بداية

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -179

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي - غرام

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -179

رائد رفع عينه إليْه : وإذا أمك في بالي وش بتسوي؟ قلت لك أمك هذي مهي بصاحية حتى عقب هالسنين داخلة في مخي أعوذ بالله منها
فارس بضحكة منتصِرة : عاد قلبك ومالك سيطرة عليه
رائد : دبلت كبدي الله يدبل كبد العدو! . . قوم عن وجهي لا يجيك ذاك الكفَ اللي يثقفك بأصول الحب
فارس إتسعت إبتسامته حتى ظهرت أسنانه وهو يستفزُ والده بكلماته : عسل على قلبي يا أبو فارس لو تكفخني من اليوم لين بكرا
رائد : أنقلع لا والله . .
يُقاطعه فارس : ههههه وش فيك عصَبت؟ كنت أمزح بس شكل طاري امي يقلب قلبك
رائد : الا يقلب معدتي، الشرهة بس على اللي مقابلك
فارس : جرير وش يقول يبه . . يقول إن العيون التي في طرفها حور قتلننَا ثم لم يحيين قتلانا . .
رائد : الله يآخذك أنت وجرير قل آمين . . صدق فاضي ماعندِك شغل غير تحفظ بهالشعر اللي ماوراه الا النكد الله ينكَد على عدوَك
فارس بخبث : وش دعوى يبه! هذا أشهر بيت في الغزل مفروض تكون حافظه . .
رائد : ترى أمك ضاحكة عليك عيونها مهي حورآ . . هي فيها إنحراف
فارس غرق بضحكته ليُردف : ماشاء الله على الذاكرة اللي حافظة أصغر التفاصيل
رائد يحذف عليه علبة المناديل وهو يُخفي إبتسامته : قم وراك
فارس بضحكته التي تُشبه ضحكة والده : المُشكلة أنك أبوي
رائد بحدَة : أنا مشكلة؟
فارس بإبتسامة يقف ويقترب منه، قبَل رأسه ليبتعد خطوتيْن للخلف : بكون صريح معك، أنا أكره بعض تصرفاتك وأكره تحكمك فيني وأكره طريقتك بالتعامل مع غيري. . .
رائد يُعيد النظر للورق : أنقلع ما أبي أسمع
فارس بنبرةٍ صادقة : وترى ما أحمَلك ذنب شي! الصالح لو بأسوأ المجتمعات بيضَل صالح والفاسد لو بأحسن المجتمعات بيضَل فاسد . . ما أحمَلك شي يا يبه، لأن الله بيحاسبني على أعمالي ماراح يحاسب أحد ثاني، وأكبر مثال أنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم! أكيد ماراح يحاسب الله الرسول على عمه! محد يشيل ذنب الثاني! أغلاطي هي من نفسِي مو منَك . . ومهما تصرفت وقلت بس لو يخيَروني عُمري ماراح أنفصل عنك . . ولا راح أرضى إني أعيش بعيد عنك . .
رائد يرفع عينه : وش مناسبة هالكلام؟
فارس : أنت سألتني ليه أنت بالنسبة لي مُشكلة؟
رائد : ما فهمت!!!
فارس بعلاقته الحميمية التي لا تهتَز مع والِده أبدًا : المُشكلة إنه حُبي لك يتناقض مع حُبي لعبير . .
رائد عقد حاجبيْه : ليه ؟
فارس بإبتسامة يبلع بها ضحكتِه على ملامح والده : أحبني لأني ولدِك
رائد بضحكة وقف مقتربًا منه : صحيح ؟
فارس أطلق ضحكته ليُردف : و أحب عيوني لأنها تشبهك
رائد غرق بضحكتِه : يا سلام على الغزل الصريح!
فارس بعينيْه التي تُشاركه الطرب والبهجة على الكلمات : و الحمدلله إنك أبويْ حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه
،
وقفت بإتزان أمامها، ومن داخلها تحترق من وجودها معه بين 4 جدران وسقفٌ يشهد عليهما، وأنا يا عزيز؟ أنا التي يشهدُ على حُبي لك أربعة، قلبي المرتجف و عينيَ الذابلتيْن، و صوتِي الضيَق و جسدِي المرتعش، لكَ حُكمهم يا سُلطانًا أتخذ من صدرِ أنثى عرشًا، لكَ مُلكهم يا رجلاً أستوطَن قلبًا أُرسِل إليْك، تركت قلبًا وضع في طريقك منذُ زمَن والآن أدفعُ ثمن الطريق الذي سلكته، أُنافس الحياة بِك بعد أن كُنت لك حياة، يسرقوني مِنك! وأنا وحدي التي أُحبك.
أثير بإبتسامة ناعِمة ترسمُ على ملامحها الباذِخة بجمالها : تفكرين كيف أبعد عن طريقك؟
رتيل أخذت نفس عميق لتُردف : أدعي الله كثير إني أنا اللي أبعد عن طريقك!
أثير بضحكة مستفزة : بالمناسبة، عزوز حبيبي قالي كلمة أمس وأشغلت بالي كثير أظنها تهمَك
رتيل بلعت ريقها بصعوبة وهي تُجاهد أن لا تفلت أعصابها منها.
أثير بدلع : قالي نفسي هي أنا حياتي اللي مستحيل يقاسمني فيها أحد حتى لو كان جزء من هالحياة . .
رتيل شدَت على شفتِها السفلية بأسنانها حتى لا ترتجف ، أثير تُكمل : أظن غلطتي بكلمة نفسك او شكلك فاهمتها غلط بقاموس عزوز
رتيل شتت نظراتها لتُعيدها بإشتعالهما لعينيَ أثير، بحركةٍ خافتة تراجعت أثير للخلف خطوتيْن من نظراتها التي شعرت وكأنها تُجلدها.
إن كنت تخاف من أحدٍ يا عزيز يجب أن تخاف من المرأة إن اشتعلت غيرتُها، الرِجال أسلحتهم واضحة أما النساء لهن جيوش سريَة إن اندلعت لن يقف بوجهها أحدٍ، النساء اللاتي أسقطن حكومات لم يستطع رجلٌ واحِد أن يقمع جزءٍ منها، هؤلاء النساء يجتمَعن في مرأة واحِدة ويُعينها الشيطان بكيدٍ عظيم إن أشتدت غيرتها، فقط استفز غيرتها وسترى الجحيم بعينه.
أثير بلعت ريقها من نظراتِ رتيل الغريبة والمُخيفة بنفس الوقت، شتت نظراتها لتُردف بتوتر أتضح على صوتها عطفًا على أن عبدالعزيز خرج ولا تستبعد أن تفعل رتيل بها شيئًا مجنون : وأسألي عبدالعزيز إذا جاء . .
نطقت إسمهُ دُون دلع حتى لا ترتكب بها جريمة، رتيل أقتربت أكثر بجسدِها إليْها وبإبتسامة تُخفي معانٍ كثيرة : كنت أبيك تتفاجئين باللي راح يصير، بس راح أعلَمك كيف تدفعين ثمن أغلاطك معي!
أثير : تهدديني؟
رتيل بحدَة : إيه أهددك . . أتقِ شرَي يا أثير لا والله أطلَع حرَة عبير وأبوي وعبدالعزيز فيك
أثير أخذت نفس تُعيد به توازنها : في بيتي وتهدديني بعد؟ أنا والله اللي لازم أقولك يا غريب كُن أديب
رتيل ضحكت بسخريَة لاذعة : ما أحتاج أعيد لك نفس المنوال كل يوم . . لا تحاولين تعوضين نقص ثقتك بعبدالعزيز بترديدك لحكي أنتِ تعرفين أنك تلعبين فيه على نفسك! يكفي عيونه اللي تفضحه مهما حاول يبيَن لك . . مفهوم؟
أثير : الله العالم مين يعوَض نقصه!
رتيل إقتربت لتشتعل نظراتها بغضبِ الغيرة : أبعدي عن طريقي
أثير غرقت في عينيْها لتُردف بعد صمتٍ لثواني : وإن ما بعدت؟
رتيل : فيه شي ما تعرفينه عنَي! ضميري ميَت وأسألي عبدالعزيز عنه، هو بنفسه شهد عليه أول ما جاء الرياض!
أثير تراجعت لتأخذ حقيبتها وهاتفها : طبعًا راح أسأله وأبلغه بتهديدك الحلو . . . خرجت لتضرب الباب بقوَة، رمشت عينيْها لتسيل دمعة حارقة على خدِها الأيمن، أخذت العلبة الزجاجية الموضوعة على الطاولة لترميها على الحائط وهي تصرخ بغضب يندمج مع بكاءها : حقييييييير! . . حقيييير . . . جلست على ركبتيْها، اخفضت رأسها ببكاءٍ صبرت عليه كثير. وضعت كفيَها على إذنها حتى لا تسمع صوتُ قلبها المرتجف، كيف أصمَ سمعي عن قلبي؟ أكرهك وأنا كاذبة، سأُرددها حتى أصدَقها مثل ما صدَقت مسألة أثير، سأصدَقها يومًا وأكرهك يا عبدالعزيز.
يُتبع
،
بغضبٍ، بحُزن، بحسرة و حقد ينظرُ إليْه، لستُ على قيد الحياة ولا التُراب يدثَرني، إني مُعلَق منذُ أن غابوا! كيف أستطاع قلبك أن يفعلها بيْ وأنت أبْ؟ تُدرك معنى أن تكون وحيدًا، كيف قدِرت أن تُحزنَي بهذه الصورة؟ وأنا ناديتُك " يبه " من يُشفي علَتي؟ من يُساعدني على الوقوف مجددًا؟ ألم تشفق عليَ؟ كنت أستيقظ في بيتك كل يوم وأنا قلبي يمرض بهم! كنت أراك وعينيَ تحترق ببكاءٍ محبوس! ألمْ تُخبر نفسك بضرورة معرفتي بلقاءِها؟ كيف أستطعت " يا أبوي يا أبو سعود . . يا أبو زوجتي "
من يُسكِن حرارة القهر المندلعة فيَ؟ من يُضمَد جراحِي؟ من يقرأ على قلبي حتى يطمئن؟ من أجل الله كيف لم ترحمني سنة كاملة؟ من أجله كيف لم تُخبرني في وقت كنت تراني به أتلهف لذكرى تمَر على بالي، كيف تؤذيني بهذه الهيئة المتطرفة؟ في داخلي إستفهاماتٍ موجعة لا يُخمدها جواب، لا يُخمدها والله سوى الموت.
عبدالرحمن الواقف ومن خلفِه أرضٍ خضراء واسعة : أجلس
عبدالعزيز : ليه تسوي فيني كذا ؟
عبدالرحمن بقلة حيلة : أجلس يا عبدالعزيز
عبدالعزيز عقد حاجبيْه بضيق : ليه؟
عبدالرحمن بضيقٍ أشد : عبدالعزيز
عبدالعزيز : لا تقول إسمي . . أبي أنسى إني عرفتك
عبدالرحمن يقترب منه ليبتعد عبدالعزيز بخطواته : ما كان بإيدنا شي ثاني
عبدالعزيز بصراخ أوجَع قلب عبدالرحمن : كل شي ماهو بإيدكم! سرقتوا حياتي، قابلت ناس أحلف بالله ما تخلَون عيالكم يقابلونهم . . طيَحتوني من ورطة لورطة . . دخلت غيبوبة و رجعت وأنكسرت و طحت في المستشفى ألف مرَة . . . و عشت بأرق لفترة طويلة . . . وأستخسرتوا تقولون روح لأختك . .
أعتلت نبرتِه مرةً أخرى : هذي أختي! خليت أختي سنة وأكثر بروحها . . . من أيش مخلوقين؟ قولوا لي اللي بداخلكم قلب ولا حجر ؟ . . والله لو إني يهودي ما تسوون كذا! . . كِذا تعاملون ولد سلطان العيد . . كِذا تعاملون شخص ما قد جاب سيرتكم بأيَ شي شين . . كِذا تسوون مع شخص خسر نفسه عشان شغلكم! . . أنتم من أيش؟
عبدالرحمن شتت نظراته : ما كنَا نعرف أنك ماتدري بالبداية
عبدالعزيز : طيب وعرفتوا! . . ليه ما تكلمتوا؟ والله العظيم لو أشتغل عندكم عبد رضيت بس عشان واحد من أهلي يرجع لي . . وأنتم بخلتوا عليَ! بخلت يا يبه
نظر إليه عبدالرحمن بضعف حقيقي من كلمته الأخيرة : عبدالعزيز . . بس أسمعني لين الآخر ولا تقاطعني
عبدالعزيز وعينيْه بدأ الدمعُ يتراكمُ بها : ما أبي أسمع . . بس قولي وين غادة؟ . . ارحم قلب ما بقى منه شي وقولي وينها
عبدالرحمن : عبدالعزيز أرجوك
عبدالعزيز لم تحتمله قدماه ليجلس، وإنكساراتِه تُعاد عليه هذه الفترة بألم وحشرجة روحٍ مُتعبة : وينها! . . يكفي اللي سويتوه فيني! تذكر أول ماجيت الرياض وش قلت! قلت لك لا بغيتوا تنحرون روح لا تعذبونها! . . وأنتم قتلتوا فيني أعظم شي . . قتلتوا فيني الحياة
عبدالرحمن لم يحتمل إنهيار عبدالعزيز ليخونه الثبات/الإتزان، أحمرَت عيناه بضعف : أقسم لك بالله أننا بالبداية ما كنَا ندري . .
عبدالعزيز رفع عينه للسماء برجاءٍ صادق : يارب رحمتك
عبدالرحمن : لا تسوي في نفسك كذا وتوجعني عليك . . تكفى يا عبدالعزيز لا تسوي كذا
عبدالعزيز بإنهيارٍ تام ينظرُ إليْه : يوجعك إني أموت؟ ما ظنتي! ما هزَني شي في هالحياة كثر ما هزَني موتهم وما أوجعني شي كثر ما أوجعني إني أنخدعت فيكم!
عبدالرحمن : فيه أشياء نكون مجبورين عليها والله العظيم نكون مجبورين . . أفهم هالشي يا عز
عبدالعزيز : لو كان أبوي عايش كان راح تتجرأون تتصرفون مع ولده بهالطريقة؟ . . . . أنتم تصرفتم كذا لأن ما عاد لي أحد ولمَا عرفتوا بوجود غادة قلتوا ما يصير! . . قلتوا ما يصير يعيش . . لازم يموت بحزنه وضيقه . . . حسبي الله . . حسبي عليكم ضعف اللحظات اللي حلمت فيها وخفت عليها . . حسبي عليكم بضعف الدقايق اللي راح فيها عنَي النوم . . . . . حسبي عليكم كثر ما أوجعتوا قلبي
عبدالرحمن يجلسُ على الأرضِ بجانبه : يا بعد الدنيا يا عبدالعزيز أسمعني. .
عبدالعزيز بهمسٍ خافت يبحَ معه صوته : وينها؟ . . قولي مكانها . . . قولي ما عاد أبي شي منكم بس قولي وينها! لا تحرقون قلبي أكثر من كذا! ما سمعتوا بناس تموت من حزنها؟ . . لا تذبحوني وأنا ما شفتها!
عبدالرحمن تلألأت عيناه بالدمع، أشدُ موقفٍ يواجهه منذُ زمنٍ بعيد، إنكسار الرجال تحديدًا يزيدُ من إنكساراته، إنكسارُ عزيز بالذات هو إنكسار الرجال بأكملهم، نظر إليْه وهدبيْه يرتجفان بشحُوب : بتشوفها
عبدالعزيز بخفُوت : كيف قوَى قلبك؟ يرضيك تعيش اللي عشته مع وحدة من بناتك؟ بنتك غابت بس كم يوم وقلبت الدنيا وضاقت بك! وأنا تاركني سنة وأكثر بدونها؟ . . يا قوَ قلوبكم! كيف قدرتوا تنامون؟ كيف كانت قلوبكم مرتاحة؟
عبدالرحمن : جانا خبرها في وقت ما نقدر نتصرف فيه بأيَ شي . . كان خطر أننا نكشف حياتها لأحد خصوصًا في ذيك الفترة
عبدالعزيز بحزن العالم الذي يختصرُ نفسه بصوته، بعذابٍ الحرُوب والمعارك، بوَجع المرضى و الثكالى، ببحَة المُشتكين و الحُزانى : وش خسرت؟ ما خسرت شي بس اللي خسر هو أنا! احترقت بأحلامي وأنا أنتظر صوت واحد من أهلي! وأنا أنتظر جيَتهم! عشت أيام عُمرك ما راح تحسَ بوجعها، كنت أصحى وأنا أحس موتهم حلم! كنت أصحى وأنا أتخيَلهم في كل جهة ألتفت عليها . . كانت كوابيسهم تكبر فيني وأنا أنتظر متى يروح هالكابوس؟ . . جلست شهور وأنا تعبان من حزني! ويوم تجاوزته وآمنت بأنهم رحلوا! طلعت غادة هنا . . عاشت شهور وأيام وأنا ماني عندها . . .
بصراخ : حرام تكون أبو! وأنت ما فكَرت حتى بأني أخوها اللي محترق عليها . .
عبدالرحمن ببحَته التي تتضح على صوته : كان ممكن لو عرفت هي تروح فيها! كنَا مضطرين نخبي عليك لين يجي وقت مناسب نقولك فـ
يُقاطعه بغضب : متى الوقت المناسب؟ أنا لو ما عرفت الحين كان ما قلتوا لي؟ على الأقل أعترفوا أنكم أذنبتوا! . . بس مهما استغفرتوا لحزني والله لا يضيَع حقي يوم القيامة
عبدالرحمن بدهشة : لا تفكر بهالصورة
عبدالعزيز بحدَة : تبيني أفكر بنفس طريقتك وأتصرف مثل ما تبي! تبوني الشخص اللي ما يفتح فمه بشي وينفذ الأوامر؟ . . بس مهما سويتوا مستحيل أكون بهالهيئة!!! . . راح تدفعون ثمن اللي سويتوه فيني طول هالسنة والنص . . . راح احرقكم مثل ما حرقتوني . . راح احرقك ببنتِك . .
عبدالرحمن : لا تنتقم بأغلاطي من بنتي، أنتقم مني
عبدالعزيز بكلماتٍ أوجعته : ليه ما قلت هالحكي مع غادة! وش ذنبها هيْ ؟
عبدالرحمن : ذنبها أنها بنت شخص يدورون عليه ناس كثير ويتصيَدون له ناس أكثر
عبدالعزيز بحدَة : ورتيل بنت شخص ضيَع لي حياتي
عبدالرحمن تنهَد بوجَع : سامح
عبدالعزيز : مثل ما ضميركم مات وانا ضميري مات
عبدالرحمن : عبدالعزيز لا تسوي شي برتيل
عبدالعزيز : جيت متأخر
عبدالرحمن بغضبٍ لم يسيطر عليه : إلا رتيل . . إلا هي يا عز
عبدالعزيز : شفت! شفت كيف تخاف عليها حتى مني . . بس ما خفت على أختي اللي من لحمي ودمَي من . . . . أصلاً مافيه أحد معها . . مافيه!!
عبدالرحمن : كانت بالحفظ والصون، كان معاها مقرن
عبدالعزيز بهدوء أنفاسه التي تموت بداخله : وينها؟ ارحم حالي وخلني أشوفها . . ما تركت مكان بباريس مادوَرت فيه عليها . . من الصبح وأنا أدوَرها . . واللي يرحم بناتك وينها؟
احمَر وجهُ عبدالعزيز بالبكاء المحبوس لتلتقط عيناه عينيَ عبدالرحمن اللامعتيْن بالدمع، عبدالرحمن : معاها ناصر
عبدالعزيز إبتسم بخيبة عظيمة : ادري! . . حتى ناصِر اللي ماتوقعته يوجعني أوجعني! . . وش بقى ما صار ليْ؟ قولي بس وش بقى؟ . . . أنا لو أموت محد بيتعجَب! أصلاً بيتعجبون كيف للحين عايش!
عبدالرحمن بصوتٍ راجٍ : عبدالعزيز
عبدالعزيز بإبتسامة شاحبة : موجعتني أشياء كثيرة . . لدرجة أدعي على نفسي وعلى إسم عبدالعزيز اللي ارتبط بأبوي . . . . . تمنيت كثير لو كنت رايح معهم ليلة الحادث! تمنيت والله إني ما عشت الى اليوم! . . تمنيت إني ما عرفتكم ولا شفتكم! تمنيت إني ما صحيت من الغيبوبة . . تمنَيت إني ما هربت من رائد . . تمنَيت إني أموت بدون كل هالتعذيب . . تمنَيت أموت من حادث بس ما أموت من حرَتي على نفسي
عبدالرحمن : بكرا بتعرف أنه كل هذا خيرة
عبدالعزيز : وحزني خيرة؟ حزني اللي مخلي حتى ناصر يخونني بمعرفته وهو الشخص الوحيد اللي بكيت قدامه؟ هو الشخص الوحيد اللي تركت فيه كبرياءي وماحبست دمعة وحدة قدامه!
عبدالرحمن : كلنا نغلط، ممكن أشياء بنظرك صحيحة غلط بنظرنا وممكن العكس
عبدالعزيز بغضب : وين الصح بأنك تحرق قلبي بأختي؟ الله لا يسامحكم ولا يحللكم . . الله يحرق قلوبكم مثل ما احرقتوا قلبي
عبدالرحمن بوجَع من دُعاءه المؤذي لقلبه : وإحنا يا عبدالعزيز ما عشنا بالسعادة اللي متوَقعها!! إذا أنت خسرت أهلك إحنا خسرنا وإلى الآن نخسر . . لا تسوي في نفسك كِذا ولا تتعبنا بكلامك . . لا تتعبنا يا عبدالعزيز
عبدالعزيز : تعرف وش ندمان عليه؟ ندمان على اللحظة اللي كشف فيها فارس عن نفسه قدامك وتزوَج بنتك بإسمه الصريح،
بحقدٍ عميق يُردف : كنت بكون أسعد الناس لو تزوَج على أساس أنه مشعل وقدرت أخدعك فيه . . صدق كان بوقتها نيَتي إني أخدعك عشان يخدمني فارس بموضوع رائد! لكن كانت بتتغيَر أفكاري وأخلي خدعته لك إدانة للي سويته بحقي
تجمدَت حواسُه من الصدمة التي يُلقيها عليه عزيز، كان يعرف انَ مشعل هو ذاته فارس منذُ ان رأى فارس في ذلك اليوم البائس ولكن لم يتوقع ولا 1٪ أنَ عبدالعزيز يُساعده بهذه الطريقة.
عبدالعزيز وقف ليبتعد للخلف مُهددًا : أنسى إنه عندِك بنت . . مثل ما نسَيتوني غادة . . . ولا تقولي وينها! ماراح أستغرب أصلاً . . بتضلُون أكثر الناس دناءة بعيوني . .
في جهةٍ اخرى وضعت ظهرها ضيْ على الجدار ويدَها على شفتيْها المرتجفتيْن، ودموعها لا تهدأ، موجوعة من إنكسار عبدالعزيز الذي لم تشهد على إنكسارٍ بهذه الطريقة المؤذيَة لروحها، رُغم أنها لم تعرف عبدالعزيز جيدًا ولكن منظره وصوتُه الحاد يُزلزل أعماق كل من يسمعه، ولا تطيق أيضًا أن ترى عبدالرحمن بهذا الضعف، ماذا يحدُث يالله؟ كل شيء بيومين أنقلب رأسًا على عقب!!
،
يجلسُ بجانبها في المقاعد الثابتة أقدامها فوق الرصيف، لا كلمات تعبرهما ولا صوتْ يجيء بهما، تغرق بالطريق الذي يسلكه المارَة بهرولة وأخرى ببطء، تغرق بتأملاتها وهي تُفكر بالحياة التي تنتظرها بعد هذا اليوم، بالحياة التي ستلتفت عليها! أنتمي إليك يا ناصر، رُغمًا عنَي أنتمي لقلبك، علَمني كيف أتجاوزه الآن؟ أتعلقُ بك في وقتٍ تحتضرُ به الأشياء بيننا! أتعلقُ بك في وقتٍ تبتعد به عنَي، متى ستصِل الرسالة التي قُلت لي أن أنتظرها؟ متى سأنظُر إليْها وأقرأها؟ رُبما هي وحدها من ستهرُم معي؟ من ستنام معي، رُبما هي وحدها التي تُحقق أحلامنا بالكلمات، أُريد أن احبك يا ناصر، أن أحبك بمثل الشدَة التي سبقت الحادث، أُريد وبشدَة أن أعشقك بطريقةٍ جنونية لا تُحبطها ذاكرة ولا نسيان، حزينة من الحياة والناس، حزينة لأن لا شيء يستقيم وضلعي أعوَج!
إلتفت عليها وهو يدخل كفيَه بجيوبه : بردانة؟ نقوم؟
غادة دُون أن تنظر إليْه : أقدر ازور ناصر؟
وليد بكذبٍ لا يتردد به : لا، ممنوع زيارته
غادة بضيق : طيب ما قالك شي ثاني؟ شي يتعلق فيني؟
وليد تنهَد : لا، قالي بس أوديك السفارة عشان يتصرفون وترجعين لأخوك قبل لا تطول مدتِك هنا
غادة : حتى عبدالعزيز مو قادرين نوصله!!
وليد : ما أبي أحبطك بس لا تتأملين بناصر كثير . .
إلتفتت غادة عليه بإستغراب : ليه؟ . . ناصر ما ذبحه كان يدافع عن نفسه و
يُقاطعها بهدوء : بعيونك يدافع عن نفسه لكن ممكن ما شفتيه! . . لاتخلين الحب يعميك
غادة تجمدَت ملامحها والبياضُ يخرج من شفتيْهما برجفة : مستحيل! ناصر ما ذبحه بتعمد
وليد : وأنا كنت أقول مثلك، لكن يوم رحت آخر مرَة أتضح أنه متعمَد . . مستحيل يطلع من القضية وكل الأدلة تشهد ضده . . مافيه ولا دليل واقف معاه الا شهادتِك!! . . وأنا أخاف عليك يا غادة . . والله العظيم أخاف عليك
غادة هزَت رأسها بالنفي، لا تُريد أن تصدَق شيئًا من حديثه لتُردف : مستحييل . . تعرف وش يعني مستحيل!!
وليد : ما أبي الا إنك ترجعين لأخوك سالمَة . . وراح أحاول قد ما أقدر إنك توصلين لعبدالعزيز بأسرع وقت
غادة بضيق غاضب : وش صار يوم رحت؟ فيه شي صاير مو راضي تقوله ليْ!!!
وليد : ولا شي . . كلمت ناصر وجيتك
غادة أخفضت رأسها لتجهش عينيْها بالبكاء : صرت أخاف على نفسي من هالبكي . . أخاف من هالضيقة اللي تجيني، مافيه شي أوجَع من إنك تجهل نفسك؟ نفسك اللي هي ذاكرتك! . . أبي أتذكر أشياء كثيرة بس ماني قادرة لكن قلبي يتذكَر، أحس فيه يا وليد . . أحس إني أعشقه . . أعشقه حد الجنون . . . كيف يرجع ليْ؟ أبي ناصر يكون بخير
وليد عقد حاجبيْه بضيق : وهو بخير . . إن شاء الله بيكون بخير
غادة مسحت على ملامحها لتُردف ببحَة موجعة تُشبه بحَة أخيها : يارب
،
نظر إليْه بحاجبٍ مرفوع من صوته الذي يرتفع بغضبٍ لا يراه مبررًا : في القضاء مافيه أمي ولا أبوي يا يوسف!!
يوسف بقهر : فتحتوا قضية مسكَرة وقلنا معليه لكن الحين بعد بتتهمون الناس وتجيبون المصايب فوق راسي!!!
والده : وين المصيبة بالضبط؟ المصيبة أننا نعرف الحق؟
يوسف يفيضُ قلبه بالضيق : مو على حسابي يا يبه
والده : ليه تدافع بهالطريقة وكأنك تعرف شي؟ . . إذا أمها غلطانة خلها تتحاسب
يوسف بغضب : أم زوجتي! تعرف يا يبه وش يعني أم زوجتي؟ كيف أرضى أنها تتحاسب وأجلس أحط يدي تحت خدي أنتظر حضرتكم متى تحترمون قدر هالناس بحياتي! إذا أمها ما تعني لكم شي فهي تعني لي
منصور تنهَد : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه
والدته : تعوذوا من الشيطان لا تتهاوشون وتكبرَون الموضوع
يوسف إلتفت لوالدته : يعني يمه وش أسوي؟ واقف بين نارين بين اللي مفروض يهتمَون لحساسية هالموضوع بالنسبة لي وبين مُهرة
والده : يا يوسف يا بعد روحي أنا فاهم وضعك بس هالموضوع حساس بالنسبة لموضوع أكبر منه، تو اكتشفناه والحين مضطرين نكمَل تحقيقات . . هالشي مو متعلق بقضية فهد وبس! هالشي متعلق بقضايا كثيير
يوسف : يعني تبي أمها تدخل بين الرجال عشان تعيد لهم نفس الحكي اللي قالته بالبداية؟
صمت والده قليلاً حتى أردف بضيق : خلاص ماراح يصير الا اللي بخاطرك! تجي هنا والبيت بيتها . . أنا بنفسي بحقق معها بدون شرطة ولا شي
والدته بإبتسامة تنظرُ ليوسف الغاضب : شفت . . هذانا حالَيناها! يالله هوَنها ولا تضيَق صدري عليك
يوسف صمت كثيرًا مع حديث والدته حتى نظر لوالده ونطق : وبتحلَها مع الضابط؟
والده : تطمَن علاقاتي معهم قويَة
أتاهُم صوتها المبتهج : سلااااااااام
إلتفتُوا جميعهم، لتتسع إبتسامة والدها : وعليكم السلام حيَ هالطلة
تقدَمت هيفاء إليه لتقبَل رأسه ويدِه : الله يحييك، سلَمت على منصور الذي عانقها بشدَة : أشتقنا لك
هيفاء : واضح! أنتم زين ما نسيتوني
منصور : والله أننا مشتاقين لك، بس ماش دايم ظالمتنا
هيفاء قبَلت والدتها بحميمية كبيرة لتنظر ليوسف الذي وقف لها، طبع قُبلته بالقرب من عينيْها في عناقٍ لا يليقُ إلا بهما : شلونك ؟
هيفاء : بخير الحمدلله . . نظرت إليهم لتُردف . . وش فيه جوَكم مشحون؟
والدتها: اجلسي لا مشحون ولا شيَ . . قولي لنا أخبارك
والدها : فيصل نزل؟
هيفاء : لآ قال عنده شغل بس بيجي بعد شويَ ويشوفكم . . إلتفتت لوالدتها . . أنا الحمدلله أخباري عال العال . . أنتم بشروني؟ وش مسوين ؟
والدها وتعانق أصابعه سبحته : والله البيت فاقدك . .
هيفاء بإبتسامة شاسعة : عرفتوا قيمتي
والدتها تضربها بخفَة على كتفها : ليه في أحد كان مقلل قيمتك؟
هيفاء بضحكة :وناسة كل يوم بجيكم اذا بتستقبلوني كذا
يوسف وقف : عن إذنكم . . خرج بهدوء ليُثير علامات الإستفهام بعينيَ هيفاء
: صاير شي؟
منصور : متضايق شويَ من قضية فهد أخو مهرة
في جهةٍ اخرى صعد بخطواتٍ ثقيلة للأعلى، وقف امام باب غرفته كثيرًا وهو يسحب هواءً تستجيبُ له أعصابه فترتخي من هذه الشدَة، فتحه بخفُوت لتقع عيناه على جسدِها المستلقي على السرير دُون غطاءٍ، أغلقه ليقترب منها وملامحها الباكية نائمة بهدوء، بضيق حاجبيْه أخذ الفراش ليُغطيها جيدًا، أبعد خصلاتها المتمردة عن ملامحها لينحني عليها بقُبلة بين حاجبيْها، بقُبلته فتحت عينيْها المتعبتيْن، شعرت به من نومها الذي لا يتعدَى بخفته أيَ عُمق، جلس بجانبها ليُشتت نظراته بعيدًا بِـ هَمٍ يُثقل على كتفيَه.
مُهرة بضيق أستعدلت حتى تجلس، وقفت لتهرب من وجودِه بجانبها، راقبها حتى دخلت إلى الحمام، بللت ملامحها المرتجفة بالحُمرة بماءٍ بارد، نظرت للمرآة التي تكشف حزنها من عينيْن لامعتيْن.
لم يكُن موتُك عاديًا يا فهد! تمرَ سنَة ومازال موتُك يستثير حزننا في كل لحظة، لو كُنت هنا لمَا أخذوا أمي! لو كُنت هنا لما بكيْت الآن، أخطأت! أخطأت باليوم الذي أحببته فيه وهو سيبقى ينظرُ إليَ بنظرة أختُ فهد الذي تورَط بقضيته أخيه، لو كان بإمكاني الآن أن أكرهه لمَا ترددت لحظة، لو بإمكاني أن أصرخ بوجهه حتى لا يجيء بسيرتك، لفعلت يا فهد. ولكنني لا أستطيع، لا أقدر! يقف كالغصَة بداخلي لا أتجاوزها ولا أعود للوراء، في كلا الحالتين أنا واقفة بالمنتصف، بين قلبي وعقلي، أشعرُ وكأنني أعيشُ بقاعٍ من الجحيم، لا يفهمون معنى أنَ الذي مات هو أخي وليس أحدًا من الشارع حتى لا يهتمَون بمشاعرنا! نحنُ الذين نبكِيك إلى اليوم لا ندرَي في أيَ جسدٍ نحتمي.
سحبت منديلاً لتُجفف وجهها، خرجت دُون أن تنظر إليه في وقتٍ كان ينظرُ إليْها ولتصرفاتها التي تعبَر عن هروبها منه وصدودها، جلست على الأريكة وهي تُعطيه ظهرها.
بصوتٍ متزن : كلَمت أبوي وماراح تروح أمك مكان غير بيتنا . . أبوي بنفسه هو اللي راح يكلَمها
مُهرة بضيق : زين حسَيتوا أننا ناس ولنا مشاعر
يوسف : محد أهانك ولا أهان أمك يا مهرة!! هالموضوع مثل ماهو حسَاس بالنسبة لك فهو حسَاس للقضية اللي تهمَ الكل

يتبع ,,,,
👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -