بداية

رواية عرسنا في الجنة -5

رواية عرسنا في الجنة - غرام

رواية عرسنا في الجنة -5

برهة ثم اضاف و"كيف ادوسه احيانا اخرى.."
نيرفانا: زعيم.. لو كنا نشتري طحينا بكميات اكبر لاستطعنا حل مشكلة طوابير الخبز و لأمكن للشعب ان
يعيش براحة اكبر..
فتجاهل ابو كفاح نيرفانا واقترب منها وقال بنزق: نيرفانا.. هذه امور عقلك الصغير لا يستطيع ان يحدها..
لم لا ترتدين شيئا خفيفا وتهيئي لي كأس الشمبانيا؟؟
تجاهلت نيرفانا طلب الزعيم وقالت: لكن لم هذه اللامبالاة يا زعيم؟؟ اليس من واجبنا ان نؤمن حياة افضل
لمدينتنا؟؟
قال الزعيم بجدية مصطنعة وكأنه يلقي واحدا من خطاباته الملفقة: نحن نقوم بافضل ما في وسعنا ولكن نحن
محاصرون ...
نيرفانا: لكننا نستورد اسلحة يا زعيم عن طريق البحر.. افنعجز عن استيراد الطحين؟؟
ابو كفاح: في الحقيقة، نحن نستورد كميات كافية.. ولكن طمع التجار..
نيرفانا: لكن انت يا زعيم لك السلطة المطلقة.. بامكانك منعهم ومعاقبتهم..
ابو كفاح: لا يا نيرفانا.. هؤلاء خيوط العنكبوت الذين اتحكم بهم في المدينة.. لا اريد ان اخسرهم مقابل لا
شيء
نيرفانا باستغراب: كيف مقابل لا شيء.. ممكن تكسب الشعب عوضا عنهم..
ابو كفاح: وما يهمني في هؤلاء النعاج؟؟ انهم يجرون رواء كل ناعق ولو ساقهم الى الذبح.. كوني واقعية يا
نيرفانا.. شعبنا فقير لا يوجد شيء يتسلى به او يمضي وقته به.. مسارحهم تحولت الى ثكنات لميليشاتنا..
ملاهيهم اصبحت مرابضا لمدافعنا.. شوارعهم اصبحت جبهات قتالنا.. دعيهم يتسلون قليلا بالبحث عن لقمة
عيشهم.. دعيهم يشعرون انهم حققوا انجازا مهما ما في حياتهم القذرة البائسة..
قال هذا ثم شاار باصبعه من خلال النافذة وقال " ارأيت هذا الرجل هناك؟؟ تعالى وانظري الى تعابير وجهه..
لقد خرج من الصف حاملا ربطة الخبز منتشيا بالنصر وكأنه فتح عكا.. كيف لا وقد حصل على قوت
يومه؟؟ انا اتابعه كل يوم.. كل يوم نفس عدد ساعات الانتظار.. ونفس الابتسامة.. "
ثم ابتسم بخبث وقال " انا ادخل الابتسامة الى قلوب الناس يا نيرفانا.." ثم رمى بارغفة كيس خبز كامل الى
حوض السمك الكبير في منتصف مكتبه.. فتقاتلت عليه السمكات في منظر فريد من نوعه.. وقهقه الزعيم
بهيستيريا وقال "هيا تقاتلوا على لقمة الخبز.. تقاتلوا.. هيا.. هاهاها.."
قد تسألوني كيف سجل اسامة في مذكراته هذا الحوار السادي الذي لم يشهده ؟؟ لا اعرف.. لربما روته له
فاطمة.. من هي فاطمة؟؟ لا تستعجلوا.. ستعرفون عما قريب..
جرذ على رقعة شطرنج
وشيئا فشيئا بدأت العلاقات تتوطد بين ابي صقر واسامة حتى اعتبره هذا الاخير بمثابة الاب الروحي فراح
يشكو له همومه واحزانه ويستشيره في كل شاردة وواردة. ولم يكن ابو صقر يبخل عليه بالنصيحة ابدا ولكن
مع ذلك ظل "الريس" كما يحلو لاسامة ان يسميه لغزا مستعصيا اذ لم يكن يتحدث عن نفسه او عن مشاعره
الا لماما حتى يخيل لمن ينصت اليه انه امام رجل آلي مهمته في الحياة تنفيذ الاوامر. لذا بدأ اسامة يفهم شيئا
فشيئا لم كلف رئيس التنظيم ابو كفاح ابا صقر بتدريبه. وكان من اشد ما يثير استغراب اسامة حرص ابي
صقر على احترام مواعيده .. فقد كان يأتي الى نوبته يوميا على الموعد المعين مهما كانت الاوضاع متأزمة
وكأنه موظف دولة مداوم. لذا لم يكن من الغريب ان يجد اسامة شريكه كل يوم في نفس المكان ونفس الوقت
ونفس الوضعية.. لقد تحولت الدنيا في نظر ابي صقر الى نافذة وبندقية وساعة.. وكل ما سوى هذه الاشياء
الثلاثة فهو اكسسوار لا قيمة فعلية له..
دخل اسامة الحجرة ليجد ابا صقر في وضعيته المعهودة فسأله: كيف الحال يا ريس؟؟
فاجاب ابو صقر ممتعضا: ناشفة.. لم نسترزق الا بواحد منذ الصباح..
اسامة: غريب انت يا ابو صقر.. لا تقيم ادنى احترام للنفس البشرية.. حتى لو كانوا اعداءنا فلا استطيع ان
اتكلم عنهم مثلك.
ابو صقر: دعك مني الآن.. تعالى اتحداك في لعبة جميلة؟؟
اسامة يضحك: لعبة.. انت تلعب؟؟
ابو صقر: الحياة كلها لعبة يا بني.. تعال الى نافذتي.. تعال وانظر..
تقدم اسامة من النافذة ونظر من خلالها فلم ير شيئا مهما.. فقال "الام انظر.. لا شيء الا العتمة والظلام.."
ابو صقر: من حين لآخر يؤنس وحدتنا جرذ يتجرأ ان يخرج من جحره.. هل تتحداني في اصطياده؟؟
ضحك اسامة وقال لم لا؟؟ لعبة مسلية.. ثم جهز بندقيته وجلس يترصد اول جرذ يمر..
مرت خمس دقائق والمكان خاو حتى مل اسامة وقال مبتسما "يبدو ان الجرذان شعرت بمؤامرتنا فهرعت الى
الملجأ.."
فقال ابو صقر بصوت خافت وكأنه يخاف ان تسمعه الجرذان: الجرذان تحتاج الى طعم.. ثم رمى بقطعة لحم
كانت قد تبقت من غداءه الى الزقاق.. وبالفعل فلم تمض خمس دقائق الا وبدأت الجرذان تخرج من مخابئها
بحذر..
وكان اسامة اسرع من صاحبه في القنص فما ان اطل اول جرذ من مخبأه حتى فجر دماغه برصاصة قاتلة ثم
صرخ منتشيا بالفوز "ربحتك يا ابي صقر.. سبقتك.."
لم يتحرك ابو صقر ولم يرف له جفن بل قال بهدوء "كيف تربحني وانا لم احدد بعد شروط اللعبة؟؟ اسمع يا
اسامة.. ان انا قتلت الجرذ لحظة خروجه تنتهي اللعبة سريعا.. وفي هذا المكان الممل لا يوجد كثيرا من
الالعاب.. اريد تشويقا.. انظر يا اسامة.. طلقتك اخافت الجرذان.. لقد اصبحوا اكثر حذرا.. اصبح الامر اشد
صعوبة الآن واكثر اثارة.. "
صمت اسامة وجلس يراقب ابي صقر .. ومرت نصف ساعة كاملة ويد ابي صقر لم ترتفع عن زناد "زوزو"
ومن ثم بدأت الجرذان تتخلى عن حذرها قليلا.. فخرج احدها قليلا واطل برأسه كي يستكشف ان اصبح الجو
امانا.. وتوقع اسامة ان يعاجله ابو صقر برصاصة في رأسه الا ان يد ابي صقر لم تهتز.. وشيئا فشيئا بدا
الجرذ يطمئن اكثر واكثر الى ان خرج كله وشمشم الارض من حوله فلم يجد اي رائحة للخطر.. فاطمأن
اكثر وهرع الى قطعة اللحم وعض عليها ثم قفل عائدا الى مخبأه جزلا وفرحا حتى خيل لاسامة انه يراه
مبتسما من فرط سروره بفوزه بالغنيمة.. وفي اللحظة التي هم فيها الجرذ بالعودة الى مخبئه عاجله ابو صقر
بضربه في الصميم قطعته نصفين .. وتنهد عندها ابو صقر وقال "المهمة انتهت.." ثم اراح بندقيته الى الحائط
قربه بعد ان ربت عليها وقال "احسنت يا زوزو .. صبرت ونلت.." ثم نظر الى اسامة وقال "لعبتي اشد اثارة
وتحديا اليس كذلك؟؟ "
فضحك اسامة وقال "انت بلا قلب يا ابا صقر.. هل هناك من لعبة اخرى نتسلى بها؟؟
ابو صقر: تعال نلعب الشطرنج..
اسامة: انت تعرف تماما اني لا اعرف هذه اللعبة..
ابو صقر: انا اعلمك.. انظر هذا هو البيدق..
اسامة: وما دوره؟
ابو صقر: انه الجندي الذي ينفذ الاوامر.. انه ينظر الى الامام فقط ولا يستطيع الرجوع الى الخلف..
اسامة: انه مثلنا ..
ابو صقر: تماما.. لا احد يبالي به فهناك الكثر منه كما تلاحظ على هذه الرقعة..
اسامة: يعني لا امل له ان يخرج الى النور.. الى الحياة؟ هل كتب عليه ان يظل دائما بلا هوية ولا عنوان؟
ابو صقر: ان وصل الى الصف الاخير يصبح وزيرا.. ولكن فرصته واحد بالالف.. على الارجح سيسقط قبل
ذلك بكثير.
اسامة: وزير، وما دور الوزير؟؟
ابو صقر: آه الوزير.. انه اقوى قطعة على هذه الرقعة. يصول ويجول اينما شاء وفي كل الاتجاهات..
اسامة وهو يتخيل نفسه قد ترقى الى وزير: ياه.. من الممتع ان يصبح المرء حرا..
ابو صقر مصححا: انه يظن انه حر..
اسامة: وما هذه القطعة الكبيرة؟؟
ابو صقر باحترام: انه الملك.. وهو اهم قطعة.. اذا سقط تنتهي اللعبة..
اسامة: آه الملك.. انه مثل الزعيم..
ابو صقر: تماما...
اسامة: انه يتحكم بالكل..
ابو صقر مصححا: انه يظن انه يتحكم بالكل..
اسامة: ما قصة هذه ال"يظن"؟
ابو صقر: بني، قد يبدولك الوزير او الملك اهم من البيدق ولكن..
اسامة وقد بدأ يفهم: ولكنها كلها احجار في النهاية..
ابو صقر: نعم يا بني، احجار تحركها اياد خفية. هناك شبكة واحدة تحركنا، تلهو بنا، تحتفظ بنا وتحمينا
طالما كان في هذا نفع لها وتضحي بنا ما ان يتطلب الامر ذلك..
ابو صقر: حتى الملك؟؟ لكنك قلت لي ان سقط الملك تنتهي اللعبة..
ابو صقر: انت قلتها.. تنتهي اللعبة.. انها مجرد لعبة.. سيعود اللاعبون الى لعبة غيرها في ميدان آخر..
اسامة: من هم يا ابو صقر؟؟ من هذه الايدي المجرمة التي تلعب بالاوطان وتمزقها؟؟
لا احد يعرفهم يا بني على وجه التحقيق. ولا احد يجرؤ على ان يلفظ اسمهم .. انهم مملكة الشيطان.. ارباب
القوة والنفوذ والمال والسلطة.. يتحكمون بالعالم كله من وراء الكواليس..
الشيطان؟؟ انه لقوي حقا.. قال اسامة..
بل نحن مغفلون يا اسامة.. قوته من غفلتنا.. نحن كالغنم نلحق كل ناعق ولو كان يسوقنا الى الذبح ..

مبادىء قناص

وتمر الايام ويغرق الريس و تلميذه النجيب في الروتين.. تصبح الايام مثل بعضها البعض... القتلى
يتساقطون من الجهتين.. تغيب اسماء الضحايا في المقابر الجماعية التي يدفنون فيها ويتحولون الى مجرد
ارقام تلوكها آلة حرب تأكل الاخضر واليابس ولا تفتأ تسأل "هل من مزيد؟؟" ومع ذلك يبقى الامل مشرقا في
نفس اسامة وتلوح له في الافق احلام وردية تنتهي فيها الحرب ليتزوج ممن ملكت قلبه و ينشىء معها اسرة
صالحة تعيش في سلام وامان بعيدا عن الحرب والدماء و دوي القذائف. رغم كل شيء ظلت روح اسامة
مفعمة بالامل وظل يغتسل بدفء الشمس واشعتها الذهبية من خلال نافذته..
نظر اسامة الى الشمس متأملا ثم التفت الى ابي صقر وقال: "اتعرف ان بلادنا جميلة جدا.. لولا الحرب.."
ارتسمت على شفتي ابي صقر ابتسامة ساخرة وصحح كلام اسامة قائلا: بلادنا جميلة لولا شعبها.. ثم اقترب
من اسامة لينظر من خلال نافذته فبهت بالمنظر الجميل الذي يطل عليه ": اتعرف ان زاويتك اجمل من
زاويتي؟؟ انت ترى الشمس.. اما نافذتي فلا تطل الا على الازقة والجرذان.."
"انت اخترتها لي.. " قال اسامة مستغربا
هز ابو صقر برأسه وقال "نعم هذا افضل لي ولك.. الشمس تذكرني بالامل وانا لا احب.. " ثم توقف و قال
"الن تصلي؟؟ الشمس تشارف على الغروب.."
"بلى" قال اسامة وقام ليتوضأ..ثم قال "الن تشاركني يوما في صلاتي؟؟ الا تؤمن بالله؟"
"بلى بالطبع، لكن لي فلسفتي الخاصة في هذه الامور.. ان عبادتي تكون بهذه" واشار الى بندقيته..
"ماذا تقصد؟؟"
"لكل منا مهمة على هذه الارض.. فاذا اداها باتقان وانضباط بكون مؤديا لعبادته على اكمل وجه.."
"انت غريب حقا في تفسيرك للامور... "
"لنقل اني لست رجلا تقليديا.. "
"وما مفهومك للاتقان يا ترى؟""
" تصفي الضحية بدون ان تتعذب.. طلقة في الرأس.. شفرة حادة في حالة السلاح الابيض.. ومن المفضل
الا تقتل الضحية امام اقاربها.."
"انت صاحب قلب رقيق حقا.." قال اسامة ساخرا والماء ينقط من وجهه من اثر الوضوء
" لنقل اني صاحب مبدأ "
"هذا عن الاتقان وماذا عن الانضباط؟"
"الانضباط هو تنفيذ الاوامر بحرفيتها وبصرامة شديدة."
"حتى لو طلبوا منك ان تضحي بحياتك.."
بسخرية بل لو طلبوا مني ان اقتل والدي..."
"الهذا الحد تؤمن بالتنظيم؟؟"
"لا يا بني هذا ليس له علاقة بالتنظيم.. انا تدرجت في احزاب عديدة قبل وصولي هنا.. انا اتكلم عن شرف
المهنة ... المهنة التي لا شرف لها.. كي اكون متفوقا في مهنتي علي ان اكون هكذا.. وانا اعشق الاتقان
والانضباط كعشقي لزوزو" ثم صمت هنيهة وتابع: زوجتي ممكن تخونني.. اما زوزو فلا.." ونظر الى
بندقيته بحنان غريب.
"ان الحرب لعبثية حقا.." قال اسامة وانصرف الى صلاته.
البودي غارد الجديد
وبعد ان تعلم اسامة الانضباط والمهنية الرفيعة من الريس ابي صقر اختار ابو كفاح ان يصطفيه لنفسه
خاصة انه لم يعين لنفسه مرافقا منذ اغتيال مرافقه السابق "زكور" على يد قناصة العدو. وبدأ اسامة يكتشف
اشياء جديدة عن القائد.. كان ابو كفاح ادهى قادة الميليشات في وطننا على الاطلاق فقد امسك بزمام حزبه
بقبضة من حديد بحيث يستحيل ان يخرج رجل من حزبه عن طوعه.. كما انه عرف بالدهاء والقدرة على
التخفي والتستر حتى اطلق عليه اعداءه لقب "النمس". كان لابي كفاح العديد من الاعداء في الداخل والخارج،
لذا كانت حركاته تحاط بالسرية المطلقة، ولم يكن يطلع احدا على اسرار تنقلاته الا سائقه "تيسير" ومرافقه
الجديد المؤتمن اسامة. وشيئا فشيئا اصبح اسامة اليد اليمنى لابي كفاح واصبح خبيرا في تنقلاته وسكناته
والطرق الخفية والمختصرة التي يسلكها.
تسنى لاسامة مرافقة الزعيم لفترة طويلة لمس فيها مدى تأثيره على الناس والهيبة التي يفرضها عليهم.. كان
يتعامل مع الجماهير بصورة رائعة ويستطيع ان يضحكها في لحظة ويبكيها في اخرى.. كان الزعيم يحرص
كذلك على مواساة الناس والاحتكاك بهم والتواصل معهم. وكثيرا ما كان سكان الاحياء الشعبية يفاجئون
بزيارة سيارة مرسيدس سوداء ينزل منها شخص مهيب يرتدي نظارات سوداء فيأمر الشاحنة التي تسير في
موكبه ان توزع الحصص الغذائية على الناس الفقراء والالعاب على اولادهم..
في ذلك اليوم بدا كل شيء اعتياديا ولم يشعر اسامة بأي احساس يالخوف او الاستهداف.. اراد الزعيم ان
يعزي بشهيد من الحزب سقط على ارض القتال فطلب من موكبه ان يتهيأ واستقل سيارته المرسيدس
المصفحة السوداء برفقة اسامة. وانطلق الموكب بسرعة يشق الاحياء وزواريب المدينة الضيقة.
تثاءب ابو كفاح في الطريق من الملل وتلفت حوله فلم يجد من يكلمه الا اسامة فقال له مداعبا: اليس هناك
من امرأة تؤنس حياتك يا اسامة؟
اسامة: لا يا سيدي لم اتزوج بعد..
ابو كفاح: ومن يتكلم عن الزواج.. الا تلهو كما يلهو الشباب؟
اسامة: لا يا سيدي انا رجل متدين..
ابو كفاح مبتسما بسخرية: وانا متدين كذلك .. اتوقف عن هذه الامور في رمضان
اسامة بادب شديد: الاخلاق الحميدة تطبق على مدار السنة سيدي
فغضب ابو كفاح وقال: ماذا تقصد ؟؟ انا بلا اخلاق؟؟
اسامة بادب شدبد: يعلم الله كم احترمك يا سيدي لافضالك على مدينتنا، ولكن انت عودتنا على الدمقراطية
وابداء الرأي الحر. انا اعبر عن رأيي الخاص فحسب.
ابو كفاح: انت متشدد يا اسامة.. لعلك تقول هذا الكلام لأنك لم تجد بعد الفتاة التي تعجبك..
فطاطىء اسامة رأسه وهم ان يجيب ولكنه آثر الصمت.. فعبير اثمن عنده من ان يتكلم بشأنها مع ابو كفاح
الذي لا يميز بين المراة و السلعة.
ابو كفاح: عندنا في التنظيم الكثير من الحسناوات. ان شئت انا اختار لك واحدة منهن قال ابو كفاح بنزق
وكأنه يستلذ في اغاظة اسامة.
فحاول اسامة ان يكظم غيظه وقال: سيدي، كنت اظن اننا نقبل الفتيات في التنظيم لأن المدينة بحاجة الى جهد
كل ذكر وانثى لحمايتها.
ابو كفاح بسخرية : صحيح والله. نحن بحاجة لجهودهن لرفع معنويات الشباب. بعضهن يعمل دواما اضافيا..
فعدد الشباب يفوق عدد الاناث بكثير.. ثم سرح في البعيد وتذكر واحدة منهن: نيرفانا هذه مميزة يجب ان
اعطيها وسام البطولة من رتبة فارس نظرا لخدماتها الجليلة للحزب ثم قهقه وقال "او لعله من الافضل ان
اعطيها وسام البطولة من رتبة الفرس"
وهيجت هذه الجملة الوقحة اسامة فقد كان يشعر ان أي فتاة في العالم هي اخته ولا يحب ان يسمع اهانة بحقها
فقال بحدة "لا يا سيدي.. ليست كل النساء هكذا.. اعرف واحدة محجبة .. وجهها كالقمر ليلة البدر.. صوتها
موسيقى فيثارة سماوية.. اخلاقها عطرة كالمسك.. خارقة الذكاء ومتواضعة.. طاهرة وبريئة.... متفانية في
خدمة اهلها و مساعدة الآخرين.. باختصار هي ملاك يمشي على الارض وهي عندي بمئة رجل"
فاستسخف ابو كفاح هذا القول وقال "ها.. هذا هو العاشق الولهان يكشف ستره.. تعلم مني يا بني. كل واحدة
ولها ثمن.. وما هذا التمنع الا وسيلة لرفع السعر فحسب" ثم اشار ابو كفاح الى السائق "تيسير" ان يتمهل
قليلاكي يحيي الجماهير التي اصطفت لاستقباله على جانبي الطريق .. ولم تمض ثوان على توقف السائق
حتى دوى انفجار ضخم اقتلع ثلاث سيارات من سيارات الموكب بمن فيها واتى على قسم كبير من الناس
المصطفين على الطريق. وشاء القدر ان ينجو ابو كفاح ومن في سيارته من الانفجار حيث خرج بجراح
طفيفة.. وكان بديهيا عقب هذا الانفجار ان تتحول اصابع الاتهام نحو الجبهة الوطنية المناوئة فاحتدمت
المعارك من جديد وكسب التظيم المسلح باسلحته الجديدة المستقدمة من دول المنظومة الشرقية مساحات جديدة
طهرها تطهيرا طائفيا من سكانها .. وطبعا ردت الجيهة بدورها بحملات تهجير واسعة مماثلة. وبدأت فصول
اكبر مأساة في تاريخ الحرب الاهلية.. المأساة التي لم تندمل جراحها حتى الآن: التهجير..
حينما يتلوث اسم الحب
وشيئا فشيئا بدأ اسامة يتعرف على الاماكن التي يرتاد اليها زعيمه وقد تنوعت من جبهات القتال الى
البارات والاندية الليلية الى المساجد وكان ابو كفاح داهية في كلامه وتصرفاته اتقن قاعدة "لكل مقام مقال"
اتقانا مرعبا، فاذا جلس مع الشيخ او القسيس تكلم معهم في الدين وكأنه خريج الازهر او كلية اللاهوت واذا
انفض الى المرابع الليلية تصرف مع غانياته تصرف الدون الجوان اللعوب.. الا ان نساء البارات كن مجرد
متعة وتسلية بالنسبة له اما المرأة التي ملكت فؤاده فقد كانت سكرتيرته نيرفانا زميلته في الحزب وعشيقته
التي لا يتخلى عنها... وفي عدة مرات كانا يتواعدان على اللقاء في اماكن غريبة بعيدا عن الاضواء..
واحيانا كثيرة كان ينفرد معها في سيارته المصفحة بعد ان يطلب من اسامة ان ينتظرهما خارجا.. كانت
علاقة ابي كفاح بنيرفانا شائنة جدا بنظر اسامة وكان يستغرب مدى جرأتهما في هذه الامور حتى امامه ولكنه
تغاضى عن هذا كله لمواقف ابي كفاح السياسية الجريئة و جهوده الحثيثة لحماية المدينة.. فكان يبرر في نفسه
سكوته عن هذا المنكر بقوله "الله يهديه.. هذه امور شخصية في النهاية تخصه هو.. وانا لا يحق لي ان اتدخل
فيها.. خاصة اني اعلم انه لن يستجيب لي.." الا ان ما يقلقه حقا كان هذه النظرات الغريبة التي كانت تنظر
بها نيرفانا اليه والى عضلاته المفتولة وكأنها تجرده من ثيابه بعينيها..
مع ذلك فقد كانت هذه العلاقات الفاضحة التي يقوم بها ابو كفاح والامكنة المشبوهة التي يزورها مصدر
اغراء لاسامة.. فهو كان شابا في النهاية و دماء الشباب تجري في عروقه.. ولاول مرة تقع عينيه على
منظر الاجساد العارية البضة والتضاريس الانثوية ويقع سمعه على الآهات والضحكات الماجنة.. فلم يكن
امامه للصمود الا ان يطور اسلوبا خاصا به.. اسلوبا كان يعتمده في فترة مراهقته: المراة الشيطان.. عاد
ليكره المراة و كل ما تمثله له وبدل ان ينظر الى منظر الاجساد العارية نظرات الشهوة و اللذة اصبح ينظر
اليها نظرة الازدراء والاحتقار .. وبدأ يطور في خياله هذه الفكرة حتى اصبح منظر الجسد العاري والعبارات
الفاضحة يدفعه للغثيان وربما القيء بدل ان يثير فيه لواعج الشهوة.. طبعا كان يعرف في نفسه ان الوضع
مختلف هذه المرة عن ايام المراهقة فهو لم يكن مقتنعا بهذا كله بل كان يكذب على نفسه ويجاهد ويكافح كي
لا ينحرف ويسقط في الهاوية ..
لكن الصمود امام الاغراء شيء والصمود امام الاغواء شيء آخر.. كان اسامة مجهزا بجهاز لاسلكي يؤمن
له الاتصال الفوري بالقيادة والزعيم ، وفي ذلك اليوم تلقى اسامة اتصالا عليه من جهاز الزعيم فاجاب على
الفور: زعيم انا في اتم الجهوزية اين تريدني ان اكون؟؟
ولكنه تفاجىء بان يسمع ضحكة رقيقة ناعمة على الطرف الآخر من الخط وصوتا انثويا يقول: اسمع اسامة
انا نيرفانا واريدك في منزلي حالا لو سمحت..
خيرا.. ماذا هنالك.. الزعيم في خطر؟؟ اجاب اسامة بقلق
لا اطمئن هو بخير.. تعال وانت تعرف..
وضع اسامة خوذته الواقية وركب دراجته النارية مسرعا الى منزل نيرفانا.. وفتحت له هذه الاخيرة الباب
فاندفع مسرعا الى الداخل بحثا عن الزعيم لاستشعاره انه في خطر.. دون ان ينتبه الى ان نيرفانا لم تكن
تلبس لباسا لائقا لاستقبال رجل غريب. لم يجد اسامة الزعيم في زاوية نظره فاعاد النظر الى نيرفانا لينتبه
الى انها تلبس ثياب نوم مثيرة تظهر مفاتنها فاستعاذ بالله وغض بصره.. لكن هذه الاخيرة لم تتركه في حاله
فغلقت الابواب واقتربت منه بدلال وغنج وتلمست عضلاته المفتولة بيديها الناعمتين وقالت:
"انت بطل يا اسامة.. حقا انت بطل.."
لكنه ابتعد عنها وقال "البطولة ليست هنا يا نيرفانا.. البطولة تكون في مقاومة الاغراءات والصبر على
الشهوات.."
فضحكت نيرفانا ضحكة خليعة وقالت "لكن انت لن تتركني لهذا الكهل المخبول.. اليس كذلك؟؟ انت تريدني
لك؟؟ اشعر بنظراتك تلتهمني وتخترق جسدي.."
اجاب اسامة بصوت متهدج والدم يغلي في عروقه من الاثارة "معاذ الله انه ربي احسن مثواي انه لا يفلح
الظالمون.."
فبدأت نيرفانا بالغضب وصرخت في وجهه "ماذا تظن نفسك حتى تكلمني هكذا؟؟ هل تظن نفسك نبيا؟؟ اسمع
يا اسامة.. سيدك هذا ليس زوجي حتى تحترمه هكذا.. لو قلت لك عن حقيقته لرذلته تماما واحتقرته كما
احتقره انا.. وانا لست امراة العزيز التي تبحث عن اللذة.. انا امرأة عادية بحاجة للحنان وسيدك هو الذي
رماني في هذه الوحول القذرة واجبرني ان اكون عشيقته بابتزازه الدائم لي.."
فاجاب اسامة بلا مبالاة "ضحكاتك وغنجك الدائم معه لا يوحي لي ابدا انك مجبرة. نيرفانا.. انا اعرف اني
لست نبيا.. واعرف ان سيدي ليس ملاكا.. انا لم اكن اتحدث عنه في الاصل.. بل كنت اتحدث عن الرب
الحقيقي.. الرب الذي يراني اينما كنت.. عن آلهي الذي خلقني واحسن مثواي.."
فاستدركت نيرفانا وقالت "لكن الله غفور رحيم.. وانت شغفتني حبا.. "
فنظر اليها اسامة بسخرية وقال "انت تدنسين الحب بوصفك لشعورك نحوي بالحب.. لو كان حبا حقا لما
عرضت علي نفسك من اول لقاء.."
فانهمرت العبرات من عيون نيرفانا وقالت "لا تظلمني ارجوك.. انا لم اقصد هذا.. ولكني ظننت ان هذا ما
يجذب الرجال الى النساء فكنت مستعدة ان اقدم لك كل ما تطلبه مني.."
"عذرا فانا لا احب ان آكل في صحن غمس فيه احد قبلي اصابعه .." قال اسامة بقسوة
فتمسكت نيرفانا بيديه وقالت "لكن انا مستعدة ان اترك كل الرجال الذين اعرفهم واكون لك وحدك فقط.. لماذا
لا نتزوج على سنة الله ورسوله ونهرب خارج هذه البلاد.. ونفر من الزعيم و من هذا البلد البائس كله.."
فنظر اسامة الى البعيد وقال "لا اعرف مدى صدقك يا نيرفانا ولكن انا لن استطيع ان احب في حياتي الا
امراة واحدة.. امرأة طاهرة الذيل لم تدنس نفسها في اوحال الخطيئة.. آسف لا استطيع ان اقبل عرضك.."
ثم افلت قميصه من بين ايديها وركل الباب برجله القوية فخلعه وخرج من البيت لا يلوي على شيء تاركا
بقايا قميصه الممزق في يديها .. فامسكت بحنق باقرب اناء زهور اليها ورمته على الباب المخلوع وهي
تصرخ قائلة "ماذا يفترض بي ان افعل الآن كي تكتمل قصتك ايها النبي؟؟ ان ارميك في السجن؟؟" ثم انهارت
بالبكاء..
عشاء على انقاض وطن
لم اعرف على وجه التأكيد ماذا دار بين نيرفانا وابي كفاح بخصوص اسامة لكني اعرف يقينا انه لم يرمه في
السجن كما كانت تتمنى فلم يكن ابو كفاح بالشخص السهل الانقياد كعزيز مصر.. انا متأكدة تماما انها
حاولت ان توغر صدره ضده ولكنه كان يثق به ثقة عمياء او لنقل انه لم يكن يصدق البتة ان هذا الرجل
المفتول العضلات يمكن ان يكون خبيثا او مراوغا.. لذا فقد كان يضحك منها في كل مرة تقول له ان يحترس
منه الى ان طفح الكيل منها في احد المرات واجابها بقسوة حسم فيها الموضوع قائلا : "اسامة هذا غبي.. انه
يتبعني كظلي ويفديني بدمه، انا لا افهم لم تخافين منه؟؟ انه مجرد عضلات مفتولة .. اما هنا.. " واشار ابو
كفاح الى رأسه "فلا يوجد شيء.. ارجوك لا تكلميني عنه بعد الآن". وغني عن الذكر ان هذا الاستخفاف
باسامة سيكلف ابي كفاح كثيرا فيما بعد.. بل كثيرا جدا..
وظلت الحرب سجالا بين الفريقين الى ان مل الناس من أي امل بنهايتها وانطفأ بصيص النور في نهاية هذا
النفق المظلم. لكن بداية فتور الحرب الباردة بين القطبين ادت الى تغيرات اقليمية دراماتيكية فرضت على
الافرقاء ان يخففوا قليلا من حربهم الشعواء خشية ان تمتد نيرانها الى المحيط الاقليمي كله. فأجبر التنظيم
القومي على اللقاء مع خصمه اللدود زعيم الجبهة الوطينة في خيمة اقيمت على عجل عند خط التماس برعاية


يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -