بداية

رواية عندما نستلذ الالم -29

رواية عندما نستلذ الالم - غرام

رواية عندما نستلذ الالم -29

فاجأتها دموعها التي أصبحت تبلل خدّيها .. لم تكُن تود أن تبكي أبداً
لكّن في الأخير خانتها دموعها و أخذت طريقها للخارج .. دون أن تألمها سوى بقايا الكلمات التي نطقتها
شهقة صدرت بلا رغبة منها ..
لم تلاحظ شيء سوى " ورق المحارم " الذي أقترب من منها .. تناولته و غطّت وجهها .. هذا ما تحتاجه لثواني فقط
رتّب عقلها أوراقه .. و هدأت أنفاسها مع تربيتات كفّه لقلبها ..
وجدت ما كانت تبحث عنه طويلاً .. الآن هي ليست في حاجة تركي أو أي شخص آخر
ربما جاء متأخراً .. وكثيراً
لكّن لا يهم .. هو بحث عنهم على الأقل ..
أزالت المناديل عن ملامحها وهي تراه يحتضَنها بخفة
و تجد قلبها يستكين لكل هذا
و صوت يتسرب بدفء لأذنيها
..- أقسم بالله إني بكون لكم سند .. طول ما أنا حيّ .. ما بيظلمكم و لا يهينكم أحد .. بس إنتي إهدي ..
وقف تركي لدى الباب بحيث لا تتمكن هديل من رؤيته لكّن الأخر إبتسم حال رؤيته هو التعبير الذي يحمله
..- تركي أذاك ؟
سألها بصوت هامس لكّنه وصل الأخر .. لتقول هي بهمس مماثل
..- لا .. بس محتاجة للبكاء ف بكيـت
تقدّم الأخر حتى أصبح في مجال رؤيتها .. أبتعدت هي عن خالها بخجل
ليقول أحمد ممازحاُ
..- إييييه متأكدة . أخاف مهددك و لا شيء
صفّق له تركي وهو يقول بنبرة مُستفّزة
..- لاآ .. أقول يلا يلاً .. روح بيتكم .. لو عرفت جدتي إني جايبكم بمكان واحد بيجيبون خبري
حكّ الأخر عارضَه وهو يقول بنبرة رجاء أخيرة
..- يعني ما بقدر أشوفها ..
..- أقول أذلف أذلف بس .. يالله
نهضَ و نهضت معه و يده ما زالت تحتضَن يديّ .. و عينا الأخر تترصدنا
وعندما أصبحنا لدّى الباب إنحنى على أذني وهو يقول
..- أصبري بغيظـه .. ف المهم إن شاء الله أجي المرات الجايّة و نجلس نسولف أكثر .. و صَح تراك تشبهين أسيل بس فيه فرق بينكم .. إنتي أنحف و عيونك أوسع
يد سمراء أمسكت بكتفيه و و الأخرى فتحت باب الشقة أخرجه وهو يقول
..- أقوووووووووووول مع السلامة محد يعطيك وجه
ضحكاتهم علقت في ذاكرتها للأبد كلقطة لن تنساها أبداً
و عيناها تعيد مشهد ملامحه .. عن قرب هو يشبه والدته ربما عينيه هي ذاتها عينيها .. لكّنها أحبته
و لم تمضي على معرفتهم سوى دقائق
..- ألووووووووووووووووووووو ..
استفاقت من أفكارها على صوته و الذي كان قريباً منها .. لتجده يقف أمامها و يمسك بيديها
و إبتسامة صادقة تعلو شفتيه قال بها
..- الحمدلله على السلامة شكلك طرتي بعيد.. أرتحتي ؟
عيناها تستفيضان شُكراً .. و قلبها يخفق بجنون
تتمنى لو تعود لها جرأتها القديمة .. لتقفز بجنون نحوه ترتمي بين ذراعيه وتصرخ
بصوت شاكر يصّم أذنيه ..
لكّنها تخجل الآن حتى من أن تلتقي عينيها بعينيه مباشرة ..
قرأ ما يدور في عينيها المُنكسرتين و نطق بحزم خافت
..- أدخلي للضيوف .. و حنّا باقين على موضوعنا
تجمدت ملامحها لثواني .. و ابتعد من أمامها
تاركاً فراغاً بحجم لا تعيه في عقلها
سيطَرت على أنفاسها المضطربة خليها
لتقول له بعد إن استدارت نصف إستدارة
..- تــــــركــــي
توقف لثانية و أرهف السمع وهو يعض على شفتيه
..؛ مانعاً ابتسامة ما من أن تحلق على وجهه فيفشَل كل شيء
عاد صوتها يقول بارتباك واضَح
..- خلاآص مو لازم نتكلم ف .. قصَدي عن سالفـــ
بدآ صعب عليها أن تلتقط أنفاسها و تتابع الحديث
ف ابتسم لكّنه جعلها صغيرة وهو يدخّل لغرفتهما .. مقاطعاً إياها
..- زيــن .. قولي للبنات يعجلون بالروحة .. عشان ما يرجعون مع السواق متأخر
مّرت نصف ساعة بين أحاديثهن المختلفة .. لكّنها سعيدة
لدرجة أنها تود أن تبكي ..
سعيدة بقدر ما لا تستطيع أن تصف .. ودعتهم و أعينهم ترصَد فرحها برضى كامل
دخلت للغرفة .. فوجدتها شبه مظلمة .. ما عدا ضوء الأبجورة حيث جلس تركي وهو يقرأ كتاباً مغطياً
بذلك ملامحه ..
بدلّت ثيابها .. و أقتربت من موقعها .. نطَقت بعد جهد
..- تركي أنا ..
لم يتحّرك .. أو يبدي أي دليل على أنه يستمع .. فتابعت بجهد أكبر
..- شكراً .. كنت بقول شكراً على الي سويته
أرخى الكتاب وهو يقول لها بحب .. تفشّى في جنباته حتّى حرضّه على ما لم يكن يريد
..- شكراً .. زين .. وبــــس
إبتسمت له برضى ..
كسعادة شتمتها الغيوم
سعادة تداعبها برفق لتصّدق بوجودها على الأرض
بعد أن كذّبها المطَر .. و صدقّته الدموع
يكفيها أنها تبتسم

*
مُترعة بجُرح عميق لا قاع له .. و لكّنها تنزف بدماء لا تملكها و يتألم شخص آخر و هي لا تدري
هذا ما كان لسان حاله ينطَق به .. و عينها تجول في شخص الواقف أمامه
بفستانها القصير و الهادئ للغاية
نطَق وهو يطوي الجريدة المفتوحة أمامه
..- على ويــــــــــــن ؟
نظرت إليه بحدة وهي ترفع إحدى حاجبيها
..- مو لمــكـــآن .. ليييش فيه شيء ؟
و كأنه بدأ يشتم مُصارعة جديدة تود بدأها
..- لاآ .. بس شفتك لابسة
..- يعني الواحد ما يلبس في بيته .. لازم يكون خارج
إتكأ على المقعد الجلدي خلفه وهو يقول
..- طيب ألبسي عباتك ... بنتعشا برا
فتحت إحدى المجلات التي قرأتها مراراً وهي تقول بلا مُبالاة
..- العشا جاهز .. و الأولاد مو هنا ..
..- أدري .. بنروح سوا أنا وإنتي
رفعت نظرها إليه وعيناها تقع على عينيه مباشرة
..- و جنى ؟
ببساطة
..- خليها مع الشغالة
عدلت من وضعية جلوسها في مكانها وقالت بنفس النبرة
..- لا أسمحلي مقدر ..
هذه إحدى المواقف التي تصف بجلاء " دعاء " الجديدة
حيث أنها كانت تخضَع لكل أوامره تلبي كل رغباته .. و قد تتخلى عن من تحب من أجله .. لذا فقد لعب بكل مشاعرها
جهلاً منه .. و ظناّ منه بخنوعها .. استثارها مراراً لكنها كانت حكيمة في كل ردودها و ترضي جميع الأطراف
و الآن عادت له استقلالية بشكل استفزازي .. لكّن ربما هذا الذي سعى من أجله
وهذه هي حصيلة ما زرعته يداه قبلاً
نطق بحزم لم يكُن ليتعب نفسه فيه سابقاً
..- أقولك قومي ألبسي عباتك بنأخذ جنى معانا.. نخلّص ونمر الأولاد و نأخذهم من بيت جدتهم .. بسرعة
لهجته الآمرة كانت أكثر من أن تمثّل الرفض أمامها
لذا نهضَت من أمامه وهي ترسم ملامح جامدة على
ملامحها
..- زيــن .. بس مو لازم تصّرخ أنا قدامك ..
رحلتهم كانت هادئَة وعادّيـة ..
نام أطفالها بينما عادت هي لحجرتها وحديث " وعد " الذي سُكب على أذنها منذ قليل يرهق تفكيرها
دلفت للحجرة لتجده جالساً أمام " جهازه "
بينما جلست هي في أبعد نُقطَة
بصوت خافت قالت
..- وافي
أرهف لها سمعه
فتابعت هي
..- صبا خرجت من السجن ..!
شرق بأنفاسه و سعل حتّى احمرّت ملامحه أحضرت كأس ماء
و اقتربت منه وناولته إياه
و هي تنظَر له بلوم حقيقي
..- كنت مخبّي الموضوع عن الكل .. هذا وإنت ولي أمرها .. لا و مخلين المسكينة ف مخزن الحشيش ..
قاطعها بحدة
..- وش عرفك إنت ؟
زفرت بهدوء وهي تتراجع للوارء
..- وعد .. و عمتي بعد كانت تدري .. تقول راحوا المزرعة وشافوها ..
عقد حاجبيه وهو يقول بنبرة صارمة
..- يعني اللحين لازم نغّير مكانها قبل ما ننفضَح عند النـ
قاطعته هي هذه المرة
..- رآآآآآآآآآآآآحــت ... صبا راحت مع صقر بس لـ وين ؟
هذا إلي ما أعرفه
طريقة كلامها استفزته قليلاً ليقول
..- ترى صقر زوجها
..- أدري .. لكَن وين أخذها .. حتى أخته ما تدري .. وعد تقول إنه بندر يدق عليه يعطيه إن الجوال مغلق .. يعني وشو يا ولي الأمر الأرض أنشقت و أبلعتهم
تزيد من عيار التهكم حتى تخمد نار
القهر المتصاعدة في جوفها
و كأنه ثأر تود إرجاعه بكلماتها
بينما هو يشتعل غضباً وهو يصّك على أسنانه بحدة
..- لا تبطنين كلامك .. ولا تجلسين تدقّين بالحكي .. أنا موكل بندر بكل شيء يخصّها
..- ليش ؟ إيييييييييييييييه عشانها خريجة سجون بقضّية كبيرة تسود الوجه .. لكّن ما همكم كأنها تابت أو لا .. ما همكم إلا أنكم تدفنونها من تخرج عشان ما تسود و جيهكم .. واثقيـن بصقر ثقة عميا .. ما يكون قتلها وهارب بدمها
نهضَت مبتعدة عنه لدولابها
..- تراها أخذت جزاها .. و الله على إليّ يظلمها بعد ..
رغم كُل ما يشعر به إلى أن يده أطبقت على شاشة الحاسب أمامه
و يده الأخرى تعتصر جبينه .. و كأنه يحاول أن يلتقط كُل تلك الخيوط
التي ألقتها في عقله
إبتعدت من الدولاب .. نحو سجّادتها تنوي أن تصلي القيام
و قبل أن تبدأ جلست
تراقب ملامحه المخفيّة عنها بين يديه
لتقول بجدّية
..- أنا حاسه فيها .. يمكن لأني كنت بيوم مكانها .. بس الفرق بيني وبينها .. أنا خرجت ولقيت مين يضفّني .. لقيت ناس تسمعني و أساساً تعرف أخلاقي .. و تعرف إني بريئة من كل التهم إلي توجهت لي ..
و إنهم مجرد أصدقاء سوء خلوني شماعة لهم .. أما هي فمالها أحد
صمتت لثواني .. ثم تابعت
..- و دام إني صرت في الصورة .. بقولها لك .. أنا مو ندمانة لأني دخلت السجن فيوم .. بغض النظر عن القضيّة .. بالعكس استفدت كثير من دخلتي فوائد بربي عيالي عليها .. و أشياء بعلمهم يجتنبوها
لكّن مشكلتنا الأساسية هي أن مجتمعنا للآن مو ناضج
و صمت مرت فيه ثواني أخرجت بعدها ما تود قوله
..- مثلك إنت مثلاً ..تزوجت عليّ عشان تثيرني .. تزوجت علي ّ عشان تصنع منّي إمراءة تحب إنها تحرق دمها و أعصابها من أجلك و بعدها بكل بساطة تطلّق " الثانية " .. هه و معروفة إنت ماهتميت لشعور الأولى من البداية كيف كنت بتقدر الثانية .. هذا دليل
على إنك إنت بعد مو ناضَج ..
وكأنه كان ينتظر أن تقولها .. لينقض عليها ..
عقله مشوش تماماً .. و ما تقوله يزيده على ما هو عليه
هشّم كُل معنى لشعور سعيد .. لا يعلم إن كان قد أحتضَنها أو ضربها
أو........... أو .......... أو ............
لكّنه يجزم أنها باتت تلك الليلة تبكي .. هيجانه رغم كُل ما كانت تقوله
من حق و صدق .. كان لذاته , لغفلته
لكّنه كبَر الحق .. أعمى بصيرته
وجعله يجعل من اللاشيء أمرا يستحق الغضَب


*
*
ضوء الشمس يتسلل عبر النوافذ الكبيرة بخفّة سببتها الغيوم القليلة العالقة هناك
بينما برودة عالية تسيطر على جزيئات المكان ..
عقارب الساعة تقف عند السابعة و النصف صباحاً ..
بينما الأخرى
تتسكّع بنظرها بين زوايا البهو الكبير .. استلقت على إحدى الأرائك
وغاصت بجسدها فيها .. قدم معكوفة تحتها و أخرى ممدة ترتفع أمامها على ذراع المقعد .. يدّها المتهدّلة إلى الأرض تقبض " جهاز التحكم " بإهمال ..
عيناها تتلّون بكل البهجة المُتقَدة على الصورة .. ف مشاهدة الرسوم المتحركة بلا صوت .. دليل
لكآبة لا مُتناهيّة
تتذكَر محادثَتها لجدتها .. و عمها .. يدعونها لحفل صغير هُم بصدده
لكّنهم يتحججون بأنها على شرف عودتها ..
أصبحت أكثر نضجاً لتدرك كذبتهم الصغيرة تلك
جميعُهم لا يحبونها .. و يرونها " متكبرة ، ساخرة " .. يتجنبون الحديث معها
و الآن و بعد عودتها ب مُدة قاربت الشهرين .. قرروا ذلك
زفرت بتعب وهي تقول لنفسها " حسناً ، تبدو جدتي أكثر صدقاً ..
و يبدو بجلاء أنني لن أذهب .. فلست بحاجة للمزيد من الضيق "
انتقل عقلها لصوت آخر مختلف .. قريب
أصبح من اللازم عودتها .. و إلا فقد يقرروا فصَلها
داومت لأسبوع .. لكّنه كان شنيعاً بلا ريب .. غيابها زاد
لكَنّها لا تلوم قلبها
كُل ما هناك يذكَرها بهما الأشخاص .. و المكان .. الضجّيج
و الأحاديث دائماً تتخلل إسميهما .. و يبدو أن هذا الصباح
لا يختلف كثيراً عن صباحاتها الباقيّة
الصمت الذي يحيط بها .. مطبق تماماً
حتّى الأشياء المحيطة بها .. كأنها تتمطى أمام كُل تلك الرتابة مصدرة تكّات خفيفة من باب التسليّة
تفكيرها يحوم حول نقطَة معينة .. و هي تنهض من مكانها تّرتب
" معطفها " الطويل على غير " عادة "
و تلّف طرحتها و نقابها .. سارت نحو حقيبتها القابعة على بُعد
ثم ذهبت لمقّر عملها ..
تفكَر بغباء أحياناً ف تظن .. بأنها لو
سمعت خبر موتهما لكَان هذا أقل ألماً من بقائها مُعلقة تحمل بداخلها
شمعتان متنافرتان للأمل و اليأس
عملت حتّى أصابها إجهاد حقيقي .. لكّنها تستلذ بكُل ما يشغل جوارحها
و اليوم كان صباحها مختلفاً لكَن في المساء
كانت تقف أمام " الاستقبال " و تحمل بين يديها ملفاً تحدّق في صفحاته بتعب محاولة التركيز فيه
لكَنّها سمعت صوت وصوت مألوف جداً
..- سستر ..
إلتفتت نحوه فوجدته بدأ في محادثة ممرضة آخرى
بقيت عيناها تأكل ملامحه بشراهة عجيبة تشتم وجوده بفضول أعمى
تبحث عن ضالتها خلفه أو بين يديه في معطفه .. أو
بخبر ما داخل عينيه
و كأنه أنتبه لوجودها .. ف اصطدمت نظراتهما للحظَة
قبل أن يحّولها هو و يقول بنبرة شك
..- سلمــــى .. ؟
أقترب منها وهو يبتسم و يقول
..- توقعتك ما تجي اليـوم
لمْ تكُن في مزاج يُتيح لها أن تبادله ذلك الإبتسام .. أو حتى سؤاله " لماذا "
لذا تركت ذلك معلق في ذهنها لدقائق قبل أن تشعر بذلك الشخص يتجاوزها و يشّدها من يدها نحو ممر قريب
يُفضَي لـ غرفة الممرضات
و تركت الأول و وقوفه و السعادة الرابضَة في عيناه هكذا
زفرت بغضَب وهي تتوقف عن المتابعة
..- نجوى لو سمحتي .. صدق مو بمزاج لك .. وراااااي شغَل أخلصَه بعدين
قاطعتها الأخرى وهي تقول
..- لاآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآ .. هالمرة مرة بس .. فيه وحدة بتشوووفك
قليل من الفضول داعب أعماقها الغارقة في السواد
لأن الأخير غلب القليل ذاك
استدارت و هي تلّوح بيدها ب لا مُبالاة مًصطنعة
..- موب وقته .. بعدين بعدين
لكَن صوت جديد إستنفر آخر خلاياها الميّتة يأساً ..
إستفزّ حزنها ليقتلها فوخزها بشَدة في حنجرتها
إستدارت تتصَنع إبتسامة تجبرها على التقوسّ للأعلى
لكنها تريد العكَس
..- هلاآ نشوى ..
وجه الأخيرة يصَرخ بسعادة غامرة .. لا توازيها سعادة
صحيح أنها رحلت من هناك دون توديع أي منهم
لكّنها سعيدة هي أيضاُ و في أعماقها لأنها عادت بالسلامة من جديد
..- الحمدلله على السلامَة
نطَقتها بين ذراعيّ الأخرى التي تشّدها بقّوة .. و تهمس لها
..- الله يسلمك .. و مبروووك ليكي على رجعتهم
زفرت بشّدة .. و هي تدفعها عنها و تهمّ بالتحرك لحيث تُكمَل عملها
لكَن يد " نشوى " أحاطَت برسخها
..- سلمى .. مالك يا بنت .. متئولي الحمدلله .. ما يهمش هما رجعوا كيف .. المهم إنهم جنبك دحين ..
فغرت فاهها لثواني قليلة .. أو ربما طغت لدقائق معدودة قبل
أن تستوعب ببطء سُلحفاة
ما تقوله " نشوى " هل عادوا فعَلن
...- إنتوا متى رجعتوا ؟
صوتها كان خافتاً بل و متحشرج بشَدة
قبل أن تجيبه الأخرى بدهشَة
..- أمس .. هوا المفروض عندنا إجازة بس أنا جيت آخد بعض الأوراق .. بس أخوك وجوزك جو مع الدفعة التانية اليوم الصُبح
و لتكمَل " نجوى " بصوت ساخر
..- إيييه .. و أنا إلي قلت ما بتجينا سلمى اليوم إلا و معاها هدايا رجعتهم سالميــن .. بس مالت علينا
*
أستغفر الله العظيم
*
لاآ تعَلم كيف أصبحت تقف في منتصَف الطريق المقابل
للمشفى ..
وهذه هي المرة الأولى التي تقف فيها في الشارع
ب هذا الزي بينما ترقد عباءتها بسلام في قاع حقيبتها
لا تعلم كيف تركت نشوى ذاهلة في ذلك الممر و بجوارها
لا يهمها كُل ذلك المهم أن تصَل إلى منزلها بأسرع ما يمكن
تركتها سيارة الأجرة على بعد خطوات من بوابة المنزل الرئيسية
بعد أن ألقت له ما لا تدري مقداره لكَن السعادة على ملامحه كفتها
إلتهمت خطواتها الواسعَة الأرض من تحتها بسُرعة عالية
حتى وصَلت لباب الفلّة الرئيسي
لكَنها توقفت هناك لدى الباب
تتأمل البهو الأمامي الكبيــــر .. و خادمَة التي راحت تمسح الأرضيّة في منتصَفه
و المكان يعصف فيه هدوء لا يختلف تماماً عمّا تركته صباحاً
سألتها بصوت خافت لكَن رنّان
..- جا أحد اليوم ؟
لتحّرك الأخرى رأسها بهدوء وهي تجيب
..- لا
هكذا أوقَدت شمعَة أمل محترقَة منذ البداية
شيء ما جعلها تركض متلهَفة مغادة كُل ذلك السواد
شيء ما " آخر " جعلها تتحّرك بيأس مُفرط نحو حجرتها
لا أحد هنا فالخدم يخدمون أنفسهم .. و هي تقبع وحدها
لا حاجَة لكّي تبكي بعد الآن
فيأس في داخلها أستحال لظُلمة متفشّية
ظلمة حقيقيّة لا مادّية فيها
استلقت على سريرها
وهي تتذكَر شيئاً ..
ثم تمتمت بشيء من قبيل
أن عليها أن تشكُر نشوى ..، لأنها جعلتها تبتسم بفرحة ولو لدقائق
أحلمُ أحيانًا بتحطيمِ الحوائطِ الحائمةِ كأشباحٍ من حولي
بإلقاءِ النافذةِ جُثَّةً من النافذة
بالركضِ بلا معطفٍ أو مظلَّة في طُرُقاتٍ عارية
بإذلالِهِ، هذا المطر، وَحْلاً تحتَ حذائي
بالصراخِ عاليًا
عاليًا
حيثُ تسخرُ من وجودي جمجمةُ القمر.
2
يَ ذآ آلطـِريق !
آلدِنيـآ بِ عُيونيّ تِضييييقْ
تدري وش آفقدْ لِ آوصلِكْ ؟
آفقدْ خِطـآ
آفقدْ سنينٍ من عطـآ
عنْهآ , سنينٍ من : عذآبْ !
آفقدْ صوآبْ
فآضتْ مسآحآتيّ - خَطا !
فآضت حيآتي بِ آلنْدمْ
مخنوووقـَه
وآِحسَآسي عَدمْ ،
محتآجْ آوقَف يَ طِريق
لكِنّ , مآعندي قِدمْ !
مآعِنديّ قدمْ !

اللذة الخامسة و الثلاثيـن

" الأخيرة "
أصابعها تطَرق على النافذة بإيقاع بطيء جداً
بينما دمعَة حُلوة تنسكَب على خدّها حتى نهاية وجهها
لتترك نفسها تسقَط من ذلك العلو ثم ترتطم بالأرض و تتلاشى تماماً
الغرفة غارقَة في ظلام دامس
ضوء خفيف تركه القمر يتسلل لـملامحها الغريبة
حُزن قاسي حُفرت فيه علائَم فرح
حدقتيها مثبتان على نقطَة ما في الخارج .. على الملحق بالتحديد
لم يختبئون هناك .. لم قتلوا فرحتها و أحيوها من جديد ؟
حركتها مجمدة تماماً .. لا تقوى على الركض
لتجد الضوء قد أنطفأ و الطيف الذي لمحته
قد أختفى
و يعود المكان مغبراً ساكناً سكون الأموات
إتسعت عيناها عندما شاهدت الباب يُفتح
ويخرج هو
يأخذ طريقه نحو باب الفيلا مُباشرةً
همست بنبرة متقطَة تعلوها شهقَة
..- حُ سـآم .. !
تراجعت إلى الوراء خطوات فقط
قطعت بها المسافة نحو الباب .. هبطَت السُلم
وأستقر نظرها عليه يقف متلهفاً في منتصَف البهو
كل شيء يحيط بهما حتى هو نفسه
لقائهما هكذا يشبه أحد أحلامها الكثيرة
بكَت بلا وعي بين ذراعيه بينما يعانقها الأخر
بود عميق رفعت نظَرها إليه بعد وقت ليس بالقليل
..- وين كُنتوا ؟
إبتسم رغُم سواد الذكرى و غُبارها وهو يربتّ على وجنتها
المبللتين
..- قصَة طويلة .. بـس مـ
قطع حديثه وهو يراها تمسح على ندبَة مؤلمة غائرة
تشي بجُرح عميق نزف صاحبَه طويلاً
يمتد من منتصف جبينه ويتدحرج نزولاً لأذنه اليُمنى
..- وش ... وش هذا؟؟؟
صوتها خائر القوى .. محشَرج بغصَة كبيرة
..- آآآآآآه .. جرح .. الحمدلله جات على كذا
بهمس خافت قَلق
..- ذاك اليوم ؟
أومأ إيجاباً
فكّأنه خطَر على عقلها خاطِر جديد
جعَل بصَرها يمتد بحريّة
للفراغ خلفه
قبَل أن تعود به لإبتسامته الجانبية وهو يقول
..- بالقوة أقنعته يجي معي لهنا..
خفق قلبها بعنف وهي تزفَر بقلق حقيقي
...- خااايفـة .. أكون أحلم و أنا مدري
ارتفعت ضَحكته الصافيّة وهو يضَرب كفّه في ظاهر يدها
رفعَت يدها و هيّ تمسح بيدها الأخرى بقايا دموعها
..- آآآح .. بشويش .. و الله فرحانننننه إنكم بخير
و إنتوا ما تسألون عنّي .. ما قلقتوا عليّ ؟
أجابها بحب
..- لاآ حنا عرفنا من وصَلنا المركز إنك رجعتي .. و بعدين أتصَلت على البيت .. و تأكدت إنك هناك
شهقَت و أتسعت حدقتيها
..- ماااااااااشاااء الله .. و ما تقولهم عطوني سلمى على الأقل أطمنها ..و لا بالكذب قولهم يطمنوني ..
..- ما لحقَت ... تو سألتها سلمى موجودة و هي تقول إيه.. و يقطَع الخط عليّ
ضَربت كتفه القريب و هي تقول بذات الحُزن
..- مالك عذر ..
أبعدها قليلاً عنه وهو يقول
..- طّيب ممكن أطلع أبدّل ملابسي .. مشتاااق لدوش طووووويل ..
أفسحت له الطريق
لتتابع خطواته إلى أعلى الدرج
وصوته يخرج جاد و هادئ
..- خففي من صدمتك .. و ساعديه .. لأنه بيروح ل أهله بعد الصلاة
بإستغراب ..
..- صدمة وش ؟
لكَن سؤالها ظَل معلقاً في الهواء .. و لن يجيب نفسها إلا هي
تحركت بخطوات مُترددة قصيرة
مدّت في المسافة الفاصَلة أمتار وأمتار
حتى أصبحت تقف على الباب المفتوح جزئياً
حدقتيها تدور بهدوء في المكان
مُظَلم .. و بارد
لوهلة عزمت على الرجوع
قبل أن يصَلها صوت مستفهم
..- سلمـى
تجمّدة لثواني بعدها تحركت خطواتها للداخل وهي ترى جسَد
لشخص يجلس قرب النافذَة الكبيرة المُطلة على الفناء المُظلم
عدا من ضوء القمر المتسلل إليها بقوته في ليلة منتصَف الشهر
جعَلها ذلك ترى بوضوح جزء من صورة
كادت أن توقف نبضَاتها السريعة
كتمت شهقتها بقّوة غريبة عليها
و هي تراه يدّور بعجلات كرسيّه ليواجهها
نطَقت بخجَل .. و توتر بعثَرته في تحريك " جلابيتها "
..- الحمد ل له على السلامَة
ملامحه غارقَة في الظلام أو جُزء كبير منها .. تحتاج
لتفحَصه طويلاً لكّي تعَي خلجاته جيداً
نطَق بصوت مشوب بنبرة غريبة
..- الله يسلمَك ..
ثواني كانت لا تسمع فيها سوى تنفسها المضطرب بحدة
عقلها توقف عن التفكير في الخطوة التاليّة
و صمت جثم بثقله على قلبها
رجفَة خرجت من أصل أنفاسها
و عيناها تراقب الشخص الذي أقتحم الفناء خلفه
الموقف محتدم ، و مبعثر
آلمها منظَره .. و هي ترى ساق واحدة فقط مُتدلّية
و زاد كُل هذا رؤيتها لملامح شخص يشبهها قليلاً
تختفي داخل المنزل
دمعَة لم تتحكم في نزولها تلتها أخرى وأخرى
ثم شهقَة
..- وش فيـــك ؟
بم تجُيب .. هل تجلس أمامه الآن لتحكي كُل حكاية
وحدتها الأليمة .. غُربتها و حُزن الحَرب
كأبتها المُستفحَلة وعودتهم التي زادتها ألماً
ساقُه المبتورة أم ..
..- أ أبــوي .. ج جـآ
تحرك بكرسيه فور قولها للخلف وهو ينظر للفناء .. شعر بعينيها تتأمل شخصاً ما خلفه
لكّنه ظنّ أنه تهّرب من منظره المُحبط
فأي عاجز هذا الذي ستبدأ معه حياتها
عقد حاجبيه و هو يضغط على مشاعره بقّوة و يقول بجمود
..- هذا بيته .. أكيد بيجي له
زفرت بقوة و هي تقترب منه بتردد كبير ..
..- حرمته مو هنا .. أكيد جاي يدور عليّ أنا و لا حسام
جلسَت على وسادة الكبيرة بالقُرب منه ..
و هي تمسح بيدها المُرتجفَة عرق وهمي على جبينها
وعيناها تنظَر لساقه المبتورة من هذا القُرب بوضوح
..- راحت وراح معاها الشَر .. بس وشلون ؟
أجابها بدون أن ينظر إليها .. وهو يعلم يقيناً أنها تكتم
شفقتها
..- أنفجرت القنبلة قريب منها .. و
وكأنه أفاق فجأة .. على سؤال ما .. فسأل
..- إنتي وين كنتِ ؟
تجمّع عقلها ... وترتب أفكارها .. تترك قلقها على حُسام
و عيناها لم تنسَى ملامح والدها " الغاضَبة "
ثم حديثها مع ....." زوجها "


يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -