رواية وش رجعك -31
جلس على جانب السرير .. وأنا أفتح هاتفي الذي أقفلته منذ ليلة الأمس .. لأرى عشرون مسجا منه .. رميت الهاتف على السرير .. ورميت جسدي معه .. أغمضت عيناي .. وأنا أحاول عدم قراءة رسائله .. لما يفعل هكذا ؟! أنا أثق به .. وموقنة بأنه لم يخطأ .. ولكــن .. ما كان يفعل بشقتها ؟ ولما ملابسه هناك ؟ يكفي أنني سكت عن تغزلها به .. وارتداءها لتلك الملابس السخيفة .. فتمادت .. وهو ساكت عنها ..
إلى أين ستصل بنـــا الأمور أكثر ؟! موقنة أنها تعمدت مناداتي لشقتها كي تريني يعقوب .. وتمثل بأن كل شيء كان صدفـــة ..
القذرة .. تريـــد أن تفرق بيننا .. ولكن لما تفعل كل هذا ؟! لم أأذها بشيء .. أساسا أنا لا أحتك بها نهائيا ..
توقفت عند هذا القدر من التفكير .. فقد سمعت صوت رنين هاتفي .. تناولته .. وكان المتصل " أحببتك من دون أن أقصد "
إنه اسمه .. وضعت الهاتف يميني .. وأصغيت لصوت الرنين الخاص به .. وتوقف الرنين .. لكنه عاد ثانية .. فأمسكت الهاتف .. نظرت فيها إلى صورته التي زينت الشاشة .. ابتسمت بحب .. ورغما عني .. ضغطت زر الرد .. لكنني لم أتكلم .. فقال : وأخيرا رحمتين حالي وفتحتين تلفونج ..
لم أجبه .. فقال : فطوم والي يرحم والديج سمعيني .. شرايج أمرج اللحين وأوضح لج كل شي ..
وكان جوابي الصمت أيضا ..
فأكمل : لا تخلينها تحصل الي تبيه .. هي ما تبي الخير لنا .. هي تبي تفرقنا .. فطوم لا نستسلم لها .. وصدقيني أول ما بجي أخوي بتفاهم معاه بموضوعها .. بس دخيلج .. لا تشكين فيني .. أنا ما أحب أحد غيرج .. وشنو أبي فيها وانتي يا بعد كل هلي عندي ..
هنا .. هطلت دموعي التي حبستها منذ الصباح .. أخذت أبكي بصمت .. لكن بعض الشهقات أفسدت صمتي .. ليقول : فطوم لا تصيحين .. لا تعذبيني غلاتي وتحسسيني بالذنب .. بشنو تبيني أثبت لج إني ما أخونج لا بالتفكير ولا بالنظر حتى ..
قلت له هامسة : يعقوب خلاص .. سكر الموضوع .. أنا ما أشك فيك .. كنت وقتها منصدمة بس ..
ليصلني صوته الهادئ : ريحتيني .. ( ثم همس ) ما تتصورين أي كثر اشتقت لج ..
تبسمت وأنا أمسح دمعي : وأنا بعد اشتقت لك ..
ليقول : أمرج ونطلع ؟
لأقول : لا ..
فأجاب بسرعة : ليش ؟ للحين زعلانة علي ؟
قلت له : وقلبي يرضى أزعل عليك ؟
فقال : فديييت قلبج المتولع فيني ..
ضحكت بخفة : وأنا ؟
ليقول : وانتي .. انتي مو بس أفديج أنا .. كوني كله يفديج حبيبتي ..
تبسمت بفرح : أحبك يعقوب ..
قال لي : وأنا أتنفس هواج ..
[ أحمــد ]
لا أعلم كيف غفت عيناي .. ولكنني أشعر بالتحسن الآن .. فمنذ يومين لم أنم نوما متواصلا .. نهضت من على الكنبة .. وأنا أدلك ضهري .. أخرجت هاتفي من جيبي .. وكانت الساعة الثامنة صباحا .. علي أن أقضي ما فاتني من الصلاة .. ولكن أين بيان وصديقتها ؟
أخذت أدور في الصالة .. أناديها .. لكن ما من جواب .. تذكرت أن اسمها مخزن لدي .. فاتصلت لها وأخبرتها بأنني استيقضت ..
في هذه الأثناء .. دخل حسن وبشار .. وثم دخلت بيان وصديقتها .. سلما علي .. وجلسو حولي .. ليقول بشار : خلصت النوم .. من أمس العصر لليوم نايم يالظالم ..
تبسمت : من زمان ما نمت عدل .. ما ادري شفيني بس حطيت راسي نمت ولا صحيت .. ( وبحرج ) ممكن أروح الحمام ..
تبسمت صفاء : أيوة .. تعال وراي ..
أدرت وجهي لبيان الجالسة على المقعد بهدوء وهي تنظر لكفيها .. وكأن وجودي لا يهمها بشيء .. تحيرني هي دوما .. ولكن .. كم أخشى أن يتحول هذا الهدوء إلى شيء آخر .. لينتفض قلبي .. عندما تذكرت بأنني سأفصح لها عن ما حدث لمحمود اليوم !
بعد ما انتهيت من أداء الصلاة .. وضعوا الفطور على الطاولة .. وتناولناه جميعا .. لأسألهم : بيان وصفاء في وين نمتون ؟ كان قعدتوني ..
فقالت صفاء : رحنا شقة بشار وحسن .. وهم نامو معاك ..
فأكمل حسن : لكنك خبر خير .. ولا صحيت ..
تبسمت بحرج : عسى بس ما ضايقتكم ..
فقال بشار : يعني .. تقدر تقول شوية ..
وقالت صفاء : إلا واااجد ..
ليقول حسن : ما عليك منهم .. هايلين أدفش منهم ما في .. بالعكس .. استانسنا فيك ..
تبسمت لهم : يلله حتى لو ضايقتكم .. تكبرون وتنسون ..
ضحك الجميع عدا بيان طبعا .. ولا أعلم كيف جاءتني هذه الجرأة وقلت لها : بيان بعد ما تكملين فطورج .. تجهزي بنطلع شوي ..
سكتت قليلا ثم قالت : اوك ..
ومن حديث لآخر .. لحين أن رأيت بيان خارجة من غرفتها وهي ترتدي معطفا ثقيلا .. فاستنتجنت أنها جهزت .. فنهضت : مشكورين على الضيافة .. وجزاكم الله خير ..
ليقول حسن : حاضرين والله .. كل يوم تعال ..
ابتسمت له .. والتفت لبيان : يلله مشينا ؟
هزت رأسها بإيجاب والتفت لصفاء التي ابتسمت لها .. لوحوا بعضمهم البعض وخرجت خلفي ..
كنت أمشي وأنا أضع كفاي في جيبا معطفي .. فالجو بارد جدا .. وبعض قطع الثلج الصغيرة تسقط من السماء .. وبيان تمشي ناحيتي .. قلت لها : شخبارج ؟ تأقلمتين على الجو هني ؟
لتقول : الحمد لله .. صج إن في البداية واجهت صعوبة .. بس بعدين تعودت ..
قلت لها : ودرجاتج ؟ اوكي ؟
فقالت : نص ونص ..
أدرت وجهي ناحيتها : متى النتائج بتطلع ؟
لتقول : باجر ..
فقلت لها : زين .. بنقعد لين باجر .. تاخذين نتيجتج ونرد لديرة الي اشتاقت لج وانتي اشتقتي لها ..
تبسمت : واخيرا .. من قلب خاطري أرجع .. وحشتني الماما .. محمود .. فطوم وكل الناس .. خاطري في دعاء أتحجج بها .. الكرييهة ما طرشت لي صور خطوبتها .. ومحمود ما فيه خير يتصل ويسأل ..
قلت لها بحزن : لا تعتبين عليه .. أكييد عنده أسبابه ..
فالتفت إلي : محمود فيه شي ؟
سكت .. لا أعلم بما أجيبها .. أأصارحها .. أم أتركها تنصدم هناك بالأمر الواقع ..
كررت سؤالها بخوف أكبر : أحمد جاوبني .. محمود صاير له شي ..
قلت لها وأنا أشير إلى الحديقة القريبة : تعالي ندخل .. نقعد .. وأقولج بكل شي .. وانتي تقولين لي كل الي صار هـ الفترة .. ( وبصعوبة ابتسمت ) اوكي بيون ؟
هزت رأسها ودخلنا الحديقة .. جلسنا أمام بحيرة البجع الصغيرة .. قالت لي : تكلم ..
تجنبت النظر لها .. وأنا أنظر إلى البحيرة التي هجرها أصحابها : طرقت جرس بيت جدتج بيوم خطوبة محمود .. وفتح لي عمار الباب .. وكان يتوقع إني محمود .. ودخلت .. مرت ساعات .. ومحمود ما وصل للحين .. قلبي ماكلني عليه .. أنا بس سلمت على الرسول " ص " بالمدينة ورجعت .. علشان بهـ اليوم أكون جنبه .. لأني متأكد إنه يفتقدنا .. أنا وانتي وأبوه .. لكن .. شكلي جيت متأخر .. لأني ما شفته بذاك اليوم ..
أدرت وجهي لها .. فرأيت عينيها متلألأتين بالدمع .. وهمست : وينه كان ؟
ابتلعت ريقي ثم قلت لها : ما ادري وين كـــان .. أمج خافت عليه .. والكل خاف عليه .. إلا عادل يقول يمكن في بيتنا ..
قصصت لها ما حدث .. إلى أن وصلت بأن الجلسة بعد اسبوعين .. وطول هذا الوقت لم أنظر لها .. فأنا أكتفي بسمع صوت دقات قلبي السريعة .. التفت لها الآن .. ورأيتها تحدق في الفراغ .. وكأنها تحاول فهم طلاسم كلامي .. قلت لها بحنان : بيون لا تخافين .. محمود بنلقاه .. محمود عايش .. وبجيي لنا يوم من الأيام .. هو يمكن يتغلا .. يبي يشوفنا شنو نسوي بدونه ..
قطع حديثي دمعها الذي هطل على خديها : جذاب ..
قلت لها بحنان أكبر : وربي أتمنى إن كل الي قلته جذب بس هـ ..
قاطعتني وهي ترتجف : انت جذاب .. قولي شنو سوى فيه أبوك ؟ أبوك هذا الي ما يخاف ربه .. أخوي شسوى له ؟ محمود ما أذى أحد .. محمود يحبكم .. هذا جزاه ؟ أحمد ( شهقت ) رجع أخوي .. تفهم ..
قلت لها بتأثر : والله لو أعرف مكانه رجعته .. دورته في كل مكان .. حتى إن الشرطة سوت تفتيش في البيت والشركة ومالقوه .. بس أوعدج بيان .. إنه بيرجع ..
بكت بصوت مرتفع : ما ابيك توعدني .. أبيييك تجييبه .. أنا شلون أعيش من غيره ؟ ماما شخبارها اللحين ؟ وأنا أقول ليش نبرة صوتها حزينة .. ليش تبجي كل ما أكلمها .. ليش ما قلتو لي ؟ ليش ما خليتوني أرد لأمي ؟
وضاع صوتها .. وسط شهقاتها .. أما أنا .. فحاولت اشغال نفسي برؤية الثلج .. وتجنب الاصغاء لصوت بكاءها .. كي تخرج ما بقلبها .. ولكـــن .. مستحيل هذا .. فأنا أصغر من أن أحتمل بكاءها .. جلست أمامها .. واحتضنت كفيها : بيون خلاص هدي .. انتي ما تثقين فيني ؟ أنا وعدتج إنه بيرجع .. يعني بيرجع .. محمود لا يمكن يروح ويخلينا .. كلنا نحتاجه .. محمود ما يسويها ..
لكنها .. لم تتوقف بعد عن البكاء .. وعينيها الحمراوين .. لأجلهما دمعت عيناي .. لا أعلم كيف ضممتها إلى صدري .. ولكني فعلت هذا .. لأن طاقتي كلها نفذت .. وما عدت قادرا على الاحتمال .. ضممتها إلي .. وأنا أتذكر تقاسيم وجه محمود المختبأة بين ملامحها .. ومـــر كل شيء في ذهني هذه اللحظة .. منذ اليوم الأول لصداقتنا .. اليوم الذي التقيت فيه هذه العائلة الطيبة .. اليوم الذي شكوت فيه لمحمود عن حبي الضائـع بين الهجـر والمجهول .. عن كل شيء .. وذاك اليوم الذي اختارت فيه تحرير أخاها على سعادتنا .. اليوم الذي فيه قتلت .. ونستني فيه الروح .. لتضيع روحي مرة أخرى .. بضيـــاع محمود .. لما جئت متأخرا ؟! لما سمح لنفسه الخروج ؟ ماذا حدث له ؟ أين هو الآن ؟! أهو حي أم ميت ؟ أصاحِ هو أم مريض ؟
ابعدتها عني وانتبهت لوجهها الأحمر .. عينيها محمرتين .. أشعر بأنه سيغشى عليها في أية لحظة .. مسحت دمعها .. وقلت لها بشفتاي المرتجفتين : بيون لا تصيحين .. تبين محمود بعدين يعاتبني ويقول لي ليش صيحت اختي ؟ بيون والي يرحم والديج .. بمعزة محمود .. لا تيأسين .. وخلي بقلبج أمل إنه بيرجع ..
نهضت من مكانها .. ودارت بهدوء حول البحيرة : أخـاف يقتلني الأمل .. ( التفت إلي وقالت بحزن ) دعاء شخبارها ؟
ما يعجبني ببيان أنها رغم توجعها .. تتذكر أوجاع الآخرين الأكثر منها .. تواسي نفسها بهم .. وتقنع الحزن أن هناك من هو حزين بدرجة أكبر : دعاء تحتاجج تواسينها .. دعاء تغيرت بيون .. ما عادت مثل ما كانت .. كلهم تغيرو .. حتى علي تغير ..
قالت بألم : علي بعد .. عجل من لأمي ؟ توقعت علي بساندها ..
لأقول لها : عمار من ذاك اليوم وهو ينام في بيتكم مع أمج .. ومو مقصر بشي .. وخالاتج كل يوم يزورونها .. وجدتج تقريبا كل سبوع تنام كم يوم ببيتكم ..
فقالت : خلنا نرد اليوم .. ما أقدر أصبر لين باجر وأشوفهم ..
نهضت ووقفت أمامها : ما عليه .. تردين بنتيجة هـ الكورس .. وان شاء الله زينة .. علشان تفرحينهم ..
ضحكت باستهزاء : أفرحهم بشنو ؟ إذا أنا ما أتوقع إني بفرح ..
مددت لها كفي : الله كريم .. يلله تعالي نرد .. علشان تجهزين أغراضج .. بكرة رحلتنا من الصبح ..
أمسكت كفها .. ومشينا بهدوء خارجين من الحديقة .. ونحن نمشي .. كنت انظر لها بين الحين والآخر .. أراها غارقة بالتفكير .. كم يؤلمني ما أصابها .. ليتني أستطيع أن أجعلها تبتسم .. وتزول تلك الحمرة من عينيها ..
وصلنا البناية .. طرقت جرس شقتهم .. وهي تقف بجانبي .. فتح حسن الباب .. وكان ينظر لها باستغراب : بيان .. شفيج ؟
نكست رأسها ودخلت مباشرة قاصدة غرفتها .. ودعاني هو للدخول لكنني سندت جسدي عند الباب وقلت له حينما سألني عنها : أبي أقولك شصار .. بس شوف صار لنا كم ساعة من طلعنا .. طول هـ الوقت وأنا أبذل جهد نفسي وجسدي .. أحس روحي تعبان .. ان شاء الله المغرب .. أجي وأفهمكم الموضوع .. بس خلوها بروحها .. لحد يطق عليها الباب .. وقت الي بتحس روحها زينة .. بتطلع .. اوك ؟
هز رأسه متفهما : الله يساعدك ..
قلت له : أشوفك على خير ..
تبسم : تلاقي خير ..
==
[ حسن ]
أغلقت باب الشقة وأنا أفكر بالشيء الذي قاله لها فأبكاها لهذه الدرجة .. صحيح أنني كلما رأيتها أراها تبكي .. لكن على ما يبدو أن هذه المرة تختلف ..
جلست أمام التلفاز .. وناديت صفاء التي تطرق بابها : صفاء تعالي ..
أتت وجلست جانبي : شفيها بيون ؟
قلت لها بهدوء : يقول أحمد خلوها بروحها .. ولحد يطق عليها غرفتها .. وقت ما بتصير زينة بتطلع ..
فقالت : انزين شنو فيها بالضبط ؟ ليش صيحها ؟ أهلها فيهم شي ؟
قلت لها : ما ادري .. يمكن موضوع خـاص .. لا تسألين .. اذا يبونا نعرف بقولون ..
سكتت قليلا ثم نهضت ودخلت غرفتها ..
لأخرج أنا من الشقة .. وأدخل شقتنا .. دخلت غرفتي .. ورميت جسدي على السرير .. وجهها لا يفارق ذاكرتي .. لا أكذب عليكم .. هذا الفصل .. هو أجمل فصل عشته في هذه البلاد .. فصفاء وبيـــان وبشار .. أنسوني الشعور بالغربة الذي ذقته خلال تلك السنين .. والأشياء التي أجهلها عن تلك الفتاة .. تحمسني .. وتجعلني أتقرب لها كي أفهم تصرفاتها .. ومن دون قصد .. تقترب هي إلي قلبي .. وتتربع هناك ..
طردت هذه الأفكار من ذهني .. وأدرت وجهي للجهة الثانية .. أفكر بالنتيجة .. لكن أفكاري ذهبت تدريجيا إلى نتيجة بيان .. كم ستكون ؟ أستواصل دراستها ؟ وستبقى هنا إلى حين أن أتخرج ؟
تبسمت على هذه الكلمة " التخرج " متى سيأتي هذا اليوم .. ولكنني بنفس الوقت لا أوده أن يأتي .. لأنها ستكون بعيدة عنــي ..
مهلا .. ماذا أقول أنا .. وما شأني بها .. هي دوما بعيدة .. وبيننا حواجز كثيرة ..
أتكذب يا حسن ؟ ألا تشعر بقربها منك رغم كل المسافة التي تفصل بينكما ؟
اممممم ربما قليلا .. شعور بالمسؤلية .. خصوصا ومحمود أوصاني أن أعمالها كما أعامل صفاء ..
ألا تكف عن الكذب ؟ أجبني بصدق .. أتعزها كما تعز صفــاء ؟
لا أدري .. الحقيقة .. أنني محتار في مشاعري ..
فتحت عيناي وأنا ابتسم إلى ما توصلت له في النهاية .. الحيرة .. التي أخرست بها تفكيري الغبي ..
==
ويوم آخر ينقضي ..
تخرج الشمس مختالة بين الغيوم .. فقد انتصرت عليها وتمكنت من الظهور بعد عدة أيام منعتها البرودة والغيوم المحملة بالأمطار المجمدة من أن ترسل الدفء .. إلى قلوب البشــــر ..
في شقة صغيرة .. بها غرفتين وصالة متوسطة الحجم .. مطبخ .. وحمام .. نفتتج هذا الصبــاح بهم .. فصفاء .. خرجت من غرفتها وهي تجر حقيبة سفرها نحو الباب .. وركضت نحو غرفة بيان .. طرقت الباب بسعادة : بييون .. بيييون .. اليييوم النتااااايج .. الييييييوم بنرد للبحرين .. كللللوش ..
لكنها لم تسمع ردا .. حاولت فتح الباب .. وفتح .. ألم يكن مقفلا بلأمس ؟.. وحينما دخلت .. سقطت أنظارها على التي تسند جسدها بالجدار .. وتتنفس بصعوبة .. وجهها محمر .. شعرها مبلل ويبدو أنها محمومة ..
دنت منها .. ووضعت كفها على رأس صديقتها : بيييون .. حراارتج مرتفعة .. شفيييج ؟ بيييون تكلمي ..
وكان رد بيان الصمت .. فخرت دموع صفاء وهي تهزها : بييون قومي نامي على السرير .. وأنا بسوي لج كمادات .. قومي بييون ..
حاولت انهاضها .. وبصعوبة .. تمكنت من وضعها على السرير .. غطتها باللحاف .. وسمعت همسة منها : برد ..
قالت صفاء : اللحين بجي بستشور شعرج .. ليش رطب ؟ تسبحتي انتي ؟
قالت بهمس أيضا : راسي بينفجر .. أبي بندول ..
خرجت من الغرفة .. ولا تعلم ما تفعل أولا .. أتأتي بالبندول .. أم الكمادات .. أم بمجفف الشعر .. أم تخبر أحدا بمرض بيان المفاجئ ..
لكنها أسرعت نحو المطبخ بحثت عن البندول .. وعثرت عليه أخيرا .. أخرجت كأس عصير برتقال من الثلاجة .. وأسرعت نحو غرفة بيان ..
أعطتها البندول .. ثم ساعدتها في شرب بعض من العصير .. وقالت لها بحزن : بييون شلون صار فيج جذي ؟ عورتين قلبي ..
سقطت دمعة من عينين بيان : صحيت في الليل تعبانة وجسمي ساخن .. كان راسي يدور .. وشغلت لي الماي البارد .. قعدت تحت الماي .. أبي جسمي يبرد .. أبي راسي يوقف الحنين الي فيه .. بس مو راضي يخف ..
قالت لها بعتاب : كان سبحتي بماي ساخن .. شوفي شلون مرضتي روحج زيادة .. لحظة شوي بسوي لج كمادات ..
أمسكت كفها : لا صفوي .. ما ابي شي .. انتي بس روحي جيبي نتيجتي .. صفوي أبي أرد البحرين .. أبي أروح لأمي .. امي تنتظرني اللحين ..
بكت صفاء : بييون أنا ما بجيبها من غيرج .. وبنرد كلنا سوى .. اللحين بسوي لج كمادات .. وبتصيرين أحسن ..
تبسمت بيان : انزين ليش تصيحين .. أنا بخير .. بس أدلع شوي .. روحي وما عليج مني .. يلله يالعروس ..
وبعد نقاش عقيم .. لم تسمح لها بالبقاء معها .. خرجت صفاء نحو شقة أخوها وابن عمها .. وقبل أن تطرق الباب .. خرج الاثنان .. وهما يضحكان .. قالت لهما بضيق : يلله نروح بسرعة ..
قال حسن : وينها بيان ؟ ما بتجي ؟
رمقته بضيق أيضا وهي تتقدمهم : ما تبي تجي ..
سألها حسن بخوف : ليش ؟
قالت له : وانت ليش تحقق وياي ؟ ما تبي تجي وخلاص ..
استغرب انقلاب مزاجها في هذا الصباح .. وتبادل نظرات الاستغراب مع بشار ..
وصلوا الجامعة .. وكل منهم ذهب إلى قسمه يستلم نتيجته .. وحسن .. سيستلم نتيجة بيان لأنها معه بنفس القسم بعد أن أعطته صفاء بطاقتها الجامعية ..
أخذ نتيجتها أولا .. وابتسم بسعادة حينما رآها ليست سيئة كما تتوقع هي .. أخذ نتيجته وكانت كـالعادة ممتازة .. والتقى بصفاء المبتهجة لنتيجتها وبشار الفرح بسعادة صفاء .. فنتيجتهم لا تبشر بخير " هع " ..
وصلوا البناية .. وقصدو كلهم شقة صفاء وبيان .. كي يخرجوا الحقائب .. ويبشروا بيان بنتيجتها ..
لكنهم انصدموا .. حينما رأو المكـــان خاليا .. وبيــــان ليست موجودة بغرفتها ..!
==
[ أحمــد ]
رفعت بصري لحسن وبشار وصفاء القادمين نحوي .. وقال حسن : بشر ؟ شخبارها ؟
قلت له بهدوء : خلو عليها مغذي .. وضربوها ابرة تنزل حرارتها .. واصلة 40 !
بكت صفاء : وين هي ؟ بأي غرفة ؟ أبي أروح لها ؟
تبسمت لها : لا تصيحين .. هي بخير .. ( وأشرت إلى الغرفة ) هذي ..
دخلت صفاء .. وجلس حسن وبشار بجانبي .. ثم سألني حسن : واللحين ؟ شلون بترجع البحرين وهي مريضة ؟
قلت له : توني متصل ألغيت الرحلة .. وما حجزت .. لأن ما ادري متى بتصير زينة وبتنزل حرارتها ..
قال حسن : ما تدري شنو سبب تهور صحتها جذي ؟
قلت له بضيق : أمس لما طلعت معاها .. كنت أقولها عن محمود أخوها ..
نظر لي حسن وبشار باهتمام : شفيه محمود ؟
ابتسمت بألم : ما ندري وينه فيه .. يوم خطوبته اختفى .. واحنى رفعنا قضية على ( بضيق قلت ) أبوي .. لأنا شاكين إنه ورى اختفاءه .. وننتظر الجلسة علشان نشوف شنو النتيجة ..
سكتا قليلا .. ثم قال حسن : لا حول ولا قوة الا بلله .. والحين شخبارهم أهله ؟
تبسمت : صابرين ..
ليقول حسن : باقي ساعتين عن موعد الطائرة .. عموما .. سلم عليها .. وتحمل بها .. ( أخرج من جيبه ورقة وبطاقة ) هذي نتيجتها وبطاقتها الجامعية ..
أخذتهم : مشكورين .. لا تخاف .. بيان بعيوني ..
لم يجب .. ثم نهض .. وطرق باب الغرفة .. كنت صامتا أنظر له فقط .. دخل الغرفة .. وبعد دقائق خرج وهو يضع ذراعه على كتفي اخته .. وخرج الثلاثة من المشفى .. بعد أن وصتني صفاء على بيان ..
وأنا صامت أتأمل بالفراغ .. رفعت البطاقة إلى مستوى عيناي .. ونظرت إلى صورتها .. وهي تبتسم بشقاوة ..
ابتسمت على ابتسامتها الطفولية .. وأغمضت عيناي .. أتذكر تقاسيم حسن عندما قلت له بأن بيان في عيناي .. ترى .. لما بدى الجمود على وجهه ؟! أيكن لها شيئا بقلبه ؟
طردت هذه الأفكار من ذهني .. ونهضت قاصدا الغرفة .. طرقت الباب .. ثم دخلت ..
/
[ بيـــان ]
كنت أجمع حوائجي بتعب .. حينما سمعت صوت طرق على باب الشقة .. ضننت أنها صفاء .. فتحت الباب .. وكان احمد .. حينما رآني بهذا الحال .. أصر على أخذي للمشفى .. كم أنا خجلة منه .. أشعر بأنه تعب معي كثيرا .. وأنا أحاول النوم .. دخلت صفاء .. أخذت تبكي .. وبكاءها أتعبني أكثر .. أكره أن يبكي أحبتي والسبب أنا .. وخصوصا أنني لا أستطيع أن أغير شيئا .. وأصحو كي لا تبكي هي .. بعدها دخل حسن .. ووقف بعيدا .. كان ينظر نحوي بنظرات لم أفهمها .. أو ربما كنت أتخيل نظراته الغريبة تلك .. وكأنه يلومني .. يعاتبني على شيء لم أفعله .. دعا لي بأن أتحسن .. ثم طلب مني أن ألتزم بالدواء وأنتبه لنفسي .. وفي النهاية .. قال جملة لا أتذكرها حرفيا .. ولكنها بمعنى .. أنني هنـا .. لا أفهم ما يقصده .. والآن .. دخل أحمد .. وهو يبتسم : شخبارها الدلوعة ؟
ابتسمت على ابتسامته الرائعة : تمام ..
ضحك : تمام والمغذي بيدها ..
هززت رأسي بإيجاب : ماله داعي .. هم طولين السالفة وهي قصيرة .. ما صارت حرارتي ارتفعت شوي ..
رمقني بغضب : شوي ؟ موصلة 40 وتقولين شوي ؟ اعترفي .. شسويتي بروحج البارحة ؟
سكت عنه .. أفكر بجواب لسؤاله .. ماذا فعلت بلأمس ؟! فبلأمس عندما أغلقت باب غرفتي .. فتحت حقيبتي التي حزمت حاجياتي فيها .. وأخذت ألبوم الصور .. كنت أتأمل بوجه محمود .. أبحر بملامحه .. أتذكر كل ذكرياتي معه .. بالأمس .. بكيييت لحين أن شعرت أنني لا أملك طاقة للبكاء أكثر .. بالأمس انشلت قدرتي على تحمل الصداع .. والحرقة التي بعيناي .. بالأمس شعرت بالخوف مجددا .. فسندي .. لم يعد موجودا بجانبي .. بالأمس لم تغفو عيناي إلا ساعة .. وبعناء تمكنت أن أنامها .. وحينما أفقت .. تضاعف الوجع .. فخرجت نحو الحمام .. جلست تحت الماء البارد .. علها برودة الماء تخفف عليّ أوجـــاعي .. ولكن .. خــاب ضني .. لأنها زادت .. ولم أتمكن إلا بصعوبة أن أصل إلى غرفتي .. وأرمي بجسدي على أرضية الغرفة ..
صحوت على صوته ينبهني : في وين سرحــانة ؟
ابتسمت بصعوبة : كنت أذكر شنو صار أمس ..
أتى وجلس على المقعد الذي بجانبي وقال بحنان أربكني : بيون .. حاولي تصيرين أقوى .. أمج تحتاجج تواسينها ..
هززت رأسي بتفهم : ان شاء الله ..
لنسمع صوت رنين هاتفه .. التفت لي وهو يبتسم بعد أن ألقى نظرة على اسم المتصل : هذا عمار .. ( ثم وجه الحديث لعمار ) هلا عمار .. الحمد لله تمام .. شخبارك انت ؟ ( رفع نظره إلي ) كاهي قبالي .. لا ما بنجي اليوم .. لا ما صاير شي بس من تغير الجو ارتفعت حرارتها شوي .. اي اي .. ما ادري .. على حسب .. أول ما تصحى على طول بنرد .. اوك ... الله يحفظك .. ( مد ذراعه بالهاتف ) يبي يكلمج ..
تناولت الهاتف وأنا ابتسم : لا تكلمني .. أنا زعلانة ..
وصلني صوته الهادئ : اهلييين بيان .. شخبارج ؟
قلت له : مو زينة .. من سمعت صوتك ..
ضحك بخفة : افا .. ليش ..
قلت له : وانا قايلة لك يالخاين أي شي يصير تقولي .. اللحين ( بضيق قلت ) محمود يصير له كل هذا وما تقولي ؟
سكت قليلا ثم قال : من جذي زعلانة ؟
رفعت بصري لأحمد الذي يقف أمام الدريشة وقلت بهمس : لا .. ليش ما تجون تخاذوني ؟ كأن ما عندي أهل ..
ليقول : وتضنين أقدر أواجهج بالي صار إذا جيت ؟ ولا يعقوب يقدر ؟ بيان انتي أكثر وحدة تعرفين إني ما اقدر أتحمل أشوفج منكسرة ..
لمعت عيناي : وليش ما قلتون لي ؟ يعني أنا غريبة ؟ أنا مو اخته ؟ ولا خلاص .. لما صرت بعيد نسيتوني ..
قال لي : بذمتج .. احنا نسيناج ؟ قولي من قدر ينساج ؟ وما قلنا لج لأن نبي هـ الكورس ينتهي على خير .. ما قلنا لج .. لأن عارفين إنج على طول بتتهورين وبتردين وبتقولين ما بتردين مرة ثانية .. قولي لي .. صح كلامي ولا لا ؟
قلت له : بس بعد .. أمي أي كثر تعذبت هـ الفترة ولا أنا ولا محمود بجنبها ..
ليقول : بس الله وياها .. وأنا على طول في بيتكم .. وفطوم ما في يوم طاف ما جت .. ودعاء مرت أخوج تقريبا يوميا تجي .. أمج ما صارت بروجها ..
تنهدت : اوكي .. شخباركم بعد ؟
ليقول : الحمد لله .. كلنا بخير .. وناقصنا وجودج ..
قلت له : لا تقول لأمي اني مريضة .. قولها ما حصلنا حجز ..
ليقول باهتمام : بيييون علشان خاطر محمود اهتمي لنفسج .. شربي دواج علشان تردين بسرعة .. كلنا ننتظر ردتج ..
قلت له وعيناي معلقتين على أحمد الذي ما زال ينظر من النافذة : ان شاء الله .. سلم على أمي واجد .. وعلى فطوم .. وعليهم كلهم ..
==
مــــازن ..
التفت لي وهو يبتسم : يا روح مازن .. آمريني ..
تبسمت له : تسلم روحك .. ممكن بكرة أروح لبيان ؟ اليوم بترد ..
ليقول : اوك .. بس العصر اوك ؟ المغرب بكون مشغول شوي ..
قلت له : بروح بسيارتي .. ما يحتاج توصلني ..
ليقول : ما يصير حبيبتي .. تذكري شنو قالج الدكتور ..
عبست : تراه واجد ضخم الموضوع .. قال ألبس نظارة ورغم إني مو تقبلة شكلي لبست .. وأقطر عيوني كل يوم .. حاطري أسوق .. زمان ما لفيت بروحي بالسيارة ..
أتى ووقف أمامي واحتضن وجهي ونظر مباشرة إلى عيناي : ما عليه .. تلبسين نظارة وتداومين على دواج ولا تبين تعمين وما تشوفين ؟ تبيني أموت أنا إذا شفت حبيبتي ناقصها شي وأنا مو قادر أوفره لها ؟
نكست نظري .. ورفعت كفاي لأحرر وجهي .. وقلت بارتباك لأنفاسه القريبة مني : بسوي الـ .. الـعملية ..
تبسم وهو يجبرني أن أرفع نظري إليه : قالج الدكتور ما يصلح اللحين .. خلها الحساسية الي بعيونج تروح .. ومن عيوني آخذج تسوين العملية ..
قلت له بارتباك وأنا أبعد كفيه : اوك .. مشكور ..
همس لي بحزن وهو يبعد كفيه عني : لمتى منتهاي ؟
رفعت نظري له .. ورأيت عيناه تلمعان .. لم أعرف بما أجيبه .. فأكمل : تعبت أنا .. ارحمي حالي شوي ..
جملته الأخيرة .. قالها برجاء كبير .. همست له بارتجاف : أحــاول .. والله أحـاول ..
أجبر نفسه على أن يبتسم .. ثم قبل خدي : بيباي حبيبتي ..
وأنا أنظر إليه وهو يخرج من الغرفة ويغلق الباب : باي ..
ثم جلست على السرير .. ودموعي خرت على خداي .. محتـــارة أنــا .. ضائعة .. أشعر بالشتــــات !
إلى متى سأبقى هكذا ؟! إلى متى سأظل معه وقلبي يملكه غيره ؟! صدقوني .. لم أكذت عليه عندما قلت بأنني أحاول .. أجــل .. أنــا أحــاول أن أحبه .. ولكن .. محاولاتي فاشلة .. فدام أن ذاك الحب القديم لم أنسه بعد .. كيف أحب شخصا آخر وأتجاهل مشاعري ..
بت لا أكرهه .. أتقبله .. لم أعــد أحقـــد عليه .. سامحته .. ففي هذه الفترة .. اكتشفت فيه أشياءا أجهلها .. وتغيرت نظرتي عنه كليا .. ولكن .. لم يولد حبه بقلبي بعد ..
[ إلهــي .. ساعدني .. وأرشــد روحي التــــائهـة في منعطفات الطريق ]
==
خرج علي من غرفته مسرعا .. وفتح باب غرفة عمار .. وبصوت مرتفع قال : عمااار .. قوم .. بسك نوم .. أحمد يتصل فيك وما ترد .. اتصل فيني وقال إنهم اللحين بالمطــــار ..
نهض عمار من على سريره يبتسم ببلاهة : يعني بيان بترد البحرين ؟
صرخ عليه : اييييي .. يلله قوم خلنا نروح المطـــار ..
قال له وهو يحك عينيه : وهم بأي مطار ؟ عمّان ولا هني ؟
ليقول : بعدهم .. ينتظرون الطـــائرة ..
ليدخل الحمام ويغسل وجهه .. ويرتدي ملابسه على عجل ويصرخ بفرح : يلله .. إلى السيارة ..
خرج علي من غرفته بعد أن بدل ملابسه .. وعمار يحمل ابنتا خالته على كتفي وهو ينادي خالته : خالوو .. يلله نروح المطـــار ..
خرجت الأم من مطبخها وهي مبتسمة بعد أن عادت الابتسامة إلى ابناءها : ما عليه برش علي ماي على السريع وببدل ..
ليقول عمار : سرعي خالة .. ترى الشوارع بهـ الظهر زحمة ..
واتصل ليعقوب .. وأخبره أن يذهب بفطوم والبقية .. كما أنه اتصل لدعاء .. وطلب منها أن تتجهز كي يمروا عليها بالطريق .. لكنها قالت بأنها ستذهب مع عادل وأميرة ..
وأخيرا .. دخــل طيف من السعــادة إلى قلوبهم .. بعــد أن قرب الإجتمـاع من ابنتهم التي فارقتهم عدة أشهر .. وصل الجميع المطــار بعد ساعتين .. وبقوا بإنتظار هبوط الطـائرة التي تقل بيـــان وأحمـد ..
بعــد خمس وأربعون دقيقة .. صرخ عماد : كاهي بيون ..
تعانقت النظــرات .. تركت حقيبتها مع أحمد وركضت نحو أسرتها التي اشتاقت لهم شوقا لا يحصى .. وضمت علي الذي كان يركض ناحيتها .. ولأول مرة .. ترى دمع أخيها .. ضحكت عليه : وحشتني يالسبال .. كأنك ضعفت زيادة ؟
رمقها : هيهي .. ما تضحكييين .. قولي شي عدل ولا سكتي ..
طنشته بعد أن رأت فطوم قادمة نحوها .. وهنــا خرت دموعها وهي تضمها : فطووووم .. صرتييييين حلوة .. بيضتين ..
ضحكت فطوم وسط دموعها : وانتي بعد .. صرتين حلوة ..
ضحكتا معا .. وهنـــا وقعت عيناها على والدتها التي تعنت بالاقتراب منها .. رمت نفسها بإحضانها .. تحاول أن تختبأ بداخلها .. بكت باختنـــاق .. كم اشتاقت إلى صدرهـــا الحنون .. كم إشتاقت إلى عينيها : ماما وحشتيني .. ماما الدنيا مو حلوة بدون ما اشوفج .. ماما أحبج ..
لم تكن الأم أقل بكاءا من ابنتها .. فقد حاولت هي الأخرى أن تخبأها بين أضلعها ولا تسمح لها بالبعد عنها مرة أخرى : بس ماما .. لا تعورين قلب أمج .. والله البيت خلي بدونج ..
ظلتا حاضنتين بعضهما على ما يقارب الخمسة عشر دقيقة .. فعودة بيان .. جبرت قلبها المكسور لغياب ابنها .. وبعدها .. ابتعدت عن أحضان والدتها لتسلم على خالاتها .. على اختيها اللتان تعلقتا فيها ولم ترضيان أن تنزلهما على الأرض .. ثم سلمت على أميرة .. رنـــا .. عمــاد .. وعادل .. لكن هناك اثنين لم تلتقهما بعد ..
وهنــا رفعت نظرها لدعاء التي دموعها على خديها .. اقتربت منها .. وبعد أن حضنتها .. بكيتا مجددا .. وقالت دعاء : بييون وحشني .. بييون أحس الموت قرب مني وأنا انتظره .. بيون شهرين وأنا ما تحملت أصبر بدونه .. قولي لي شلون بقدر اتحمل أكثر ..
مسحت بيان دمع دعاء وهي تبكي : ما عليه دعوي .. تصبري .. وصدقيني بعد الصبر فرج ..
لتقول دعاء : ادعي له بيون .. ادعي له يرجع لي سالم ..
تبسمت بيان وهي تحاول تمالك نفسها والتوقف عن البكاء : من دريت وأنا ادعي .. ( وغمزت لها ) طالعة بالشيلة حلوة ..
تبسمت بألم : عيونج الحلوة ..
ثم ذهبت ولصقت بأمها وهم يمشون بطريق الخروج من المطار .. وأحمد يقف بالجانب الآخر ..
قالت أم محمود : مشكور يوليدي .. تعبناك معانا ..
ابتسم وهو ينظر لبيان : تعبكم راحة خالة .. بس بنتج تعبتني بشي واحد .. عنادها .. خالة اللحين حاولي فيها تخلين عليها كمادات .. ترى حرارتها للحين مرتفعة .. وما رضت إلا نرد .. رغم إنها مريضة ..
حضنت أم محمود ابنتها وقالت بتوبيخ : بيان ..
لكن بيان قاطعتها : ماما والله اشتقت لكم .. وان شاء الله اللحين أتدلع عليكم وتخلون علي كمادات ..
\
أمسكت كف فطوم وقالت ليعقوب : يعقوب اللحين فطوم لي .. كفاية سمحت لك كل هـ الأشهرين تاخذ مكاني .. ويلله لا تتصل لها .. تراها وياي طول الوقت .. لا تزعحنا ..
رمقها وهو يضحك : والله فطوم خطيبتي وحبيبتي .. وأنا حبيبها وما بتكسر خاطري وبتقعد معاج .. صحيح فطوم ؟
لكن فطوم قالت وهي تضحك : لا ..
قال بصدمة : فطووم ..
ضحكت : ما عليه حبيبي .. لا تزعجنا ..
وأغلقت باب السيارة .. وتحرك عمـار بالسيارة .. لتقول بيان : عمارو يالكرييييييييه ما سلمت علي ..
تبسم وهو ينظر لها من المنظرة : مو لازم أسلم عليج .. بنقص عمر ولا بزيد إذا سلمت عليج ..
رمقته بصدمة : مالت عليك .. صج ما تستاهل أحد يصير خاطره فيك ..
ليقول علي : بيااانو يلي ما تستحين .. تتغزلين فيه جدامي ..
قالت له باستخفاق : أقول اضرب راسك بأي دريشة .. عقليتك دايما خراب .. بس مو منك من الي تشوفه بالتلفزيون ..
ضحك عمار : علاوي هاوش اختك .. تراها تخربني ..
لتقول بيان : ماما شوفيهم ..
ضحكت أم محمود : لا تجننون بنيتي يلله .. ما صدقت ترد لي ..
فقال علي : تفرقة تفرقة .. عجل أنا بعد بدرس بأمريكا مصارعة ..
قال عمار : مصارعة مع الثيران عاد ..
ضحكنا أنا وفطوم وقالت فطوم : صحيح .. شلون ما فكرت فيها علاوي ؟
قال علي وهو يصرخ : ماما .. بتسكتيينهم ولا اصارعهم ..
==
مضى اسبوعين هادئين .. لا يتخللهما أي عواصف .. وفي يوم الجلسة .. تلاقت أنظار الطرفين في قاعة المحكمة .. حيث كان المحامي يطالب باستجواب أبو وليد .. ومحاولة معرفة أين وجود محمود .. استنادا لتهديداته .. أما أبو وليد .. فكان يبتسم بثقة .. وكأنه لا يعرف كل هؤلاء ..
وسمح لأحمـد بالكلام .. نهض من كرسيه .. وأخبرهم بأن أباه قد اختجزه في مخزن الشركة قبل عدة أشهر .. وقال بأنه سيقسم على القرآن تأكيدا لصحة كلامه ..
فرد عليه وليد بأنه لم يكن محتجزا بالمخزن وإنما يقوم بتصيح عطل بالكهرباء هناك .. ولا دليل على أنه احتجز .. وخصوصا أنه لم يتكلم .. ولم يصرح بذالك مطلقا لأحــــد !
تتشابك الخيوط .. ويكبر حجم المشكلة .. خصوصا بعد دخول أبو جاسم .. وهو يحمل ملفه بيده .. واستأذن القاضي .. وقال كل الذي عنده .. وهنــــا كانت الفاجعة .. فالمستور ظهـــر .. وقذارة معاملات أبو أوليد التجارية .. بانت كالشمس في السمـاء !
ينهض القاضي .. ويضرب مطرقته على الطاولة .. ويقول .. انتهت الجلسة .. وتؤجـل ليوم آخر .. لنظر في آخر المستجدات ..
والمصيبـــة .. أن موعـــد الجلسة القادم .. بعد 3 شهور .. 3 شهور ! أكل هذه الفترة سيعيشون من دون محمود ؟! من دون معرفة أدنى خبر عنــــــه ؟!
ترى .. هـــل ستحدث معجــزة .. ويعــود لهم قبل موعد الجلسة القادم ...
[ بانتظارك محمود ]
==
[ أميرة ]
في اليوم التالي .. وأنا أطرق باب مكتب نافع .. كنت أفكر بما سأقوله له .. وحينما سمعت صوت تفضل .. فتحت الباب بهدوء .. ومشيت نحو طاولته .. وضعت الملف على الطاولة .. وقلت بارتباك : تامر بشي ؟
تبسم : مشكورة ..
لأقول له : عن اذنك ..
أدرت وجهي لأخرج .. لكن صوته أوقفني : أميرة ..
التفت له : نعم ..
قال لي وهو يشير بيده : يصير خمس دقايق من وقتج ؟
لم أعقب على ما قاله .. لكنني جلست على المقعد : تفضل ..
رفع كفه ومسح على لحيته بارتباك : والله أنا مو مرتب أفكاري .. بس ..
يتبع ,,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك