رواية مذكرات نوف -15

رواية مذكرات نوف - غرام

رواية مذكرات نوف -15

مسكت يد أبوي :
_ يبه تكفى ... ما أرجع له ... تكفى يبه ...
_ نوووف ... لا تعلين قلبي زيادة ... ترى أنا متأزم من زواجك اللي كان لازم ما يصير من غير شي ...
_ يبه ... الله يخليك لي ... سامي ما أبيه خلاص ... لو شنو ما يصير مستحيل أرجع له ...
وقااام أبوي وخلاني ... يا ربي ... أول مرة أحس أبوي يرفض يلبي لي طلب ... ليش ؟... ليش يا ربي ... أحمل وبهالوضع ... عقب ما بكيت عليه دم ... عقب ما قلبي خلاص عافه ... أسبوعين بس ... وحسيت نفسي عمري ما حبيته ... االجرح يذبح ... يذبح حيل ... والحين جاء هالحمال ... شي راح يربطني فيه طول عمري ... يا رب ... يا رب ما يتم .
كنت جالسة في الصالة ... تو كلمت مريم ... وقالت لي راح تتأخر ويمكن بعد ما تجي ... تعودت عليها أشوفها كل يوم ... بعض الصداقات تنفعك طول عمرك ... وبعض القرابة تضرك عمرك كله :
_ نوووف ... انا طالع تبين شي ؟
_ وين ؟
_ أتمشى ... ربعي ينتظروني ...
_ طيب وأنت راجع مر جيب لي آيس كريم ...
_ آيس كريم بهالبرد ؟
_ انت جيب وما لك شغل ...
_ حاضر عمتي لا تعصبين ... مع السلامة ...
وطلع ... سوزان كانت مسوية كيكة ... حطتها قدامي ومعاها قهوة ... وراحت داخل ... هالكيكة كنت أموت فيها ... بس الحين ما لي نفس أكلها ... سبحان الله الحزن يخلي كل شي كان حلو في عيونا شي عادي :
_ اقلط يا سامي حياك الله ...
ودخل أبوي ... ووراه سامي ... سامي !!... ياللــــه ... أحس قلبي خلاص ... راح يطير :
_ الســــــلام ...
وناظرني ... نفس النظرة اللي تقول ... أنا ما غلطت واللي سويته صح ... دايما سامي كذا ... أكثر واحد يقرر ... ويوثق بقراره حتى لو كان غلط ... بس ليش متغير كذا ؟ ... وليش أنا متغيرة ؟... بدال ما أضمه ودي أخنقه ... طالعت أبوي ... ورحت أبي أصعد السلم :
_ نووووووف ... تعالي ...
ورجعت ... وأنا ما أبي أطالع فيه :
_ نعم يبه ...
مسك يدي وجلسني :
_ سامي !! ... هذي نووف ... واللي قلته كان من حقك تسمعه ... أنا ما أبي أتدخل ... اقعدوا مع بعض ... وكل واحد فيكم يعرف مصلحته ... وما أبيك تدخل اللي بيني وبينك ... بينك وبين نوف ...
وطلع أبوي ... سامي كان طول الوقت ساكت ... جاء وجلس جنبي :
_ ليش ما قلت لي ؟
ضحكت ... شوف وضعنا ... وشوف سؤاله ... مد يده ومسك يدي ... نفضتها وقمت :
_ فقدت هذا الحق يا سامي ...
_ طيب ممكن تهدين ... علشان نتكلم ...
_ أنا حامل ... وأنت عرفت ... حقك ... بس أولد تأخذ اللي لك ... ولهنا يخلص كلامنا ...
_ بايعتني يعني ...؟
_ أنت أول من باع ...
_ سالفة زواج سلوى أنا اللي كنت غلطان ... أدري ... ما كان لازم أجبرك ... بس أنتي قعدتي تتحديني ... وجيتي بيت أبوك علشان تقولين لي انا حرة وأسوي اللي أبي ...
_ وسالفة أمل ... وسالفة الحبوب ... وسالفة ضيوف أمك ... وسالفة السكر لما كنا في باريس ... تاريخنا أسود مع بعض يا سامي ...
_ يا عيني ... والحين فكرتي تحاسبيني ؟
صرخت فيه :
_ لأن خلاص ... ما عاد فيني أتحمل ... خلاص يا سامي ... قدرتي عليك انتهت ...
_ نوووف ... أنا جاي علشان نفتح صفحة جديدة ...
_ لا ... ابوي اللي جابك ... وجيت لما دريت إني حامل ... صار لي أسبوعين في بيت أبوي ...
_ طيب انتي الحين اجلسي ... وخلينا نتفاهم ...
_ قلت اللي عندي ... وما أظن عندك شي ...
عصب ووقف :
_ نوووووووووووووووووووووووووووووف ... أسلوبك هذا ما ينفع معاي ...
صراخه ذكرني بكل شي ... شلون كنت أحبه ... وشلون صرت أكرهه ... أيامنا الحلوة ... بيتنا ... كل مكان جمعنا مع بعض ... ذكرياتنا ... كلامه وشكثر كان يحبني ... ليالينا في باريس ... يا ليتنا ما رجعنا يا سامي ... يا ليتنا ما رجعنا ... وحسيت الأرض دارت فيني ... وطحت .
وعيت على نفسي وأنا في غرفتي ... وسامي جالس جنبي ... وسوزان كانت واقفة :
_ شي تاني يا بيك ؟
أخذ منها كوب العصير :
_ شكرا ...
وطلعت سوزان ... وطلعت بعدها دموعي ... مو قادرة أتحرك ... بعدت وجهي عنه :
_ نوووف !!
_ سامي خلاص ... روووح ...
_ طيب اشربي العصير انتي ...
شربني العصير بيده ... ورجعه الطاولة :
_ صحة إن شاء الله ... نوف يا قلبي لازم تأكلين ... صحتك بالحضيض ...
غمضت عيوني وسكت عنه ... ما أبيه يتكلم ... ما أبيه يبقى هنا ... جنبي ... ليش ما يروح ... قرب مني مسك يدي وباس رأسي ... فتحت عيوني :
_ تكرهيني يا نوووف ؟
وما كنت قادرة أتكلم ... ظليت أناظر فيه وبصمت :
_ نووف اشتقت لك ... اشتقت لك موووت ... حتى نوم صرت ما انام ... كنت أقول عاندتني ... والحرمة بدالها ثانية ... بس ... ما قدرت ... ما قدرت يا نوووف ... من يوم طلقتك كنت أكل نفسي ندم ... يمكن طبعي قاسي ... ومرات أنرفزك بس ... نووف انتي تعودتي علي ... الحين أدري انتي مجروحة ومعصبة ... بس علشان العشرة ... علشان الشوق يا نوف ... علشان ولدنا :
أي محبة ؟!... وأي عشرة ؟!... وأي حنان ؟!
وأي شوق ؟... اللي أنتا تتكلم عليه ؟!
وين حبك يوم انا عشرة زمان ...؟!
وين شوقك يوم أنا ميت وأبيك ...؟!
يعني واثق أن باقي لك مكان ؟!!
وأن قلبي يحن لك لو ترتجيه ؟!!
يا حبيبي خذها من جرحي ضمااااان !!
إلا قلبي يوم يقسى لا تجيــــه !!
قلبي اللي غلطته حبك وصـــان !!
لو يصالح قلبك " أقطع له يديه " !!
_ سامي ... تعبـــــــــااانة ...
مسح دموعي بيديه ... وباسني :
_ أخليك الحين ترتاحين ... إذا بغيتي شي كلميني أوكي ...
وطلع ... يبيني ... يبي يصالحني ... اللي يموت ما يرجع يحيا يا سامي ... واللي ينكسر مستحيل يتصلح :
لا تحسب إن القلب هام وضمنته !!
نذر علي إن ذلني ما أعترف فيه !!
ومر أسبوع ثالث ... سامي هلكني مكالمات ومسجات وما كنت أرد ... جانا مرة للبيت ورفضت أنزل له ... أصريت على الطلاق والفرقا لآخر لحظة ... أبوي أحترم قراري وما ناقشني ... وسامي تراخى معاي ... يقول مقدر حالتي وأني زعلانة ... يومين وتبدأ الدراسة ... جراح هالسنة آخر سنة في الثانوية ... وسمح له أبوي يسافر مع ربعه لمصر قبل لا تبدأ الدراسة .
كنت جالسة مع مريم في الصالة ... مديت لها فنجال القهوة :
_ سمي ...
_ سم الله عدوك قولي آآآمين يا نوف يا بنت سلطان ...
_ ههههههه ... إلا وش أخبار عريس الغفلة ؟
_ اممممم ... عادي ...
_ شلون يعني عادي ؟
_ ملكنا ... وخلصنا ... بقى العرس ونفتك ...
_ داخلة حرب أنتي ؟
_ وش أقولك يعني ... تقولين لي شلونه ... ما أدري عنه ...
_ يعني ما كلمتيه ؟
_ أكلمه ... الولد معقد مثل اخواني بقول اللي تكلمني تكلم غيري ...
_ بس انتي زوجته ...
_ الله يكافيك شرهم ناس متخلفة ...
_ عاداتكم غريبة ...
ورن تلفون البيت :
_ آآآآلووو ...
_ مدام نوف ... أنا أمجد ...
أمجد ... سكرتير أبوي الوفي :
_ أهلين أمجد ...
_ البيك تعب كتير ... ونقلناه المستشفى ...
_ أبــــــــــوي !!.. أي مستشفى ؟!
وعلى طول أخذت السواق وطيران على المستشفى ... ومريم جاوا اخوانها أخذوها من بيتنا :
_ أمجد !!
_ مدام نووف ...
_ وين أبوي ؟
_ الدكتور هون ...
وأخذني لغرفة الدكتور ... وبعد ما عرفني :
_ ارتاحي يا بنتي ...
الدكتور كان مصري :
_ خير يا دكتور أبوي وش فيه ؟
_ صحته كانت تعبانة آوي ... وانا حذرته ما يرهقش نفسه ... بس هو ما كانش يسمع كلامي ...
_ بس أبوي صحته كويسة ... وكان يهتم ... يمكن الشغل أرهقه ...
_ يا آنسة نوف ... اللوكيميا لازم لها علاج فوري ... وانا قلتلوه بس هو كل يوم بيأجل ...
_ أي لوكيميا ؟!!!!
_ الوالد بيعاني من سرطان الدم ... وللأسف في مرحلة متأخرة ... وكان لازمه علاج طارئ ومش هنا في لندن ...
وما حسيت بحالي ... ولا حسيت باللي حولي .
لما فتحت عيوني ... كنت في غرفة بيضا ... وفي يدي ابرة ... وجنبي ممرضة ... تذكرت :
_ يبــــــــــــــــــــــــه ...
امسكتي الممرضة :
_ استهدي بالله يا أختي ...
وقعدت أصيح بقوة :
_ أبوي ... الله يخليك وديني لأبوي ... تكفين ... الله يخليك ...
ودقايق ... رحم الدكتور حالي ... ووقفت قدام الدريشة الزجاجية للعناية المركزة ... ممنوع أدخل ... أول مرة أشوف أبوي في هالحالة ... نايم وفي عالم ثاني ... وما في جهاز ما وصلوه بجسمه ... حتى تنفسه حاطين له تنفس صناعي ... ضعيف ... لا حول له ولا قوة ... ولا يدري عن اللي يصير ... مستحيل يكون هذا أبوي ... الرجال اللي تهتز لقوته وهيبته ودرايته مليون أرض وأرض ... وألفين قلب وقلب ... مستحــــــــــــــيل .
كنت جالسة في غرفة الانتظار اللي قدام العناية المركزة ... مرابطة من أمس العصر لهالليلة ... 21 ساعة وأكثر ... وأنا جالسة لحالي وأبكي بصمت ... ما غير مريم تتصل علي كل شوي وتكلمني ... صليت بدال الركعة مية ... أدعي ربي ينجي أبوي ... ويحفظه من كل مكروه .
الساعة 2 بالليل دخل علي :
_ نووووووووووف ...
_ ســــــــــــــامي !!
ورميت نفسي في حضنه وقعدت أصيح ... نسيت نفسي ... عتبي ... زعلي عليه ... كنت أحس بالبرد ... برد الزمن اللي مو راضي إلا يحرمني من كل اللي أحبهم ... جلس وجلسني معاه :
_ ليش ما كلمتيني ؟
_ ليش أنا قادرة أفكر بشي يا سامي ... للحين ودي أصحى وألقى كل اللي يصير حلم ...
_ توني راجع من الشرقية ... وأبوي سمع باللي صار من الرياجيل في الديوان ... وقال لي ...
_ آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآخ ... (ونمت على صدره) ... أبوي ... أبوي يا سامي ... معاه سرطان وما قال لأحد ...
_ كلمت الدكتور قبل لا أجيك ... جرااح وين ؟
_ مسافر ...
ومر الوقت بطئ ... وطويييييييييييييييييييييل ... نمت على صدر سامي من التعب ... أحس خلاص ... مو باقي فيني شي صاحي ... يا شين الهم يهد البني آدم هد :
_ السلام عليكو ...
وقفنا انا وسامي لما جاء الدكتور ... رد عليه سامي :
_ وعليكم السلام ... بشر يا دكتور ...
هز الدكتور رأسه ... ما فهمت ... ناظرت سامي :
_ شصار ؟
_ البقية في حياتك يا بنتي ...
قرب سامي يمسكني :
_ لا حول ولا قوة إلا بالله ...
_ لا ... يبــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــه ...
وما حسيت باللي بالدنيا كلها .

المذكرة التاسعة عشرة 

تعرفون الاحساس لما تكون بين السما والأرض ... احساسك لما تكون مو متأكد أنت في أي عالم بالضبط ... من ضمن الأحياء أو بين الأموات ... هذا كان احساسي ... متمددة على سريري ... وضامة المخدة ... وكل شوي داخل علي أحد ... " الله يعينها - مسكينة تكسر الخاطر – هذي بنته الوحيدة ؟! – ولده وين ؟ - ليش ما عنده زوجة ؟ - يوووه ليش مو معلم أنه مريض – اليوم دفنوه وصلوا عليه العصر ... " ... وعبارات تضرب في رأسي وتموت ... كأنها حوار في كابوس مو في واقع ... حتى دموعي أحسها سوت اضراب ... أنا أبوي يموت ؟!... مستحيل ؟ :
أمات أبوكي ؟!
ضــــــــــــــــــــــــلال !!
أنا لا يموت أبي ...
هنا ركنه ... تلك أشياؤه !!
تفتق عن ألف غصن صبي ...
جريدته ... تبغه ... متكاه !!
كأن أبي بعد لم يذهبي ...
وصحن الرماد ... وفنجانه !!
على حاله بعد لم يشربي ...
ونظارتاه ... أيسلو الزجاج !!
عيونا أشف من المغربي ...
بقاياه في الحجرات الفساح !!
بقايا النسور على الملعبي ...
أجول الزوايا عليه فحيث ...
أمر ... أمر على معشبي ...
أشد يديه ... أميل عليه ...
أبكي على صدره المتعبي ...
أبي خبرا كان من جنة ...
ومعنى من الأرحب الأرحبي ...
وعينا أبي ملجأ للنجوم ...
فهل يذكر الناس عيني أبي ؟!
فتحنا لتموز أبوابنا ...
ففي الصيف لا بد يأتي أبي ...
والتفت فجأة :
_ مريم !
وفزت مريم ... من أمس وهي وديمة ما فارقوني :
_ نعم يا عمري ...
_ وين جراح ؟
وناظرت مريم في ديمة وهي مرتبكة :
_ على وصول ...اتصلوا عليه واليوم يجي ...
ورجعت لصومعتي النفسية ... ليش أحس إني مو قادرة أتنفس ؟... مو قادرة حتى أفتح حوار مع نفسي أو مع غيري .
كنت لسا صاحية من نوم خفيف ... فتحت خالتي أم مساعد الباب وعيونها منفخة ودموعها سيلان ... ناظرتني برحمة :
_ نوف يمه ... جراح أخوك جاء و ...
ومن سمعت اسم جراح جتني طاقة مو طبيعية ... ولا كأني الجثة اللي من أمس مرمية على السرير وما تقدر تتحرك :
_ جراااح !!
ورحت أركض على السلم ... شفته جالس بالصالة ... رامي عقاله ويبكي ... وسامي جنبه يهون عليه :
_ جراااا ...
واثنينهم ناظروني ... جراح يبكي ؟... أبوي لما كان موجود ما كان يسمح بهالشي ... يعني صحيح أبوي مات !! ... كل اللي صار مو كابوس ... أبوي راح وما عاد يرجع ... يعني صحيح كل اللي صار ... وصحيح أبوي ادفنوه ولا أنا ولا جراح راح نشوفه بعد ... لا أبوي الوحيد اللي أستمد منه قوتي ... مستحيل يكون راح وتركني ... مستحيل :
وينـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــك ؟!
بكيت بصمت ...
بكى خوفي ...
بكت عيني ...
بكى مجرى شراييني ...
بكى الاحساس والنبرة ...
بكى الخافق مع العبرة ...
بكى التاريخ من عمري ...
وبكى الباقي من أيامي ...
وما حسيت باللي حولي .
فتحت عيوني ... ما أدري وش كثر نمت ؟!... بس في شاش علي يدي ... يعني عطوني مهدئ ... انتبهت له كان جالس جنبي ... وللحين يبكي بصوت عالي ... آآآآآآآآآآآآآخ يا جراح ... جلست عدل ... وحطيت يدي على ظهره ... التفت لي وعيونه غرقانة دموع ...وصايرة حمرا ... عمري ما شفته يبكي بهالشكل ... يمكن لأن بحياتي ما تخيلت أبوي يبكي ... وجراح أبوي ... أو اللي بقى لي منه :
_ نووووف ...!!
وارتمى في حضني ... وصاح وصحت معاه ... ضميته بكل ما فيني وكأني أضم أبوي ... خلنا نبكي يا جراح ... أبوي راح ... وما راح نخسر خسارة أكبر من هالخسارة :
_ والله لما سافرت ما كان فيه شي ...
ومسحت وجهه الغرقان بيدي :
_ أدري ... حتى أنا ما حسيت أنه في شي ...
_ يعني ليش ما قال لنا ؟
_ ما تعرف أبوي يا جراح ... طول عمره ما يتشكى ... حتى من المرض ...

_ الله يرحمه ...
وطعنتني هالكلمة ... ناظرت في جراح ... "الله يرحمه "... يعني أبوي الحين صار في عداد الأموات ... والله ما يقدرنا غير على هالكلمة ... وغرقت بدموعي من جديد :
_ يا ليتنا متنا معه يا جراح ... يا ليت ...
وجاء دوري أرمي نفسي في حضنه وأنفجر من الصياح .
وعدت ثلاثة أيام ... وانتهت أيام العزا الرسمية ... بالنسبة لي العمر كله ولا يكفيني حزن :
_ السلام عليكم ...
وجلس جنبي على الصوفا في الصالة اللي تحت ... ما ناظرت فيه :
_ وعليكم السلام ...
_ شلونك اليوم ؟
التفت عليه ... سبحان الله حتى مشاعري تجاه سامي صارت باردة ... ما صرت أحس بنفس الشوق اللي كنت أحسه لما أشوفه كل مرة ... موت الغالي غير في نفسي كل شي :
_ مثل ما أنت شايف ...
_ جراح وين ؟
_ نايم ...
_ اتصلت علي الدكتورة اليوم ... تقول إنك طوفتي موعدك أمس ...
بصراحة كان فيني ضحكة ... والله هالأخ فاضي :
_ خليتها تجدد الموعد ... بكرا أمر عليك ونروح لها ...
ولا رديت ... قرب مني أكثر ولما مد يده يبي يضمني فزيت ووقفت ... بصراحة ما صرت أتحمل ... لو حتى لمسني راح أنفجر وأصيح ... وأنا خلاص تعبت .
تنهد وهو يناظرني ... نزل يدينه وأدري فيه مقدر حالتي :
_ اتصل علي أيمن سكرتير أبوك ... يقول فيه ورقة ضروري يسلمها لك ...
_ ورقة شنو ؟
_ ما أدري ... ورقة ... يقول أمانة ... ولازم يسلمها لك بإيده ...
_ هو هنا ؟
_ بالمجلس ... إلبسي والحقيني ...
أخذت جلالي وطلعت المجلس ... سلمني أيمن الورقة وطلع ... وطلع سامي وراه ... أخذتها لغرفتي وقفلت الباب وراي ... أكيد من أبوي ... يا الله يا يبه ... صرنا ما نتواصل غير بالورق :
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه
بنتي ... وأختي ... وأمي ... وصديقتي ... وقرة عيني نوف .
إذا تقرين هذي الرسالة ... يعني أنا بين ايدين ربي سبحانه وتعالى ... ما أحد يملك علي لا ضر ولا نفع غيره ... فلا تخافين علي ... كل اللي كان يضايقني خليته وراي ... والله يتعمدني بواسع رحمته .
تمتمت " آمين " ... وكملت :
أول شي أبيك تمسحين دموعك ... كم مرة أقول لك يا نوف الدموع ضعف ... حتى لو كانت تنفيس فهي تعتبر ضعف ... عمري ما كنت أسمح لك تبكين لأي سبب ... وحتى لما أفارقك ... ما أبيك تبكين ... إذا تعزيني خليك بنتي اللي أعرفها ... قوية وما يهزك شي ... علشان خاطري يا عمري .
ومسحت دموعي ... خلاص مستحيل أبكي بعد اليوم :
ثاني شي ... أظن انا عمري ما قصرت معاك ... لا إنتي ولا أخوك ... قمت بدوري كأبو لكم بكل طاقتي ... ما بخلت بشي ... ولا تكاسلت عن شي ولله الحمد ... مال ... وحلال ... ومستوى اجتماعي ... وكل هذا ما يهم ... الشي الوحيد اللي أفخر فيه ... نوف وجراح ... عيالي وذكري اللي راح يبقى وراي ... واللي أتمنى يحققون كل شي تمنيته فيهم ولهم ... ويسامحوني إن كنت قصرت في حقهم من دون قصد .
نوف ... كنت أتمنى هالوصية أخليها لجراح ... بس مثل ما يقولون الكبير لازم يضحي ... والله قسم تكونين انتي الكبيرة ... حمل ... ومسؤولية ... بس أنا أدري فيك بنت أبوك وقدها وقدود .
90% من الأملاك بما فيها البيت خليتها باسمك ... والـ 10% بالمية الباقية باسم جراح ... أدري لعبت بقسمة ربي بس عاد الله يغفر لي ... جراح بعده صغير وعضمه طري وأخاف عليه من عيال الحرام وأولهم خواله ... ومثل ما قلت لك أكثر من مرة ... ثقتي فيك يا نوف مثل ثقتي بنفسي ... وصيتي جراح أخوك ... دير بالك عليه ... وشجعيه وخليه يعرف الصح من الغلط ... وحققي فيه كل حلم حلمته ... وإذا شفتيه صار قد المسؤولية ... ويعتمد عليه ... لا تترددين ثانية وحدة ترجعين له حقه من اللي في اسمك ... أمانة يا نوف وما أبيك تخيبين ظني ... وبالنسبة لإدارة الشركات والأسهم أنا ثقتي في أبو عصام عمياء ... راح يدير لكم كل شي من جدة ويوصلكم حلالكم وبأرباحه السنوية من هنا لحد ما يكبر جراح ويخلص دراسته .
طلبي الأخير ... يمكن أكون فيه اناني وظالم بعد ... بس إنتي تدرين يا عمري إني ما أظلمك إلا علشان أحميك ... سامي إنهي حياتك معاه ... أدري فيك تزوجتيه علشاني ... وأدري فيك حبيتيه وتولعتي فيه ... وأدري بينكم ولد ولا بنت ... بس أنا وسامي صارت بينا مشكلة ... واللي هي المناقصة اللي ما كلمناك عنها وما حبينا ندخلك في مشاكلها ... وللأسف سامي وقف فيها ضدي ... واضطريت أدفع خسايرها من جيبي لعمي وعياله ... وهالشي ما أقولك كسرني إلا حطمني ... وهز ثقتي بسامي اللي أمنته على اللي أعز من الفلوس ... وصدقيني طلبي مو نوع من أنواع الانتقام وإنتي أكثر وحدة عارفتني ... بس شركتي صارت في وضع منافس لشركة سامي وبكل المقاييس ... والحين انتي صرت صاحبة هالشركة ... وما أظن راح يضبط الوضع وانتي زوجته ... الشي الثاني إني ما أبيهم يستخدمونك كنقطة ضعف مع جراح في المستقبل ... مثل لما استخدموك معاي ... ولا أبي حلالي يصير تحت يد سامي لأنك انتي اللي أمنتك عليه زوجته وتحت أمره ... أدري راح تقولين وش هالشراسة بس السوق إنتي ما تعرفينه مثل ما نعرفه ... ظالم وما يعرف يا يمه ارحميني ... وبعدك صغيرة يا يبه والله يعوضك باللي أحسن من سامي وأهله .
نوف ... كل هذا بيني وبينك ... سوالفنا اللي كنتي تسحبينها مني كل ما شفتيني متضايق ... وتظل سر مدفون ... وهذ بوسة على خدك الحلو ... وسلمي على جراح ... واذكريني بالخير وتصدقي عني وادعي لي بالرحمة يا أبوك ... ولا تسين أنا ما حطيت ثقتي فيك إلا لأنك قطعة مني وأدري فيك مستحيل تخونيني .
وطويت الرسالة ... أو الوصية ... أو الورقة اللي سطر فيها أبوي سوالفه لي مثل ما كان يسوي وهو حي ... مستحيل أبكي ... أبوي قال لي لا تبكين ... تمددت على السرير وغطيت في سابع نومة .
أسبوع كامل ما طلعت من غرفتي ... لا أكلت شي ... ولا تحركت من مكاني ... وحتى جوالي أغلقته ... أسمع كل يوم صوت جراح يطق الباب ويتطمن علي لما أقوله أبي أنام ... سامي مرتين طق علي الباب وبعد ما رضيت أفتح ... وحتى مريم زارتي مرتين بس بعد ما فتحت لها الباب ... الكل احترم حزني وخلاني لحالي .
ما بكيت ... بالعكس كنت هادية ... بس رسالة أبوي ما فارقت يدي ... أشحذ نفسي بالقوة من خلالها ومن خلال صورنا اللي كانت في الدرج ... أنا ووياه وجراح ... مستحيل يا يبه ... مستحيل أخلي أحد يظن فينا ضعاف بس لأنك غبت عن الدنيا وفارقتنا ... مستحيل الدنيا ومصالحها تخلينا ننساك ... أو ننسى الإنسان اللي رمى كل شي وراه علشانا ... أبي أبكي يا يبه ... بدون دموع ... بيني وبين نفسي ... ولا سامي ولا غيره يقدرون يخلوني أنسى اللي وصيتني عليه :
من قال أبنساك ؟!!!
بالحيل مخطي ...
كلمة شرف خذها من الراس للراس ...
حلفت لك بالله وأعلن بقلبي ...
" من بعد قلبك كل القلوب تنداس "
(( المذكرة العشرون ))
نزلت السلم ... صادفت سوزان ترتب بالصالة ... أول ما شفتني انصدمت ... يمكن من شكلي :
_ صباح الخير مدام ...
_ صباح النور ... وين جراح ؟
_ من وعيت وهو مو هون ...
_ طيب ... روحي جهزي الفطور ...
مسكينة ... فرحت :
_ أمرك مدام ...
وراحت ركض للمطبخ ... رفعت جوالي واتصلت على جراح :
_ هلا وغلا ...
_ هلا جراح وينك ؟
_ عند رائد ...
_ في بيتهم ؟!
_ سهرانين من أمس ...
_ طيب تعال ... أبيك تفطر معاي ...
_ أمرك يا الغالية دقايق وأنا عندك ...
وعلى الفطور لاحظ جراح أن نفسيتي تحسنت ... وكان فرحان ... وحتى أنا لاحظت عليه أنه متغير ... لمحة حزن قوية ارنسمت في وجهه ... وخلته يكبر عشرين سنة :
_ سامي أمس جانا ...
_ أدري ... قالت لي سوزان ... اليوم راح أكلمه ...
بقق جراح عيونه ... شكل فرح :
_ بترجعين معاه ؟
ابتسمت له ... وما رديت :
_ مسكين والله كان خايف عليك ...
_ أشوفك صرت تحبه ...
_ بصراحة وقفته معانا ما أنساها ... ما قصر ... والله لولاه ما عرفنا شلون نتصرف ...
وضحكت في داخلي ... هذا أقل شي يسويه يا جراح ... على الأقل نستفيد منه شي بدال البلاوي اللي سواها مع أبوي الله يرحمه .
وجراح لأنه سهران ... راح نام على طول ... مسكت جوالي واتصلت عليه ... وجاني صوته اللي ما عاد له التأثير اللي كان له قبل ... شكل صومعتي عطتني القوة الكافية علشان أواجهه :
_ هلا والله ...
_ هلا سامي ... شلونك ؟
_ بخير ... دامني أسمع صوتك أنا بخير ... إنتي اللي شلونك ؟
يتبع,,,,
👇👇👇
تعليقات