بداية

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -82

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي - غرام

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -82

بإبتسامة بادلتها الأربعينة : رحلة موفقة.
نواف أخذ كتابه مُجددًا ولكن هذه المرة تركه على الطاولة و يقرأه وهو منحنِي بظهره
أفنان أنتبهت لهاتفها ردَّت على والدتها : يا هلا
والدتها : هلابك ، شلونك يمه ؟
أفنان : بخير الحمدلله أنتِ شلونك ؟
والدتها : بخير الله يسلمك ، كنت نايمة يوم أتصلتي
أفنان : كنت بطمنك الحين بروح لكَان بنجلس كم يوم بعدين نرجع لباريس
والدتها : ومين معك ؟
أفنان بتوتُر : آآآ .. ضي .. صديقتي ضي معي
والدتها : إيه زين لا تروحين بروحك أنتِي بديرة كفار يخطفونك بسهولة
أفنان أبتسمت : لآ ولا يهمك فيه رقابة علينا و المُشرفين ماهُم مقصرين
والدتها : الحمدلله ،
أفنان : شلون أبوي أتصلت عليه أمس وجواله مغلق
والدتها : والله مدري عنه هو واختك وراهم علم
أفنان : وشو ؟
في صباحٍ روحانِي ، يرتعشُ البيتْ بصوتِ القارئ ياسر الدوسري ، في المطبخ تلفّ ريم السمبوسة وبجانبها هيفاء ومُقابلهم نجلاء تلفُّ ورق العنبْ
بإبتسامة عذبة : هذا أول رمضان مع منصور
هيفاء : يجيب الله مطر بس
نجلاء : أحسه هالمرة غير بجِد
هيفاء بطنازة : وش رايكم تحتفلون ؟
نجلاء : أنتِ وش يفهمك ؟ ماتعرفين قيمة البدايات ، يعني أول رمضان أول عيد أول كلمة أول ..
قاطعتها هيفاء : لاتجيبين العيد بس
نجلاء ضحكت لتُردف : ربي يحفظه ويخليه ليْ
: آميين ،
ريم : صدق نجول متى ولادتِك ؟
نجلاء : نهاية رمضان بس يارب بعد العيد
سمعُوا أصواتٍ تتعالى ، أنتابهُم الخوف .. و جبينهُم يتعرجُ بخطوطِه المُستغربة ، خرجُوا لمنتصف الصالة.
منصُور : إذا أنت منت كفو وقادِر ليه تتزوجها ؟
يوسف ببرود : أنا كفو وقادر لكن هي طلبت وأنا ماأجبر أحد ، بكيفها تنقلع لحايل ولا لأيّ زفت !! مالي دخل فيها ولا أحد له دخل
منصور : مراهق أنت !! الطلاق عندك لعبة ،
والِده مُقاطعًا : أنا ماأرضاها على بناتي يتطلقون بهالصورة ! تبيني أرضاها على بنت الناس ؟
يوسف تنهَّد : هذي حياتي .. *نطق الكلمات ببطىء شديد* حياة مين ؟ حيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــاتيْ !! ولحد يتدخل فيها ماني بزر تحركوني مثل ماتبون !
والِده : لآ بزر دام بتتصرف بهالطيش أكيد بزر
يُوسف : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه
والدتهُم : اللهم أننا صايميين بس ، تعوذ من الشيطان لايضحك عليك أبليس
يوسف : أبد الشياطين ماهي حُولي اليوم !! قراري مآخذه بتفكير وبعقل
والده : حشا والله منت مطلقها وهي مالها أهل
يوسف بسُخرية ممزوجة بغضب : واللي بحايل حاشية سموَّها ؟
والده بحدة : أحفظ لسانك ولا ترفعه عليّ
يوسف جلس وهو يتنهَّد : لو سمحتُوا أطلعوا من السالفة !!
والدته : طيب فكِر ، صلِّ إستخارة .. حرام والله حرام اللي قاعد تسويه بنفسك
يوسف : مالله أراد يتم هالزواج ! يعني وش أسوي ؟ أكيد خيرة ومهي نهاية الدنيا ، تروح تشوف حياتها وأنا أشوف حياتي
والدته: إلا نهاية الدنيا أنا عندي الطلاق نهاية الدنيا ، بكرا ربي يعاقبنا في خواتك
يوسف : وش يعاقبني ! يمه الطلاق حلال وش فيكم أستخفيتوا كأني أكفرت
منصور : يوم طقيت الصدر وقلت بتزوجها كان لازم تفكِر ماهو تتزوج إستهبال يومين وبعدين تقول بطلقها !! أنا كان ممكن أتزوجها ولا هبالك هذا !!
بعيدًا عنهُم ، توجهت أنظارهُم لنجلاء الواقفة بينهُم ، شعرَت بغثيانْ وهي تسمعُ منصُور يقول مِثل هذا الكلام ، أرتعش قلبها بغضبْ و ألم .. أنسحبت من بينهم صاعِدةً للأعلى والقهرُ يفيض.
،
أسفَل فُراشَها ، كحلها مُسالٌ كغجرية بعينيْها هذه ، جسدِها مُرهق تشعُر بأن لا قُدرة لها على الوقوف ، مُتعبة وبشدة .. حد أنَّها مُتضايقة من الشمس المُتطفلة ولكن لا طاقة لها تجعلها تتجه لنافِذتها وتُغلق الستائِر.
هذا أول رمضان تبدأهُ بهذه الصورة ، كان يجب أن تستشعر بروحانيته من أولِ لحظة وثانية ، رُغم كل تصرفاتِي إلا أنَّ رمضان شهرٌ إن حاولت التمردُ عن روحانيته وقف عقلي أمامي وأيضًا والدِي ليُذكِرني بقراءة القرآن و الأجرُ العظيم الذي يحفِّ الثلاثين يومًا.
لم تأكُل شيء من أمس ، سوء التغذية بدآ يظهُر على وزنها المُتناقص بإستمرار ، أغمضت عينيْها لتفتحها ودمعاتٌ تهرِب لتلتصِق على خدها ، لم تُفكِر بصفعة عبير التي لو كانت بظروفٍ مُختلفة لمَا سمحت لها و ردَّت بإندفاعها الدائِم ولكن كان شعُورها واقِفٌ و قلبها غير مُتزن و جسدِها بأكملِه مُضطرب ، تزوَّج !!
بكَتْ بإنهيارٍ تام ، قاسي جدًا يا عزِيز ، لو أنَّك تحفظُ أمر زواجِك بعيدًا عني لمَا خسرت شيء ولكن قصِدت أن تُهينني أن تجرحني وأن تُحزني .. تُريد أن تُحزنِيْ وفقط.
من هذه أثير ؟ تذكَّرت الفيديُو اللذي رأته في باريس عندمَا كانت تبحثُ بتطفُل عن شيء يُبعد مللها في تلك الأيام ، تذكَّرت وهي تراه مع عبير و أختيْه و كلماتِهم " طبعا أنت محجوز لأثير وغصبًا عنك بعد ههههههه ، التي تُشبه عينا عبدالعزيز ردَّت عليها : مين قال أثير ؟ لاياحبيبتي "
يبدُو أنه كان على علاقة معها منذ حياتِهم ، كل هذه الفترة كان يحبها ، و رُبما كان يُكلِمها ويتحدث معها بالساعات و ... يشتاقُها .. و ... " تبكِي من تفكيرها ، غير قادِرة على تجاوز حُبه "
يُتبع
،
وضع السلاح في مكانِه على خصره وهو يُخرج نظارتِه الشمسية ، ألتفت على عمته : صباح الخير
عمته : صباح الورد يا ورد
سلطان ضحك ليُردف : غازليني بس عاد ماهو بنعومة
حصة بإبتسامة واسعة : وأنت ورد فيه أحسن من الورد ؟
سلطان أبتسم : مايرضيني هالغزل
حصة : نفس أبوك لا الكلمة الحلوة تعجبكم ولا الكلمة الشينة
سلطان : مين قال ؟ أنتِ كل اللي تقولينه حلو
حصة : والله ياسلطان تعرف تتغزل
سلطان : هههه ماجربتيني
حصة : والله الزواج غيَّرك
سلطان تغيرت ملامِحه للبرود مرةً أخرى
حصة : إيه ذكرتني أبي رقم الجوهرة
سلطان : وش تبين فيها
حصة : كِذا ، أبي أكلمها
سلطان : ماعندها جوال
حصة أبتسمت : وش هالتصريفة الغبية !!
سلطان رفع حاجبه : لأني عارف تفكيرك ، أطلعي منها يرحم لي والديك
حصة : والله مانيب قايلة شي بس بتطمن وأسمع صوتها
قاطعهُم دخُول العنود
سلطان رفع حاجبه : من وين جاية ؟
العنُود و تُليِّن صوتها وتُبطىئه بدلع : رحت الصالون
سلطان : صالون الحين ؟
العنُود : مالك دخل .. يمه شوفيه
سلطان يحاول أن يُحافظ على هدوئه : حصة بنتك ذي عقليها لا والله ..
العنود تقاطعه بعصبية : تحلف عليّ بعد !! أسمعني زين يا روح أمك مالك حق تحاسبني بتصرفاتي منت أبوي ولا أخوي
سلطان ويشعُر بأنَّ الكون ينخسف به من أنَّ " إمرأة " ترفع صوتِه عليه ، ألتفت عليها
وقفت حصة أمامه : ماعليك منها خلاص أمسحها بوجهي .. *ألتفتت على العنُود وبعينِها تترجاها أن تعتذر*
العنود : مالي دخل يمه شوفي لك صرفة مع ولد أخوك هذا !!
حصة : أقول أبلعي لسانك
سلطان وللتو ينتبه بأنَّ لا وجود للنقاب ، : وكاشفة بعد ؟
العنُود بدلع : إيه مالك دخل لو أطلع ببكيني
سلطان نظر لعمتِه ثم أردف : اللهم أني صايم ، أسمعيني زين لو ..
العنُود بإستلعان أعطته ظهرها لتتجه لغرفتها
سلطان و غضبٌ يُثار في صدرِه ، لم يستطِع أن يُقدِّر عمتِه ويسكت .. شدَّها من شعرِها بقوة و كان سيضرِبها لولا أنَّ
حصة سحبت يَد سلطان مِن شعر إبنتها مُترجية
سلطان بعصبية : لو أشوفك طالعة أقص رقبتك .. أنا أعلمك كيف تعطيني ظهرك ... خرج و تركهُم
العنود بكت ولم تُبقى شتيمة لم تقُلها لتُردف : يعجبك يمه ؟ أنا يمد إيده عليّ .. مالي دخل ماأجلس في بيت هالمجنون
حصة : وأنتِ ليه تراددينه ؟ وبعدين كيف تعطينه ظهرك وهو يكلمك ، تدرين أنه هو عصبي لآ تسببين لنا مشاكل معه
العنود بعناد ودمُوعها الناعمة تعانق بشرتها البيضاء : ماأبغى ، أعيش عند أبوي أكرم لي مية مرة منه
حصة : وتخليني ؟
العنود : أجل أخليه يتحكم فيني !!
حصة : أنتِ أشتري راحتك ولا تحتكين معه ولا تطلعين بلبسك الضيق !! ألبسي شي واسع وطرحة تغطي شعرك مايصير بعد يشوفك على الطالعة والنازلة كأنك وحدة من محارمه
العنود : عشتوّ !! بجلس أتغطى في البيت اللي بجلس فيه ومفروض أني آخذ راحتي
حصة : عيب وقبل لايكون عيب مايجوز ، لو أنك محترمة حدودك معه ما كان مدّ إيده عليك
العنُود : ماتفرق طول عمره يشوفني
حصة : لآ تعاندين
العنود وهي تتجه لغُرفتها : أنتم تبون يصير فيني مثل ما صار بالهبلة سعاد !!
،
مرَّت الأيامْ بمُشاحِناتْ أطرافْ عديدة ، لآ أحَد مُرتاح رُغم أنَّ الجو الروحانِي يُساعِد على السكينة و الهدُوء ، الحُزن ينهشُ بأطرافِها و الكبرياءُ يقتِل قلبَ الأخرى ، النساء الحزيناتْ خلفهُن رجال مُتغطرسُون.
لم تُحادِثه إلا بأسلوبٍ جافْ مُنذ ذاك اليومْ ، تشعُر بسكينٍ يُغرز ببطنها المُنتفِخ كلما تذكرت كلمِته.
منصور : انا بنام بالإستراحة اليوم لا تنتظريني على السحور
نجلاء : رجعنا للأستراحة وأيامها
منصور تنهَّد : إيه
نجلاء : يالله صبرك
منصور : انتِ وش صاير لك ؟
نجلاء : أبد أتدلَّع
منصور ضحك ليُردف : تدلِّعي على راحتك يا عيوني
نجلاء : أحر ماعندي أبرد ماعندِك
منصور : تراني ماني فاهم وش تقصدين بس إذا كان موضوع راسمه لك هبالك ماأبي أسمعه
نجلاء : يعني أنا هبلة ؟ إيه ماهو أنت قادِر بسهولة تتنازل عنِّي وتلحق ورى زوجة أخوك
منصُور وتغيَّرت ملامحه للحدَّة : نعم ؟؟
نجلاء بقهر : أشوف حتى يوسف وهو زوجها يوم تكلم عنها رحت دافعت !!!
منصور : أستغفر الله بس .. أقول أعقلي ولا تفتحين على نفسك باب مايتسكَّر
نجلاء وتستنتِج ما يُحزنها : ذبحت أخوها عشانها ؟ أكيد !! أكييد واضحة أصلاً أنه لك يد في هالعايلة .. تعزَّها ولا ماتدافع عنها كِذا الا بسبب
منصور بغضب يعلُو صوته : نجلاء قسم بالله لو تجيبين هالسيرة على لسانك تحرمين عليّ ليوم الدين
نجلاء وبكتْ من حلفه : لهدرجة أنا رخيصة عندِك ؟
منصور بعصبية وهو خارِج : إيه ...
،
لا حديثٌ بينهم ولا تجتمعان حتى على الفطُور.
صباح الغد سيشهد حضُور والِدها الخائِن بنظرها ، كانت جافة بمُكالماته السابقة وحاولت أن تُشعرِه بغضبها وكُرهها لكذِبه وهو يعلل أسبابه بإنشغاله بالعمل.
جلست على الأريَكة وهي تُنزِل طرحتها بعد أن أتت للتو من صلاة التراويح ، يجب أن أُحادثها ، مهما كان تبقى هي الصُغرى و التوبيخ ليس حلاً ، هي تحتاج لحلٍ أكثر من حاجتها للصُراخ والغضب ، ولكن في تلك الليلة كان الغضب مُسيطِر عليّ من كُل الجوانبْ و أكملتها هيَ ، صعدت للأعلى لتفتح باب غُرفتها بهدُوء.
تسللت على أطرافِ أصابعها حتى وصلت لسريرها وجلست على طرفِه : رتيل ... رتول .. *وضعت يدِها على يدِ رتيل وصُعقت من برودتِها رُغم أنَّ التكييف ليس بهذه البرودة*
بدأت نبضاتُها تتخبَّط خوفًا عليها : رتُول حياتي ... أخذت الماء الذي بجانبِها وبللت كفوفها ومسحت وجهها .. رتييييل ..
ركضت وعلى طرف الدرج صرخت : أوزديييي
أتتها مُسرعة الأخرى : YES
عبير : قولي للسواق يجهِّز السيارة بسرعة ونادي ساندي .. أتجهت لغُرفة رتيل وهي تُخرج عباءةً لها وتُلبِسها وكأنها جِثة لا تتحرَّك ولا يُطمئِنها سوَى نبضاتُها المستشعرة من عُنقِها.
أتجهت لغُرفتها هي الأخرى وسحبت طرحةً لها ونقابْ
ساندي وقفت مُتفاجئة من منظر رتيل الهزيل وملامِحها الشاحبة و ماحوَل عينيْها مُحمَّر ، حتى هي لم تتعوَّد أن ترى رتيل بهذه الصورة.
تساعدت هي وساندِي بحملِ هذا الجسدِ الضعيفْ ، ودقائِق بسيطة حتى خرجت المُرسيدس السوداء من قصرِ أبو سعود
وعلى خرُوجِ السيارة كان داخِلاً عبدالعزيز بعد ما أنتهت الصلاة وفي فمِه السواك ، نظَر لأوزدِي ناداها : أوزدي
ألتفتت عليه
عبدالعزيز يُحرك السواك بلسانِه يمينًا ليتحدَّث بوضوح بعد أن غابت عن عينه هذه الأيام : وين رتيل ؟
أوزدِي وملامِحها تضيق : 5 minutes ago she went to the hospital
عبدالعزيز تجمَّد في مكانِه ، آخر ماتوقع سماعه : WHAT'S UP WITH HER ?
أوزدي هزت كتفيْها بعدَم معرفة
عبدالعزيز يُخرج هاتفه وهو يتجِه نحو سيارته ، يتصِل على السائِق وطال الإنتظار ولم يرُد.
بدأ الغضب يرتسم طريقه بين ملامحه الحادة ، قادَ سيارته لخارج الحيْ ، لا بُد أنهُم بأقرب مستشفى ،
في آخرِ إشارة رفع هاتفه المُهتَّز وكان السائِق : ألو ... وينك ؟ .... طيب مع السلامة .. وأغلقه ،
بدأت خيوط عقله تتشابك فيما بينها ، ماذا حصَل لها ؟
هي دقائِق طويلة حتى وصَل للمُستشفى القريب ، ركَن سيارتِه بطريقة غير نظامية و دخل المُستشفى ليسأل : رتيل عبدالرحمن آل متعب .. توَّها جت
رد الموظفْ الإدارِي بإجهاد : أكيد بالطوارىء من هالجهة * وأشار له *
أتجه للجهةِ المُشار إليها وتراجع عندما رأى عبير ، عرفها رُغم أنها مُتغطيَة من أسفلِها حتى أعلاها.
وقف بعيدًا حتى لا تُلاحظه ويبدُو أنها تنتظِر خارجًا ورتيل بالداخل ، ثوانِي قليلة حتى شهِد حضُور مقرن بجانب عبير ، تراجع أكثر للخلف حتى لا ينتبهُوا له.
مقرن : بشرنا
الدكتُور بإرهاق واضِح : معاها إنهيار عصبي راح تتنوَّم كم يوم
مقرن : نقدر نشوفها الحين ؟
الدكتور : تقدرون بكرا إن شاء الله
مقرن : يعطيك العافية .. ألتفت على عبير .. وش صاير ؟
عبير لم تُجيبه بشيء وقلبها مازال يتصاعد بنبضاتِه وكأنَّ روحها ستخرُج ، فِكرة أن تخسَر شقيقتها تجعلُها في مرحلة من الغضب على ذاتها و القهر و تأنيب الضمير وأشياءٌ سيئة كثيرة ، هي على إستعداد تام بأن تتنازل وتعتذِر لها ، تُريد ان تفعل أيّ شيء مُقابل أن تكُون بخير.
مقرن : عبير أكلمك !! .. وش صاير ؟ أكيد في مصيبة صارت خلتها تنهار
عبير بصُوت مرتجف : مدري
مقرن : ماأبغى أبوك يعرف ، قولي لي منتي خسرانة شي
عبير : تهاوشت معها وبس
مقرن : وبس ؟ الحين رتيل تبكي ولا يجيها إنهيار عشان خناق بسيط ؟ ماهو عليّ هالحكي
عبير ألتزمت الصمتْ
مقرن : طيب أمشي خلينا نروح ونجيها بكرا وقفتنا مالها داعي
عبير : مقدر أنام عندها ؟
مقرن : لأ .. بكرا من الصبح بنكون عندها .. إذا أتصل أبوك لا تجيبين هالطاري هو لا جا يعرف من نفسه
عبير : إن شاء الله
بمُجرد إختفائِهم من أمامه ، أتجه بخطواتٍ واثِقة لغُرفةِ رتيل ، دخل والسكُون يتوسَّدُها .. سحب الكُرسي البلاستيكي ليجلس بجانبها.
عيناها ذابلة و بشرتُها السمرَاء تشتكِي الشحُوب ، شفتيْها وكأنَّ أحدٌ سحب اللونُ الزاهِي مِنها ولم يُبقي سوَى البياض ، شعرها البندقِي مُغطى بقُبعةٍ بلاستيكية و ثيابُ المستشفى المنقوشة باللون الأزرق ناعمة و خفيفة جدًا ، و يدِها اليُسرى يخترقُها أنبُوبِ المُغذي.
أنحنى على جبينها ليُقبِّله بهدُوء وعاد لموضعِ جلُوسه ، خلخل أصابع كفِّها الباردة بكفيْه ، لحظات صامتة و عينه لا ترمُش مِنها ، مرَّت ساعة بدقائِقها الطويلة ولم يتحرك من مكانِه ، بإختلاف الظروف يعُود الموقف ليدُور عليه ، وكلماتها حين همست بها" المحزن بكل هذا أني ........ أحببك .. وتعبك فضحني كثير .... "
بدأت بتحريك رأسِها وجبينها يخطُّ بتعرجات ألمٍ وعيناها مازالت نائِمة الجفن ، فتحت عينِها بإنزعاج من الضوء
لتُغمضها مرةً أُخرى دون أن تشعُر بالكائِن الذي يجلسُ بجانبها ولا حتَى بيده التي تُعانق كفَّها.
فتحتها و بياضُ محاجرها مُكتسِي بالاحمر ، ألتفتت لتقع عينها بعينِ عبدالعزيز ، كان هادىء لا ينطق حرفًا ولا حتى ملامِحه الباردة تُوحِي بشيءٍ
لم تُسعفها طاقتها المُنهارة بأن تسحبُ كفِّها منه ، نطق عبدالعزيز بعد صمتٍ طال : رتيل
رتيل لم ترد عليه وهي تلتفت للجهة المُعاكسة لعبدالعزيز ،
عبدالعزيز ترك كفَّها وهو ينظرُ إليْها بنظراتٍ مُقابلة بالصدّ من رتيل.
رتيل بصوٍت مبحوح ومتعب : أتركني
عبدالعزيز مُلتزم الصمت و كأنه لايسمعها ، يُراقب محاولاتها البائسة بأن لاتبكِي !
رتيل مسحت دمعتها قبل أن تسقط على خدها ، تشعر بالإختناق ، تُريد أن تضربه .. أن تُقطعه .. أن توبخه .. أن تفعل شيئًا يشفي ما بصدرِها عليه ، تنظرُ لبياض الجُدران من حولِها و صُداعٍ يُداهمها أو ليس بصداع بل قلبُها يتوجَّع و يختنق كثيرًا.
عبدالعزيز : ليه سويتي في نفسك كذا ؟
زِد بأوجاعِي أكثر ، أسألنِي أيضًا لِمَ أُحبك ؟ أسألنِي حتى أكره نفسِي أكثر ، يا ربي دخيلك .. تسقاطت دمُوعها .. تخلَّت عن كُل قوة كانت تكتسيها فيما مضى ، هي تضعف و تكرهُ ضعفها ، الحُب مهما قوَّى بنا جوانب فهو يضعفنا بجوانبٍ أُخرى نراها بوضوح كل لحظة و ثانية ، غزآ صدرِها الألمْ ، أحاول أن أتشافى منك يا عزيز.
عبدالعزيز عقد حاجبيْه ليُردف : رتيل
رتيل أتى صوتُها مُتقطِعًا : أتـ .. ررررر ... أتركـــنـ .. ـي.
عبدالعزيز ويمسكُ كفَّها من جديد ليفرض نفسه عليها
رتيل حاولت سحب يدها ولم تستطِع فأستسلمت له ، فالوضع الآن يجعلها في حالة ضعف كبيرة
عبدالعزيز بصوتٍ خافت وكأنّ أحدًا يُشاركهم الغرفة : سلامتك من كل شر
رتيل رفعت يدها الأخرى لتضغط على عينيْها حتى لا تبكِي أكثر ، تكره نفسها إذا ضعفت امام أحد ، ليت والِدها الآن معها تضع رأسها على صدرِه وتبكِي دون أن يسألها شيء ، ترتمي بحضنه و تبكِي دون أن تخشى أن يرى دموعها ، مرَّت سنواتِ عُمرها ولا يشهدُ دموعها سوى وسادتِها ولكن الآن تحتاج أن تبكِي أمام كائِن حيّ و إن نظر إليها بشماتة على الأقَل تخرجُ الغصة التي في قلبها.
بدأ يُحرك أصابعه بباطنِ كفِّها ، لستُ أقل مِنك سوءً . . كُلٍ منَّـا موجُوع ، كُلٍ منَّا يُعانِي جرح من غيره ، لستُ أقل مِنك يا رتيل ضيقًا فأنا أتوجعُ من نفسِي أكثر من وجع غيري على نفسِي .. أكثر منهم و . . . . و لا شيء سوى أنني في كل مرة أزيد إقبالاً على الموت.
رتيل بدأ صوتُ بكائِها يخرُج و يلتهم مسامِع عبدالعزيز و تلفظُ : أطللللع .. أطلللع من حياتي ماأبغى أشووفك ... وش بقى بتسويييه ؟ .. يكفييي خلاااااص ماعاد لي حيل أتحمَّل أكثر .. أطلللللللللللع
عبدالعزيز مُتجاهل كلماتها و يضغط بأصابعه على كفِّها أكثر ، يُريد أن يوصل إليها شيئًا لكن غير قادِر على شرحه إلا بلغة الأصابع و هي لا تفهُم عيناه أبدًا.
كتب لها بأصابعه على باطن كفِّها ، أنتبهت له و إحساسها يشرح لها ماذا يكتُب ،
توقف أصبعه عن الحركة مُعلنًا إنتهاء الكلمات ، زادت ببكائِها وهي تحاول كتم شهقاتِها وضعت كفَّها الاخرى على فمِها الشاحبْ ، أُريد لهذا الألم أن يمُوت.
عبدالعزيز أبتعد وهو يتجه إلى الباب وقبل أن يفتحه ألتفت إليْها ونظراته مُرتكِزة بعينيْها الذابلة : الظروف ماتجي على الكيف يا رتيل ... وخرج
،
الثانية فجرًا بتوقيت باريس ،
أنشغل ببعض الأوراق وهو يلملمها على عجَل.
أغلقت حقيبته و ألتفتت عليه و عيناها تفيضُ بالحُمرة ، أسبوع أعتادت أن تصحى على صُورتِه ، أسبوع مرَّ كـ يومْ : عبدالرحمن
أخذ هاتِفه وجوازِه ورفع عينه لها
ضي بنبرةٍ مُرتجفة : لآ تطوَّل
أبتسم وهو يمَّد ذراعه لها لترتمِي عليه و تبكِي على صدرِه ، بللت قميصه بدمُوعها ، تشعُر بإختناق و كل هذا الكون لا يُفيدها بشيء مادام نبضُها يغيب.
عبدالرحمن : وش قلنا ؟ إن شاء الله بس ألقى فرصة راح أجيك
ضي بصوتٍ مخنوق : وهالفرصة ماتجي الا بالسنة مرة
عبدالرحمن : لأ ، بتجي كثير إن شاء الله .. مسك وجهها برقةِ كفوفه .. أهتمي لنفسك وأنتبهي لصحتك وأكلك و للشغل ، لاتكثرين طلعات و لا تطلعين بليل و لا تآخذين وتعطين مع أيّ احد ، حاولي تكونين رسمية مع الكل لأن ممكن يكونون يعرفوني
ضي : طيب
عبدالرحمن : وإن حصل شيء أتصلي على الرقم اللي عطيتك إياه يعني في حال مارديت عليك
ضي أبتسمت : إن شاء الله خلاص تطمَّن
عبدالرحمن يطبع قُبلة على جبينها : مع السلامة .. وأخذ حقيبته و جاكيته على ذراعه
عبدالرحمن وكأنه تذكر شيئًا ، ألتفت عليها : صح مفتاح الشقة يعني لا صار شي بينك وبين أفنان تقدرين تجين هنا وفيه حراسة على العمارة وبكون متطمن عليك اكثر
ضي : أصلاً شكلهم بيفصلوني من هالشغل لأني ماأداوم ولا أسجِّل حضور
عبدالرحمن : كلها كم أسبوع ويخلص !! وبعدها نشوف وين نستقر ؟
ضي ضحكت
عبدالرحمن رفع حاجبه : وشو ؟
ضي : نستقر !! يعني ماقلت تستقرين ، بالعادة تفصل نفسك عنِّي بكلامك
عبدالرحمن أبتسم : عمري مافصلت نفسي عنِّك
ضي بخجل : يا عسى دايم كذا
،
آثار السهَر تظهر عليْهُما و الصومْ دُون سحور يُرهِق.
مقرن : طيب ؟
عبير : وش طيب !! يعني أنت راضي يتزوج
مقرن : عبير أبوك ماهو بزر وبعدين وش فيها لا تزوَّج ؟ بكرا انتِ بتتزوجين ورتيل بتتزوج مايصير بعد بتحكرين على أبوك وبتقولين له لأ ماتتزوج !!

يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -