بداية

رواية سيدة الحرية -14

رواية سيدة الحرية - غرام

رواية سيدة الحرية -14

ماحدث قبل سنتين-
كنت على علم بتقلب فصول السنة،وعلى ثقة أنهم يتبادلون مقاعدهم سريعاً دون إعلان مسبق، وأعي تماماً أن الشعور كذلك،
رغم ان الربيع الأجمل بينهم، إلا انني لم احب سوى الشتاء...يروقني عندما يبدوا قاسياً، وأحببته أكثر عندما كان هنا في منزل عمي، انه يأتيني أينما ذهبت،ويقسوا علي أكثر عندما أكون خارجاً في منتصف الليل،وكأنه يؤنبني!
اذكر انني كتبت عنه ذات يوم انه قارس وقاسي،ولم اكتب يوماً انه جميل،فأنا احب قساوته وذلك شيء مخجل!
ربما الأشياء التي تترك اثراً اكبر هي الأجمل لاحقاً، لأنها تملك الجرأة،وفصل الشتاء جريء
بذلك كنت أفضل حالاً هنا،وأجمل مزاجاً،وأكثر تفاؤلاً للحياة، لإيماني بأن بعض الأشياء البسيطة قد تمنحنا مالا نستطيع شراءه،وتعطينا دون ان نرى ماستلمناه..
وكان ذلك أفضل شتاء لي منذ زمن...،
وحلَ الخريف
عندما جاء فقط جردني من تفاؤلي،ولم يعطيني سوى القدرة على اليأس من جديد
ربما هو لديه القدرة الهائلة على تجريد الأشياء من نفسها،كما يتجرد هو من اوراقه!
انه فصل لامبالي،مهمل،رياحه دوماً ضجرة، هو لايملك قساوة الشتاء لكنه ينزع الحياة من الحياة،لذا لا احبه مطلقاً
عندما نجتمع كعائلة على مائدة طعام في ليلة باردة،بوجود عمي الطيب وجنان التي أحببتها بصدق، لااشعر سوى ان الأشياء تتحدى البرد وتصبح جميعها دافئة!
ذلك الوقت الأجمل على الإطلاق
-عندما عاد خالد من السفر كنت متشوقة جداً لأراه، كان جدياً غامضاً عندما نتناول الوجبات يبدو صامتاً كأن لا أحد بالقرب منه.. أخبرتني جنان انه ربما اعتاد ذلك في الغربة..، وعندما حضر الآخر، زياد كان يتحدث أكثر مما نتحدث معه، يجيب أكثر مما نسأله عنه، كان نقيض الآخر..يشبه بدري بجمال روحه، لذا أحببته حتى سعد بالجو العائلي كما قال قبل سفره، انه لايود المغادرة
قبل موعد سفره..،ابن عمي الذي كنت أرى التاريخ وأتمنى أن لايأتي سريعاً موعد مغادرته، كنا نجلس مستمعين إلى شيء حدث معه أثناء سفره،كنت سعيدة بحق حتى سمعت صوتاً في الخارج ينادي
-"جَنان"
قفزت جَنان وركضت لها، وما ان انفتح الباب حتى فقدت جزءً من ابتسامتي!
عندما تصدف الحياة بأن نجد أشخاص نلتهم منهم التعاسة دون علمهم بما أشبعونا من الم.. وبلا ذنب منهم يصبحون الأقسى إطلاقاً في نظرنا...وتلك لم تكن مذنبة وأنا كذلك وكلتينا في وضع ظالم ومظلوم ،لم تقل شيئاً لكنني قلت الكثير عنها..لم يخبروني شيئاً لكنني علمت أكثر مما ينبغي بمجرد أن نظرت لها...زوجة عمي تلك دون أن تعي ذلك كسرت أول مجداف حاولت صنعه،وبلا قصد منها تشظت الشواطئ بي وضاع المجداف
كانت تعانق ابنتها،ومن ثم ابنها، حتى قال زياد انه ذاهب لإحضار حقائبها التي لاتزال في سيارة الأجرة!
طولها ملفت للانتباه ولباسها ملفت ايضاً وشعرها الأشقر لايبدو إلا طبيعياً...
تشبه زياد قليلاً فجماله لم يكن ماراً بمحيط عائلتي قبل ذلك،لكنه لم يكن أشقراً كما هي..بل لااحد يشبهها بذلك الشيء الخاص، وعندما تحدثت صحّت كل ظنوني...هي لم تكن سوى من دولة عربية اخرى،
ربما جاء دوري لألقي التحية،أو لأتلقى كل مايحدث أمامي بإذن لاتود أن تستمع إلى شيء
ابنها لايزال يحضر الحقائب،من سيارة اجرة ركبتها وحدها،وأقلتها من المطار بعد وصولها أيضاً وحدها

-"هاد بنت عمك؟"

قالت ذلك موجهة السؤال لجَنان،أجبتها مباشرة
-"رسيل،الحمدلله على السلامة... ام خالد"
ضحكت وقالت-"ام خالد..لالابتكبريني هيك"
لاعجب اكبر مما اراه أمامي،لازلت في دهشتي الكبيرة،لمَ تراها جَنان لم تخبرني عنها،اقصد أي شخص آخر لمَ يخبرني أن عمي تزوج من أجنبية،لمَ لم اسمع أي شيء بهذا الخصوص سابقاً،بل لمَ هي لاتعيش هنا!
شيء رهيب بدأ يحضّر إجابات خارج المنطق،وإحدى الإجابات كانت تصر على إقناعي،لأستنتج منها عدة امور قد تكون اكبر من دهشة أرملة ترى زوجها لاحقاً يبيع الصحف!
-واتصلت ببدر،والتقيته
-"بدر فيه شي غريب اكتشفته"
-"هههه اكتشفتي ان عمي يتغدى مرتين ولا يتعشى،واكتشفتي ان الجريدة منزله الكاركتير مرتين،واكتشتفي ان ..."
قاطعته-"بــدر والله جد شي رهيب"
-"قولي ياذكية"
_" تعرف ليش عمي مقاطع ابوي؟"
اظن انه توقع أي سؤال خارج محيط المنزل
-"ليش؟"(ثم اضاف) مو عشان ابوي تزوج امي؟ولا عشان سالفة الفلوس ومدري ايش؟"
-"هذا اللي قالوه بس مستحيل مو مقنع"
-"اقول روحي نامي شكلك مليتي بدون مشاكل صرتي تدورين اشياء قديمة هههه"
-"هههه اسكت والله صدق انا للحين مصدومه تدري اللي اتوقعه ان السالفة معكوسة والله صدق"
بلا اهتمام اجابني-"شلون؟"
-"ابوي اللي مقاطع عمي عشانه تزوج اجنبيه"
قلتها مباشرة،فلم يعقب لذا اضفت
-"انا يوم فكرت فيها تأكدت لان عمي قال انه يكلم ابوي بس ابوي مايرد عليه"
-"هذا لان ابوي مايعرف يسامح احد وعمي غلط يوم زعل من زواجه اول مرة وبعدين رضى بس ابوي ماسامحه"
-"لا مستحيل انا متأكده انت تعرف ابوي شلون بعدين قاطعه يوم تزوج عمي مو يوم تزوج امي نسيت اللي قالته امي"
ربما انا نفسي ازداد دهشة من نفسي كلما اتقدم بالكلام،فأنا لم احلل يوماً سوى زاوية في مقال!
وان اكتشف شيئاً هائلاً كهذا،يجعلني ارى عمي نسخة متطابقة من ابي، لأن كلاهما كذاب،وكلاهما اناني!
طالما كان ابي مخطئ،ولأنه ظلمنا كثيراً لم نفكر ان عمي سوى كأحدنا نال ظلمه وبطشه، لكن ان كان ما اعتقده صحيحاً وليس احداثاً رتبتها لأغضب من عمي،فأنا حقاً سأكون بائسة!
كنا نريد الاتصال بأبي ليقول لنا أي شيء الا ماتوصلت إليه، لكن احدنا لم يتجرأ للاتصال به،فهو على ما اذكر منذ شهور،اقصد منذ ان رفضنا الخروج من منزل عمي وهو لايتصل بنا،ونحن خوفاً لانفعل!
-"اتوقع انك تتوهمين"
-"تذكر يوم ابوي يعطينا درس في فضل رضا الوالدين(ابتسم بدر بسخرية) تكلم عن عمي وقال ان ابوه ماكان راضي عليه ،وقال ان هذا السبب اللي خلا عمي يقاطع ابوي بدون حتى سؤال لانه مايهتم بأحد..لكن انت عارف عمي قلبه طيب ولو فيه مشكله يمكن تكون عشانه تزوج"
-"طيب حنا وش دخلنا؟"
-"وش دخلنا؟ ليش هم ماكذبو علينا،ماحرمونا من عمي كل هالسنين"
-"لو صح كلامك كان قالنا ابوي لاتروحون له لانه عاندهم وريح عمره"
-"كل الي قاله كذب عشان لانروح لعمي "
بعد لحظة كنت احاول اقناعه،او بالاصح اقناع نفسي قال:
-"انتي ليش تفكرين بالاشياء اللي راحت خلاص اللي فات مات يلا روحي نامي ولاتشغلين نفسك"
ملامح بدري تؤكد ان استناجي صحيح، كنا ضحية لاثنين، احداهما خالف عادات العائلة وتزوج والاخر كذب على ابنائه كي يضمن القطيعة لسنوات
انها قطيعة بعمري انا، وكذبة البستني خيبة تفوق عمري بسنوات،اود لو كان لي عم ثالث لأخرج من هنا..ربما لأني اعتدت الرحيل
مرت أيام،هادئة اخرى،علمت فيها ان بدري اتصل بأبي،واحتد النقاش حتى أكد له ذلك،واخبر انه لمصلحتنا مافعله!
لكن بدري لم يخبرني مباشرة،لأنه يعلم انني سأفقد اشياء كثيرة هنا...،لكن هيهات ان لااحرك ساكناً
وياللمفاجأة لم احرك ساكناً!، ولم اعد افكر إلا بطريقة تخرجني من هنا،والتفتيش عن اخ آخر خبأه أبي!
ولم أجد!
لمَ عائلتنا تملك عادات غريبة! ،لمَ يغضبهم زواج عمي بامرأة تتحدث اللغة نفسها! لمَ يفضلون قطع الأرحام على زواجه بمسلمة!
الا نستطيع الزواج بتوفر شرطين!ام يتوجب علينا كتابة شروط الجد الاكبر! الا يستطيعون منح الحرية من ارادها!
عندما افكر بالامر جيداً،ربما ما اعتادت عليه امرأة عمي يختلف عما اعتدنا عليه، لا اقصد الحجاب الذي لايكون سوى عبادة..ما اعنيه آرائها تفكيرها، الذي تأثر به عمي طبعاً ..لأنه حتماً راضٍ عن بقائها عند جدتها وامها كثيراً من السنة،ولن اتحدث عن سفرها وحدها،وعملها في مكان مختلط،بل كيف ان عمي راضٍ بذلك
اتلك الاسباب كانت في احتمال اجدادي!
لذا عندما اتحدث عن الحرية يخبروني دوماً بأنني اقصد ذلك فيها، بانها تملك الحق بالذهاب والاياب،بالغطاء والحجاب،لكن كثيراً ما اتوقف هنا لأخبرهم انه لوثوا معنى الحرية!
فأنا لست ليبرالية، العبودية والحرية وجهان مختلفان لكل منهم شريحة نقدية..وفيني اجدها وجهان لعملة واحدة..لأني حرة ،وعبدة لله..فكيف أؤيد حرية في غير رضاه!
لمَ تخلطون بينهم،ياعبدة الدنيا وانفسكم،هل ابقى بلادين لأكون حرة! سم الليبرالية والعلمانية وسموم تدس نفسها بالحرية، لن آبهة بقوم لايرجون لله وقاراً، وسأحب الحرية كيفما اريدها
للحظة ما، أحسست أن كل الأمور التي لاتعنيني أصبحت تعنيني كثيراً...،
بدري الذي لايزال غاضباً من أبي أكثر مني،عندما قال له ايضاً: انه لايجب أن يتدخل في امور اكبر منه، ندمت أنني أخبرته بالأمر كله
لو أنني لم أكن مهتمة بالتفاصيل،لما توصلت إلى ماعرفته،ولو أن امرأة عمي لم تعود لما حدث شيئاً..و لو لاتغير امراً
حاولت أن اظهر لبدري وكأن الأمر غير هام، وأننا سنكون سعداء هنا.. وانه يلزمنا بعض الكذبات على أنفسنا لنبقي السعادة بيننا..
-ربما لأني جربت التحايل على نفسي،وطالما أخفقت،تعلمت فقط اهتم بتفاصيل الأشياء مأخوذة بالأجزاء التي قد لاتعطي لما اراه أهمية،أو ليس له أهمية بما اراه،
لأنني أيضاً علمت قلمي كيف يتحايل على ورقة،لا ليأخذ مايريد منها لكن ليمنحها زهو الخيانة..لثقته انه الأنسب لهذا الدور فإن صدقت الورقة وصدق القلم كيف لنا نثير الكتابة!
لأني علمته ذلك الفن، كثيراً ما أجدني مهووسة بنسج الشعور بالجزء الأشد بؤساً منه! وللسبب ذاته أتعمق في كل شيء لأخرج بمبهم افصله على جسد الكذبات بقياس ألمي! طالما كنت مأخوذة بكل شيء في الحياة حتى الجانب المظلم كنت اشعر به غربة تشبه حزني فأستغل كل نزف لأكتب عنه ، لكن لا أزال احتفظ بما يبهجني كتعويذة ألقت بها علي الخرافات!
ولأنني انثى القلق والتفكير والتفاصيل الدقيقة، والانثى التي لم تعد تدهشها المفاجآت،والانثى التي أرسلت طلباً لأخذ هدنة دائمة من منطق التفكير! أثق ان كل ذلك جعلني أواصل تأييد القلم،وتأبيد ورقة!...حتى فقدت اخيراً مصاحبته، وشهيتي وللكلام...!
(إذا أردت أن تعيش سعيداً فلا تحلل كل شيء ..
فإن الذين حللوا الألمـاس..وجدوه فحماً )*!
واستبدلوا المقاعد ثانية، رحل الخريف، ورحلت زوجة عمي، لكن لم نعد كما في السابق
-"عمي مايشتاق لها؟مايبيها تقعد هنا؟"
أجابت جَنان بحزن مغلف-"كانت أول فيه مشاكل على الموضوع هذا لكن الحين خلاص تعودو"
-"ماقد رحتي معها؟"
-"الا كثير بس ما اطول..وعشان اشوف جدتي بعد امي ساكنه عندها"
ثم أغلقت الكتاب بيدها في إشارة لإغلاق الموضوع..لكنني املك فضولاً كبيراً لأنني أظن أن الموضوع يخصني
وتحدثت مرة اخرى بلا شيء مفيد..،
حضر زياد وكنت مبتهجة بعودته،اخبرنا عن اشياء كثيرة حتى تدرجنا بالحديث لشيء يخص جَنان، ربما كان زوجها السابق
بدأ الحديث يأخذ منحى مأساوياً حيث فهمت من المغزى ماكان يجب علي ان افهمه..لأنني عندما فهمته تألمت لأجلها وكرهت الكثير!
ماكانت تلمح لإخباري به بصياغة مبهمة لحديثها ان طلاقها لم يكن الا لسبب والدتها لحدث ما،او لإشارة لشيء ما.. اوربما لم افهم جيداً
ربما كنت وزياد على وشك بداية قصة، قصة شعوري بها البهجة بوجوده! لكنه غادر سريعاً،ولن يعود قريباً، وذلك اشعرني بالألم
اخبرني انه يود البقاء هنا، لكنه غادر!
ربما فقط لأنني لااود فراق احبتي، لكنني كلما افقد شخصاً تزداد محبتي للباقين حولي وأخاف فقد كل شيء..!
بالحديث عن الفقد، تلك الكلمة اشعر بها كابوساً يزعجني عندما احزن!
حتى دانه، فقدتها!
معها هي..احب المنتصف! من بين جميع الأشياء في حياتي اموري معها احب أن تبقى في المنتصف
ربما لأنني أسرفت معها سابقاً، أعطيتها مايفيض عن استحقاقها...بينما نحن نجتمع مجدداً أردت أن احبها دون خط المنتصف
احياناً اشعر أن صداقتي معها مجرد قدر، وكلتينا أحببناه،
نحن كنا افترقنا دون أن نعي ذلك، دون تخطيط مسبق، وعدنا بنفس الطريقة
بدايةً كانت تطلب مني القدوم لمنزلها، ولا افعل ذلك عمداً ، وعندما فوجئت بها بالكلية التي ادرس فيها ،ركضت هاتفة أنها انتقلت هنا وهي تبشرني كما قالت
سعدت بها بمنتصف السعادة ايضاً وعلمت انها قدمت الى هنا بطلب من زوجها كي لايأخذ طريقها للمنزل زمناً طويلاً... إذن لست السبب الوحيد لقدومها هنا!
هي تزوجت...نعم الفترة التي انقضت أخذتها لتجعلها عروس، او هكذا كانت طريقتها في الانشغال عن الجميع،او ربما ازدادت فراغاً بعد ذلك!
بعد ان كنت اكره تصرفاتها مع عالم الحب او الوهم الذي يظنه البشر حباً ،كذبت بأن الشخص الذي التقته بوجودي سيكون زوجاً أو ربما لم تكذب ورفضته بعد تكرار سؤالها مازن عنه
أو ربما سبب آخر غيّر مجرى الموضوع حتى بلا سابق إنذار أخبرتني أنها تريد الزواج من شخص آخر، وبالفعل حضرت زواجها غير مقتنعة بشيء والأهم بتسليمها حرية شخصها بتلك البساطة!
ذلك اليوم، لم أفكر ابداً أن زواجي قد يكون قريباً
كنت بحق أشفق عليها لأنها منذ ذلك الوقت أصبحت ملتزمة بحياتين، حياة لها وحياة له
وذلك ابعد ما أتصوره عن الحرية!
الا تكفي للمرء حياة واحدة يعيشها؟ لم يجب عليه أن يحمل حياتين ويعيشهما معاً بالثقل ذاته..!
وذلك ماتغير سريعاً...!
.-.
.-.
.-.
"الحرية لايمكن ان تعطى على جرعات فإما ان تكون حراً او لاتكون"
كثيراً مافكرت بها تلك الأيام،وبها توصلت لموافقتي الزواج!!
الاحداث التي مررت بها،كلها تستدرجني دون علمي للخروج لحياة اخرى على نفس الأرض، كان الأمر بمثابة استبدال قميص بآخر،فكان هيناً جداً، كأن اولد من جديد لا كأن أموت بعد عدة ولادات!
و أن أقرر ببساطة وأنفذ ماقررته شيء رائع كأنه الحرية!
عندما لا أجد أمامي شيئاً أخاف أن اخسره،أغامر بنفسي !
كان عمر...،
لولا وجود لمى لاخترت الزواج من مازن لأنني لا احبه كما لا احب عمر..لكن مازن لم يشترِ منزلي،ويترك أعقاب سجائره فيه، ولايخجل من شيء وقبضته دليل مشاكله
عمر لااحبه مطلقاً وكذلك الآخر الذي يتصرف وكأن الدنيا خلقت لأجله،بما فيها أنا! ذات يوم تساوى في نظري مع اخته،كلاهما بغيض!
عندما تتساوى الحياة أمامنا بكل تفاصيلها فإننا لانأخذ وقتاً طويلاً في الاختيار
لذا عندما سألني بدري عن رأيي الأخير، وذلك لتكرار طلب صديقه بإصرار
وافقت ببساطة
لدرجة أن بدري شك بصدقي فقلت له مؤكدة
-"وعندي شروط"
وأنهيت الحوار على عجل،اقصد على خجل،ليس لأني لم افكر بعد بشروط، لكن لشعوري انني اختنق خجلاً من اخي..ربما لأنه صديقه!
على الأرجح أن الحرية لن تأتيني، لذا قررت الذهاب إليها ولن أجد طرقاً مغلقة..!
بالغد...،
تذكرت موافقتي فأيقنت أني وصلت الجنون!
وقررت أن ازيل الفكرة من رأسي والغي ماقلته بالأمس،فالحرية لن تأتي عن طريق التزام آخر..!
كنت اشفق على كل من ارتبط بغيره،ربما سيتوجب علي اخيراً أن اشفق على نفسي،سأمضي كما هم..لكني سأختلف عن الجميع بما سأملكه
ليس كل الأحرار سعداء، وليس كل السعداء أحرار...سأكون مختلفة..لن التفت للوراء...!
أقل مافي الأمر أنني لن أعيش هنا
عندما مرَ شهر أو يزيد
لم أكن اريد رؤية شرعية،إني اعلم من يكون ولاتهمني رؤيته، لكن بدري أصر على ذلك
فهو يبدوا غير موافق قبل أن يكون موافق!
كنت أتحدث مع نفسي بما وصلنا إليه،دوماً نحن متفقتان عندما يكون الموضوع أكبر منا!
كلتينا لانفكر بالرجوع ولا التقدم..حتى شعرت أننا امرأتين تنظرانا لبعضهما في دهشة،كامرأة تنظر لمرآة فتجدها اثنتين! عمر هو أول شخص تجادلنا تجاهه،وبه أصبحت مرآتي لاحقاً لاتظهرنا اثنتين!
.-.
.-.

كنت استحم وارتب نفسي لأن علي مقابلته ..!

هو من بين جميع رجال العالم كان يجب علي أن أتزوجه...!
القدر ...، النصيب...،كثير من الكلمات قد أقولها لمن سوف يسألني لمَ هو...؟
لكنني لن أقول لأنني اريد الحرية..؟ فلن أكون سوى مدعاة للسخرية حينها..!
إما أن تكون حرا أو لاتكون..نعم ليست كل الأشياء نراها على ماتبدوا عليه..!
لأنني مهووسة بشيء ما، لاعجب أنني افقد المنطق يوماً بعد يوم... والحرية قد تكلفني سيادتها أكثر مما فقدته!
شيء في داخلي موقن أن ذلك لن يوصلني للحرية، لكن لاغيره قد يصلني بها، لكننا نأمل أن الطرق التي كنا نظنها لاتصل لشيء قد تصلنا بشيء..
يتساقط الماء على رأسي بثقل متوازن، حاملاً معه مايستطيع من الأفكار
عندما اغمض عيني اشعر انه المطر! ويبدأ الشخص الأقرب لي،والذي اسعد برؤيته، والذي احلم ان يكون بدلاً من عمر!
اطيل الاستحمام ،كل شيء اريده أن ينسدل من رحم أفكاري ويسقط
كل الأشياء تسقط مشوهه، عدا قطرات الماء..!
كل ما اريده ان يسقط فوجئت بي حامل به من جديد ..الماء دافئ جداً لكنني اصطفق برداً كلما نظرت للساعة..!
سيأتي خلال ساعة..!
تباً للحائط ولها ألن تموت تلك..!
-"بسرعة يارسيل"
صوت جَنان يأتيني من الخارج لينتشلني من الداخل لأتصدر الغلاف
._.
التصقت دقات قلبي ببعضها،بدت تتضخم دقة بعد اخرى حتى كادت تهشم صدري
-"وش البس؟"
ابتسمت لي واقتربت تفتش في خزانتي وأنا لا ادري مايرتدى بمواجهة كهذه..اقصد خطبة كهذه ماذا يرتدون؟.. كنت أظنني سأكتفي بالعباءة!
اختارت لي شيء ارتديته، بعد أن لففت وشاح الخوف والغضب على جسدي وأنا بت أوقن أن رؤيتي ليست من حقه..!!
قريباً ربما..سأفقد عقلي!
رأيت بدر ينتظرني
التفت إلي وقف وتقدم أصبح مقابلاً لي تماماً وكدت أصله لانخرط في بكاء سيثقل ثوبه الخفيف لكني حركت رأسي بإيجاب!
-"رسيل للمرة الالف اللي اقولك للحين ماصار شي الزواج مو لعبة ..يمديك تغيرين رايك الحين"
كدت اغيره حقاً لولا اقتناعي أن هذا الزواج أفضل من حالي هكذا..وان الطلاق قد لايكون سيئاً مستدلة بجنان!!
وذاك أول مفهوم خاطئ للحرية،فقد اعتقدت أن المطلقات كلهن حظين بالحرية الجميلة..، لاتزال لدي اشواطاً لأتعلم الحياة
-"وينه؟"
-"بالملحق.. برى"
كنت اشعر به يريد أن يقول شيئاً آخر وكنت أنا كذلك لكننا مشينا قدرنا بصمت تام..
كنت امشي وأنا أتخيله أي شخص إلا أن يكون عمر،اصفع الذكريات مع كل خطوة وأحاول تجميد عقلي لدقائق فقط
إلا انه عمل كما لم يعمل بحياتي
لم استطع الدخول وأنا اعلم انه ينتظرني كيف ستوافقني قدمي
عندما اقتربت جداً من الباب قلت لبدر
-"خله يجي بالمجلس داخل"
لم اعطه فرصة ليعترض، سبقته للمجلس أشعلت الأضواء والتكييف على قدر من البرودة ليجمد حواسي
-"وش تسوين انتي"
جاءني صوت جَنان وقد غطاها الذهول
اجبتها-"بدر"
"وشفيك؟ وشو بدر"
-"عمر"
-"رسيل وش تقولين جنيتي؟"
اقتربت حينها مني وحاولت طمأنة قلبي أمسكت بيدي وقالت
-"حبيبتي لاتخافين ترا كلها بيشوفك ويطلع يلا نروح"
قلت بلا استيعاب كامل
-"لا هو بيجي هنا قلت لبدر"
قفزت جنان مفزوعة
-"بيدخل هنا..ليش ماقلتيلي..لو انه جاي وانا هنا"
وركضت للخارج وبدر صادفها ولم يسأل
قال لي مستنكراً
-"وش الفرق الحين"
-"ناده وخلصني"
كان متضايقاً ليس للسبب ذاته بل لأنه على ثقة كبيرة بأنني غير راغبة بهذا الزواج
كررت:
-"بدر"
-"طيب (نظر قليلاً ثم أضاف بتعب) الله يكتب اللي فيه الخير"
وخرج ولم اعد اشعر بقدماي وضعت يديَ فوق بعضهما وأنا جالسة اراقب تنفسي المضطرب
.-.
.-.
أتى لي بدر واتجهت عيناي للمكان خلفه ابحث عنها..!
قيل أنها ستأتي هنا
شعرت بخيبة أمل هل غيرت رأيها..!
هذه المرة الثالثة التي ارفض فيها إن صحت ظنوني..!
المرة الأولى كما تذكرون قبل عامين، عندما صرفني بدر بلا اهتمام.. والمرة الاخرى كانت قبل أشهر من الآن لكن بدر صرفني ايضا لكن باهتمام!
كنت تقدمت إليه رسمياً ،بهدف مجهول لايزال بدر يحاول الاستشفاف مني .. ويكرر انه يعي أنني مشفق عليها لا أكثر.. ولم أتجرأ أن اخبره بما يكنه لها قلبي المجنون!
قبل ان اعرف الحب،أحببتها، وذلك فقط يكفي ان أراها غير الناس!
لذا شعرت ببعض الغضب من بدر عندما رفضني أخيراً،وفضلت ان اغضب بعيداً عنه حتى لايشعر بي، لأنني رغبت بالغضب حينها،غضبت بشكل لم أتصوره
هو لأنه لايدري أني متورط بحبها منذ القدم،يخاف أن أتورط بها الآن..،حاول إفهامي أنها سعيدة جداً في منزل عمها،وأنها لم تستعد للزواج وان استعدت فليست مناسبة لي..لكنني لا افهم
ولا اريد أن افهم..لذا غضبت!
شيء ما ساعدني أكثر على الغضب، هو أن علاقتي ببدر لم تعد كما كانت فقد يمر اسبوع لايصلني به سوى هاتف،ولأنه يعمل مع الشخص الذي اريد ان اقتله بيدي!..مازن
لأن والده اراد لهم العمل معه، ومع الأيام تمكنت علاقتهم لكن بدر لم يتعمد جمعنا في مكان واحد..
وكان مايرعبني حينها أن مازن قد يتزوج حقاً بأخته!
دفعني ماخفت منه تدريجياً لأن اخبر والدي بنيتي للزواج، ورد علي بابتسامة كانما تقول:أخيراً
اما والدتي،فكانت كرنيم،يريدون مني الزواج بامرأة اخرى، لكن امي لم تعارض رغبتي بالزواج باخت بدر!
ورنيم عارضت دون صوت..لكنها قالت فقط-" وانا اقول ليش..اثرك حاط عينك عليها"
والدي حينها اتفق مع والدها،فعلاقتهم كانت على مايرام وربما اعتبر أمري صفقة اخرى..فتمت بنجاح!
وعندها،رفضني بدر لحجة رفضها...!
لم اعد املك غضباً آخر،ولم أكن اريد أن ابتعد عن بدر بسبب امرأة ولو كان ذلك لأيام فقط!
لكني دون قصد ابتعدت تدريجياً، لأني شعرت باليأس اخيراً
-"والله اقتنعت انا فيك ههههههه لكن هي رافضه الموضوع اساساً"
كلمات بدر الأخيرة كانت الباب الأخير الذي صفعه في وجهي، لسبب ما، شعرت بخلو الحياة وكأنني امضي وحدي!
.-.
لأن عملي يتطلب مني إهدار وقت أطول في التسكع!، كنت اسافر كلما ضاقت المدينة،وكلما اتسعت لحد اضاعتي..، لكنني هذه المرة اسافر برجاء من والدي لأقابل والد بدر لأوراق سخيفة ذات أهمية!
جاءني اتصال من بدر،لم اجبه ليس لأنني غاضب بل لأنني سأصعد الطائرة
لكنه عندما تكرر أجبته
-"هلا"
-"مرحبا يالنسيب"
استثقلت مزحته
-"هه مرحبا ..ها بدروه شعندك"
-"بس كيف حالك"
-"بخير وسلامه شوف حبيبي بتصل بك اذا وصلت انا بالطيارة الحين"
-"ها وين مسافر؟ وليش ماقلت لي "
-"ههه توه طرى على الوالد بوديله شغله واظاهر بقابل ابوك بعد"
-"ايه اذا سألك عنا قل اني بزوره قريب"
-"ان شاءالله اجل اكلمك اذا وصلت"
-"ياخي مابي اسكر طيب ماسألت ليش قلت لك النسيب"
جملته تلك ضخت أملاً في جسدي جعلني أتوقف عن المشي وعن الجلوس!
-"ههه ياخي انت فاضي تمزح"
-"هههه والله صدق جتني امس وانا راجع من صلاة الفجر وقالت انها موافقه..شكلك طالع لها بحلم"
تركت الحقيبة التي بدأت اشعر انها أثقل من همي حينها، وتوقفت لأوقف حشد الركاب خلفي
-"من صدقك"
-"ههههه والله بس مشكلة اذا بتصير انت زوج اختي ورطه هههه"
-"بدر اختك وافقت؟ رسيل وافقت؟"
-"ايه يابن الحلال بس ترى عندها شروط تعجيزية بتخليك تهون"
-"شلون وافقت؟"
كان يضحك واخبرني انه لايعرف شروطها بعد،رغم انعدام استيعابي سوى لموافقتها،لا ادري كيف أنهيت المكالمة ولا أي رحلة غادرت بي ولا كيف وصلت هناك
حتى حذائي لم يعد يشعر بثقل جسدي، فخطواتي تكاد أن تطير!
ما اذكره فقط أنني كنت أتقرب لوالدها قدر ماستطعت من الاحترام، ولست انافق!!
(نافق ونافق ثم نافق ، ثم نافق لا يسلم الجسد النحيل من الأذى إن لم تنافق...نافق فماذا في النفاق إذا كذبت وأنت صادق نافق!) احمد مطر
عندما عدت، التقيت بدر اولاً،وتأكدت مما قاله، ووالدينا حددا بعد ذلك يوماً لأراها
وحاولت قدر المستطاع ان اتحاشى بدر،لانني اخاف الحديث معه في الموضوع ذاته، واخاف ايضاَ أن يرى سعادتي التي تكاد تنزلق من محياي!
تلك الايام كانت لاتشبه سوى الأحلام،وان يكون الحلم حقيقة حتماً هو الحلم!
وانا هنا انتظر قدومها،وارى بدر فقط يجعلني اشعر بانها لن تاتي!
قطع تفكيري بدر ساخراً:
-"قوم.. تراها داخل"
ثم أضاف ابتسامة خبيثة!
"حياك"
ضحكت متوتراً ومشينا للداخل وكأن الطريق أصبح سفراً
مادامت بانتظاري،كل خطوة تكاد تقطع وعداً
في داخلي شيء يود أن يدوي العالم بصرخته، صرخة تشق السحاب ليهطل مطرا يغذي البشرية بهجةً وحبوراً ، اريد من المطر الهطول حتى يوقف العصف في داخلي، اريده ان يهطل حتى تغرق في روحي تلك التي احب

يتبع ,,,,

👇👇👇


تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -