بداية

رواية سيدة الحرية -11

رواية سيدة الحرية - غرام

رواية سيدة الحرية -11

لشعوري..،كلمة الخص بها هذا الانفعال..!
أين من يظنون أنفسهم فاهمون في الأدب واللغات…ألم تخلق أي لغة كلمة لشعوري هذا!
إنهم حقيرون، وهو كذلك حقير وقليل أدب..
-كانت لحظة غضب/جنون/لم أستعد تركيزي بعد..وانتقل من حدث لمطالبة، أتراه وقت جيد للمطالبة بكلمة،ولوم اللغات..!
كثيراً ماتداهمنا الأفكار عندما نخلو بحدث، الحروف كأنها تغار..!
-”رسيل افتحي”
عندما كان بدر يقف امام باب غرفتي،فقدت كل المشاعر السابقة وبقي لي الخجل..
اشعر بخجل شديد منه، لم افتح الباب
-”انزلي بكلمك..وترى دانه جت”
أخبرت دانه ان تصعد لغرفتي، استقبلتها قبل السلام
-”عمر شافني تو”
-”ههههه طيب واذا كل يوم يشوفك”
-”لامو كل يوم ولا كذا بشكلي ولبسي ولا قاعد يناظر بكل بجاحه”
وضعت قبله صغيرة على خدي وهي تقول ضاحكة
-”أي ماعليك منه..المهم كيف استعداداتك للسفر”
بدأت أعيد ترتيب الأمور من جديد، وتخلصت تقريباً من الموقف هذا اليوم لكني لم اتخلص من احتقاري له!
ماقالته دانه قبل خروجها-”انتبهي على نفسك لاتخلين احد يهمك هالكثر وتروحين فيها”
ربما لم افهم ماقالته مباشرة…لكني شيئاً فشيئاً أبتلع الكلمة،واشعر بألم بسيط في داخلي!
كشيء يتحرك في صدري..!
-” ثلاث ايام ان شاءالله”
اجبت عمر بعد ان سألني وربما هي المرة الثالثة التي يسألني السؤال ذاته،وأجيبه بكل ملل!
ثم صمت قليلاً، منذ أيام لم يكن على طبعه المعروف..هناك شيء ما يضايقه لايريد إعلامي به
-”اقول عمر وش فيك؟”
-”ها..مافيني شي..ليش؟”
-”ثلاث مرات تعيد نفس السؤال ولاتسمع جوابي..ولاهي اول مرة من كم يوم منت عاجبني”
-”ههههههههه تكفين يمه مافيني شي خليني “
-”ههههههه مالت عليك والي يقلق عشانك..المهم خلنا نطلع نتعشى”
-”لا انا متغدي متأخر..خلاص الحين بروح والظهر بمرك أوصلكم المطار”
-”لامايحتاج ماتقصر بس بروح بسيارتي عشان اوقفها”
-”بكيفك بس بعد بمر هههه”
هو ذا يعود لطبيعته،لكن موضوع مازن لازال يقلقني..وخاصة بعد ان أخبرته أن لايتصل بها ولا يأتي إلا بعد أن يصبح الموضوع جدي..وأنني لم أوافق بعد!
.-.
.-.
لا الأرض ارضي،ولا السماء سمائي
لا الحزن حزني، ولا الدموع عزائي
لاقيتها ..كأن حظي قد أفاق إذن..!
أو كأن ربي قد أجاب دعائي..!
ضغطت على أسناني كثيراً كي يغلق فمي فلا اقهقه بسعادة مجنونة أما بدر!
كنت جالسا قربه لكن جسدي يطير!
كنت افتح موضوعاً لأتركه يتحدث فأختبئ خلف ماحدث هذا اليوم!
الآن أسير بسرعة تقص الشوارع أمامي،وكأنني متجه للقمر.. كل الأشياء حولي لاتصلها عيناي، نظراتي نحو الأفق
انه الحلم حتماً..إنها رسيل بالتأكيد!
أنني متيم بها،الدقائق التي تمر الآن تزيد من شغفي بها، مولع بها حد الفرح،حد الحزن..!
قلبي به نهر جاري كلما يصعد يحدث بي رعشة، وعندما ينزل يهوي على ماحدث
فأزيد من السرعة ويبتلعني الطريق ويدق قلبي كما لم يدق بحبها!
بعد كل ذلك…لن يلومني احد…
بأن لي عين عاصية..وقلبي ارتكب الخطيئة
وسأتوجه لكل محراب وسأدعو تكراراً أن أراها مجدداً ،وبصفة اخرى..ولاتتزوج من أحد..غيري!
الأيام السابقة كنت أشهد تألم قلبي،واليوم اشعر به ينتعش رغم انه لاجديد له..!
-عندما اتصل بي بدر كنت قريباً من المنزل..لذا اتيت مباشرة.. لكن الحظ أبى الا ان يكون بجانبي، تشبثت نظراتي بها دون نية للعودة معي..!
لم يكن من الذكاء أن اعرف انهار سيل..!
بحكم رجولتي أثق ان نظرة واحدة كفيلة برسمها ووشمها داخل ذاكرتي..^
كنت كمن يقف تحت المطر متحدياً الشمس، وكانت كمن يغرقه المطر منتظر الجفاف !
تمنيت التقاط الصورة لا لأني مصور..! ولا لأنها رسيل، بل لأنها لحظة ارتباك اهتز لها أي شعور!
-عادت شهيتي للحياة،وهنأت قلبي على بساطته…!
.-.
.-.
.-.
الظهر..،
حقائبي كحياتي، مستعدة دائماً للرحيل
احب الرحلات البرية، إلا ان بدر اخبرني انها ليست نزهة،بل تأدية واجب!
مررت بالمجلس لأغلق الانوار وجدت مطفأة سجائر على الطاولة..!
يبدو انه يدلل أصابعه في منزلنا..ازداد حنقي منه، تذكرت الأمس وودت لو أكسر مطفأته فوق رأسه!
.-.
.-.

بالمطار

وأنا اتجه للطائرة،وخطواتي تستأذن ذلك الممر الطويل الضيق لأستقل كرسي لايطل على شيء
ويجلس بدر بجانبي قرب النافذة
-عندما كنت طفلة،كنت لااسمح لأحد بسبقي للجلوس قرب النافذة،لأن الاطلاع والاكتشاف والفضول هما ألعابي الفضلة
والآن وأنا لازلت بحاجة للاطلاع إلا أنني لم اعد أهوى ذلك اللعب،وكرهت النوافذ
- الأماكن التي تستدرجنا للسقوط..دائماً تكون مُطلة..!
ابتلع ريقي وأغمض عيناي واشد من قوتي لأمنح قوتي أملاً آخر للحياة، وكأن إمساكي بالمقعد سيزيد من تماسك الطائرة وهي تقلع الآن..!
لم أكن أخاف أن تترك قدماي الأرض رغم أنني كنت أحب الأرض لحبي للحياة ، والآن بعد ان كرهت الحياة كرهت أن أموت معلقة بين ارض وسماء… تلك اللحظات الأنسب لاعترف للحياة أنني لازلت احبها لكنني بدلاً عن ذلك اعترفت لبدري أنني احب البقاء هنا
-”احب اعيش هنا ..بالجو”
رغم مادار في رأسي قبل ثواني ألا أن المكان بدأ يعجبني بشدة!
جذبني الخوف فيه،والقلق فيه، والأمل فيه
ربما لأنني فقدت إحساس الحزن فشيء ما.. كان لايحتمل وجوده
-”الحمدلله بس ههههه الارض نعمه ههه”
هذا ماقاله بدر
-”ههههه بالعكس الجو أحسن..أحس اني طايره “
وكلما تزداد الطائرة بالعلو يزداد حبي للبقاء هنا،شعور بأنني أطير كان يغلفني يجعل مني حمامة بيضاء لاتملك قدمين حتى لاتضطر للسير مجدداً..!
إحساس بالنشوة، إحساس بأنني سأصل للقمر بعد دقائق!
إحساسي أن لاشيء يقيدني سوى حزام اربطه كي لايفقدوني عندما تطأ الطائرة غيمة عجوز تنام في الطريق..!
يجعلني ادقق في هذا العالم العجيب.. مزاجي أصبح بالفعل حمامة لاشيء غير جميل هنا
انه أشبه بالحرية التي لم أرها يوماً… الحرية الوحيدة التي استطيع أن أشبه الأشياء فيها منذ طفولتي رغم أننا لم نتقابل يوماً..!
اخلع الحزام وكأنني اخلع آخر روحي من روحي وانتقل من زمن لأخر وأطير حتى لم يعد هناك من يراني
-”اربطي حزامك يالخبله بطيرين يعني هههههه”
-”اسكت يضايق الحزام “
-”ههههه طيب اسمعيني ركزي معي شوي”
-”وشو؟”
-”مرت ابوي يمكن تطلب منك طلب..وانا شبه متأكد عشان كذا أي طلب تطلبه ارفضي مباشرة”
-”طيب”
لااملك فضولاً الآن فإحساسي أن هذا المكان حيث تقطن الحرية يلبسني ثوباً جديداً، بل ريشاً جديداً..!!
وانتشي.!
عندما لامست الأرض من جديد، وكأنني كنت أطير سنوات طويلة لا دقائق قصيرة
واستمريت اندب حظ حريتي، واكتشفت أنني احبها منذ زمن بدرجة واحدة وبانتعاش واحد،وبرهبة وشوق ثابتين..
ربما كان قلبي محكماً بحب الحرية لاغير..، اختياري الأفضل حيث أنني سأقابل حظي لاحقاً..!
.-.
.-.
هذا منزل والدي
التفت لرسيل
-”رسيل لاتنسين اللي قلت لك”
-”أي بس ليش؟”
كنت حائراً لكن سيارة واقفة أمام المنزل جعلتني اقر بأن من الأفضل أن اخبرها
-”هذي سيارة رامي عبدالعزيز التي تقرين له بالجريدة”
نظرت باندهاش ثم قالت:
-”يسكن معهم؟”
قلت بسخرية-”لا هو درا ان عياله بيجون اللي هم احنا.. وسبقنا عشان يستقبلنا..وانا عندهم قبل كان مايمر يوم الا وهو جاي حتى يجيني بالجامعه مع خادمه”
-”ماشاءالله عليك”
فوجئت بردها،فهي معجبة بما قلت يضايقني فيه
-”ومرت ابوي تفكر تخطب له..انتبهي لو فتحت معاك الموضوع ووافقتي”
ضحكت، ثم قالت
-” احسن من مازن عالاقل مثقف ويعجبني بكتاباته”
غضبت منها فكلتا الفرصتين سيئتين لي..وستكون لها
-”قلت لاتفكرين”
-”بدر عالاقل اعيش عند ابوي ومعك هنا.. بالرياض من لي خالتي وولدها الي مابغى اتزوجه”
انفعالها وضح لي انفعال صادق، وصراحة لم تكن تريد إخباري بها..
إذن هي لاتريد الزواج من مازن..أسعدني ذلك لكني توقفت طويلاً دون المضي خلفها للداخل، ولا إضافة أي شيء يستحق النطق
آلمني جداً حلمها البسيط بالعيش تحت كنف والدي..وغيابي لدراسة اقترحها هو يبدو آلمها كثيراً..!
.-.
لااريد مناقشة نفسي بما قلت، أخذت انظر للفناء الخارجي للمنزل
سبقتني أفكاري للباب الكبير لتدقق بالموجودين ، التفت لأرى أين بدر
فـ تركزت عيناي على كرسي في الحديقة الأمامية أبي جالس وواضع يديه على كتفي زوجته ويتحدثان بشيء لااستطيع سماعه
التفت على بدر فرأيت اشمئزاز على وجهه وهو يقول
-”مراهق فالخمسين..استغفرالله بس”
وتقدم للداخل فتبعته
.-.
بعد أن تبادلنا السلام والأخبار وتناولنا العشاء اتجهت لغرفتي
أبي لايبدوا سعيداً جداً بحضورنا، وزوجته غير مبالية بشيء، وبدري يبدو غاضباً من لاشيء..!
وانا لم افرغ حقيبتي على أمل العودة باكراً..!
.-.
الغداء اليوم على شرف حضورنا،كثير من النساء يرتشفن القهوة بغيبة ونميمة ،ويحلّون بالشفقة الواضحة لأجلي..،
أنا اليوم اكبر من شفقتهم، وكلما زاد عمري ازددت كرهاً لشفقتهم وحاجة لأمي..!
-اماه..ما أكثر مانتعثر في خطانا مذ رحلتي..!
من يخرس أعينهم المحدقة،ويفرغهم ليساووا عقولهم.. ألا يوجد حديث لايخص غيرهم ليتحدثوا به..ألا يوجد شيء غيري ليحدقوا به!
-”اسيل كيف حالك؟”
رفعت رأسي للصوت الجديد الذي يخاطبني إذ بها امرأة ترتدي ألوان لاتليق بعمرها
قلت لها: -”اسمي رسيل”
عدت بنظراتي لحيث كنت
جلست بجانبي وبدأت تتحدث عن كل شيء، حتى بدأ صوتها يزعجني، فاستأذنت للذهاب
لكنها قالت لي
-”انا ام رامي”
عندها تذكرت ماقاله بدر، يبدوا ماقاله صحيحاً
حركت رأسي بالإيجاب وذهبت للداخل
شيء فيني يفضل ابنها على مازن، يريد مني العودة علَها ظنون بدر تصدق وتخطبني..!
إلا أنني لا اريد الزواج حتماً
-فقط لأنني تخرجت من الثانوية،في عيون النساء اللاتي كـ هن قبل قليل.. أصبحت شيء ناقص حتى يزوجونني لأكمل صفة الفناجيل..!
وأنا ربما اخطب مرة ثانية..! مابال بعض النسوة لايفكرن سوى بالأعراس!
.-.
.-.
عندما كنت أتصفح الصحيفة في الصالة العلوية، أطلت النظر بالجزء الخاص به
رامي عبد العزيز ذلك الاسم الذي لايصلح سوى لورقة كتابة.. يملك عمود لايحوي صورته
فكرت به لأجدني ارفض ذلك..وارفضه كثيراً…
-رغم أنني حينها لم أتذكر أبداً إعاقته الجسدية..!
.-.
.-.
بالغد قررت تقديم رحلتنا للإياب، ولم يطلب منا أحداً البقاء، بل أنني لم أرى أحداً عقب الغداء ذاك..
وابنتها التي اذكرها لم أراها ابداً.. وهي من المفترض ان تكون اختي!
مررنا بالبحر لأن موعد رحلتنا ليس الآن.. اشترالي بدر بعض المثلجات وعدت اركض للبحر وألوث قدمي وكأن لامطار بانتظاري
عدت سنوات وأنا ارمي كل ثقيل يتعبني بالبحر،وبدر أيضاً.. رغم انني على ثقة اننا هنا الآن لأنه لسبب ما مشفق علي أكثر من نفسه!
اتجهنا للمطار…لنتحرر منهم ومن المدينة
لأن البحر حساس،كنت رقيقة..!
ولأن البحر باكٍ…كنت اختنق لأجله..!
تبدو لي المدينة كلها تبكي قبل قليل وأنا وحدي اضحك وامرح وأبدل حذائي بآخر..كما أصبحت اتقن تبديل المزاج ،
سنعود لأرضنا الجافة،التي لاتبكي بسهولة، وعندما تبكي فإنها تزهر الارض..قوية كما هو أبي..!
لكن ابي لايبكي، ولاشيء يزهر عند لقائه!
جلست انتظر وانظر للمدينة الحزينة المغلفة بالدمع، ليمنحنا رغبة جامحة بالبكاء..
وتلك الرطوبة تجعلني قابلة للانزلاق والانقشاع والذوبان أيضاً..!
أثناء فترة انتظارنا..لسبب ما تأخرت الرحلة
شعرت بحديث مطول مع المدينة، كانت لاتشبه الرياض
فهذه أحكي لها وتبكيني وتلك اشكي لها وتعلمني القوة!
المملكة فصول لمدرسة واحدة،وأنا مللت التعلم، ليتني استقل طائرة توصلني للنجوم…أو دول جاهلة لاتعلمنا شيئاً حتى أجوائها..!
.-.
.-.
قرب الساعة العاشرة كنا بالمنزل، أنا لم افتح هاتفي بعد ان أغلقته بالطائرة
وتبين لي ان بدر أيضاً فعل ذلك..،
كان اتصال خالتي على هاتف المنزل هو ما أكد لي
-”وصلتوا؟”
بالطبع حياتنا مليئة بالأسئلة الغبية التي نضطر للإجابة عليها، كما نضر للسؤال عنها
-”ايه تونا واصلين”
-”كيف حالكم”
-”بخير الحمدلله”
-”وين بدر”
-”بغرفته”
-”ايه…”
أقلقني صوتها، لكنها قالت
-”طيب بكرة تعالوا تغدوا عندنا”
-”خالتي وش رايك تجين احسن”
-”خلاص بجيب الغداء واجي مو القاكم نايمين”
-”ههههه ان شاءالله”
تذكرت يوماً سابقاً أصررنا عليها بالقدوم، ولم نستيقظ إلا بعد ذهابها
تذكر مواقف مثل تلك أبهجتني، وجعلتني افقد القلق الذي شعرت به من خلال حديثها
لسبب ما.. وللأجواء الهادئة التي تسبق رمضان..شعرت أنني سعيدة
تفاءلت مرة اخرى،للحياة،وللحرية!
.-.
.-.
أعدت سماعة الهاتف إلى مكانها..وأنا مشتاقة حقاً للصغيرة ابنة اختي المتوفاة
كنت اريد محادثة بدر لأخبره بشيء لن يعجبه، لكني غيرت رأيي
عندما تذكرت انه قد يغضب..وان غضب فسيخرج،وعندما تلتقي النيران ستحترق المدينة!
-لابد ان اذهب له فانا متأكدة انه لن يتقبله بسهولة
..×..///..×..///..×..///..×.
حذار من التوهم بأن إشعال شمعة واحدة خير ألف مرة من لعن الظلام !
حذار من لعن الظلام ! وحذار من إشعال شمعة ! فالشمعة ( في هذا الزمن الرديء ) لم تعد تكفي وسط إعصار ليل القهر الذي يكاد يلفنا ..
صار إشعال الشمعة فعل تخدير , كمن يداوي الشلل بقرص من الفيتامين .
كمن يعطي جريحا ما قرصا من ( الفاليوم ) كي يتخدر وينزف دمه كله قبل أن يصحو , دون أن يضمد له جراحه أو يحدد موقعها على الأقل !(غادة السمان)
الحرية الوهم الاجمل، الذي لأجله ارفع شعار لاحذار..!
مصيبة ان تكبر معي تلك الكلمة،وتتسع معانيها بشكل اكبر مما اتصوره
اليوم أتصدقون ماذا مر في بالي…أنني أسافر هاربة فقط لأصور بالقرب من تمثال الحرية، ليبدوا الشاهد لسيادتي المزعومة..!!
كلما ازداد ضغط الحياة حولي،ارغب باشعال المزيد من الشموع..، وكلما أشعلت المزيد أرغب في لعن الظلام.!
(15)
عندما كان لظل كل شيء مثله،كنت في منزلهم ، وكانوا لا يزالون نيام،
قضيت وقتاً في ترتيب الصالة بعض الشيء،ثم بقيت بالمطبخ اعد ماتبقي من طعام الغداء
حتى استيقظ بدر،وجلسنا نتبادل حديثاً مطولاً فنحن لا نحظى دائماً بانفراد تام ،لم أجد الكثير لأتحدث عنه معه وهو على النقيض مني..
استيقظت رسيل وعند أذان العصر كنا قد انتهينا من الوجبة،وبدر ذهب للصلاة
اقتربت من رسيل وقلت لها متأملة مساعدة أو رأي
-”رسيل حبيبتي عندي موضوع ودي اكلم بدر فيه وقلت اقولك قبل”
نظرت إليّ بتشكك..، ثم تحولت نظراتها لخوف غريب، وكانت ستواصل التغير لو لم أخلصها بقولي مباشرة:
-”بخصوص ابوك..امس لان جوالاتكم مقفلة ورحلتكم تأخرت قلق عليكم واتصل علي يسأل عنكم”
شعرت أن ملامحها تتنهد بارتياح..فقالت:
-”غريبة”
لم أكن أتمنى سوى عدم تخييب ظنها،إلا أنني خيبته وأنا أكمل حديثي قبل عودة بدر
-”اتصل على بيتي وقال ناديلي رسيل ولا بدر..انا قلتله انكم في بيتكم..وماكنت عارفه ان ماعنده خبر”
رفعت إحدى حاجبيها وقالت لي بشيء من الاستنكار:
-”طيب عادي هو مامنعنا نجي بيتنا واصلا يـ”
قاطعتها مخلصة كلتينا من الموقف
-”كان يحقق معي عن مكانكم بجد!..قلت وين بيروحون يعني ببيتهم..قال مستحيل بيتهم انا بايعه من زمان مو معقوله”
قالت مباشرة باندهاش:
-”بايعه؟بيتنا؟”
أومأت لها بالإيجاب…
تسمرت نظراتها على عيني، ثم بدأت بالنفي… لاأدري ماتنفيه بالضبط اهو كلامي أم واقعهم
لكني بدأت بتهوين الأمر شيئاً فشيئاً…حتى أتى بدر ورسيل لم تنبس ببنت شفة
بدر بعد دقائق دارت نظراته بيننا فقال:-”وش فيها رسيل؟”
أجبته بابتسامة: “ولا شي “
.-.
.-.
.-.
ليس الأمر يبدوا كما تقول خالتي..بالطبع هناك شيء وقد يكون بالتأكيد موضوع ضايق رسيل..وماعساه يكون غير زواجها!
قلت لخالتي بعد أن تقدمت عدة خطوات لأستقل الكرسي
-”اذا عن زواج رسيل ياليت تلغين الفكرة”
ثم استدركت ماقلته فأسرعت بالتعديل:
“او تأجلينها لين ..بعدين”
ربما لأني أصبت الهدف تبادلت رسيل وخالتي نظرات مطولة ثم قالت لي:
-”رسيل بتتزوج ولدي وبتعيش معنا بالبيت..وانت بتسافر تدرس ولارجعت يصير خير”
لاادري مابالها توزعنا في حضور..!
قلت بصوت يزداد صرامة:
-”رسيل بتتزوج اذا خلصت الجامعة..الحين لا”
-”ليش الولد مستعد؟”
-”ورسيل تشوفين انها مستعده؟”
نظرت خالتي لرسيل التي تنظر لنا كمن يشاهد مصيره في كرة سلة!
قالت:-”الله يكتب اللي فيه الخير”
التفت لرسيل أريد منها النطق بشيء..تؤازرني بالقرار ،توقعت أن تنطق بأي شيء آخر عدا ماقالته حينها
والذي جعلني دقائق أناوب الالتفات بين خالتي واختي.. ثم وقفت من الكرسي،وفور وقوفي بكت رسيل!
وعندما بكت قلت لخالتي:
-”صدق اللي قالته؟ابوي بايع البيت؟”
.-.
.-.
كنت اجلس مرة اخرى على الكرسي،ركبتيّ لم تعد تطيقان الوقوف واستمع لكل حرف تنطق به خالتي..هي تواصل توضيح الأمور وأنا أواصل عدم التصديق
“باع البيت؟؟طيب…واحنا؟؟”
لا ادري أكنت اسأل عن ماسيؤول إليه حالنا، أم هل باعنا أيضاً..
قالت خالتي بتبسيط للأمر:”انت بعد رمضان بتسافر تدرس ورسيل بترجع معي والبيت بيتها وانت عارف..وعقب تتزوج مازن والله يسهل ان شاءالله”
وكأن الجملة الطويلة التي قالتها لم تكن سوى مازن..ذاك ماكان ينقصني أيضاً.!
-”رسيل ماراح تتزوج انتوا وش فيكم “
لا ادري من اقصد وماذا اقصد..أخرجت هاتفي واتصلت به..أبي!
-”السلام عليكم…الحمدلله بخير..ايه الحمدلله..الله يسلمك…ايه نسيته مقفل..نسيت..امر بغيت شي…ايه..ان شاءالله…طيب بسألك وش سالفة البيت؟…يعني صدق بايعه…ايه…وحنا؟…
ادري…مين شراه لمين نسلمه؟…ميــن؟؟؟.صادق…يبه انت تتكلم صادق بالله عليك انت عارف وش سويت…ادري محشوم انا قصدت مافكرت فينا..شلون…(ارتفعت نبرة صوتي) عيالك حنا ولا عيال ابو عمر؟.. حتى بيت امي اخذته مابقيت لنا شي …ادري..ادري وتبينا نقول جزاك الله خير… مهي عندي الحين..مع السلامة “
.-.
جلس بدر ووضع يديه على رأسه،وابتعد عنا كثيراً.. يبدوا أن والدي كعادته لم يبال بشيء..أكان يطلبني قبل أن يغلق من بدر؟…ماذا تراني سأقول له بعد أن شعرت أنني لااحبه مطلقاً…!
تذكرت قلت مباشرة لبدر:
-”وشو اللي عيالك ولا عيال ابو عمر؟”
رفع رأسه وتجاهل خالتي التي قالت:”مهما كان لاتنسى انه ابوك..مهما كان”
اتجه للسلم ليصعد وهو يقول:
-”بايع البيت على ابو عمر مالقى الا هو من النـ…”
بتر جملته كي لايخطئ،وكأنه استجاب مباشرة لما تود خالتي إخباره حينها…والذي يعلمه مسبقاً لو اقتنع انه حقاً والدي..،”ولاتقل لهما افٍ ولا تنهرهما…”..،جميل أن نستطيع تطبيق كل مايلزمنا قبل نتمادى في الفحش بالقول، فأنا على يقين انه لو لم يكن أبي…لضج بدري بالصراخ والذم والتحقير منه أمامي..
إلا انه اكتفى بضرب سياج السلم بقدمه بقوة مرات عدة، إستزرى موقفه واستشنعه، واستثار أمامنا مرة تلو الاخرى، رحلت خالتي وبكيت أنا..أقصد بقيت أنا…
وانقضت الليلة الأخيرة في عمرنا بهذا البيت…!
.-.
.-.
.-.
الشيء الذي لم يجعلني أنام أن أبي باعه دون علمنا حتى، وان مشتريه والد صديقي المقرب..!
وبالطبع لمصلحة تجارية يكسب فيه أبي، شيء وحيد كنت أفكر فيه أكثر الوقت:
-عمر في الفترة الأخيرة كثير التفكير،منشغل البال..الآن فقط عرفت أن لمنزلنا السبب
وان والده لايسعه سوى السكوت لمنحه لنا مالم يمنحه والدي…سنخرج غداً..
لو كان الناس جميعهم كأبي عمر…لكانت الدنيا بخير…، ابي…غير صالح للأبوة..لأجل غير مسمى!
.-.
.-.
قبل صلاة الفجر،خرجت من غرفتي متوجهة للصالة،فقد نسيت هاتفي وأنا استعمله كمنبه، رأيت المجلس مضاءً..اقتربت لأتفقد الوضع…فرأيت بدر
-”مانمت؟”
دون أن يلتفت الي قال:-”الحين بيـ أذن”
لقد كان يبكي..!!
صوته،وعيناه التي يخفيهما عني،وكل شيء يدل على بكاءه..!
-أوجعني قلبي كثيراً وأنا التي لم أرى بدري يبكي منذ زمن،وكأن الدنيا ضاقت مرة اخرى وشدت على صدري، انسحبت لغرفتي وأنا لا ألوم احداً سوى ابي…
.-.
.-.
بالغد..
بينما كنا نشاهد التلفاز، التفت إلي بدر وقال:
-”بسألك وجاوبيني بصراحة الموضوع مايتحمل التأجيل”
-”خير؟”
-”انتي تبين تتزوجين مازن ولا لا؟”
ظللت صامته،فأنا لست واثقة من رفضي بعد لا لأنه مازن بل لأنني لا ادري أأستطيع العيش معهم بينما ارفض ابنهم!
عندما نظرت إليه شعرت بالخجل من سؤاله حتى..!
أضاف:-”بنرجع لخالتي مثل ماتشوفين..اليوم ولازم تقررين عشان أتفاهم مع خالتي”
إن قلت لا..فبدر سيقولها مجردة لخالتي..فهو لن يبرر شيئاً..وأنا لن استطيع
-”مابيه ومابي اتزوج بس خالتي بتنصدم لأني…”
قال بدر مباشرة وهو يعود للتلفاز
-”اجل خلاص أنا بقولها..إذا فتحت الموضوع”
- كثرة التبرير بطانة للأسباب الغير محتملة الظهور،والتي تتضح ضمن الحقيقة،وذلك شيء لايحبه بدر أبداً..احياناً أشعر أن الأسلوب الذي يتحدث به بدر هو الأمثل لمجاراة الحياة، كما ورث عن أبي الطرق المباشرة.. يفضلانها معاً إلا أن بدري يؤمن انه إن لم يكن”نعم”فهو حتماً..”لا”..، لامجال للتفكير..
أما والدي ان لم يرده “نعم” فهو جبراً “لا”…، لامجال للنظر مجدداً..!
وأنا…احب الإجابة بنعم..وكذلك لا.. فلاتوجد بيني وبين الكلمتين عداوة إلا أنني غالباً أفضل أن لاانطق بهما ،فأستبدل الاثنتين بكلمة السلام…”ربما”..!!

يتبع ,,,,

👇👇👇


تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -