بداية

رواية مقيده بالاحزان -14

رواية مقيده بالاحزان - غرام

رواية مقيده بالاحزان -14

( عشان الأجر.. بدل ما أحصل الأجر .. حصلت مشاكل يديدة أنا في غنى عنها )
هوى بتلك اليد العاصرة على رأسه الذي يرفض الاستكانة عن الألم
على وجهه الذي طالت لحيته وشنبه
وقال وهو يدرك لفداحة قوله:
( أستغفر الله .. وش قاعد أقول ؟)
شرع عيناه
وقد لمعت في رأسه خاطرة
وبدأ تنفيذها في الفور
أخذ هاتفه المحمول من جيب بنطاله
وبسرعة البرق بحث عن اسم الشخص الذي يريد الاتصال به
وما إن وجده
ضغط من فوره على زر الإرسال
وبعد بضع رنات
سمع صوت ينادي من على الخط الآخر
والذي لم يكد يكمل كلمة ألو..
حتى إنهال عليه
بالجمر الذي يشوي صدره:
- ليش يا خالد قلت لها .. ليش؟!!
ليرد عليه صديقة بنبرة عاقلة.. بعد أن أطلق تنهيدة:
- حميد .. هي في الأول والأخير بتعرف .
ليقول بطبقة علت:
- بس مو الحين .. مو الحين .
ليأتيه صوت خالد الرزين.. والذي يناقض ردود حميد المنفعلة:
- بالعكس كان لازم تعرف من زمان.. لكن للأسف أنت ما قلت لها... حميد أسمعني شوي.. إلي صار لك يدل على أن حالتك تطورت.. لازم تلحق نفسك.. إذا موعشانك.. عشان زوجتك وبنتك.
تسلل إلى أذنه من سماعة الهاتف ضحكة تميل إلى السخرية.. تبعها قائلا:
- شكلك يا صديقي نسيت السبب إلى عشانه تزوجت شمسة.
سمع من على الطرف الآخر .. صوت نفس عميق يأخذ تلاه زفرة قوية .. قبل أن تلتقط طبلة أذنه صوت صاحبه الذي لا زال هادئا:
- لا .. أنا عارف السبب زين وذاكرنه .. أنت الحين أمام الشرع زوجها .. مهما كانت الأسباب.. فهذا زواج ورابط مقدس.. وهي ومريم صاروا جزء منك.. إذا صار لهم شيء بيصير لك .. وما بتسامح نفسك أبدا...
حميد بقول لك شيء.. أنت ما فكرة إذا تعبت وألا لا سمح الله مت .. وهنه في الغربة .. وش بيصيير لهن.. بدل لا تساعدهن .. بتورطهن بمشاكل هنه مو ناقصتنهن ... وبعدين أمك وأخواتك المسكينات.. حالتهن لا تسر لا عدو ولا صديق .. حميد أصحى .. إذا مو عشانك .. عشان أمك وخواتك .. وعايلتك اليديدة... أسمح لي حميد .. أنا لازم أسكر التلفون .. عندي الحين موعد مع مريض.. فكر بكلامي زين أرجوك .. يلا مع السلامة.. وسلم لي على شمسة.
ليغلق الخط .. وهو لم يسمع حرفا ينطق به حميد
الذي شعر بنفسه بأنه يغرق في بئر الضياع
فجميع أفكاره السابقة بدأت ياهتز إطار الصحة المحيط حولها
__
دخل محمد منزله بعد منتصف الليل كعادته اليومية
ولكن لاحظ شيء غير مألوف..
بأن الباب الرئيسي لمنزله مشرع الأبواب ..
دخل وقد ثنى حاجبيه إلى أعلى
وهو يعمل مسح ضوئي بعيناه للمنزل
وينادي في نفس الوقت:
- حصوووووه ..
حووو من اللي ناسي الباب مفتوح
وانصدم حين وجد حصة ممدة على بطنها في كبد الصالة بدون حراك .. و حطام طبق بجوارها قد تناثر ما في جوفه ..
اتسعت عيناه .. وهو يهرع صوبها كالمجنون.. فوضع يده على ظهرها وأخذ يهزها بهستيرية.. وهو يناديها صارخا:
- حصووووه قومي شووو فيج وين ميري عنج
ولكن لا جواب من حصة يبل ريقه المستجدي لجواب يريح قلبه المقبوض..
أخذ يتلفت من حوله باحثا عن المدعوة ميري .. لعلها تسعفه بالجواب..وهو ينادها بأعلى صوته..:
- ميري .. وينك ..؟ يا ميري...
عندما لم يرد عليه سوى صدى صوته.. شعر بالعجز يمد أنامله على عقله
فوضع يده على رأسه العاري
بقلة حيلة..
فيمد يده المرتعشة صوب رأس حصة المستكين عن الحركة
وقد أصمه صوت قلبه المفزوع
فحرك رأسها أخيرا بعد تردد دام دقائق ملتهبة بحطب الخوف
فيفجع بالزبد الذي المنسكب من فاها ..
### يتبع ###
* إهداء *
قبل أن أضع الجزء ( القيد ) الجديد أحب بأن أهدي هذا الجزء لكل من:
* الوزيرة أول متابعة لروايتي المتواضعة ومحفزتي الدائمة للأستمرار وتطعيم الأجزاء بالأكشنات
* روضة علي على متابعتها المستمرة لروايتي المتواضعة وتحفيزي دوما للمتابعة بلا كلل أو ملل
* آسيل على قلبها الحنون وردودها التي تبعث الطمأنية في قلبي
* فاقدة أنفاسها والتي منذ أن دخلت لروايتي المتواضعة وقد أضافت طعم خاص وللذيذ بكلامها الذي يفجر أساريري دوما وأيضا بمناسبة انتهائها من الامتحانات .. فمبروك الأفراج
* ولأختي نوفا5 التي أفتقدتها بصدق في الأجزاء الماضية .. أرجو بأن يكون المانع خيرا :)
والآن مع الجزء الذي أرجو بأن ينال استحسانكم :)


*(( القيد 13 ))*

شعر بجبل يجثم على صدره
فيقتل أنفاسه الباحثة على أكسجين يعيد الحياة لرئتيه الهائجتان
وأطنان من الكآبة
تثقل محياه
فتزيد عمره سنوات
فأمواج الأيام
لا تفتأ تنهال عليه بضرباتها الموجعة
التي تغمسه أكثر في بؤرة الحزن المريرة
كان قد رمى بجسده المتهالك القوى تحت ظل شجرة كبيرة
تتربع بشموخ في كبد الحديقة الغناء المحيطة بالمستشفى
حتى أن ذاكرته لم ترحمه
فقد أخذت تكويه بصور الماضي
التي تحرق جوفه بنيران الألم
فقد جادت له بشريط طعن الحبيب
لتمر به ليوم أن تبرأت منه أمه
وتختم رحلتها بكلمات شمسة التي فتكت بالسكينة النفس المزيفة التي حصن نفسه بها
طمس وجهه بين كفيه المرتعشان
وأطلق العنان لتنهيدة طويلة
توجع من يسمعها
وقال والحرقة تخنق كلماته:
- ليش ما أحد راضي يفهمني ؟! ليش أنا إلي في عينهم غلطان ؟!! ..
ليرفع رأسه إلى السماء التي بدأت تكتسي بثوب الليل بعد أن حرر وجهه المتغضن بالأسى من غطاء كفيه
وقال برجاء قطر من فمه المنكمش:
- يا رب صبرني .. صبرني ...
وابتلع ريقه وهو يهوي برأسه بوهن
فتسقط عيناه النصف مفتوحتان على شمسة التي كانت تتمشى وهي مطأطئة الرأس في ربوع الحديقة
ليشعر بالدماء تتدفق إلى وجهه
فيقوم من على مقعده
بدون وعي منه
ويمشي بخطى متسارعة نحوها
فيباغتها
بكتم أنفاسها بيده الضخمة
وقد أجبر جسدها المشدود من المفاجأة
لكي يستند على أحد الأشجار المنتشرة في أرجاء المكان
ويدنو بوجهه صوبها
ويلفح وجهها بأنفاسه الثائرة
والتي بالكاد يقوى على التقاطها
لتشرع عيناها بجزع ينحت ثنايا وجهه
ويقول في غمرة هيجانه المباغت لنفسه التي عميت عن البصيرة:
- تريدن تعرفين وش الفرق بيني وبين مريم.. أنا بقول لك .. أنا شفت العذاب إلي عاشه أبويه مع هالمرض.. وكنت أموت ألف مرة وأنا أشوفه ورحه تفارق جسمه الضعيف .. أنا شفت أمي وأخواتي كم بكن وتألمن على شوفت أبوي وهو يصارع هالمرض الكريه ... وكيف بكن دم يوم مات أبويه .. والأهم من كل هذا بأنه مريم غير .. مريم لازم تعيش .. لازم هالروح الطيبة والمرحة لازم تعيش .. هي بعدها صغيرة .. بعدها صغيرة... فلا تقولي أرجوك بأني أنا .. أنا حكمت عليها بالموت ... هذه مريم هذه مريوم الحبوبة .. ما با تموت .. بتعيش .. بتعيش ..( ليشرع بذرف الدمع كطفل صغير وهو يلفظ جملته الأخيرة )
لترتخي يده المطبقة على فاها
فتستغل الفرصة
لتحرير فمها من هذا الحاجز الذي سد طريق الكلمات رغما عنها
فتمسك بيده
وترمها بكل قوتها بعيدا عن شفتيها
وتبرز نظرة متحجرة على عيناها
وتهوي بكفها على خده الأيمن ..
وتتبعها بصفعات لسانها الحادة:
- أتريدني أشفق عليك بهالكلام ؟ أصدقك ... لا.. كلامك هذا أكد الصورة الجديدة إلي طبعتها في رأسي عنك .. بأنك إنسان مريض .. مو بالسرطان .. أنت مريض بالغباء... وأنا الصراحة ما عندي وقت أضيعه مع شخص مثلك .. فأنا عندي موضوع مهم ... وهو علاج بنتي ... فإذا تريد تبكي وتنوح فروح أبكي مع شخص غيري .. يصدق هالأكاذيب إلي قاعد تضحك عليها على نفسك قبل لا تضحك بها علينا .. مثل ما قلت لك قبل طلقني .. ولا تخاف ما أحد بيعرف بهذا الشيء علين نرجع ... وأنا ما بتعبك معايه أنا وبنتي ... فأنا أقدر أدبر أموري ..
ومرت من جنبه
بدون أن تلتفت نحوه
أو تدع له مجال لكي يرد عليها
وهي لا تعلم من أين جاءتها هذه القوى
فهي في حياتها لم يعلو صوتها على أحد
فكيف بهى تصفع شخص
رفعت يدها المنتفضة أمام مرآها
وهي لازالت تحث الخطى إلى اللا مكان
وقد أتسع محجري عيناها
بالذهول الذي فرض نفسه ضيف ثقيل الدم على تعابير وجهها
أما هو فتربط لسانه من أشواك كلماتها التي تحيط بقلبه الدامي
وقد أحس بضياع
أكثر من قبل
وهو يتعمق في تلك المتاهة من الحيرة التي لا تلبث تصدمه بحواجزها الصلبة
__
كان جاثيا على ركبتيه
على تلك الأرضية الرخامية الباردة
لا يعي ما يدور من حوله
فالضربة القاضية التي وجهة نحوه
كانت كفيلة بإفقاده لكل حواسه
جثت أمه التي تقطع قلبها لأشلاء لرؤية وحيدها بهذه الحال التي لا تسر لا صاحب ولا عدو.. وقالت بصوت نابع من قلب الأم الحنون... وهي تربت على ظهره:
- يا ولدي لا تسوي بعمرك كذيه .. هذه مو نهاية الدنيا ... الله يرحمها .. الله كتب لها نهايتها .. فلا تعترض على أمر ربك.
أطل من تحت جفنيه شبه المنغلقين بعينيه صوب الطبيب المقابل له.. وقال بباقي صوت خاوي الروح:
- متأكد .. متأكد دكتور بأنها .. بأنها ماتت ؟
أدخل الطبيب نفسا عميقا لصدره .. وما هي إلا أجزاء من الثانية حين أخرجه ببطء وقال بعد ذلك:
- للأسف أيوه .. السم كان قد أنتشر في جسمها .. فما قدرنا نسوي شيء..الله يرحمها .. ويغمد روحها الجنة.
بدأ ذقنه يرتعش على وقع سنفونية الحزن التي تصدح في داخله
ما لبثت أن شرعت الأبواب لدمع لكي تتراقص في مقلتيه
وتتخذ من صفحتي خديه مرقصا لها
فتضمه أمه بكل ما تملكه من قوه
وهي تمسح على شعره الأجعد
وتهل عليه بقبلاتها الحانية على رأسه
وهي تقول بصوت قطعه الحزن على مرأى ضناها بهذه الوضع:
- بس يا ولدي لا تسوي بنفسك كذيه .. لا تبكي .. والله قلبي يعورني لما أشوف دموعك ... هذا مصيرنا كلنا .. ما بيبقى إلا وجهه سبحانه ..
ليعلو أينه الذي يحاول كتمه بالعض على كلتا شفتيه التين سكنتا فمه..
__
أخذت تسحب قدميها المتكاسلتان بسبب مخدر النعاس الذي يداعب جفنيها
لقد كانت وجهتها نحو المطبخ المنفصل عن المنزل الرئيسي
لكي تطفأ الظمأ الذي باغتها وأفسد عليها نومها
ساعتها كانت الظلمة قد نثرت جلبابها على أرجاء المكان الباحث عن بصيص الضوء
ما إن غدت على مقربة من باب المطبخ لمست طبلتي أذنيها صوت أنين مكتوم
جزعت في البدء
وأخذت تلتفت من خولها والتوجس يشد أطرافها
حين لمحت ساق ممدودة من وراء شجرة النخل الوحيدة الصامدة في ذلك الحوش المتداعي
رغم خوفها إلا أن فضولها كان أقوى
فسمعته ...وبخطى صغيرة دنت من صاحب الصوت.. والذي كان أنينه المخنوق يزداد كلما اقتربت منه
وصلت بعد طول مسير كان الخوف سلطان لقلبها خلاله
أطلت برأسها من وراء النخلة
لتصعق بما رأت
فتفلت شهقة من فمها لم تستطع منعنها
فينفض هو من جلستي الأرضية
ولكل جسده يرتعش
وهو يقول بارتباك وسيول الدمع شكلت أودية على ورقتي خديه:
- وش يابك أنت ؟
لينهال على دمعه ينهي حياته براحة كفيه بسرعة الصاروخ
لكن الدمع أبا الاستسلام
ضل ينهمر من مقلتيه المحاطتان بالون الدامي
ابتلعت ريقها وهي تصف الكلام في حنجرتها
قبل أن تسمعه صوتها المهزوز:
- أحمد ليش تبكي؟ .. وليش قاعد هني مندس عن أحد يشوفك ؟
أدار جسده الذي لازال ياهتز كغصن ضعيف هجمت عليه ريح هوجاء
وقال بصوت تصنع فيه القوة:
- أنتِ مالك دخل.. روحي أنخمدي ..
أحسست بتردد كبير وهي تمد تلك اليد التي تتراقص أناملها على موسيقى التراجع..
إلا أنها رغم ذلك
وصلت إلى وجهتها ألا وهي كتفه
وقالت بصوت أتخذ الهمس مقام له:
- أحمد قول لي لا تستحي ..
زارهما لحظتها ضيف ثقيل الدم والمسمى بالصمت
والذي دامت زيارته حوالي دقيقتان
والذي أنها زيارته أحمد
بضرب يدها الساكنة على كتفه
وجعلها مجبرة تطير بعيدا عنه
وهو ينهرها قائلا.. ولم يلتفت صوبها:
- روحت أنت ونامي.. مالك دخل بي... وأسمعي إياني وإياك أحد يسمع شيء عن إلي شفتيه .. ترانك بتندمين .
وأطلق العنان لقدماه
وخرج من المنزل
وهي تحدق به مذهولة
لكن الحيرة لم ترح بالها
ضلت تنخر في عقلها
خاصة أنا منظره الباكي أصاب وترا حساسا في داخلها


__


كانت تنظر إلى ذلك القادم
الذي دخل الغرفة بدون استئذان
والانكسار يحني رأسه
بعينان ينطقان بلغة الغضب
أما طفلتها
فقد كانت ردت فعلها معاكسة تماما لأمها
فقد انفجرت أساريرها
وهي تقول والفرحة تنتشر في حروفها الناطقة بها :
- يت عمي حميد.. كنت أحرسك ..
بدون أن يعي لنفسه
انفرجت ابتسامة على محياه
رغم الهم الذي يعصر قلبه
هرع جهتها
وضمها بكل ما يملك من قوة
أحس هذه المرة
بأن عبقا آخر يتنشقه من هذه الصغيرة المرحة
ليقطع لحظته المميزة
صوت شمسه الآمر:
- الحين بيجي الدختور يكشف عليها... لهذا لو سمحت أطلع ..
رفع جفنيه ومن ثم تبعتهما مقلتيه صوب شمسة الواقفة بكل كبرياء .. وطعم من الحرقة يلسع لسانه ..
رضخ لأمرها مجبرا
فخص خد مريم الذي بهت لونه من جرعات العلاج التي لا ترحم بقبلة عميقة
وقال وهو يواجه وجهها الملائكي.. ويضعه بين كفيه:
- يلا حبيبتي أنا لازم أروح .. وآسف لأني ما جبت لك شيء اليوم .. إن شاء الله باكر بعوضها .. وبيبلك بدل شيء واحد .. شيئين .. وش رايك .


لتهز رأسها للأعلى والأسفل بقوة تدفعها الحماسة إليها
وقالت بصوتها الذي أغتصبه الوهن:
- الزين .. بس لا تنسى .. تراني بزعل وما بكلمك ..
تبسم ضاحكا وهو يهوي بجبينه على جبينها
ويقول:
- والله ما بنسى .. فأنا ما أقدر على زعلك ..
وطبع على جبينها ابتسامة حانية ...
والذي ما إن فرغ منها
حتى دخل الطبيب ومعه الممرضة
فطلب منهم بأن يخلو المكان حتى يتمكنوا من أتمام عملهم
خرج كل من شمسة وحميد
لتتخذ شمسة المترقبة أمام الباب سكنا لها
وهو سند ظهره على الجدار المقابل للغرفة
يتابع شمسة التي يلعب بها الخوف
طأطأ رأسه لدقائق
ومن ثم رفعه
وقد قذف كلماته دون تردد:
- بتعالج .. لأني أنا متأكد بأن مريم بتعيش ..
ألتفت إلى ورائها حيث يقبع هو
وكتفت بنظر له بعينان متسعتان
ليقترب منها هو
ويقف مقابلا لها مباشرة
ويقول والعزم يشع من عيناه :
- مريم بتعيش .. بتعيش .. أنا مؤمن بهشيء...
لتخترق الدموع الحواجز التي بنتها لكي تتصدى لها
فترسم خيوطا على وجنتيها
وتنهي حياتها على ذقنها المنكمش
لتخور حينها طل قواها الزائفة
فتهوي قدماها
ساحبتا معها جسدها
والذي تلقفه حميد
قبل أن يصل إلى الأرض
وجعله يغير وجهته نحو صدره
جعلها تيلل قميصه بدمعها
فهي كانت تخشى أن تكون لوحدها أمام هذه المحنة العويصة
فكم هي تحتاج من يخفف عليها ألمها
ويعزز في داخلها روح الأمل
لهذا خضعت لحضنه
وتشبثت به
فهو طوق الذي سوف يقودها إلى بر الأمل من جديد
__


دخلت إلى غرفتها
وهي ساندة رأسها يديها
فقال زوجها الممدد جسده على السرير:
- بعده ما هدأ ؟
هزت رأسها بمعنى لا والأسى يثني تجاعيد وجهها
ليتبعها هو الآخر بهز رأسه وهو يقول:
- لا حول ولا قوة إلا بالله .. وش صار للولد ؟
لتشرع جفنيها وهي تقول:
- محمد حرمته ماتت .. وبعدك تسأل وش صار له؟!!
ليرد عليها بهدوء:
- يا حرمة ..أعرف أنه حرمته ماتت .. بس الريال ما ينوح مثل الحريم... وولدك من كنا في المستشفى يبكي ... تشوفين هذا شيء طبيعي..
جلست بجنبه على السرير .. وقالت وهي تعاود هز رأسها يمنتا ويسارا وقد غمضت عيناها:
- الصراحة مو طبيعي .. بس ذيك حصوه ما أعرف وش مهببه بالولد ...
لتتدارك زلتها فتعظ على شفتها السفلى .. قبل أن تكمل قائلة:
- أستغفر الله .. يا رب أغفر لي ... والله ما أعرف وش أقول أو أسوي ... ها الموضوع ما كان لا على البال ولا على الخاطر ..
صوبت عيناها المفتوحتان صوب زوجها .. وأردفت قائلة والجزع يلتهم وجهها:
- يا ريال .. وش نسوي بالولد .. بيروح من بين يدينا ... لو تشوفه عيون غادا دم ومنتفخات ... الله يستر بس الله يستر...
ليرد عليها قائلا بقلة حيلة:
- وش نسوي ؟ ما بيدنا حيله ... خليه هالكمن يوم .. وإن شاء الله مع الوقت بيهدأ ... صحيح .. وش أخبار أمها ؟
رفعت كتفيها وهي تقول:
- والله علمي علمك... بعد أن اغترفت علينا في المستشفى .. ما أعرف وش صار لها ...


وبعدين وين حن وين أنت.. أقولك ولدك تعبان وتسألني عن صالحه ... خلنا في المشكلة إلي عندنا ..
نظر إليها بطرف عينيه
ومن ثم أنسل تحت الغطاء وقال:
- الأبرك أرقد ... وأنت فكري لروحك ..


__


لم يهنأ لها جفن من شدت التفكير بالذي جرى
وبما رأته وراء تلك النخلة
والذي أشعل الحيرة والاستغراب في داخلها
والذي زاد تأجج حيرتها هو ردت فعله
قبل صلاة الفجر بدقائق
جاء الفرج أخيرا
حيث سمعت صوت باب الصالة وهو يفتح
فركض إلى هناك
لتجده هو
وقد أحمرت وجنتيه
والحزن يكبل محياه
أشاح بوجهه بعيدا عن مجهر عيناها
وقال صارخا :
- وش مخلينك واعية علين الحين ؟
لترد عليه من فورها:
- أنت إلي ما خليتني أنام .. أحمد وش فيك قولي؟
حك أسنانه ببعضهما البعض .. وهو يحاول أن يمسك أعصابه من أن تفلت منه .. وقال :
- وأنتِ وش دخلك ؟
لتصبح أمامه مباشرة بعد أن مشت خطوتان وقالت وهي تسلط بصرها نحوه:
- مو أنت زوجي..
لتبدر منه ضحكات هستيرية

يتبع ,,,,

👇👇👇


تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -