بداية

رواية مقيده بالاحزان -2

رواية مقيده بالاحزان - غرام

رواية مقيده بالاحزان -2

حاول للمرة العاشرة أن يقوم, لكن بلا فائدة, فقواه قد خارت أمام الهجوم الكاسح الذي
شنه عليه خبر حضوره, حضور الموت, ضيف ثقيل على القلب, يفرض نفسه بالقدوم
لزيارة هذا الجسد الفتي, ويرحل لكن معه ذكرى من هذا الجسد, وهي جوهر هذا الجسد,
نبع حياته, ألا وهو الروح.
أراد أن يصرخ...
أراد أن يشكو ...
أرد أن ينفجر...
أراد أن يبكي...
لكن لم يقوى على فعل شيء من هذا ...
فالإستسلام ...
هو العدو الآخر الذي أستغل ضعفه ...
و احتل جسده ...
الفاقد للنضال ...
وللمقاومة...
دفن وجهه بين يديه ...
وبدأ يشحذ همته المتهالكة ...
فلا بد من رحيل من هذا المكان الذي حكم علية بالإعدام..
أدخل ما باستطاعته من الهواء إلى رئتيه المتعطشتان للحياة...
ومن ثم قبض بطرفي الكرسي الذي بات رفيقه في الساعات الماضية ...
وقام أخيرا ....
لتتم أول مهمة بنجاح ...
وليأتي الأصعب ...
كيف يجبر هاتين القدمين المتثاقلتين على المشي ....
بعد أن استنفذ قواه الموشكة على النضوب ...
خطى أول خطوة ...
خطى وهو لا يعي ما يحدث حوله ...
خطى الخطوة الثانية ...
لكن الخطوة الثالثة لم يكتب لها الحياة ...
فقط ردعها صوت صارخ ... مضرج بدماء الحزن الممزوج بالهلع :
بعد ريلك عن عباتي .... يلا يلا بنت بتروح من بين يدي ... بعد ...
رفع رأسه الذي بات ثقيل الوزن نحو صاحب الصوت, لتقع عيناه على امرأة فضت
الهندام, سكن الخوف أركان وجهها البيضاوي, والدمع انسكب من عيناها الجاحظتين,
كان يرى فمها يتحرك, لكن صوتها لم يصل إلى طبلتي أذنيه, كأن قدرته على السمع قد
أصابها العطب, كما أصاب سائر جسده . وأسقطها فريسة له الواحد تلو الآخر, ليأتي الدور الآن على أذنيه.
أخذ يحدق بها بعينان تائهتين, يحاولن أن يفكن شفرة الكلمات الخارجة من شفتيها
المكتنزتين, فعقله لم يعد ملكه, بات مشلولا بصدمة التي صفعته بقوة, فهشمت خلاياه.
ضل على هذا الحال لبضع دقائق, ولربما سوف يضل على حاله بضع دقائق أخرى, لو
أنها دفعت به بعيدا فخوفها على فلذت كبدها فاض عن قدر التحمل عندها, فختل توازنه
وسقط, وركضت هي بجزع وراء ابنتها المحاصرة بالموت..


’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’’ ’


فتحت الباب ووجهها أحمر قاني من الغض المرسم عليه, وقالت صارخة:
- يوم ما يتي أحسن, ما قلت لك تين بسرعة.
لترد عليها بهدوء الخائف:
- يا صالحة والله العظم تأخرت لأني ما لقيت أحد ييبني, بعد شدة يلا يلا أدبر سيارة.
رفعت رأسها لسماء, لتتبعها كلتى يديها, وتقول شاكرة :
- أحمدك يا رب وأشكرك يوم خليت عبدوه يصيح وما يسكت, وخليتها أمه تتصل بسواق ييب الخدامة معه عشان يشلونه البيت الحمد لله.
عادت تصوب بصرها نحوه أختها المحدقة به بنفاذ صبر, و أكملت بتفاخر:
- وأنتِ تعرفين أختك, إلا وألصق فيها علين خلت السواق يوديني...
قاطعتها أختها, التي تعلم جيدا بأن أختها سوف تسترسل بالحديث إذا لم توقفها:
- خلاص فهمت فهمت, يلا خلينا نلقى لهالمسكينة بصرة, بتموت عليه من كثر الصيياح.
لتسألها:
- وينها الحين أهي..؟
لترد وقد خطت الحزن على عيناها:
- في حجرتي, كنت أباها تنام شوي ترتاح, بس ما طاعت.
ورفعت رأسها للأعلى وأخذت تدعو:
- الله لا يوفقك يا محمد على سواتك هذه , لا أنت ولا أهلك.
لتزجرها أختها قائلة:
- وش هالدعوه؟ أنتِ خبله ؟ تدعين على ولي نعمتك.
ابتسمت بسخرية وقالت:
- وين ؟ هذا أول, الحين بتاخذه وحدة ثانية وبتلهف كل شيء.
ابتسمت وقالت بمكر:
- لا إن شاء الله ما بييصر شيء من ذي.
لترد وشغف ينحت وجهها لجوب يشفي غلها:
- وش عندك بصره ؟
لتضرب شيخه صدرها بكل فخر, وتقول وثقة تنضح في صوتها كما وجهها:
- أفع عليك أنا شيخة أم الطبوب , الحل عندي.
لتجاوبها والفرحة تشع من محياها:
- كفو ... هذا عشمي فيك شيخه.
رسمت الحيرة عليها قبل أن تسأل مستفسرة:
- بس الأول بعرف, وش قلب الريال عليها؟ ! ما كان يحبها ويموت فيها, وما يرفض لها طلب.
ضيقت عيناها, وقطبت حاجبيها, ونفثت غلها في صوتها:
- أقص أيدي إذا ما كانت أمه هي إلي غسلت مخه, ما كان حلو وعين الله عليه, بس شكلها زنت على رأسه علين استسلم ووافق, أبونها ما تحب حصة وما تريدها له.
أشارت بأصبعها بلا وقد كان التفكير العميق يسكن ثنايا تعابير وجهها:
- لا لا لا , مو هذا السبب, لو كان السبب هو زن أمه لكن سوى ها الشيء من زمان, هذا عمل, شكلها أمه مسوية له عمل.
لتأيدها أختها من فورها وبنفس الوقت تطعم غرور أختها بلقاح المديح:
- صح صح . العمل لعب بمخ محمد, وخرب حيات بنتي, لحقينا يا شيخة , لحقينا.
رفعت أنفها إلى أعلى وقت بات رأسها يسبح في سحاب الغرور, وقالت بنبرة الثقة التي تسكن صوتها:
- لا تخافين , كل شيء بيكون تمام التمام, بس أنت جهزي عشاك, تعرفين مخي يسكر يوم أكون يوعانه.

(( القيد الثالث ))

كان يعرف جيدا بأنه عندما يفتح هذا الباب, سوف تهجم عليه حمم من الغضب الذي لا ينتهي, يدرك جيدا بأنها لن تجعل فعلته تمر مرور الكرام, لكن لابد من المواجهة ووضع النقاط على الحروف, فهو الرجل في هذه الزيجة, وهو صاحب القرار الأول والأخير.
فتح الباب ورأسه شامخ في السماء.
وقد جهز أسلحته المشروعة وغير المشروعة, لدفاع عن حقه الذي شرعه الله له.
ليصدم من وراء الباب بشيء لم يكون موجودا في قائمة توقعاته .
لقد كانت جالسة في منتصف السرير, كملكة متوجة على عرشها, تاجها شعرها الكستنائي الذي انسل حتى كتفيها , وابتسامه تحيط بشفتيها شبه المسطحتين, تضاعف حجمهما بسبب الحمرة الوردية الفاقع لونها, والتي تثير الغريزة المدفونة, وعينان واسعتان مزينتان بالكحل العربي, يتربع في كبدهما قرصين عسليا اللون, تصوبان عليه نظرات الشغف.
ذهله .. بل صعقه ما وقعت عيناه عليه
أين تلك المرأة التي هاجت وماجت عليه منذ بضع ساعات مضت ؟
والتي كانت تتوعد ؟
وتصرخ ...
أين هي ؟
أمعقول أن هذه حصة ...زوجته التي رفضت رفضا قاطعا زواجه من أخرى ؟!!!
أمعقول ؟!!!
نصبت ساقها الرشيقة , وحررتها من ظلمة ثوب النوم ذو اللون الناري الخانق لها.
وقالت وهي تشير له بالجلوس إلى جنبها, بصوت يستفز ذكورته:
- تعال قربي... ليش واقف كذيه ؟!
أبتلع ريقه, قبل أن يبوح بحيرته لها:
- حصه ... وش هناك ؟!!
ضحكت برقه مفتعله, وقالت من بين ضحكاتها المتواصلة:
- وش بيكون هناك, أباك تقعد جنبي ... هذا حرام ؟!!
-
لم يبل ريق نفسه المتسائلة جوابها, فعاد يسأل ولكن بطريقة أخرى, وقد رص على عيناه ليتجل تعجبه لها:
-
- حصه ... وش صار في غيابي وقلب حالك ؟!!
رسمت ابتسامة طرفيه
وقامت من عرشها
وبقدميها الحافيتان اقتربت منه
وهو مسلط منظار عيناه عليها بتوجس الحذر
عندما غدت مواجهتا له
رفعت يدها وهي تتمايل بغنج
وصفعته بخفه
وقد عضت على شفتها السفلى
وقلت بعد ذلك بدلع:
- هذا إلي صار... صفعتك صحتني ... وخلتني اكتشف فيك الرجل القوي إلي كل مره تحلم به ..
ضيق الخناق على عيناه, وهو يحدق بها بعدم التصديق لقولها ...
في حين أنها أخذت تفتح أزرار ( كندورته ) وهي تحاول تأجيج نار الشغف واللهفة فيه:
- أبا أشوف ذاك الوحش مره ثانيه ... فطلعه لي ...
-
-
أمسك برسغيها وأشل حركتهما, وقال:
- حصه .. أنت قاعدة تضحكين عليه ... وألا ...
لتقاطعه بشفتيها اللتين اتحدت بشفتيه
ليبدأ جدار الحذر في داخله بتصدع
ومن ثم تقول بوجه باسم وقد حررت شفاهه من قيودها:
- تعال وأكتشف بنفسك
لتحرر يديها من يديه المخدرتان ...
وتبتعد عنه وهي تتمايل كغصن البان نحو السرير
وهو يتبعها بعينيه الجائعتان


أخذت تلامس أصابعها الصغيرة, اللاتي فقدن حلويتهن بسبب الشحوب الذي تسلل إلى عروقها...
انسلت دمعه من مقلتها, وهي ترى ابنتها, فلذت كبدها تضوي أمامها, وهي واقفة تتفرج بلا حراك...
لتقول بحرقة وأسى تخنقان كلماتها:
- ليش يا مريم .. ليش تريدين أن تتركينا وتروحين عند أبوك ... ليش ؟ !... هل أنت مشتاقة له .؟!! .. كيف طيب تشتاقين له .. وأنت حتى ما شفتيه ... وألا أنت مغتصة لأنك ما شفتيه ... وعشان كذيه تريدين تروحين له .. بأي طريقة .. حتى لو كان الثمن حياتك ؟!! لكن حن ما شبعنا منك .. ها الست سنين ما تكفي .. نباك تكون عندنا .. لا تخلينا .. لا تخلينا ...
وأمسك بتلك اليد الهشة, كما يمسك الغريق بطوق النجاة ..
والدمع شكل طرقا على وجنتيها, وعادت من بين شهقات البكاء تقول:
-
- لا تروحي عنا .. لا تروحي عنا ...
ومن ثم ألقت بجسدها نحو ابنتها التي أخترق جسدها الضئيل بالكثير من الأجهزة والمحاليل, وبسببها غرقت في نوم عميق مجبرتا, وضمتها بكل ما أوتيت من قوة, كأن بفعلها هذا سوف تجذبها من براثم الموت الحائم حولها.



لا يعرف كيف ركب السيارة وشق طريقه إلى منزله بسلام
لا يعرف كيف أنسل نحو غرفته دون أن يلمحه أحد
لا يعرف كيف ألقى بجسده المتهالك على سريره
لا يعرف شيئا ..
ولن يعرف
فعقله شل تماما
فخبر موته كان كالضربة القاضية التي أودت بحيات عقله
قبل جسده
لقد سقط في هاوية عميقة لا أول لها ولا آخر
أخذ يسترجع تلك اللحظة الفاصلة في سلسلة حياته
كان يجب أن يستشف الخبر من تعابير وجه الطبيب الذي كان ينبأ بخبر سيء ...
كان يحاول أن يجد الكلمات التي كما يبدو تبعثرت في عقله قبل أن تزور مسمعه
لكن هو لم يلحظ ذلك, فلم يكون في قائمة توقعاته هذا الخبر الجلل
كان يضن بأنه مجرد إعياء عابر و سوف يرحل مع الراحة
لكن كان الموضوع أكبر من ذلك بمراحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ ــــــــــــــــل
ما إن أخيرا رمى الطبيب رمح الخبر الفاجعة عليه بقوله:
- للأسف ما أدري كيف أقول لك الخبر, بس ... بس ... للأسف مطر أخبرك ... للأسف أنت .. أنت فيك سرطان الرئة
سرطان
سرطــــــــــــــــــان
سرطـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ ــــــــــــــــــان
تردد صداها في زوايا عقله
أسترسل أخيرا الطبيب في الحديث
لكن بعض فوات الأوان
فقد بات هو جسد بلا روح
لا يفقه شيء من حوله
فكلمت (( سرطان ))
لزالت تجتاح عقله بالزلازل
قام
نعم قام, وكأن شخص آخر يتحكم به
خرج من الغرفة
وأحاسيسه الخمس قد عطبت
لم يلحظ بأنه بات خرج غرفة الطبيب
إلا بعد أن أمسك الطبيب بكتفه
وهزه
ليستيقظ من بنج الصدمة الذي تخلل عروقه
ويقول الطبيب مواسيا, ومحاولا أصلاح ما يمكن إصلاحه:
- لا تخاف يا حميد, الطب الحين تطور وايد, وفي أمل كبير تشفى من المرض, بس خلي أيمانك بربك كبير
ابتسما ابتسامة ساخرة لم تدم في ثنايا شفاهه, وقال وقد قص خيط نهت تلك الذكرى البغيضة:
- كلام يا طبيب تقوله لمرضاك عشان توهمهم بأنه فيه أمل, أنا مو ياهل , ولا غبي, ولا جاهل بهذا المرض, خلاص أنا انتهيت, انتهيت, وبيغليبني ها المرض مثل ما غلب أبوي من قبل, الطب مهما تطور ما بيقدر على ها الخبيث, ما بيقدر...
وهوى بقبضة يده على سريره
لعله يمتص ولو جز صغير من بركان الغضب المتفجر بداخله
أخترق عباءة الظلام الكاسيت لجسد غرفته, ضوء منبعث من هاتفه النقال, الذي بشره بوصول رسالة له
نظر ببطء عدم المهتم نحو الهاتف النائم على يمينه
ضغط على زر الهاتف
ليصطع له اسم
جلجل كيانه
وصب عليه حمما جديدة من الألم
أنه الاسم
الذي اقترن باسمه
بصفته
الحبيبة
الزوجة
وأم لأبنائه
أو كان مقترن بكل هذه المهام
توجع
تألم
بكى بحرقه
تصهر قلبه
لدرجة أنه لم يفتح الرسالة
كيف يفتحها ؟؟
كيف يفتح بابا آخرا عليه لجيوش العذاب
فهو قد انهارت حصونه
ولم يعد يقوى على هجوم آخر
لقد مات في داخله
قبل أن يموت جسده
الذي لن يطيل البقاء في عالم الأحياء



كانت على وشك أن تضغط على زر الإرسال, حين باغتها صوته, فجعل جسدها يرتجف:
- أصبحنا وأصبح الملك لله, من صباح الله اتصالات وبربره, يا حرم خافي ربك, الناس تبد يومها تسم وتدعوا, وتتسمع للقرآن, وأنت ركضه صوب التلفون تبين تبربرين في علوم ما لها فايده .
لترد عليه عليه غاضبة:
- بسم الله الرحمن الرحيم, كمن مرة قلت لك لا تطلع عليه كذيه فجأه؟ بغلى قلبي يوقف
ومن ثم تحولت لسانها من لغة الغضب إلى لغة السخرية:
- وبعدين العدال يالسديس, ما كأنك قبل شوي صدعتني في الحيرة بصوتك إلي كأنه صوت حمار, فتركت لك الحيرة تتهن فيها, وش جابك هني؟
ليفتح عيناه على مصرعيهما, ويقول بذهول نحت صوته:
- أنا صوتي صوت حمار؟؟!!!
-
وما لبث أن أخذ يتكلم وبكل فخر وثقه تعمي سامعيها:
- أنت ما تعرفين أنه الناس تدفع لي عشان يسمعون شلاتِ؟
دوت ضحكتها الساخرة أرجاء البيت, قبل أن تقول باستهزاء:
- يا غبي, يدفعون لك عشان يسكتونك ويرتاحون مو عشان يسمعون نغيقك.
وعادت تكمل سلسلت ضحكاتها
ليرمقها بنظرة غاضبه
فهو لا يملك سواها
وقال:
- الأحسن لي أروح لأبو سالم آخذ كمن فلس, فالمعاش طلع أمس, وبعد أتريق أزين مو مثل ريوقك هذا إذا طبختِ اليوم, لأنك من تمسكين ها التلفون ما تخلينه.
أخذت تشير له برحيل, وهي تقول وضيق مرسوم على قسمات وجهها:
- روح .. روح .. هذا إلي شاطر فيه يا عبيد, تجمع كمن درهم ما يبلن ريق أحد, وبعد تتشرط وتقول تريد ريوق الزين, أول تشطر ويب لنا بخت فلوس وبعدين تشرط يا الشيخ.
ضيق عينه اليمنى وهو ينظر إليها بغضب تأجج أكثر بداخله:
- هذا إلي أخذه منك يا صالحة , تكسير, إلي عرفه أنه الحريم يشجعن ريايلهن, يساعدنهم, وأنت من عرست بك وكل يوم مكسرة مياديفي, ومو عاجبك شيء من إلي أسويه, ما يكفيك كل يوم حليلي أمشي من بيت لبيت ألقط لك الفلوس عشان تعيشين مثل الناس.
-
وضعت يدها في خصرها, وقالت والضيق ينبعث من عيناها التين نحتتهما السنين لتخلف أثارها عليها:
- تشوفني قطوة قدامك عشان تقول تلقط لي ...
ليقاطعها قبل فوات الأوان و يجرفه غضبها :
- لا حوووووووووووله... خلاص يا كلمة ردي مكانك, يلا أنا رايح .
وندفع نحو الباب مسرعا
لكي ينفذ بجلده من سياط لسانها الطويل
أخذت تتمتم بضيق , وتسب وتلعن الساعة التي تزوجت فيها هذا الرجل, وهي لم تحرره من مجهر عينيها حتى وهو قد بات خارج البيت.
ما إن نفثت جزءا بسيط من حنقها على زوجه في كلماتها النارية, حتى رفعت رأسها نحو السماء, وقالت:
- الله يرحمك يا بوي, ليتك ما غصبتني أعرس بهذا الريال إلي ما فيه فايدة, وجوده مثل عدمه, الله يرحمك بس ويغفر إليك.
وختمت دعائها بهز رأسها بأسى
ومن ثم عادت تكمل ما بدأت به, قبل أن يقاطعها ذلك الزوج المعدوم الفائدة
أخذت تضغط على أزرار الهاتف من جديد
جاءها من خلال أسلاك الهاتف الممتدة, صوت رنين, الذي لم يدم طويلا
ليقتل صوت الرنين صوت أقرب منه إلى الهمس:
- ألو ... مرحبا أمي ..
لترد عليها:
- وين محمدوه ؟
لترد عليها بنفس درجة الصوت الهامسة:
- راح يتسبح ..
- يعني أقدر أكلمك على راحتي؟
- أيوه .. أيوه ..
لتسأل وشغفها لإخبارها جلي على محياها:
- ها بشري وش صار البارحة بينك وبينه ؟
لتسبق ضحكتها كلماتها المتخللة السماعة:
- كل خير, عملت إلي قلتنه لي أنت وخالتي البارحة.
كسا وجهها الراحة ,وهي تقول:
- تمام, والعمل هل خلتيه تحت مخدته, مثل ما وصتك خالتك؟؟
-
- أيوووووه .. هذا أصلا كان أول شيء عملته يوم دخلت الحجرة.
لتخط تلك الابتسامة الشيطانية, وتردف قائلة:
- تمام .. تمام .. ما بقى إلا ننتظر أسبوع ونشوف النتيجة .
ليهجم عليها صوت ابنتها المرتبك قبل أن تكمل كلامها:
- أمي .. أمي لازم أسكر, شكله محمد خلص.
لترد هي الأخرى من فورها:
- أزين ..أزين .. يلا عيل مع السلامة.
ومن ثم ما لبثت أن لاح في خلدها ذكرى شيء, لتقول صارخة, لتلحق على ابنته, التي كانت على وشك إغلاق السماعة.
- حصه .. حصه ... لا تسكرين..
ليأتيها صوتها المتعجل, كأن شيئا يلاحقها:
- أيوه أمي وش هناك ؟
- لا تنسين تشربينه الدوى إلي عطتك خالتك إياه مرتين في اليوم.
- لا تخافين عليه أمي, ها الشيء ما طار من بالي, يلا لازم أسكر باب الحمام أسمعه ينفتح, مع السلامة.
- يلا .. مع السلامة.
لتغلق السماعة من هنا, وتشق ابتسامة انتصار طريقهما على شفتيها من هنا, وتفكر لدقائق, قبل أن تقول:
- لازم أكلم شيخه وأخبرها عن إلي صار, طلعت صدق شيوخ مو سهلة, تستاهل ذيك الدياية إلي طبختها لها البارحة.
وبالفعل شرعت بالاتصال بأختها أو بالأصح شريكتها في الجرم ..


____________________
أقبلت عليها ولهفت العتاب تنضح من عيناها, مع مزيج من الهلع الأموي يحيط بثنايا وجهها:
- وش هذا يا شمسة؟ .. ليش ما خبرتينا البارحة يوم تعبت مريم ؟!! لو ما قعدت أتصل بك وألقى تلفونك كله مغلق.. وبعدين اتصلت للبيت وفطوم خبرتني .. كنت ما بعرف .. متى بتتركين ها العادة الشينة عنك؟!!
لترد عليها, والدمع يتربص بمقلتيها المحاطتان بحمره كستهما من كثرت البكاء, وقالت بصوت أعياه السهر, وكبلته الروح الباكية:
- والله ا أمي ما كنت أريد أتعبكم, أعرف كنتم مشغولين بموضوع محمد.
لتقاطعها وهي تزجرها قائلة:
- وش ها الكلام يا شمسة؟! مريم أهم وألا موضوع أخوك أهم ؟!! لازم مريم أهم ما يحتاج تفكير... ما أعرف كيف أنت تفكرين ؟!!
ومن ثم هزت رأسها بأسى, ونفضت تلك الروح الغاضبة, وقالت:
- نسيت حتى أسلم عليك من الضيق من فعلتك ... المهم اتركينا من هذا وطمئنيني وش قال الدختور؟


يتبع ,,,,

👇👇👇


تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -