد : يعني لو كنت أناني محد بيشره عليَ بنظرك؟
ناصر : الأنانية إنك تفكَر بنفسك وتتجاهل اللي حولك وأنا ما تجاهلت أحد.
يُتبع
،
يقف أمام النافذة المطلَة على الحديقة المنزليَة، وعيناه تُراقب هيفاء التي تُحضَر طاولة الطعام للفطور، يأتِه صوتُه المُشتعل بالغضب : يعني ما جبت الأوراق؟
فيصل ببرود : ليه أجيبها ؟ عطني سبب يخليني أروح وأجيبها
عُمر بحدة : فيصل!!
فيصل بضحكة : ودَي أذبح ذبيحة على شرف هالصوت!
عُمر بعُقدة حاجبيْه : أذبحها على شرفك حبيبي!! أقسم لك بالله ماتكون في بيتك الليلة إن ما طلعت الأوراق
فيصل يُلحَن الكلمات ويُمططها بإستفزاز : أنا آسف عشان الأوراق اللي شايف نفسك فيها صارت بإيدي . . وهذي الأوراق بتنحشر في فمَك
عُمر بهدوء يخفي خلفه براكين مشتعلة : كيف طلعت لك ؟
فيصل بسخرية : أمطرت الرياض
عُمر بغضب : تكلَم! كيف وصلت لك؟
فيصل : زي الكلب تروح وتطلَع ناصر ولا بضطر أسوي شي يحرقك فيه سليمان قبل لا أوصَل الموضوع لأبو سعود وسلطان
عُمر : ناصر ماراح يطلع! وبشوف وش بتسوي يا فيصل؟
فيصل تنهَد : عاد الشكوى لله، اللهم بلَغت اللهم فأشهد . . سُو سورِي
عُمر : مين وراك؟
فيصل غرق بضحكة عميقة ليُردف : اللي قاعد يصير لك أمر مُحزن ومثير للشفقة! صرت تشَك بنفسك صح؟ يا حياتي والله
عُمر بحدَة : لو أنك رجَال تقول مين!
فيصل : مقطَعتك الرجولة! والله عاد ما يهمَني أكون رجَال بعيونك . . يكفيني أنه ينتهي اللي بديتوه بخسارة كبيرة لكم
عُمر : كأنك ما بديته معنا!!
فيصل بإستفزاز : أنا؟ متى؟
عُمر : تنكر؟
فيصل : عطني دليل واحد إني كنت معكم؟ . . .
إلتزم عمر الصمت، ليُكمل فيصل : حاول ما تجي الساعة 7 بتوقيتكم الا وناصر طالع وإلا والله أنت اللي ما راح تنام الليلة!! . . أغلقه ليتنهَد براحة الكون أجمَع، اتسعت إبتسامته الفسيحة حتى ظهرت أسنانه في لحظةٍ شعر بها أن هذا العالم يقف على شُرفةِ منزله، نزل للأسفل ليمرَ مكتبه الذي ورثه عن والِده، وضع الأوراق في الخزانة، انتبه للسلاح العتيق النائم على الأوراق، لمعت في رأسه فكرة ليضعه في جيبه ويُغلق الخزانة جيدًا، خرج متجهًا نحو الخلف، إلتفتت عليه بإبتسامة : صباح الخير
فيصل بنبرةٍ مبتهجة : صباح النور والسرور والرضا
هيفاء : عمتي خذت ريف وطلعت ويوم شفت الجو حلو قلت نفطر هنا
فيصل : زين تسوين . . جلس لتجلس بمُقابله . .
هيفاء : كنت أبغى أستأذن منك يعني لو أقدر أروح لأهلي اليوم
فيصل رفع عينه : إيه أكيد
هيفاء أبتسمت : مشكور
فيصل : حسستيني إني رئيسك بالشغل على هالإستئذان!!
هيفاء ارتبكت بتوتر عميق لتُردف : آآ . . يعني عشان . .
فيصل وبدآ يقع بعشق ربكتها، ليتمتع اكثر بصمته ويراقب حركاتها العفويَة المتوترة، أكملت : مو مفروض استأذن؟
فيصل بلع ضحكته قبل أن يصخب بها ليُردف : مو قصدِي كذا
هيفاء : أجل؟ يعني طريقتي بالإستئذان
فيصل هز رأسه بالإيجاب ليأخذ كأس العصير ويشرب منه.
هيفاء تمتمت : الله يآخذ دفاشتي!!
فيصل : عفوًا؟
هيفاء : ولا شي بس لأني متعودة أستأذن بهالطريقة
وبداخلها تمتمت " الله يسامحني على الكذبة انا لو أستأذن منك زي ما استأذن من أبوي بترمي عليَ الطلاق "
فيصل بإستلعان يُربكها ويقف على كل كلمة : يعني تروحين لأبوك وتقولين أبغى أستأذن منك لو أقدر أروح لصديقتي؟؟؟
هيفاء إبتسمت بتوتر : يعني مو كذا بس لأن ما أعرف أستأذن
فيصل : ما تستأذنين! تطلعين بدون إستئذان؟
هيفاء أخذت نفس عميق : لآلآ .. خلاص أنسى أشرح لك بعدين
إبتسم إبتسامة أوقعت قلب هيفاء : بنسى يا عيني ليه ما أنسى؟
هيفاء تصاعدت الحُمرة لتتورَد وجنتيْها، شربت من كأس الماء لتُخفف حرارة جسدها المرتفع بالربكة.
فيصل ضلَت عيناه تغرق بتفاصيلها وتبحر بمراقبتها، لم ترفع عينيْها تُدرك أنه ينظر إليْها، بدأت تُحرَك الملعقة على الصحن دُون أن تأكل لقمة واحِدة.
فيصل : هيفا
رفعت رأسها وبتعجُل : لبيه . . آآ أقصد هلا
فيصل بضحكة : وش فيك مستخسرة عليَ كلمة حلوة؟
هيفاء بربكة : لآ لآ مو قصدي كذا أقصد يعني . . خلاص لبيه
فيصل إبتسم : تلبين بمكة . . قومي بورَيك شي
هيفاء وقفت لتسير خلفه وهي تضع يديْها على خديْها المشتعليْن بحرارتهما، " يالله عليك يا فيصل " لم أتوقع أن تُصيبني كل هذه الربكة بحضُورك، أشعرُ بأن نظراتِك لها خُطى مهيبة لا قُدرة على قلبي بأن يتحمَلها، فيك شيءٌ لا أدري ما تفسيره، و على عينيْك أمرٌ يتخطَى العادة، يجيئني شعور أنه أمرٌ خارق، أعني بذلك النظرُ إليْك وإستكشاف تفاصيلك التي تهرول حولك، يبدُو لي أنني أقع بِك/فيك.
إلتفت عليها لتسير بجانبه متجهَان لمكانٍ لا تعرفه، نظرت للمكان الخاوِي سوى من زرعٍ بسيط يُزيَنه.
فيصل يأخذ علبة المياه ليضعها على بُعد 20 متر تقريبًا، رفعت حاجبها بإستغراب : وش بنسوي؟
فيصل : بعلَمك شي . . أخرج السلاح لتبتعد خطوتيْن للخلف بشهقة فلتت منها رُعبًا.
فيصل : بسم الله عليك! . . تعالي
هيفاء : لآ مستحيل . . ما احب أمسكه ولا . .
يقترب منها ليسحبها من ذراعها، هيفاء برجاء : لا تكفى والله أخاف منه . . أعرف نفسي والله ما اكذب إني ماأشوف زين وممكن أوديك بداهية
فيصل بإبتسامة شاسعة : أنا معك
هيفاء بتوتر وكأنها تواجه الموت : والله العظيم والله ما اكذب . .
فيصل : مين قال إنك تكذبين! أنا معك . . يالله أوقفي زين
هيفاء : تكفى لا . . حتى بمزرعتنا أخواني يعطون ريم ومايعطوني لأني ما أشوف زين . . والله ما اكذب
فيصل بضحكة يشدَها ليجعل ظهرها مُلاصق لجسدِه، ووجهه على كتفِها، مدَ يديْها بإستقامة ليضع إبهامها والسبابة على السلاح ومن فوقها يدِه، هيفاء بضيق : ما أبغى أتعلم واللي يرحم لي والديك! . . علَمني أيَ شي خايس الا هذا
فيصل : أعلمك كيف تقرأين؟
هيفاء أشتَد إحراجها من إدراكه لكذبها، إلتزمت الصمت وهي تبلع رهبتها من السلاح.
فيصل لفَ قدمِه على ساقه حتى يُثبَتها، أغمضت عينيْها بشدَة لتضغط على الزناد وتذهب الرصاصة بعيدة كل البعد عن قارورة المياه.
فتحت عيناها بتجمَد تام، فيصل يهمس بالقرب من إذنها : لازم تتعلمين كيف تدافعين عن نفسك، بكرا لا سمح الله اذا صار شي تكونين عارفة وفاهمة
هيفاء : خلاص؟
فيصل : أبي العلبة تنفقع!
هيفاء إلتفتت عليه وساقها مازالت مثبَته بقدمِه، لاصق بطنه بطنها ويدِه خلف ظهرها، وبصوتٍ مُرتبك تنطق الكلمات بهيئة مستعجلة : والله إني أخاف من هالأشياء وعندي فوبيا منها . .
فيصل بهذا القرب لم ينطق شيئًا، اكتفى بعينيْه التي تُراقب شفتيْها المتحركتيْن بكلماتٍ سريعة.
إرتجف فكيَها لتبلع ريقها مُشتتة نظراتها بعيدًا عنه في وقتٍ يُحيطها جسدِه من كل إتجاه، ابعد قدمِه عن ساقها ليجاور قدمِه قدمها، أمال رأسه قليلاً ليصِل لمستوى شفتيْها، ويدِه تنزلُ من أعلى ظهرها لتُحيط خصرها، أغمضت عينيْها ليلتحم جسدِه بجسدِها، ارتفعت درجة حرارتها الداخليَة ليغيب قلبها عن الوعي بما حوله، ويديْها المرتجفتيْن تغفو على صدرِه.
عن الشعور الذي أجهله في هذه الأثناء؟ كيف أحكيه؟ قلبِي بِكر لم يعشق من قبل ولم يسلك طريق الهوى، تُغيَرني يا فيصل بظرفِ يوميْن، تقلبني رأسًا على عقب، تفضَ الحياة بعيني ليصعد مقامها نحوُك، نحوك أنت فقط لا يُشارِكك إنسانًا ولا جمادًا، فوق العادة، ما أعنيه تمامًا أنَ هذا الشعُور المحمَر خلف قلبي فوق العادة، أجهلُ ماهية الشعور ولكنني أُدرك تمامًا بأن هناك شيئًا يشدَني إليْك، كُنت أظن أن عينيْك وحدها المصيبة إلا أن شفتيْك أكثرُ المصائِب ودًا.
ابتعد بحرارةِ أنفاسه التي أنتقلت لرئتيْها لتضجَ أنفاسه بداخلها، ولا أعرفُ وصفًا يا هيفاء أعمقُ من قول المتنبي " قد ذقتُ ماء حياةٍ من مقبَلها، لو صاب تُربًا لأحيا سالفَ الأمم "، للمرةِ الأولى أتذوَق الجنة بترتيلِ شفاهِ غانيَة، أتحسَر للعُمر الذي مضى دُون أن أفكَر بالزواج، وأرثي الآن من يعيش دُون أنثى، أقصد فتنة.
ابتعدت خطوتيْن للخلف دُون أن تتجرأ بالنظر إليْه، سارت بإتجاه الداخل وأنفاسها تضطرب إضطرابًا يصِل لقلبها الذي يرتفع أشدُ إرتفاع بحركته، دخلت لتصعد بخطواتٍ سريعة نحو الأعلى، أغلقت الباب لتُسند ظهرها عليه، وضعت يدَها اليمنى على خدَها والاخرى على صدرها لتُهدأ من روْعِها، نظرت للنافذة و جسدِها من قدميْها حتى رأسها يشعُ حُمرةً ويُضيء، بللت شفتيْها بلسانها لتبتسم من ربكة شعورها، تسللت أصابعها نحو فمِها لتشعرُ بأن شفتيْها تحترق بحرارته، إتجهت نحو الحمام لتُبلل ملامحها بمياهٍ باردة، نشفَت وجهها المحمَر بخجله، جلست على الأريكة وتفكيرها يتشوَش بأشياءٍ كثيرة لا تستطيع أن تُحددها.
قُبلةٍ واحدة أدت إلى غياب عقلي عن وعيْه كيف لو أطالها؟
يسيرُ ذهابًا وإيابًا، وصوتُ ضرباتِ القلم على إصبعه يرنَ صداها، إلتفت للباب ليدخل أسامة : ما لقيناه
رائد بغضب يقترب منه ليُحرقه بجحيمه : طلَع فارس من تحت الأرض! والله ثم والله لو يصير له شي راح أحرقكم كلكم
أسامة صابته الرهبة من وعيده : سوينا اللي علينا! وأنت ما كلفتنا نراقبه
رائد يصفعه بقوة حتى أصطدم جسدِه بالجدار، بصراخ : وأنا الحين كلفتكم!! فارس يطلع لي!!!
نزفت شفاهُ أسامة وهو يقف بإرتباك : إن شاء الله
رائد : أنقلع عن وجهي ولا ترجع الا وفارس معك . . . جلس خلف مكتبِه وأفكاره تشتدُ سوءً حول فارس، أنحنى بظهره وقدمه اليمنى تضربُ الأرض بإستمرار لتعبَر عن توترها أيضًا، سيُصاب بالجنون من غياب فارس عنه، يتمنى أن يموت ولا يصِلهُ خبرٌ سيء عنه، أهتز هاتفه على الطاولة ليسحبه، فتح الرسالة لتُصاب عيناه بجمودٍ سحب كل أنفاسه للداخل ولم يزفرُ بشيء، اختنق صدرِه من الصورة التي يراها، من منظر فارس الملقى على الأرض والدماء تنتشر على جسدِه و تُبلل الجزء الآخر من ملابسه، لا يُريد أن يصدَق أن شيئًا حلَ به، للمرةِ الأولى منذُ فترة بعيدة ترتجف عينيْه وتُسبِب ربكة فكيَها التي تزداد إصطداماتها ببعضها البعض، وقف وهو يضع يدِه اليسرى على جبينه من صُداعٍ يُداهمه ويُشتت رؤيته، خرج من الغرفة ليصرخ بصرخة هزَت أركان الشقة، تجمَعوا بأقل من الثانية إليْه، إقترب من أسامه ليُحيط رقبته بيديْه : تعرف مكان فارس؟ . . تعرفه
أسامة أختنق من قبضة يدِه دون أن يُجيبه بأيَ شيء،
رائد يرمي كل خططه بعرض الحائط من أجلِ إبنه : سليمان صح؟
أسامة بدهشة أتسعت عيناه من معرفة رائد به، لكمه حتى سقط على الأرض، سحبه ليلكمه بشدَة مرةً أخرى، دفعه بإتجاه الجدار ليسحب قميصه ويضربهُ مرةً أخرى، رفسَه على بطنه ليُثير غثيانه : تكلَم لا أقسم بالله أدفنك بمكانك!!
أسامة والدماء تنزفُ من كل جزءٍ بجسدِه، بصعوبة نطق : ما أدري
رائد يرفسه بقوَة : أنا أبيك تدري . . إلتفت للواقفين خلفه . . جيب سلاحي
أسامة برهبة أحمرَت عيناه : ما أعرف شي صدقني
يمدَ حمد السلاح إليْه ليأخذه، صوَبه بإتجاه أسامة : عندِك دقيقة وحدة لو ما تكلمت ترَحم على نفسك
أسامة بضيق صوته : سليمان ذبحه
رائد لم يتردد ولا للحظة أن يضغط على الزناد، وجهه لساقِ أسامة، انطلقت الرصاصة لتنغرز به وتهتَز الجدران التي تُحيطه بصرخته الموجعة حد البكاء، صرخ بقوَة وعينيْه تجهشُ بالوجَع، أنحنى رائد إليْه بنبرةٍ لم ولن يجيءُ من يُشابه غضبها : والله لا أفقهكم بالتعذيب كيف يكون!! .. ولدِي أنا تذبحونه وترمون جثته !!! والله إن ما خليتكم تدعون على أنفسكم بالموت ما أكون رائد . . . والحين بتقولهم عن مكانه ماهو أنا اللي ولدي ينرمي على الطريق!!! وحسابكم جايْكم بالدور . . . . دخل لغرفته ليضرب الباب بقوَة حتى يغلقه، قبض على يدِه ليضربها على الجدار، صمَد لدقائق طويلة حتى أهتزَ جسدِه ببكاءٍ داخلي لا يقوى على الخروج، لم تحمله أقدامه ليجلس على ركبتيْه وهو يُغمض عينيْه ويضغط عليها بكفَه.
" يا عيون أبوك! يا عيونه كيف تتركني؟ " اشتدَت حُمرة عينيْه بحزنٍ لم يعتاده أبدًا، بحُزنٍ يُصيب قلبه ويقتلعه، أخفض رأسه بأنفاسٍ تحبس نفسها في صدره وتخنقه.
إلا أنتْ! أدفعُ للحياة كل شيء عداك، أبكِيك يا فارس لعُمرٍ كامل ولن أتجاوز أمرك، أرجُوك يالله ليقل أحدًا أنها مُزحة أو كُذبة، ليقل أحدًا أيَ شيء إلا موته، إلا موتي. ما كُنت أخشى بالحياة شيئًا عداه، فارس الإستثناء في كل شيء، أتوسَلك يالله لو كان كابوسًا أيقظني منه، أيقظني . .
أنهارت كل خليَة تسبحُ في جسدِه ولم يعد يفرق بين منامه ويقظته، جنَ جنونه مع إبنه. رفع رأسه للسقف وضحكاتِ إبنه تأتِ بصورة موجعة وكلماته الضيَقة تبحَ في ذاكرته " ماكذبت يا يبه يوم قلت نحنُ قومٌ يا إذا عشقوا ماتوا "
" بسم الله عليك يا يبه من الموت " تأتِ الحقيقة بسهامٍ حادَة لا تُقدَر قلبًا ثمَل من عشقه لإبنه، تأتِ بصورةٍ مُفجعة، لا أرضى بالعيش، بالحياة، بالدُنيا وعيناك لا تطلَ بناظريْها، كنت أوَد بأن تكون آخر شخص تراهُ عيني في إحتضاري، ولكنك ذهبت مُبكرًا ولم أراك، لم أراك يا فارس! كل شيء فيَ ينطق " الآه " و الوجَع، إني على بُعادِك لا أصبر وإني
على حُزني موعود، لو كُنت معي في ذروة جحيمي بهذه الدُنيا لقُلت إنني أعيشُ في الجنَة، أمَا الآن لو وضعوني بين مُسببات السعادة لعشت جحيمًا يحرق جسدِي دُونك.
يخترقه صوتُه مجددًا لتسقط دمعةً يتيمة على خدِه الأيسَر تكسرُ رجُلاً لم يكسره موت احد من قبِل ولم يكسرُه حدثًا هزَ بيته و عمله، يجيء صوتُه الضاحك " رائد : طبعًا كاتب قصة حُب . . عارفك ناقص حنان، فارس بضحكة عميقة : مغرقني بحنانك وش لي بحنان غيرك "
تسترجعُ ذاكرته صوته بكل الكلمات الضيَقة والواسعة بفرحها، يأتِ صوته قاتلاً لكل صبرٍ يحاول أن يثبت عليه.
ارتخى جسدِه بذبول، شحَبت ملامحه من مُحادثته في نفس هذا المكان ،
" رائد بغضب : أنقلع عن وجهي
فارس بإبتسامة : والله يا يبه صرت تنكر على الرايحة والجايَة! أحلف لك بالله أنك للحين أمي في بالك
رائد رفع عينه إليْه : وإذا أمك في بالي وش بتسوي؟ قلت لك أمك هذي مهي بصاحية حتى عقب هالسنين داخلة في مخي أعوذ بالله منها
فارس بضحكة منتصِرة : عاد قلبك ومالك سيطرة عليه

يتبع ,,,,
👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -