بداية

رواية مقيده بالاحزان -1

رواية مقيده بالاحزان - غرام

رواية مقيده بالاحزان -1 

رواية سوف تذوقوا فيها نكهة الطرفة, ومرارة الحزن وحلاوة الحب جميعها ممزوجة في كأس واحد 

يسمى ... 

(( مقيــــــدة بالأحــــزان )) 
الكاتبة : وجع الكلمات 

# المقدمة # 

في لحظة من الزمن خطف القدر زوجها, بدون سابق إنذار, غدر بها, وجعلها وحيدة وفي عنقها معلق 4
أولاد, حكم عليهم باليتم وهم لا يزالون ورودا يانعة لم تتفتح بعد, لم تكن مستعدة لحمل أكبر منها, فالسنين
لم تنحتها وتعجنها بشكل كافي حتى تكمل المسير كأرملة, أرملة .. وشم سوف يلصق بها ما حيت, وهي

بالكاد وضعت قدمها على أول درجين من سلم الثلاثين.

* (( القيد الأول )) *


كصفعة قوية جاءها خبر وفات زوجها, الذي خرج كعادته إلى العمل, لم يكون ذلك اليوم يختلف عن أخوته, استيقظ منذ الساعة الخامسة صباحا , لكي يلبي نداء الرب....
أنها تذكر ذلك اليوم القاتم اللون بأدق تفاصيله, فكيف تنساه, وقد كان يوم الرحيل, رحيل الحبيب الأول والأخير في سجل قلبها ....
خرج من الحمام ليجدها تنتظره و ابتسامة تشع من شفاهها المكتنزة, مدت يدها نحوه محملة بفوطة, أمسك بما تحمله تلك اليد وتعمد أن تلامس أصابع يديه يدها البيضاء, فابتسمت على استحياء, وقال:
- مشكوره ياقلبي... ما أعرف كيف بسوي شيء بدونك
لترد والابتسامة لم تهجرها:
- عشان تشوف أنه دنياك بدوني بتكون فوضه.
بحركة سريعة أمسكها من خصرها, وسحبها على حين غرة نحوه, ليتلاقى الجسدين, وتتصافح الأنفاس الملتهبة...
وقال:
- وأنا قلت غير هالشيء.. يا كيكتي.
أخذت تبعده عنها...
فتفاجئ من فعلها ...
وأخذ يحدق بها بعينين تعكسان الإستغراب...
فسألها:
- وش فيك ...؟؟!!!
لترد وقد تحررت أخيرا من حضنه :
- شكلك نسيت ولي العهد إلي ياي في الطريق, تريد تخنقه ...
وأشارت نحو بطنها المكورة...
ضرب بكفه على جبينه وقال:
- أوووووووووووووووه ... كيف أنسى هالشيء .... متى بيي ونرتاح ... بسببه غادية ترتيبي الثالث في قائمة أولوياتك ... كنت على الأقل قبل في المركز الثاني بعد عيالك ... الحين رديت ورى بدل لا أتقدم ...
ضربت كتفه بخفة .. وقالت:
- يالشيبة تغار من هالياهل إلي بعده ما أنولد.
ليرد ضاحكا :
- مو حقي ... حرام عليك .. مو قادر أتحمل .
وطبع قبلة على السريع على شفتيها ... وركض مسرعا نحو باب الغرفة وهو يضحك قائلا:
هذه تصبيره علين يشرف الحبيب .
وضعت أطراف أصابعها على شفتيها وابتسمت وهي تسترجع أول صفحة من ذكرى يوم الوداع في أجندت ذاكرتها.
قاطع تصفحها للماضي صوت ابنتها الكبرى وهي تسألها:
- أمي .. أمي ... أمي ...
بدرت منها رعشت العودة من عالم الذكرى ... إلى الحاضر المرير ... نظرت نحو ابنتها وقالت:
- وش فيك فطوم ؟!!
لترد من فورها:
- أنت وش فيك أمي ..؟! من وقت وأنا أناديك.
لم تقدر على البوح بالحقيقة, فابنتها فاطمة بالكاد تخطت عتبت الماضي, وبصعوبة, فهي الكبرى, فرحتهم
الأولى, لهذا كان سيف يعاملها بطريقة خاصة, غير أخوتها الباقين, كان يغدق عليها عطفه لدرجة بعض
الأحيان كانت هي نفسها تغار منها, لهذا كان خبر وفات أبيها كالصاعقة التي أصابتها, فأدخلتها في غيبوبة
الصدمة لأسبوعين كاملين, كانت ترفض حقيقة بأن أبيه رحل ولن يعود لهم, كانت كل يوم تنتظر أباها أمام
الباب كعادتها ... فهي كانت دوما أول المستقبلين له حين عودته من العمل منذ كان عمرها سنتين, ما أن
تقع عيناها عليه حتى تقول بصوت مفخم والابتسامة تشغل أكبر حيز من وجهها:
- تحياتي سيدي الرائد..
وتؤدي التحية العسكرية .
ليرد عليها هو الأخر بالتحية العسكرية ,
ويقول:
- تحياتي أيه المجند.
وتنفجر بعد ذلك قهقهاتهما ...
وتقفز نحوه لتحضنه وتقبله على جبينه.
ليكافئها سيف بلوح شكلاه .
للأسف لن تعود تلك الأيام ... ولن يفتح الباب عندما تدق الساعة 3 مساءا ... سوف يضل ساكنا إلى الأبد ....
كانت تنظر إلى ابنتها وطيف دمعة على عيناها
وهي تسترجع وجعها في خلدها
وضعت كفها على خد ابنتها وأخذت تمسحها وهي تسرق ابتسامة باهتة من شفتيها:


- ما في شيء حبيبتي ... خير وش تبين؟
- أنا ما أريد شيء ... بس صويلح يريدك .
قوست حاجبيها إلى أعلى مستغربتا وقالت:
- هذا وش يريد في ها الوقت ..؟
رفعت فاطمة كتفيها إلى أعلى وهي تقول:
- ما أعرف ...
لتزفر ما أدخلته في صدرها من أكسجين ... وتقول بضيق:
- الله يعيني عليه .
وذهبت بخطى متثاقلة لترى هذا الزائر الثقيل على صدرها ...

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,


جذبته من ذراعه ... وصرخت به وقد احتقن وجهها من الغضب :
- إياك تخرج من هني .
ليرد عليها وقد عقد حاجبيه بصوت أعلى من صوتها:
- وش بتسوين إذا طلعت .. ها .. تكلمي يحصيص .
أخذت تغرس أظافرها في ذراعه ... وقد زاد حنقها عليه:
- تعرف أزين يا محمد أني أقدر أسوي أشياء ... مو شيء واحد ... وبعدين أنا اسمي حصة مو حصيص.
دفع يدها بعيدا عن ذراعه ... وزمجر بها قائلا:
- طالت وشمخت يا حصيص ... من تحسبن نفسك ... أنت ولا شيء ... أنا خليتك إنسانة لها قيمة....
ليدوي صوت صفعة في أركان الغرفة .
حدق بها بعيناه المتسعتان
وقد وضع يده على خده المشتعل بنار الغضب قبل لهيب الصفعة
لم يخفها ذلك الغضب الذي أتقد به جسده كله .
قابلته بنظرة لم تلهبها نيران غضبه وقالت بنبرة تحدي واضحة كوضوح الشمس في كبدي السماء :
- علين هنا وبس, إنسانة أكثر منك, يا ..
وقبل أن تكمل جملتها, جاءتها صفعة جعلت الدنيا تدور بها, لتهوي إلى الأرض مجبرتا .. وقد سالت الدماء من فمها, وزمجر بها قائلا:
- أنا الغلطان يوم ما سمعت كلام أهلي وتزوجت بك يا بنت الفقر... مكانك تحت وبيظل تحت ... فلا تحاولين أن تركبين فوق ...
وخرج تاركا إياها تشتعل بحطب الحقد و البغيضة...

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

كان ممسكا بتلك الورقة الصفراء اللون وهو غير مصدق لما تضمنته, هذه الورقة الصغيرة تحتوي على أمر موته...
كيف يموت وهو لايزال في عقدة الثالث... والعالم قطبا يترقبه لكي يكتشفه ... ؟
كيف يموت ويترك أمه وأخواته الثلاث لوحدهن يواجهن براثم هذا العالم الموحش ...؟
كيف يموت ولم يتبقى إلا أسبوع واحد فقط ويعقد قرانه بالمرأة التي يعشقها ...؟
كيف ..؟!!!
كيف ..؟!!!
كيف ...؟!!!
أسألت كثيرة تبحث عن أجوبة في عقله العاجز عن إيجاد أجوبة تبل ريقه ...
لكن حتى لو وجد أجوبة لها ...
فهي لن تكفيه ...
فهو يريد أن يعيش ...
يريد أن يتزوج بمن أحب...
أن يصبح أبا ...
أن يرى ابنائه وهم يكبرون ...
وأن يصبح كهلا ....
يريد أن يكمل دورة حياته ... بدون نقصان ...
لكن كيف يحصل هذا ...؟
وهذه الورقة الصفراء التي تستقر في كفة, تقف حاجزا بينه وبين المستقبل, الذي سوف يتبخر أمام عيناه ...
حنا رأسه إلى الخلف , ليسنده على الجدار, ويطلق تنهيدة نابعة من الحزن القابع بداخلة ...
ومن ثم رفع يده وغطى عيناه, فالدمع يريد أن ينسكب ويغسل ولو جزء صغير من وجعة, لطعنة الموت الغادرة التي باغتته ...
تعالى صوت رنين هاتفه النقال ... ليذبح لحظة الحزن تلك ... ولو لدقائق معدودات .. أنتشله من جيب كاندورته بوهن أصاب جسده منذ عرفة بخبر موته المرتقب...
ليرد بدون أن يتعين الرقم المشع من الشاشة .. وبصوت ألتهمه الحزن:
- ألو ..
ليأتيه من الخط الآخر صوت حنون .. متلهف لخبر يسر :
- بشر ولدي .. إن شاء الله الأمور كلها تمام ...؟
كم زادت سؤال والدته من هالت الحزن المحيطة به ...
ماذا يقول لها ...؟
كيف يجيبها ...؟
أيقول لها بأن ابنها الوحيد, سندها في الحياة سوف يموت بعد سنة أو أقل...؟
أيقول لها بأنها هي و بناتها الثلاث سوف يكملن حياتهن في هذا الدنيا الغادرة لوحدهن بلا معين ولا حامي من غدرها الذي أصابه ...؟
ماذا يقول ...؟
لا يستطيع أن يقول شيء من هذا, لأنه بقوله للحقيقة سوف يذبحها, كما ذبح هو, لا يريدها بأن تحزن, فهذه أمه نبع الحنان الصافي, الذي لا يتحمل أن يرى في عيناها الألم والحزن, فقد كابدت الكثير في حياتها من سلسلة أحزان لا تنتهي, والآن وعندما ذاقت طعم السعادة يأتي هو فيذيقها مرارة الحزن من جديد ...
لاااااااااااااا
مستحيل
مستحيل ...
جمع ما يقدر علية من بقايا قوة في داخلة ... وغذى بها صوته وقال:
- لا تخافين يا أم حميد, ما في شيء , بس تعب شوية, تعرفين بسبب التجهيز للعرس, نسيت نفسي ...
لترد وقد تجلى في صوتها نبرة الأرتياح:
- الحمد لله يا ولدي, قلت لك لا تتعب عمرك, لكن كنت تعاند وتراكض تيب هذا وتتعاقد عند هذا, ما يهم كيف بيكون العرس, المهم صحتك يا ولدي ...
كتم بكاءه في صدره وهو يسمع كلمات أمه التي أججت الوجع في صدره ... ورد قائلا :
صحيح يا أمي, كلامك صحيح, خلاص, خلاص ما براكض يمين ويسار, ما براكض...
(( آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه يا أمي يا ليته كان بس تعب, ياليت, لرقدة من اليوم علين يوم العرس, بس هو مو تعب, هو مرض خبيث, صدق إلي سماك خبيث, دخلت في جسمي بدون ما أحس بك, وقعدت تاكل فيه بهدوء عليين استلسلم لك, آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه يا أمي .. آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه ))


روح هائم تلفض بالوجع الداخلي ....
)

+++ يتبــــــــــــع +++


** ملاحظة: بإذن الله سوف يكون كل أسبوع جزئين, وسوف يكونان بين أيديكم يا إما الأربعاء أو الخميس أو الجمعة, أرجو بأن تكونوا في ضيافتنا خلال هذه الأيام ولم تندموا

* (( القيد الثاني )) *

دخلت الصالة, لتجده يتصرف على راحته, كأن البيت بيته, وبجسده المكتنز متربع على كبد الكنبة التي تتوسط الصالة,
ورائحته الكريهة تهجم على خلاياها الشمية لتخنقها قبل أن حتى تصبح بمقربة منه, ليقف من فورة ووتجلى تلك الرقعة التي
تكسي جسده والتي من المفروض أن يكون لونها أبيض, لكن طغى السواد عليها, ابتسم تلك الابتسامة الواسعة التي كشفت
عن أسنان كساها اللون الأصفر الغامق, يتخللها بعض السواد, وقال مرحبا كأنه هو صاحب البيت وهي الضيفة:
- يا مرحبا بأم حمدان, يا مرحبا الساع..
-
قالت وهي تحاول أن تتحامل على ضيقها, وعلى تلك الرائحة النتنة المنبثقة منه:
- مرحبا بك يا بو أحمد
- أخبارك وأخبار العيار ؟ وأخبار بو سيف وأم سيف..؟
- يسرك الحال , الكل بخير وسهاله.
- أخبارك أنت, وأخبار أحمد؟
- بخير الحمد لله, نسأل عنكم.
- تسأل عنكم العافية.
- ليش اللتات إلي بره مبنده, لا يكون خربانه؟!
كانت قوى التحمل لديها بدأت تنفذ, وهي ترد على سؤاله الحشري:
- لا مو خربانات, بس تعرف الحين وقت نوم.
يرفع كلى حاجبيه, ويقل مستغربا:
- وين نوم يا أم حمدان, الساعة توها داخلة عشر, هذا وقت عشى مو نوم, حشى أنتم دياي
ترقدون ها الوقت.
وأطلق تلك الضحكة التي تخرم الرأس قبل طبلة الأذن, فقالت وقد بانت بوادر الضيق
على وجهها:
- تعرف الأولاد وراهم مدارس الصبح, عشان كذية ينامون من وقت.
- يعني تعشيتوا ؟؟
لتهز رأسها بنعم, وهي مدركة لما يرمي إليه, فقد فاته العشاء المجاني.
صفق بكفيه ببعضهما البعض وقال:
- أخس فاتني, تعرفين أني يعجبني طبخك, ما في أحد مثلك يعرف يطيخ المكبوس لحم, صح وش كان عشاكم؟
هنا وصلت حدود عدم التحمل, ومع هذه الأشكال لا ينفع الجلد معهم, يجب أن تنفجر عليهم مباشرة, وإلا تمادوا:
- صالح اسمح لي, أنا تعبانه وأريد أرقد.
تجلى الخوف على محياه, وقال:
- خير خير , وش فيك ؟ لا يكون الفيروس إلي منتشر ها الأيام, أيوه, هو الفيروس شكلك فيك الفيروس, قعدي ... قعدي أرتاحي.
وأخذ يشير لها بالجلوس على الكنبة.
لتنفذ ضيقها بداخلها: (( أفففففففففففففففففف وش ها الصقة, وش أسوي به عشان يغور ؟ ))
- بروح أي بلك ماي, أنت بس قعدي ورتاحي.
وقبل أن تدرك ما قال, وجدت طيفه قد دخل المطبخ, لتذهل من وقاحته التي ليست بالغريبة عليه.

’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’ ’’’’

وصلها صوت نحيبها قبل جسدها, فهلعت وركضت نحوها, لتجدها وقد فتحة مناحة ليس لها أول من آخر:
- خلاص راح ... راح محمد عشان يطلب أيدها.
فهبت إليها أمها وحضنتها, وقالت مواسية:
- هالغبي إلا وسوى الي براسه.
لتصرخ بأعلى صوتها, من بين شهقاتها الباكية:
- لحقيني أمي لحقيني .. أحسني بموت.
وضعت يدها على رأس ابنتها وأخذت تتمتم بشيء لبضع دقائق, ومن ثم أجلستها وقد بدأت تخف نوبة بكائها, ومن ثم قالت لها:
- بسم الله عليك بنتي عين وما صلت على النبي أصابتك, الحين بطسل بخالتك عشان نلقي
بصره لمحمدوه هذا....
وقبل أن تمسك بسماعة الهاتف, لمحت احمرارا على طرف فم ابنتها, وقالت داعية:
- الله لا يوفقك محمدوه, هذا من عمايله, صح ؟
لترد وغصة من البكاء تتحشرج في حلقها:
- أيوهههه .
وتعو لموجة النواح
لتربت على كتف ابنتها مواسية
وتضغط بسرعة البرق على الأرقام بيدها الأخرى, ليأتيها بعد صياح طال من على الخط الآخر صوت بالكاد تلتقطه أذنها:
ألو ...
لترد وصوت الضجيج يكاد يخرم طبلة أذنها:
- ألو شيخه وش الأصوات إلي عندك؟ ما أسمعك ...
- وش؟!!
لترد بصوت أعلى من قبل:
- أقولك ما أسمعك, وش الضجة إلي عندك, أنت وين؟
لترد صارخة:
- أنا في حفلة ملكة بنت رحمة, تعرفينها.
قوست حاجبيها بضيق, وقالت:
- وش قلت؟! ملكة وبنت أختك هني المسكينة تنوح عسب ريلها إلي ما فيه خير.
لترد عليها مرتاعة:
- خير وش فيها حصة؟ وش سوى ريلها؟
- تعالي أنت وأنا بقولك كل شيء, بس تعالي خلينا نلقى بصره له, لازم ما نخليه يعرس.
- بس الحفلة توها بادي, وما لحقت آكل شيء.
لتقول بضيق يغلف صوتها:
- لا حول ولا قوة إلا بالله, ما همك إلا كرشك, تعالي وأنا بعشيك أحلى عشوه, بس تعالي بسرعة البنت بتروح من يديه.
جاءها صوت أختها الضاحك من الطرف الآخر من الخط, ليليه صوتها:
- أنت بتعشيني, منين يا حسرة, أترك اللحم والشحم, وأروح آكل عظام الدياي.
لتزجرها:
- أقولك يا شيخه, تعالي الحين, تراني من الضيق ما أشوف إلي قدامي.
لترد من فورها:
- أزين أزين بيي, حشى كأنك بطلعين لي من السماعة وتاكليني, ما أحد يتفاهم عندك, يلا جهز لي شيء آكلة تراني يوعانة موت, وأنا ما أعرف أشتعل وبطن خاليه, أنت تعرفيني أزين.

’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’

ابتسمت وهي تقول بمكر:
-
- لا تخافين .. هذا أخوي يتدلع عليك, يبى يشوف غلاته عندك بس.
لترد عليها مدافعتا, وشيء من بحة الخوف تحيط بصوتها:
- لا حرام عليك, صوته البارحة كان وايد تعبان.
لتقول ساخرة:
-
- أيوه أيوه .. اتصالات من ورانا... وش هالخيانة... ما تقدرين تصبرين كمن يوم.. خليه يشتاق لك على الأقل.
-
لترد عليها وقد بان الخجل بنبرة صوتها:
- هو أتصل بي, تبين ما أريد, كيف؟ هو زوجي, تبينه يعصب عليه قبل لا يلمنا بيت واحد.
لتكمل مزحتها قائلة:
- أيوه ... شكله أثمرة أخيرا كورساتِ المكثفة فيك, أباك كذية زوجة مطيعة, همك زوجك بس.
لتلتقط آذنها صوت ضحكتها من على سماعة الهاتف, ومن ثم صوتها الذي بالكاد يسمع:
- لا تخافين علية, بخليه في رموش عينه.
- الله وش هالكلام الكبير, وينك يا حميد تسمع هالكلام, وينك؟
لتقول باستحياء:


- بس خلاص ما أقدر بموت من الحياء, بسكر أحسن.
- بتشردين يا ريموه, توه بدأ الكلام يحلو.
- بس هند, والله مو قادرة أتحمل, ويهي أحترق من الحياء, وبعدين وراية باكرة قومه من الصبح عشان أروح الصالون, يلا مع السلامة.
عادت ترمي بتلميحاتها الساخرة :
- قول أنك مستعلة تسكرين التلفون عشان تكلمن حبيب القلب, الحين موعدة صح, الله يرحم
أيام أول كنت تكلمين بساعات ولا يهمك شيء, الحين يي حميد وأكل الجو عليه.
لتقول بضيق زائف:
- تعرفين أنه ما أحد يعطيك ويه, يلا فارق مع السلامة.
وتغلق الخط من فورها, وترسم ابتسامة فرح يتدفق من ذكرى الحبيب.


’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’ ’’’


أخذت تنظر إليه بنصف عينيها, قد أعتصر وجهها الضيق والغضب معا, فهذا المخلوق
المتجرد من الحياء, لا يزال يثرثر بلا توقف, وهو يأكل كعكة الشكلاة التي أخذها من
المطبخ بدون إذن, بطبع, كيف يخرج من هذا البيت خالي الوفاض, كان يجب أن
يحصل على مبتغه, حتى لو كانت مجرد كعكة صغيرة الحجم, المهم شيء يصل إلى
معدته.
أخذت تتأفف, لعله يلاحظ ويخجل من نفسه ويرحل, لكن بلا فائدة, كان منهمك في مضغ
الكعكة, والتكلم في مواضيع لا تهمها.
فلجأت للحل الثاني, وهو بأن تمثل دور الناعسة, أخذت تتثاءب وتمد أطرافها.
لا حيات لمن تنادي..
شخص متبلد المشاعر ..
لا يوجد في وجهه ذرت من الحياء ولا حتى الكرامة...
بدل أن يسألها هل أنتِ نعسانة ؟ هل أرحل ؟
جاءها سؤال آخر, يفتح بابا مطولا للحديث ..
سألها بفمه المملوء بالكعك, وقد تطايرت بعض قطعها من فمه بصورة تقزز الناظر لها:
- من سوى هالكيكه العجيبة؟ لا تقولين عروستنا سوتها ؟
وابتسم ضاحكا ...
لتقابل سؤاله, بعلامة استفهام كبيرة رسمت على وجهها, وترجمتها بسؤالها:
عروستكم ..
وقبل أن تكمل سؤالها, جاءتها صرخة ابنتها فاطمة الهلعة:
- أمي لحقي مريم .. مريم ما أدري وش صار لها ... لحقي..
ليقع قلبها من عرشه إلى الأقدام من شدت خوفها.


’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’


حاول للمرة العاشرة أن يقوم, لكن بلا فائدة, فقواه قد خارت أمام الهجوم الكاسح الذي
شنه عليه خبر حضوره, حضور الموت, ضيف ثقيل على القلب, يفرض نفسه بالقدوم
لزيارة هذا الجسد الفتي, ويرحل لكن معه ذكرى من هذا الجسد, وهي جوهر هذا الجسد,
نبع حياته, ألا وهو الروح.

يتبع ,,,,

👇👇👇

تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -