بداية

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -101

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي - غرام

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -101

الجزء ( 46 )
ويلك
حين يعربد الانتقام
على مسارات قهري
و انسف الوجل
دون تردد ..
هذه المره
لفظت الرعب
فالقسم
يسري في وريدي
و الوجع
يتسلل
في شراييني
سأذيقك
شيئا
لا تعرفه
شيئا يضاهي
كل ما أسقيتني
إياه أنت و أبي ..
هذه المره
ستعرف
حقا ماذا
يعني كيد النساء ؟!
*المبدعة : وردة شقى.
بعد دقائِق طويلة ، عبدالمحسن : الجوهرة ماأبيك تستحين مني .. أبي أسألك سؤال
الجوهرة بلعت ريقها لتقِف و أنفاسها تتصاعدُ مُتناسبة طرديــًا مع نبضاتِها المُرتجفة . . صمتٌ يلفها و قلبٌ يرجِف.
عبدالمحسن مُشتتِ أنظارِه و أصابعه تتشابَك : سلطان ماقرَّب لك ؟
لِمَ السؤال مُربك إلى هذا الحد ؟ لِمَ أبكِي من سؤال ؟ أكان صعبًا علي الجواب أم لأني لا أجدُ مخرجًا من الصمتْ !!
يالله كيف تلفظُ الشفاه بما لايجبْ أن يُقال ؟ و ربُّ هذه الحياة لم أعرفُ أن للجسدِ لُغةٍ إلا مُنذ أن لوثنِي تُركِي و تخاطبتُ بها 7 سنواتِ بعينيْ ، لم أعرفُ إلا منذُ أن شطرنِي سلطان و تحدثت يدايْ بتشابِكهُما . . كيف أشرحُ لك يا أبي ؟
عبدالمحسن و لم يكُن بسهلٍ عليه ، أردف بربكةٍ كبيرة : الجوهرة . .
الجوهرة همست و الدمعٌ على خدِها يسيل : لأ
عبدالمحسن لمَح تلك الدمُوع ، أردف بوجعٍ كبير : لو أنه أخويْ . . أنتِ أهم ، هرب ولا عارف كيف أوصله ..
الجوهرة أخفظت نظرَها و لا قلبُها يهدأ ، ألتفتُوا لسيارة البانميرَا السوداء التي تُضيء بجانِب سياراتِهم ،
عبدالمحسن : هذا سلطان !! . . أسمعيني يالجوهرة .. ماراح أخليك ترجعين معه ..
الجوهرة تُراقب سلطان الغير مُنتبه لهُم على بُعد مسافاتٍ طويلة. أتعلم يا سلطان أنني بدأتُ أحفظك عن ظهرِ غيب ؟ بدأتُ أحفظ تفاصيلك وتلك الخطواتِ الغاضبة و الأخرى الخافتة ، أعرفُ جيدًا شعُورك من تقويسـةِ عينيْك و وقعِ أقدامِك. عرفتُ هذا مُتأخِرًا.
عبدالمحسن بهدُوء : أجلسي معنا هنا كم يوم لين عرس ريان و بعدها بترجعين معنا !! و كان الله غفور رحيم
الجُوهرة تنهَّدت وهي تمسحُ دمُوعِها بظاهرِ كفِّها : ان شاء الله
عبدالمحسن ألتفت عليه وهو يسيرُ بإتجاه مجلسِ الرجال ، بصوتٍ عالٍ : بــــــــــــــــــــــــو بدر
أنتبه سلطان للصوت و عاد بُضع خطواتِ ليراهِم ، أقترب بخطواتٍ مُخبـئة خلف ستار الهدُوء.
عبدالمحسن : كنا في سيرتك ، . . الجوهرة ادخلي داخل
الجُوهرة بربكةِ خطواتِها سارت بجانب سلطان ولكن أمام مرأى والِدها أوقفها بكفِه التي حاوطتْ معصمِها.
سلطان بنبرةٍ هادئة : مستعجل . .
عبدالمحسن رفع حاجبه مُتنهِدًا : الجوهرة بتجلس هنا
سلطان بعد صمتٍ لثواني مُتوتِرة أردف : ليه ؟
الجُوهرة زادت إنتفاضةُ قلبِها الهائِج في صدفتِه ، صدرُها يهبِط بذاتِ القوة التي يرتفعُ بها ، ذاب معصمها بكفِّه.
عبدالمحسن : وليه السؤال ؟ إحنا أتفقنا يا سلطان و لاتحسبني راضي على سالفة انها راحت بدون علمي ... أنا قبلت عشان كلامك اللي فات لكن الحين ماله لزمة ترجع معك ..
سلطان بحدَّة : كيف ماله لزمة ؟ إلى الآن هي بذمتي وماطلقتها
عبدالمحسن بذاتِ الحدَّة : ماله داعي تضحك على نفسك وتضحك عليّ !!! كل شيء أنتهى
سلطان شدّ على شفتيْه ليلفظُ بغضب : دام ما طلقت ماأنتهى شي !
عبدالمحسن و ضغطهُ يُنبأ بالإرتفاع ، كان سيتحدَّثُ بعصبية لولا صوتُ الحمامةِ التي نطَق : يــبه خلاااص
سلطان ركَّز عيناه الصاخبة بأضواءِ النار بعينِ الجُوهرة الدامـعة : روحي جيبي عباتك أنتظرك بالسيارة
ترك معصمها و نظرهُ يسيرُ بإتجاه عبدالمحسن : اترك هالموضوع احلَّه بنفسي
عبدالمحسن بغضب : بنتي ماهي حقل تجارب لك !! ولا راح أرضى .. لا تحدني يا سلطان أتصرف بشيء لا يعجبك ولا يعجبني
سلطان بنظراتٍ ذات معنى أردف : ريِّح نفسك أصلاً ماعاد يعجبني شي .. و سَـار لسيارتِه.
،
ركَن سيارتــِه بجانب سيارةِ سلطان دُون أن يُلقي لمن حولِه بالاً ، مُشتت ضائع ، يرى الأطيافُ تحوم حوله حتى بات لا يهتمُ بالحقيقة بقدرِ إهتمامه لأصواتِ هذه الأطياف. أخذ نفسًا عميقًا ليسيرُ بخطواتِ سريعة حتى لا يلحظهُ أحد.
مزاجُه مُضطرِب و مُجعّـد لن يستقيمُ بسهولة في هذه الليلـة بعد كابُوس المغرب. فتح الباب و عيناه تسقُط على زُجاجة العطر المرميـة. أقترب قاذِفًا مفتاحه على الطاولة الخشبيـة ذات المفرشُ القاني. نظَر لحاسوبه المفتُوح .. أقترب ليرى صُورة العطر من الملف الشخصي لـ أثير.
تمتم بحنق : هذا اللي كان ناقصني !!
تجاهل كل شيء ودخل الحمام ليستحِمْ . . في الأعلى سمعَت صوتِه ، سارت ببطء شديد حتى لا تصدرُ بكعبِها صوتًا ، الغُبار يعتلي الأرفُف ، لم تدخل هذه المكتبـة كثيرًا فـ المراتُ نادرة وجدًا. أقتربت من الكُتب الموضوعة على الطاولة التي يبدُو أنها آخرُ ما قُرأ. مؤسف أن ألبسُ اللامُبالاة حتى وإن بانت فضفاضة لا تليقُ بي. مُؤسف أن أكُون بهذه الصُورة و كأن لا قلب ليْ ولكن أنت تستحقُ أكثر من ذلك يا عزيز و يعزُ عليّ دمعي الذي لا تستحقه.
فكَرت قليلاً بحوارٍ مع ذاتِها يُشعل براكين الحقد. نزلت على الدرج الخفيفْ الذِي يصخبُ بكعبِها ، وقفت لتنتظِره. مرَّت الدقائِقُ طويلة حتى سمعت صوتُ خروجه من الحمام.
عادت خطوتين للأعلى و أصدرت صوتًا ثقيلاً على الأذن. لم يُحرك الصوتُ بهِ شيئًا ، كأنَّ الحياةُ مع اللابشـر يثقبُون قلبه البشرِي من فكرة الفضُول للأشياء الغريبـة و الأصواتِ التي ليس لها وجود.
أرتدَى بنطالِ بيجامته الرماديـة دُون أن يرتدِى شيئًا يُغطي جُزءه العلوي ، تفاصيله القديمة تُعاد ، منذُ أن رحلُوا وهو لاينام الا بشيءٍ يُغطي جسدِه بأكمله إلا أنه بدأ الآن ينام عاري الصدِر ، ماعاد هُناك شيء يستطيع أن يُخبئه. يشعُر بأن قلبه عارِي و يحتاج من يزيدُ بعُريِّـه فمن كان يُغطيه سابقًا " دعواتِ أمه ليلاً ".
رمَى نفسه على السرير و لامجال للنومْ . الأرق يُطارِده من كُل جهة و التفكيرُ بهم يهيج. أعينه تسقط على الجدار الذي تبلل بالعطِر والرائـحة القوية تخنُقه. أتجه للعطِر و عكَس الجِدارُ ظلالِها ، نظَر للظِل ! أأصبحتُ أتخيَّل ؟ جُننت رسميًا !! يالله أرحمني كما ترحمُ عبادِك الصالحين.
وقف بقامتِه المُهيـبة التي يشتركُ بها مع سلطانيْن. فقبلُ سلطان بن بدِر هُناك سلطان العيد.
ألتفت لينظرُ إليْها ، لم تتحركُ بها شعرة وهي تراه بل ركَّزت أنظارِها المُتحديــة بإتجاهه !
عبدالعزيز رفع حاجبـــه ، آخر ما توقعه ان يراها ، عيناه تتأملُها من خلخالِها الذهبِي إلى شعرها و الشاشُ الذِي يُغطي نصفه.
رتيل نزلت بقيـة الدرجات لتقترب منه وبنبرةٍ ساخِرة شامِتة : خربت خطتك ؟
عبدالعزيز بصمتٍ رهيب ينظرُ إليها بدهـشة تبدأُ من فكرةِ وجودها الآن أمامه وبهذه الجرأة .
رتيل بإبتسامة بانت معها صفـةُ أسنانها : إحنا اللي شخصياتنا تصلح لفترة مؤقتة و بعدها تزهق " أردفت كلمتها الأخيرة بدلعٍ عفوِي أرادت أن تسخَر به منه "
أكملت بملامحٍ مُشفقة : يا مسكين !! لهدرجة مضايقينك ومحاصرينك من كل جهة . . تبي تترك هالحياة وتبدأ حياة ثانية !! كسرت خاطرِي مايهون عليْ أشوفهم يتلاعبون فيك كأنك ولاشيء . . أو يمكن مالك أهمية أو تصدق .. عرفت الحين من اللي زيادة عدد !!!
عبدالعزيز ماكان ينقصُه أحدٌ يُشعل النار المتوهِجة. كل الأشياء تفيضُ ببراكينها. كان ينقصُه كلمة ليتنفجِر حِمَمِه.
رتيل في داخلها أرتبكت من نظراتِه ولكن أظهرت قوتِها لتُردف : تعرف مايهمني أكون زوجة لإنسان مثلك !! بس أشفق عليك وعلى أثير اللي بتقبل بشخص ماله رآي وشخصية .. جابوه من باريس غصبًا عنه و الحين يزوجونه بطريقة قذرة !! بس إسم أنك زوج .. إسم أنك رجَّال لكن بالحقيقة مافيه أفعال تثبت شيء من كل هذا
صفعها بكُل ما أوتي من قوَّة ، صفعها ولأولِ مرَّة يمدُ كفِّه على أنثى. أختَّل توازنها بالكعب لتسقُط على عتبة الدرَج و شفتِها تُجرَح ليختلطُ الدمُّ القانِي بأحمرِ شفاهِها المُسكِرة.
رتيل رُغم أنَّ الدموع تجمَّعت في محاجرها ، وقفت لتتحدَّاه وبسخرية : برافوو .. طلعت رجَّال وأنا الغلطانة .. صح اللي يضرب هو الرجال ... الله يقويك عرفت تبرهن عن رجولتك
عبدالعزيز مسكها من كتفيْها ، لولا عظامها الثابتة لذابت في كفُوفِه ، أحان وقتُ إفراغُ الجحيم ؟
صرخت به مُتناسية كل الألم : قرَّبت مني و أنت تدري أني ماأعرف بهالمصخرة اللي صارت !! قرَّبت مني وأنت عارف أني ماراح أنام الليل كله من خوفي من الله !! كنت تدررري بس أنا ؟ ... سمعت باللي قال الحُب دعاء !! ..
رجفت كلماتها لتنطُق و البُكاءِ يتلبسُها : الله يزيييدك قهر و يوريني فيك مكروه يهزِّك يا عبدالعزيز ...
دفعها على الجدار لتسقُط مرةً أُخرى على عتباتِ الدرج الخشبـية ، عقد حاجبيْه بضيق ، ماذا تبقى حتى أرى به مكرُوهًا ، أو هل بِي حياةٌ حتى تهتَّز من أجلِ أحد !! مُت منذُ زمن و مازلتُ أُمارس حماقة الحياة.
عاد إليْها و شدَّها من ذراعها ليلفظُ الغضب الثائر : وتحسبيني منتظر حضرتك تدعين ليْ !! أو حتى حاسب لك حساب ! عُمرك ماراح تكونين شيء و أنتِ أصلك رخيص !!!!!
حاولت أن تضربُ صدره العاري لتبتعدُ عنه و قطراتُ الماء من شعره تسقطُ عليها ، أنفاسها تتعالى كأصواتِ الرنين التي لا تهدأ.
يُكمل مُزلزلٌ أعماقها : ما يفصلني بيني وبينك شي !! قادِر أخليك زوجتي فعليًا بس مزاج .. ماأبيك أنتِ اول بنت في حياتي .. فيه اللي أهم منك
أتَى كلامُه قاسيًــا وجدًا على قلبٍ رقيق كرتيل. أتَى حادًا شطَرها نصفيْن ،
عبدالعزيز بسُخريـة ينظرُ إليْها : لآ يكون جاية اليوم وحاطة أمل في هالزواج !! للمرة المليون تعرضين نفسك عليّ يا رتيل . . بس هالمرة راح أرفض عرضك
رتيل المتصوِرة شيئًا أنقلب سحرُها عليْها و كل ما فكَّرت به وقعت في شرِّه الذي مازال في بدايته.
أردفت بقوةٍ هزيلة وهي بين ذراعيْه : لاتعطي نفسك أكبر من حجمك !! و للمرة المليون أقولك كون رجَّال ولو مرَّة وحدة
عبدالعزيز بضحكة خافتة غرز أصابعه في شعرِها المُجعَّد : علمي أبوك ليه زوجِّك واحد تشوفينه ماهو رجَّال ؟ ولا الكل يشوفك رخيصة مو بس أنا ؟
رتيل همست :أبعد عنِي
عبدالعزيز : جيتيني وتقولين أبعد
رتيل صرخت : قللت أبععد
عبدالعزيز يُحاوطها من خصرها بشدة لتقف على طرفِ كعبها وتصِل لمستواه : أصرخي بعد لين يجي أبوك و يشوفك كيف عارضة نفسك عليّ !!!
رتيل رُغم أنَّ بُكائها لا يتوقف إلا أنَّ حدتها بالكلام تزدادُ أكثر : حقـــــــــــيـــــــــر أنت حرام تعيش !! ليتك لحقت أهلك
كلمتُها الأخيرة أشعلت قلبه من جديد ، دفعها بقوة بإتجاه التلفاز ليتعثرُ حِذائها بالطاولة وتسقُط مرةٌ أخرى على رأسها الذي مازال يتألم من ضربـةِ الأمس.
بقيت مُتصلـبة على الأرضْ إِثر الغليان التي تشعرُ به في مُؤخرةِ رأسها ، أرتفع فُستانها لمُنتصفِ فخذيْها و نارُ عبدالعزيز لا تهدأ ، وقفُ ينظرُ إليْها دُون أن يتحرك به شيئًا في حين أنها تشعُر بالأرضِ من حولها تدُور و إغماءةٌ تتسللُ إليْها.
أغمضتْ عينيْها الباكيــة لتهدأ رجفةُ أطرافها ، ومازال واقِف ينظرُ لموتها البطيء وإنزلاقِ روحها بدمعها ، ينظرُ إليْها وكأنها جثــة.
رتِيل أبتلعت الغصـة و مسكت طرف الطاولـة حتى تقِف ، لم يتحرك ولم يحاول مُساعدتها ، نظراته حادة لايرمشُ بها لثانية.
تقدَّم بخطواته ليجلس بجانبها ، ألتقت عيناهِم ، من يسألُ العين بماذا تحكي ؟ من يطلبُ الترجمة لعينِ عبدالعزيز المتقوِّسـة ؟ من يُنيب عن عين رتِيل ويحكي بماذا تلفُظ الأهداب ؟ دقائِقُ تخيطُ شفاهِهم و لا همسٌ يُذكَر سوَى الأنفاس المُتصاعدة بينهُما ، في قلبِ الأنثى المكسورة تراتيلٌ تحتاج لمن يسمعها ! آآآه يا عزيز تُرغمنِي على إيذاء نفسِي بِك. تُرغمني أن أؤذي الجميع. يالله على هذا العذاب . . هذا الحُب لا يستقيم وكأنَّ من بنودِه " الجحيم " لم تمُر يومًا على قلبِي خفيفًا ، دائِمًا ما كُنت تمِر بي لتشطُرني نصفينْ.
عبدالعزيز و مازال مُتجمِد في مكانه بجانبها ، مُــتــنا يا رتيل. نسيتُ كيف أعيش ؟ و لِمَ أعيش ؟ مُتــنا والقبر السعيد الذي أردفتيه بأمنيتك أصبح يضمُك ، حياتُنا عبارة عن نُكــتة لم نفهمها فبكيْنا.
وضعت كفوفها على وجهها لتمسح دمُوعِها ورأسُها الثقيل لا يكفُّ عن الغليانْ وكأنَّ براكين قلبها تنتقل الآن لرأسها ، شدَّت نفسها للخلف لتجلس و تسحب فُستانها و تُغطي سيقانِها النحيلة ، تعذَّب يا عبدالعزيز لتعرف من خسَرت ؟ خسرت " رتيل " و أنت تعرف من هي رتيل ! هي التي تُرادف قلبك. هي أنا ولن تنكُر ذلك ،
عبدالعزيز مسك كفَّها لتقِف تترنَّح من دوارِ رأسها و كعبُها الذي لايتزن على الأرض ، مسكها من خصرها ليُوقفها بإتزان ، رفعت عيناها الباكيــة له ، عبدالعزيز بخفوت : أجلسي
رتيل وضعت كفوفِها على ذراعه التي تُحيط خصرها ، أرادت أن تُبعده ولكن قوتها ضعفت بعد سقوطها ، كل عظامها رخوَة تذبلُ بذبول عينيْها.
جلست على الطاولة ، أبتعد عنها ليأتِي بالماء ويمدُه لها ، أخذته لترميه عليه و جنَّ جنُون رتيل.
أخذت ترميه بكل شيء على الطاولة بأنظارٍ مُشتعلة ، رمَت إحدى الفازات الثقيلة عليه لتؤلم بطنِ عبدالعزيز. تجاهل ألمه وتقدَّم إليْها بغضب ليُمسك كلتَا ذراعيْها ، همس بحرارةِ غضبه : إيدك ما تنمَّد لا والله أكسرها لك
رتيل بحقد : أكرهههك .. أكرهههك ... أكرههههك ... *رددتها و دمُوعها تنسابُ مع كُل حرف*
عبدالعزيز تركها ليقِف : أطلعي برااا
رتيل صرخت : خل يجي أبوي .. أنا أبغاااه يجي ... أنا أبيه يشوف الكلب اللي مدخله بيتنا
عبدالعزيز و لايتحملُ إهاناتٍ اكثر ومن أنثى كرتيل ، بلاوعيْ أخذ قارورة المياه الزجاجيــة الخالية من الأملاح ليرميها عليها !
رتيل أنتبهت وأنحنت جانبًا لتُصيب طرف يدِها ، تناثر الزجاج حولها !!
عبدالعزيز بحدة يُشير بسبابتِه : وبعزته لا أخليك تندمين على كل حرف تقولينه وربِّك يا رتيل لا أوريك نجوم الليل في عز الظهر
،
صعدَا الدرجْ ليلتفت ناحية غُرفة رتيل : نامت ؟
ضي : من شوي صعدت وقالت بتنام
همَّ عبدالرحمن ليتجه نحو غرفتها لولا يد ضي التي مسكته : أترك لهم شوية خصوصية
عبدالرحمن بهدُوء : بس بشوفها ماني محقق معها
ضي : ولو يا قلبي البنات كبروا و أنت شايف كيف ينفجرون عليك لأنهم يحسونك محاصرهم بكل جهة ، أتركهم فترة وهم بنفسهم راح يجونك ..
عبدالرحمن تنهَّد وتوجه لغُرفــتِه ، ضي من خلفه : أفكر أتصل على أفنان وأقولها فشلة تشوفني بعرس أخوها وتنصدم يعني أمهِّد لها
عبدالرحمن ينزَع الكبك ومن ثُم ساعتِــه ، أردف بلاإهتمام : ليه تنصدم ؟ بكلا الحالتين ردة فعلها بتكون وحدة !!
ضي : لآ ولو ماهو حلوة تشوفني في عرس أخوها واقفة و تنصدم
عبدالرحمن بحدة لم يُسيطر عليها : سوي اللي تبينه
ضي عقدت حاجبيْها : ليه تكلمني كذا ؟
عبدالرحمن : يعني كيف أكلمك ؟ واللي يخليك ضي ترى مزاجي مايتحمَّل اليوم
ضي نظرَت إليْه بإستغراب لتُردف بقهر : طيب
عبدالرحمن نزَع ملابِسه و أرتدى بيجامته لينام مُتجاهلاً ضي ، شدَّت على فكيْها من قهرها وكأنها توَّد أن تكسر أسنانها ، نزلت للأسفَل لن تتحمَل أن تنام وهي غاضبـة ، جلست بالصالة لتنساب عليها أفكارٌ كثيرة لم يسعفُها الوقت لتناقشها مع ذاتها بسبب دخُولِ رتيل ، صُدِمت لتقف : رتيل !!!
ألتفتت عليها. تضببت رؤيتها من دمعِها و هالاتُ الكحل ترتسم حول عينيها. تقدَّمت لها ضي : بسم الله عليك وش فيك ؟
رتيل بحديثِ ضيء الدافىء عادت لبُكائِها ، سحبتها ضيء لصدرِها وهي تعانقها : تعالي أجلسي ... جلست وبجانبها ضيء : كنت أحسبك نايمة !! وين رحتِي ؟
رتيل بحشرجة صوتها المبحوح : لعبدالعزيز
ضيء رفعت حاجبها : عبدالعزيز !!
رتيل بقهر : أكيد تدريين لحد يمثِّل عليْ
ضي : أبوك ماقالك عشان ...
رتيل قاطعتها بغضب : لآتبررين له !! الكل مسترخصني .. من الصغير لين الكبير !! طيب مايحق لهم يزوجوني كذا ! كيف يزوجوني وأنا ماعندي خبر .. تدرين انه كان يقرب مني ويقهرني وأنا أحسبه حرام وماأنام ليلي من التفكير وآخر شي يكون هو وأبوي متفقين عليّ !! مين أهم أنا ولا عبدالعزيز ؟ مو حرام عليهم يسوون فيني كذا ؟ .. .. أصلاً هو بيتزوج !! شايفة الرخص كيف ؟
أخفضت رأسها لتجهش ببكائِها أمام ضيء المُتجمِدة في مكانها لا تعرف بأيّ حديثٍ تُخفف وطأة الخبر على رتيل.
همست : محد رخصك ! والله أبوك مارخصك أضطر .. هم عندهم مشكلة في الشغل و . . .
صرخت في وجه ضي لتُقاطعها : الله يلعن الشغل !! الله يلعنه ... اللله يلعنه !! مين أهم أنا ولا الشغل !
صخب البيت بصُراخِ رتيل لتُكمل : ماصارت حياة حتى أبسط حقوقي يتحكم فيها هالشغل !
ضي بهدُوء وقفت : أهديي لا تصحينهم .. بشرح لك الموضوع كيف صار .. عبدالعزيز متنكر بإسم شخص ميِّت وراح لشخص يبون يمسكونه وخطر علينا وقالهم أنه عبدالعزيز العيد متزوج بنت بوسعود !! و خلَّى أبوك في موقف لايحسد عليه ، عبدالعزيز أجبرهم يزوجونه ! ماهو برضا أبوك بس بعدين أبوك أقتنع وقال مانعطي خبر لعبدالعزيز ولا لرتيل لأن هذا الصح بس عبدالعزيز عرف وأنتِ الحين عرفتِي
رتيل : كيف عبدالعزيز عرف ؟ يعني بيتزوج وحدة مايعرفها !! قولي حكي يدخل المخ
ضي دُون أن تنتبه لخطورة ما تقُول : هو ماحدد أنتِ أو عبير يعني كان ممكن تكون عبير زوجته فعشان كذا
رتيل و خيبةٌ أخرى تشطِرُ قلبها ، خيبةٌ أكثرُ مآسآوية من التي قبلها ! خيبةٌ أكبر من أن تتحملها ! يالله ألهذه الدرجة ؟ يُفضل عبير عليّ ؟ ألهذه الدرجة عبدالعزيز يُريد أن يقهرني بأختي ؟ يالله أني لا أتحمل هذه الدناءة ، رأسُها يدور وعيناها تتضببُ برؤيتها.
ضي بهمس دافىء : صدقيني أبوك كان مجبور ومضطر ، شايفة قد أيش ضحى عشانكم بس هالمرة ضحي عشانه وبالنهاية عبدالعزيز ماهو بالشخص السيء ! يكفي أنه ولد سلطان العيد . . بس هالفترة لين تنحَّل مشاكلهم بالشغل وبعدها راح تقدرين تعيشين معاه بـ . .
قاطعتها رتيل بصُراخ هزّ البيت : يالله بسهولة تقولينها كأنه شي عادي !! تبون تذلوني وتقهروني !! أنا دايم اللي لازم أضحي أنا اللي لازم أنهان .. بس عبير لأ .. عبير تبقى معززة مكرمة محد يدوس لها بطرف بس رتيل عادي .. أصلأً مين رتيل ؟ أحلف بالله أنه الشغالة ترحمونها أكثر مني
أتاها الصوتُ الرجولي الحاد ليقطع حديثها : رتــــــــــــــــــــــــــــــيــــــل
رتيل المُنفجرة تمامًا ، ألتفتت لوالدها الواقف عند الدرج و بأعلى الدرج عبير تسمعُ لحديثها ،
رتيل بسُخرية و البكاء يهطلُ كمطرٍ أتى بعد جفاف : هلا بأبوي هلا بالغالي اللي ذلني لعبدالعزيز وأرخصني
عبدالرحمن بغضب : أحفظي لسانك زين
رتيل بقهر : ليه تبيعني له ؟ ليه أنا بالذات ؟ ليه دايمًا تقهرني هذا وأنت أبوي ؟ كيف تبي الناس تحترمني وأنت ترخصني للي يسوي واللي مايسوى !!
عبدالرحمن بهدُوء : ما بعتِك ولا أرخصتك لأحد !! كان راح تعرفين بالوقت المناسب
رتيل صرخت : هذا زواج كان لازم أعرف !! عطني حريتي ولو مرة وحدة !! حرام عليك يكفي .. يكفييي هالحياة اللي عايشة فيها حتى عن الزواج تبي تقرر عني !! طيب آمنا بالله وقررت عني طيب أترك لي خبر .. طيب حسسني ولو مرة بأهميتي في حياتك !! .. أنا وش ؟ قولي انا وش بالنسبة لك ؟ من أول يوم جاء فيه عبدالعزيز خليته يقهرني ويذلني له !! أنت بنفسك سمحت له يذلني !! لهدرجة أنا ولا شيء بالنسبة لك ؟ وش أفرق عن عبير !! قولي وش أفرق عنها ! أنا بديت حتى أشك انك أبوي
صرخ عليها : كان بيجي وقت مناسب أقولك فيه ! ولو قلتي لي ماأبيه كان طلقتك منه ولا بجبرك على شي ماتبينه بس بهالفترة أنا مضطر .. أفهمي معنى كلمة مضطر .. الحياة ماتمشي زي مانبي أحيانا لازم نسوي أشياء مانبيها عشان نقدر نعيش
رتيل بخفُوت وسُخرية :إيه صح مضطر !! صح أنا نسيت أنه عندك شغل أهم مني !
عبدالرحمن بهدُوء : مافيه شي أهم منك
رتيل بجنُون تصرخ : إلا فيه .. فيه عبير .. فيه سواقنا .. فيه شغالاتنا .. فيه عبدالعزيز .. فيه ضي .. فيه ناس كثيرة أهم مني .. أنا ويني منهم !! مالي مكان .. بس هالعبدالعزيز اللي مصعده للسما ذلّ بنتك إذا يهمك أمر بنتك ... كان يجيني ويقهرني لأنه يعرف أني زوجته بس أنا ماكنت أنام الليل من التفكير وأنه الله بيعاقبني وأنك لو دريت بتذبحني !! بس طلعت أنت بنفسك مسلمني لعبدالعزيز .... لو أمي حيَّة ما تجرأت تلعب فيني كذا ..
أرتفع صوتها أكثر :لو أمي موجودة ماكان لعبت فيني !! أنت حرام تكون أبو .. حراااااااااااااااام .... مين بقى لي ؟ قولي مين بقى لي ؟ كلكم تخليتوا عني كلكم أرخصتوني !! الله يآخذني ... الله يآخذني ....
أقترب والدها ليحتضِنها ويُسكِن البراكين الناعمة التي تثُور ، أبتعدت ليلتصق ظهرُها بالجدان المزخرف بتموجاتٍ عتيقة لتلفظُ بصوتٍ خافت بعد أن أستنزفت طاقتها : الله يرحمني منكم . . . وبخطواتٍ سريعة ركضت بها للأعلى حيثُ غرفتها.
،
في زاويـةِ البيت ضحكاتِهم تتعالى و أحاديثُهم الخافتـة لا تُسمع ، أردَفت بضحكة : بتشوف بنت أبوها وش بسوي
غالية : وش ناويتن عليه ؟
وضحى بخبث : بعلمها كيف تتفاخر بزوجها المصون ! ..
غالية أبتسمت : اليوم كل ما كلت رجّعت شكلها صدق حامل
وضحى : وأنتِ صدقتيها ! إلا حامل وقولي وضحى ماقالت ! .. أستغفر الله بس مدري كيف تزوجت وأخوها ماصار له سنة !! مافي قلبها رحمة
غالية نفثت على نفسها : فكينا بس !! هي عندها إحساس أصلاً
وضحى تُقلد صوتها : يـــــــــــــوسف !! .
غالية : تهقين يحبها !
وضحى : لآ أهل الرياض جافين مايعرفون يحبون ولا شي
غالية : تغيروا ماعادوا على خبرتس يا حظي !! .. بنات جارتنا فتُون اللي ماينطل بوجههِن مآخذين من الرياض ورجاجيلهن قايلين بهن هه *حركتْ يديْها بإشارة لتدليعهن* .. تحسبينهم على زمن جدتس وجدي !
وضحى تنهَّدت : حتى عيالنا مو ناقصهم شي
غالية بسُخرية : أبد يصبحتس بوردة ويمسيتس بضحكة
وضحى رفعت حاجبها : أصلاً وش ذا اللحوج وردة وأفلام أبيض وأسود ..
غالية بخفوت : تهقين يوسف مسوي بمهرة تسذا ؟ *كذا*
وضحى : الله يعلم بس شكله كذا .. مير مالت عليها على وش ياحظي ! شينة و رجَّال مابها أنوثة
أكملتا الأحاديث عن هيئاتِ الخلق و نسُوا الخالق الذي يُمهل ولا يُهمل ، يأكلُون في ليلهم لحُومٍ أخوانهم المُسلمين اللينـة ، كيف قبَلت أنفسهم بأنَّ تغتاب و الله يراهم ؟ كيف رضُوا بأكلِ اللحوم اللينة ؟ أيُّ تقزز و قبحٍ تكتسي أنفسهم ! و نحنُ الذين درسنا التوحيد و نعرف أن لا أحدٌ يموت الا وفعل مثل ما كان يعيبه !
،
يُرتِب غُرفتــِه وهو الذي لايُحب الفوضى وإن أرتكبها يومًا ما. من يراه يقُول " رائِد الجوهي " أمامه ليس هيئةً فقط بل هيبـة و سكينة وإن كان له جانبٌ سيء ، قليلُ الكلامْ صامت خافت هادىء قارئ مجنُون شغوف عاشق مُهيب هوَ في ضد مع نفسه عندما يشرَب ويسكُر ! نظَر لصحيفة الأندلس التي في أعلى الرف يُتوسطها مانشيت بعنوان " عبدالرحمن آل متعب ينفِي تعرُضه لمحاولة إغتيال في باريس " رماها في علبة النفايات الصغيرة ذات النقوش العثمانية ، أبتسم بسُخرية وهو الذي يعلم تفاصيل تلك الحادثة . . يعرفُ عن أدق مخططات والده في وقتٍ يشعُر والده بأنَّ إبنه لا يعرفُ شيئًا وأنه " على نياته " ، والدِي يحسبُنِي أنني معزول كليًا عن عمله و أنا الحاضِر بكل زواياه ، سرَح عقله لتلك الأيام.
يرسُمها في أول لوحة لها ، يغمسُ رأس الفُرشاة الناعمة بخيُوطِ اللون العنابِي ليُشبع شفتيْها بها ، وضع سماعةِ هاتفه ليستمِع للطرف الآخر : بيروحون باريس وراح يخطفون بنته هناك !
فارس بهدُوء : أهم شي . . عبير
: وش يعرفني كيف شكلها ! فارس لا تورطني معك
فارس : كيف ماتعرف شكلها ! أكيد أختها الثانية واضح انها أصغر !
: أبوك بدا يشك فينا !
فارس بحدة : آخر طلب !! لو سمحت
تنهَّد الآخر ليُردف : طيب براقبهم وبشوف مين عبير فيهم
فارس : يكون أحسن
بهدُوء : طيب دام عندك صورتها ليه ماترسلها وتريحني
فارس : نعم يا رُوح أمك !!
الآخر بتخوف : خلاص خلاص ياكلمة أرجعي مكانك

يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -