بداية

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -91

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي - غرام

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -91

حصَّة : مالك دخل بحبيبتي عيوشة
سلطان بسخرية : يا عيني بس !!
حصة : أوَّل قولي الجوهرة تقرأ الكتب الأدبية ؟
سلطان : والله تقراها
حصة : طيب أخذها أجل .. مدَّت له الكتب
سلطان : خل عايشة تحطها في صندوق واحد وتجيبها المكتبة انا أرتبهم
حصَّة و هدُوء سلطان يُغريها بالأسئلة : متى راح تجيبها ؟
سلطان بضحكة يُردف : تحزنيني والله عاد أمس مكلِّم أبوها نتفق على الطلاق
حصَّة توسَّعت محاجرها : من جدك ؟
سلطان بجدية : حصة الله يخليك الموضوع منتهي وماأبغى أتناقش فيه وهي تعرف مصلحتها وأنا أعرف مصلحتي
حصَّة بإنفعال : ننععععم ! لا والله ماتطلقها .. وش تطلقها ماصار لكم سنة عشان تطلقها ؟ مهما كانت هالمشكلة العظيمة اللي بينكم وأدري أنها سخيفة بس مايصير
عائشة عندما علت الأصوات أنسحبت بأطراف أصابعها وملامح الخوف تظهَر بملامحها ،
سلطان : خلاص ولا يهمك اطلقها عقب ماترجعين لندن
حصة بغضب : تستهزأ فيني ؟
سلطان يقترب منها ليُقبل رأسها وبنبرةٍ خافتة : الموضوع منتهي
حصَّة بحزنٍ واضح على ملامحها : طيب ليه ؟ سلطان أنت كبرت مايصير تبقى كِذا !! بكرا تتقاعد وش بتسوي ؟ قولي بس وش بتسوي ؟ أنا خايفة عليك وأبيك تعيش حياتك زي مالكل عايش .. يكفي شغل ماراح يجيك كثر ماراح من عُمرك في هالزفت شغلك ، وش أستفدت منه ؟ طيب قلنا نسلم أمرنا لله وتبقى في هالشغل لكن حياتِك !! أنا ماشفت الجوهرة بس واثقة أنها ما تستاهل الطلاق .. مرَّة وحدة بحياتك حاول تحافظ على شخص .. أنت منت ملاحظ أنك تخسر الناس بسهولة !! منت قادِر تحميهم .. لآتقولي أنا أحمي غيرهم .. لكن أحنا أهلك و الجوهرة أهلك يا سلطان .. يا روحي الله يخليك يكفي اللي مضى ، لا ترخص هالناس اللي حولك .. بيجي وقت تحتاج فيه لأحد يسمعك ويكلمك .. رجِّعها عشان خاطرِي وبعدها يحلها ربِك ، و كل مشكلة لها حل
سلطان تنهَّد : أنا ماأصلح أكون كذا ، ماأعرف أكون زوج ولا غيره .. أنا ماأصلح الا بمكان شغلي وبجلس فيه لأني أحبه و هو حياتي كلها .. ومستغني أنا عن هالحياة الثانية اللي مع الجوهرة و غيرها.
حصَّة و أختنقت محاجرها بالدمُوع : مستغني عنَّا ؟ يالله يا سلطان ماأعرف كيف قلبك حجر كذا !! ليه ماتحس أنه بكرا بتشيب وهالشغل بيستغني عنك مثل ماأستغنى عن غيرك و بتبقى بروحك لا زوجة ولا أهل ..
سلطان بصمتٍ يتأمل عيناها التي تُجاهد أن لاتبكِي ،
حصَّة تُكمل : إذا تغليني ولو شويَّة يا سلطان لا تخسر نفسك أكثر من كذا .. لآتخسرها ورجِّعها .. لآتطلقها بس عشان ترضي عقلك .. لأن هالعقل اللي تفكر فيه مصيره بيتخلى عنه وماراح تلقى بقلبك إلا ذكرى ناس أنت خسرتهم بنفسك !! .. رمقته بنظراتٍ راجيَة وخرجت.
سلطان وقف في مُنتصف غُرفة سعاد و أفكارِه تهوَى كما تسقُط قطراتُ الماء من المباني ، أصطدم به أكثرُ من فِكرة و حديثُ حصَّة مُوجع لقلبه ، كم خسَر في حياته ؟ فترةُ الشباب الطائشة و عمِي عنَاد و إبنه نايف في رحلتِنا الغارقة على شواطىء صقليَّة ، أُمِي الجنَّة و لا جنةٌ في الدُنيا سواها و أبِي الرائحة العتيقة التي يحتفُظ بها قلبي ، أجدادِي الذِين باغتهُم المشيب حتى ماتُوا تباعًا و المصائِبُ لا تأتِي فُرادى ، من بقيَ ؟ كان يجبْ على والديْ أن يُفكِرُوا بوِحدةِ إبنهم بعد عُمرٍ طال ، لو أنَّ لديْ أخ الآن قريبًا من عُمري كان الأمر سيكُون مسليًا رُبما كنت سأعلمه على الفروسية أو رُبما أُعلمه على انواع الأسلحة و من الممكن أن يُعلمني شيئًا .. كنت سأجِد مُتسعًا لأحتفِظ بهذه الحياة كما رددتها عمتِي ، ولكن حياتي ليست مُغرية لأنَّ أتشبث بها ، أصابني الله في حُبِ عملي حتى أفقدنِي الكثير و مازال.
،
دُو فِيل على أمواجِ البحر المُستقرِة ، على شُرفةِ شقتِها تنظرُ للبعِيد الغير آتي ،
وضعت كفَّها على صدرِها ، نبضاتِها غير مُستقِرة تشعُر بهيجان يحرقُ أطرافِ قلبها ، أحدهُم يُناديها ، أحدهُم يُثير سمعها كما لو أنه يضع جمراتٍ مُتراصَّة حول غضارِيفِ أُذنها الرقيقة ، عيناها تبكِي بلا سبب او رُبما حتى الأسباب تجهلها ، مازال قلبُها يتواطؤ مع حُزنِها و يُمارس الإختباء ، يتألم ولا يُخبرني ما يؤلمه ، أحدهُم أشتاقُ إليه كما يشتاق إليْ ، أحدهُم يخنقنِي و قلبهُ الأكسجين ، أحدهُم صيحةٌ عظيمة تنهشُ بعظامِي ، أحدهُم يُضعفني ، يُعصرني ، يُبكيني ، يؤلمني ، يجرحني ، يكسُرني ، يُقتلني . .
أحدهُم قلبي يعرفه جيدًا ولكنه جبانٍ من أن يقُول ليْ ، أحدهُم مُزعِج جدًا لذاكرتي ، يُثير الخوف على أطرافِ حُزني ، أرجف.
أكفف عن هذا ، أرجُوك . . لا طاقة لديْ لهذا الألم ،
أخفضت رأسها و كفوفها تنزل ببطء لبطنِها و غثيانٌ يُداهمها كأنَّ جنينًا بها يصرخُ عن والِده ، والِده ؟ يالله يا .. يا .. من أنا ؟
يالله يا رُوحي أكان هُناك شخصًا أُحبه قبل الحادث ؟ " طيب مين ؟ "
هديل . . رُبما أختي ، و عبدالعزيز أخي ، و مقرن . . أبي أو من ؟ لن أُسامحه إن كان حيًا و تركني ضائعة مُشتتة ، لن أُسامحه أبدًا وهو يُسقطني غرقًا في هذه الدُنيا دُون أن يحمِيني ويطوِّقُني ، لن أُسامحه على هذا الحُزن أبدًا.
ناصر ؟ . . . صمتُ لدقائِق طويلة حتى تُردف بحديثِ عقلها المُتشابك مع قلبها . . رُبما أخي ؟
أبتسمت بين أمواجِ دمُوعِها و قلبُها يضطرب كإضطراب البحرُ في مواسِمه و إرتفاعه.
همست : وينك ؟
أين انت من كُل هذا ؟ أين قلبِك الآن ؟ يبدُو أنَّ قلبي يُحبك يا ناصِر كما يُحب هديل الغائِبة عني و عبدالعزيز الذي لا أعرفُه ، أحبكم و لكن " وينكم " ؟
يالله يا من أجهله كم أشتاقُ لك كتكاثُر الغرباء في مُحيطي.
،
أفاق و العرقُ يُبلل الجُزء العلوي من جسدِه العاري ، أنفاسِه تُسمَع كإرتطامِ قطعٌ معدنية على الأرض ، شعَر بوخزٍ يسار صدرِه و رعبٌ يدبُّ في قلبه المُضطرب في هذا الصباح المُتأخر.
مسح وجهه و عيناه تسرقُ تفاصيل ما رآه ، أعُوذ بالله من هذه الكوابيس ، صدرِه يهبط ويعلُو بوقعٍ شديد . .
أن أرَى أختي تمُوت أمامِي مرةً أُخرى هذا يعني أنها تتعذَّبُ في قبرها ، يالله يا غادة ماذا يحصل معك في ظُلمتك ؟ أكاد أحلف أنك لم تفوِّتِي فرضًا ولا صلاة !! ماذا فعلتِ ؟ بربِّ الناس ماذا فعلتِ في دُنياك ؟ يالله يا غادة أشعُر بحممٍ تُصبّ في قلبي من أنكِ تتعذَّبين ، حفظتِي أجزاءً كثيرة من القرآن كما حفظتُ أنا ، فعلتِ الكثير من الأعمال الصالحة ، مالفعل المذموم هذا الذي محَى كل أعمالك وجعلكِ تتعذبين ؟ يالله أرحمها وأرفْ بحالها ، يالله جازها عن الحسناتِ إحسانًا وعن السيئات عفوًا وغُفرانًا.
لم يتحمَّل حتى أخذ هاتفه و يتصِل على ناصر ، ثواني حتى أتاه صوته المُتعب : هلا
عبدالعزيز بصوتٍ مخنوق : غادة تتعذَّب
ناصِر و للتو هدأ ، أختنق مرةً أُخرى ، ليتك هُنا يا عبدالعزيز حتى تسمعُ لعينيْ وتقرأُها ، ليتك هُنا .
عبدالعزيز يُكمل برجفة حُبٍ و إشتياق : ما سوَّت شي والله ماسوَّت ، حتى طلعاتها ماكانت الا معاك و نادِر ماتطلع لوحدها وصلاتها ماتطوِّفها ، أحيانًا تضطر تأخرها لكن تصليها .. ماطوَّفت فرض .. وماعليها ديُون .. وش صاير ؟ أحس بموت من التفكير .. هديل و أُمِي و أُبوي أحسهم مرتاحين .. حتى أمي كانت تبكِي كثير لكن الحين مرتاحة أنا أعرف هالشي أحس فيه .. حتى أبُوي أحس فيه .. بس غادة ليه ؟
ناصر بوجَع : كنت عندهم اليوم .. زرت قبورهم
عبدالعزيز ونفسه تلهَّفت : رحت لهم ؟
ناصِر بصوتٍ شارف على البُكاء : إيه
عبدالعزيز أختنقت عينه بالحُمرَة ، أشتاق لهم ، يشعُر بأن روحه تخرج من مكانِها الآن ، ليتهُم دُفِنُوا هُنا ، بئس تفكيري في ذلك الوقت أنه سيعيش عُمره هُناك فأردتُ أن يكُونوا بجانبِي .. لكن حتى أطيافهُم رحلت بعيدًا عني.
ناصِر : قبل شوي رجعت ، سو لهم شي ، خل لهم صدقة جارية كلهُم .. أخاف يختنقون من وحشتهم
عبدالعزيز مسح جبينه مُتعبًا وهو يضغط على عينيْه المُغمضة : وش يرجِّعهُم ؟
ناصِر نظر لشِقته الخاوية لتنساب دمعته على خده ، و أنفاسه لا تهدأ
عبدالعزيز و دموعه تتصارع في محاجره لتحجب عنه الرُؤية وبصوتٍ خاف ممتلىء بالوجع : مرَّت سنة . . كيف عشتها بدونهم ؟ محد حولي ومحد جمبي .. مححد .. كيف ؟ ماأبغى أدعي على نفسي بس يذبحني هالألم يا ناصر .. ماأبي هالحياة ، مليييت ..
بصوتٍ حطم حصُون اهدابه : موجوع يا ناصر حييل
ناصِر جلس على طرفِ طاولته الخشبية ، أنحنى بظهره لتسقُط دموعه على الأرض ، وجَع يفتُك عظامه هو و صديقه.
يُتبع
،
على فراشٍ ذو رائِحة نتِنة ساقِط و نومُه عميق و هالاتٍ داكِنة تُحيطه و رائِحةُ الغرفة تختلِط برائِحة الشُربِ و الألوان ، اللوحاتِ مُرتبة بجانِب بعضها في زاويةٍ ، دخل عليه برهبة و هو يرفع الملابس العفِنة ليصيح به : فااارس أصححى بسرعة أبوك جاي بالطريق
فارس بهذيان ناعِس : خلني أنام
حمَد يفتحُ الستائِر و النوافِذ الزُجاجية ليختلط الهواء النقِي بالغُرفة : أبووك بالطريق .. ركِّز معي ... رائد الجوهي بالطريق .. راائد اللي هو أبوك بالطريق
فارس فتح عينه : وشو ؟
حمد لم يتحمَّل تناحته حتى أخذ قارورة زُجاجية ممتلئة بالماء ، أخرج منها الورد و رماه و بلل فارس بمياهِ الزهر : أصحححى أخلص عليّ والله إن شم ريحتك لا يذبحك
فارس بعصبية : يامجنووون ليه ترمي الورد !!
حمد : هذا اللي يهمك يا مرهف الإحساس . .أنقلع للحمام فرِّك نفسك لين تطلع هالريحة ، نص ساعة وبتلقى أبوك هنا وساعتها شوف عاد وش يسوي فيك
فارس وقف عاقد الحاجبيْن : طيب بخِّر الغرفة .. وسحب منشفته داخلاً للحمام.
حمد : يا حومة كبدك يا حمد .. نظف غُرفة فارس وهو يرمِي بعض الأشياء التي بنظرِه تافهة و لكن بنظر فارس مُهمة.
دقائِق طويلة مرَّت وحمَد يُبخِر المكان برائِحة العُود العتيقة ، خرج فارس ناعِسًا : جاء ؟
حمد : لآ بس على وصول
فارس ببرود : طيب أطلع ببدِّل
حمَد خرج تارِكه ليُبخِر الصالة العلوية أيضًا ،
أرتدى فارس ملابسه بهدُوء وهو يتأملُ غرفته أن لايكون هُناك آثار لجريمته ، خرج لحمد
حمد : خلنا ندخل غُرفتك نشوف فيها ريحة ولا لأ
وبتحشيشٍ فعليْ ، أغلق حمد باب غُرفة فارس ومن ثُم فتحه ليدخل ويستنشق وكأنه يُمثٍّل دُور الجوهي : همممم أحس فيها شي
فارس : يالله خلف على عقول الحمير .. خلاص اترك الغرفة ريحتها ريحة ألوان
حمَد بخبث يجلس مُقابلا له : تدري أمس وش قلت لي ؟
فارس بلا إهتمام يتصفح الجريدة : وش ؟
حمَد : عبير
فارس رفع عينه له : نععم !!
حمَد : ههههه وش فيك عصَّبت ؟ تقول أنها لذيذة و ******* و
لم يُكمل من رفسة فارِس على بطنِه ، وقَف وجعله يتمدد على الطاولة الخشبية وبغيرةٍ شديدة لكمَه على عينِه ومن ثُمَ صفعةٍ مُدويَّة على خدَّه و لم يكتفِي بذلك ، ضربةٌ بالقُرب من أنفِه لينزف دماءً.
بصوتٍ غاضب شدّ شعره ليُقربه من وجهه وهو الذِي أعتاد من فارس البرُود و الهدُوء : قسم بالعلي العظيم لو تجيب سيرتها على لسانك لا أقطعه لك
حمد يدفعه وهو يُعدِّل بلوزته التي تمزَّقت أطرافها وكان سيُهدد كالعادة لولا حضُور رائِد بينهُم ،
فارس أقترب من والِده وقبَّل جبينه ،
رائد : وش فيكم تتهاوشون ؟
فارس بهدُوء : نمزح
رائد بضحكة : تمزحون !! عنيفيين ماشاء الله
حمد بإنسحاب : رايح أغيِّر ملابسي
جلس رائِد وبجانبه فارس ، أردف : شلونك ؟
فارس بخير الحمدلله
رائد رفع حاجبه : مبخرين البيت ؟
فارس : إيه حمد مبخره
رائد : عليّ ؟
فارس بلع ريقه : ليه وش فيه البخور ؟
رائد : ماتبخرونه الا فيه ريحة لمصايبك !!
فارس ويُمثل دور البريء : دايم تظلمني يايبه دايم تظن فيني ظن السوء ، خلاص من اليوم ورايح بقوله لا يبخِّر البيت وأستمتع بريحة الألوان والعفن اللي دايم تقوله
رائد بإبتسامة : شوي وتآكلني ، خلاص ماقلنا شي بخروه .. قولي وش مسوي بالتدريب ؟
فارس : كل يوم قبل لا أنام أتدرَّب
رائد : زين هذا اللي أبيه منك ، أنا بعد فترة راح أسافر ويمكن أطوِّل كثير فـ راح تكون مع حمد وماأبغى مشاكل
فارس : طيب ينفع أطلب طلب ؟
رائد بضحكة تُشبه ضحكة إبنه الساحرة : لأ
فارس إبتسم : طيب تروح وترجع بالسلامة
رائد : ههههههه قول وش تبي ؟
فارس : يعني الحرس والله مالهم داعي ، ماني بزر .. خلاص أنا كبرت على هالحرَّاس اللي يمشون مثل ظلي أبي آخذ شوية نفس وخصوصية
رائد بهدُوء : أبوك عنده أعداء كثير و
فارس يُكمل عنه بسخرية مُقلدًا لنبرته : و الأعداء هذولي يدورون عليّ الزلة ويبون يأذوني بأي طريقة وممكن يأذوني فيك .. حفظتها يايبه والله حفظتها من طلعت على هالدنيا وأنا أسمعها .. طيب أنا بجلس أنحبس كذا إلى متى ؟
رائد : طيب سافر لكن هُم معاك
فارس بإستهزاء : شكرا دايم ماتخجلني في كرمك
رائد يضرب ظهره بقوة ضاحِكًا : مسألة الفرفرة بالرياض أنسى
فارس: كسرت ظهري
رائد : اليوم صاير تتدلَّع كثير
فارس : يبه والله تعبت وحمد يخنقني .. طيب جيب لي واحد ثاني
رائد : أنا أثق في حمد
فارس : الله والثقة عاد
رائد بحزم : فاارس !!
،
صوتُ القرآنِ يضجُّ في البيت ، بعد أن راجعت بعضُ السوَر حتى لا تنساها وتأكِد على حفظِها ، نزلت لوالدتها ساعدتها قليلاً حتى جلسَا بالصالة و صمتٌ مُريب بينهم.
الجُوهرة بهدُوء : يمه زعلانة مني ؟
والدتها بإقتضاب : لأ
الجُوهرة جلست على رُكبتيها أمامها وهي تُمسك كفوفها وبإبتسامة : أجل ليه ماتكلميني ؟
والدتها : لأنك ماتبين تريحيني
الجُوهرة ومازالت تُحافظ على تقويسةِ ثغرها : أنتِ لو تطلبين صحتي وعافيتي وراحتي كان أقول فداك بس ماأبي أشغلك معي وأضايقك
والدتها بنبرةٍ مُهتزة : ماراح تشغليني ولا بتضايقيني .. أنا بس برتاح وأتطمَّن
الجُوهرة : تطمَّني يا روحي ،
والدتها : وش بينك وبين سلطان ؟
الجُوهرة بلعت ريقها وكأنَّه بدأ الهواءُ يضيقُ عليها : مابيننا الا كل خير
والدتها : مأذيك بـإيش ؟
الجُوهرة بهدُوء : ما تطلع الشينة من بوبدر
والدتها : طيب وش هالمشكلة اللي تخليك تتركين بيتك وأبوك يوافقك !!
الجُوهرة : أنا بس كنت أبي أرتاح عندكم ومشتاقة لكم
والدتها بخوفٍ يرتسم بعينها : غيره يالجوهرة هالكلام مايقنعني !
الجُوهرة أبتسمت حتى بانت صفةُ أسنانها العُليا : مافيه شي غيره
والدتها بضُعف : أحلفي بالله ..
الجُوهرة صمتت و لا كلمةٌ تنطقها و تُسعفها في هذا الموقف.
والدتها : ليه تكذبين عليّ ؟ أنا أمك بس قولي لي وش اللي صار وريْحيني !!
الجُوهرة ثبتت أسنانها العُليا على طرفِ شفتِها السُفلى ، بصوتٍ ضيِّق : مشكلة بسيطة .. وبتنحَّل إن شاء الله
والدتها بصمت تتأمل عينِ إبنتها ، تُريد أن تقتبِس من هذه العينُ بعض الأحاديث التي من الممكن أن تُطمئنها ،
الجوهرة أخفضت رأسها لتُقبِّل كفوفٍ عتيقة لها رائحةُ الجنَّة التي تحلم بأنَّ تكون يومًا من نصيبها.
أنساب شعرِها في حضنِ والدتها لتتضِح بعضُ الخيُوطِ الحمراء المُتخثِرة بالدم و كدمةٌ ليلكية تُفسد بياض رقبتِها ، أرتجفت أهدابِ الأمِ الخائفة : مين سوَّى كِذا ؟
الجوهرة رفعت عينها بعدم فهم ،
والدتها بغضب ممزوج بحُزنٍ عميق : وتقولين مافيني شي ؟
الجُوهرة أبتعدت قليلا عن والدتها و على جبيُنها يرتسمُ الإستغراب.
والدتها : ضربك ؟ لا تكذبين وتقولين ماضربك !!
الجُوهرة مسكت رقبتها لتقِف مُرتبكة مُرتجفة لا جوابْ لديْها . .
دخل ريان : السَلام عليـكم .. .. دارت نظراتِه بينهُما و رفع حاجبُ الشك : وش فيكم
والدته تتجاهله تمامًا : ليه تكذبين عليّ ؟ وش مسوي فيك هالأغبر ؟
الجُوهرة أرادت لو أنَّ والدها موجود يُنهي هذا النقاش بدُبلوماسيته المُعتادة ، أرتجفت بوجودِ ريَّان !
والدتها وعيناها تختنق بغضب : أكيد صاير شي كايد ولا مايضربك من هنا والطريق وأبوك واقف معك بعد !! ريحوني بس قولوا لي
ريَّان وعقله بهذه المواضيع يفهمها من كلِمة ، بهدُوء : سلطان ضربك ؟
الجُوهرة بدفاع مُرتجف : أنا زوجته ولو يكسِر راسي حلاله ، مشاكل وتصير بين أيّ زوجين ليه تعطونها أكبر من حجمها
والدتها : اللي يضربك مرة قادر يضربك مليون مرَّة
ريَّان : وليه ضربك ؟
الجوهرة بلعت ريقها بخوف : مشكله بيني وبينه
ريَّان رفع حاجبه مرةً أُخرى : زين حفظتي كرامتك وجيتي !!
الجُوهرة : وش قصدِك ؟ . . يعني أختك ماعندها كرامة *تعمَّدت أن تلفظُ - اختك - حتى تُشعره ببعض الذنب*
ريَّان ببرود يجلس : أنا واثق أنه المشكلة أساسها منِك عشان كذا ماألومه لو يكسِر راسك على قولتك
والدتها بحُرقة أمٍ ترى إبنتها بهذه الوضعية : وأنت معه بعد !! أنتوا بتجننوني ! كيف يضربك ؟
الجُوهرة و لا تُريد أن تبكِي ولكن نبرةِ والدتها جعلتها تبكِي لتلفظ بين بُكائها : يمه الله يخليك !! ماهو ناقصني
ريَّان بإبتسامة : أحمدي ربك ماذبحك .. أنا لو مكانه دفنتك على أيّ غلطة تطلع منك ودام سلطان ماشاء الله صبور فأكيد هالغلطة كايدة وخلته يضربك .. عاد الله أعلم باللي تخفينه عننا ويمكن عن سلطان
الجوهرة بقهر : ليه دايم ظنك فيني سيء ؟ . . أنا أختك من لحمك ودمك تعاملني كذا وش خليت للغريب !! ،
بحدة لم تعتاد أن تُخرجها لأحد ، بغضب وكأنها أنفجرت من سيل أتهاماتِ ريان الباطلة التي لا تنتهي : أتذابح مع سلطان ولا يصير اللي يصير بزواجي مالك دخل .. مالك علاقة فيني .. ماعدت صغيرة عشان تكلمني بهالطريقة ، أنا عمري 26 ماني بزر عندِك عشان تقولي هالكلام ... أرحم حالك وأرحمني من كلامِك
والدتها بحدة : هذا اللي شاطرة فيه تراددين أخوك !! تزوجتي وصغر عقلك
الجُوهرة بضيق : أنا الحين كذا ؟ يمه أنا متضايقة منه ومن كلامه بدل ماتوقفين معي توقفين معاه
والدتها : ماراح أوقف لا معك ولا معه .. سوِّي اللي تسوينه ماعاد يهمني .. وخرجت ،
ريَّان يصفق لها بسُخرية : برافو طلع لك لسان والله من سيادة الفريق سلطان !! سلطان هذا اللي تحتمين فيه رماك ولا كان أتصل من زمان ، بيعدي شهر وإثنين وثلاثة وورقة طلاقِك بتشرِّف .. ومحد بيبقى لك إلا أحنا .. أهلك .. فحاولي ماتخسرينا زي ماأنتي الحين تخسرين أمي !
الجُوهرة بنبرةٍ هادئة مبحوحة : ما رماني ، و أنا عندي لسان قبل لا أشوف هالسلطان اللي مرة مسبب لك أزمة !! بس أحترمتك يا ريان وأحترمت أنك أخوي الكبير بما فيه الكفاية لكن بديت تغلط علي كثير وأنا ماعاد أتحمَّل كلامِك اللي عُمرك ماطلعت ليْ بكلمة حلوة !!
ريَّان : وغصبًا عنك يا ماما بتحترميني .. ماهو كرم ولا تفضُّل منك .. وخرج هو الآخر ،
الجوهرة بقيتْ واقِفة لوحدها ولا ترى أحدًا يُشاركها الحزن الآن ، الجميع بات يتشمَّتْ بيْ منك يا سلطان.
،
أرتفع أذان المغربْ ، و مازال الهدُوء و الغضب المُختبىء خلف البرُود يُحطيهم.
عبير بهدُوء : يبه ما قلت لنا وش سويت بباريس ؟
عبدالرحمن : شغل وش بسوي غيره يعني !
رتيل رفعت عينها لوالِدها ، و عبير تُشاركها نظرات " الكذب و الشك و رُبما الإستحقار "
عبدالرحمن و من نظراتِهم باغته شك : وش صاير لكم ؟ تركتكم أسبوع ورجعت كل شيء محتاس !! لا أنتم بناتي اللي متعود عليهم ولا شيء
عبير تشربْ من كأس الماء : سلامتِك بس كذا بناتك نفسيات
عبدالرحمن بحدة : تكلمي معايْ زيين ماني أصغر عيالك
عبير ببرود : كيف أتكلم يعني ؟ سألتني وجاوبتك
عبدالرحمن رفع حاجبه : يعني هذا أسلوب تكلميني فيه ؟
رتيل الصامتة الهادئة الحزينة تُراقب الكلمات المُبطنة التي ترمق بها عبير لوالدها و عيناهُا متورِّمة بالبُكاء.
عبير تنهَّدت : الحمدلله .. وقفت ولكن حدة صوتِ والدها جعلتها تثبتُ في مكانها : عبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــر !!
عبدالرحمن بغضب : أشُوف طالعة بحكي جديد ؟؟ خير إن شاء الله ؟
عبير بصوتٍ مُرتجف :آسفة
عبدالرحمن بهدُوء : وش صاير لك ؟
رتيل ونطقت أخيرًا : قولي له .. مو قلتِ بتقولين له !!
عبدالرحمن وأنظاره تتجه لرتيل : عن ؟
رتيل ببرود : عن الزواج اللي صار بالخش والدسّ
عبدالرحمن توقفت عيناه عن الرمش غير مُصدِق بأنَّ عبدالعزيز قد يُخبرهم عن زواجه بإحدى إبنتيْه ، غير مُصدِق بأنَّ عبدالعزيز يفعلها معه ، صعبة على نفسِه بأن يتقبَّلها من عزيز . . ولكن الأصعب كيف يقنعهُم بهذا الزواج !!! يالله يا رتيل كيف سأُقنعك بعبدالعزيز !
بحزمٍ أردف . . .
،
لا أحاديِث تُذكَر بينهُم ، الصمتْ يحكمُ شفاهِهم ، و طريقٌ ضيِق للنقاش لا يُفتح الآن.
أرتشف من القهوَة الداكِنة و عيناه تحكِي الكثير و لكن لا ردّ من الطرف الآخر !
سلطان : ما طفشت من الحكي ؟
عبدالعزيز رُغما عنه أبتسم : مررة
سلطان تنهَّد : ماتبي تحكي شي ؟ يعني يخص الشغل .. يخصك ؟
عبدالعزيز بهدُوء وعيناه تغرقُ في فنجانِ قهوتِه : أستسلمت منكم
سلطان : إحنا ؟
عبدالعزيز : للأسف ،
سلطان ضحك : وبعد ؟
عبدالعزيز : سلَّمت أمري و فكرت
سلطان بهدُوء : وش وصلت له ؟
عبدالعزيز يُحرك مُربعات السكر المُغلفة على الطاولة و يضع حبتيْن بالأمام ليتشكَّل مُستطيل وحبَّة في الوسط وحبةٌ أخرى بعيدة : أنه المربع يضِل جُزء من المستطيل و أنه المستطيل مايقدر يستغني عن المُربع !
سلطان و يُمعن النظر في عينيّ عبدالعزيز ، يُشبه والِده كثيرًا حتى طريقة تفكيره ، ذكي مهما أنكسر وضعِف يبقى " داهية "
عبدالعزيز : أنا مقدر أطلع منكم و أنتم ماتقدرون تستغنون عني ..
سلطَان بنبرةٍ خافتة : وهذا الصح
عبدالعزيز بإبتسامة ونبرةِ سُخرية وهو يضع فوق المُستطيل مُربعٍ آخر : لكن ممكن المستطيل يقمع المُربع
سلطان يأخذُ مُربع السكَر منه ويُزيح المربعين ليُلصق المُربع الجديد بينهم : لكن يقدر المُربع يثبت نفسه ويكون مُستطيل
عبدالعزيز رفع عينه لسلطان : و كيف ؟
سلطان : كون صبُور مهما أستفزّتك الأحداث اللي حولك ، طنِّش وتقدر ، لا ترمي كل شيء عشان كلمة أو عشان موقف ! خلك دايم ثابت والبقية هم اللي يتحركون لاتكون أنت اللي يتحرك حسب مالظروف تبي !! أوقف بوجه كل شيء يواجهك وخلك ثابت !!
عبدالعزيز يرتشفُ من قهوته التي برَدتْ ،
سلطان : وين جلست باليومين اللي غبت فيها ؟

يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -