بداية

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -148

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي - غرام

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -148

أخذ هاتفه ليتصِل على الأمن الذي وضعه في باريس، أستمر لدقائق ولم يُجيب أيّ أحدٍ منهم، أغلقه ليتصل على هواتفٍ كثيرة أنتهت بهاتفِ عبير بعد أن ظنّ أن رتيل هي المخطوفة، على بعُدِ مسافاتٍ طويلة كان يهتز الهاتف أمامه، ضحك بشماتة وهو يقرأ الإسم " ضيّ عيني " لا أحد يستحقُ الإسم هذا غير " عبدالرحمن " وها أنت تأتِ بكامل إرادتِك، بعد أن تلاعب بأعصابه وأطال برنينه حتى أجابه بصوتِ مُنتصر : و عبدالرحمن آل متعب بجلالة قدره يكلمنا !
عبدالرحمن يُدرك من صاحب هذا الصوت : تلعب بالنار!
رائِد : وأنا أحب النار
عبدالرحمن : واجهني باللي تبيه بس بناتي خط أحمر!
رائد بتلذذ : يعني على حرمك المصون ترضى؟
عبدالرحمن بغضب : رائِد! محد خسران بهالقضية غيرك! كل الأدلة ضدك
رائد : أثبت لي دليل واحد وأرسلك بنتك جثة محروقة
عبدالرحمن تحمَّر عيناه بغضبه : كلمة وحدة ولا عندي غيرها! تترك عبير حالاً .. وأنت عارف بصلاحياتي وش ممكن أسوي فيك
رائد بهدُوء مستفز : بصراحة ما جربت المساومة إلا مع سلطان العيد وراح الله يرحمه و الحين بجربها معك وممكن بعدها تروح ونترحم عليك! يا خسارة! قايلكم من قبل لا تلعبون معي بس أنتم ناوينها حرب وأنا أكمِّلها لكم ماعندي مانع
عبدالرحمن : أنتبه لألفاظك أنا ماأساومك أنا أأمرك!
رائد : تصدق سبقتني كنت راح أتصل عليك عشان تبلغ الشيخ بموافقتك
عبدالرحمن : موافقتي؟؟؟
بضحكة يستفزُ كل عصبٍ في جسدِ عبدالرحمن : على زواج بنتِك من مشعل ولا نقول من فارس ولدي ! . . قلت أرحمك وأرسلك فارس بإسم ثاني عشان ما تجيك جلطة وتلحق خويِّك سلطان بس شفت! لأنكم لعبتوا معي مضطر وأنا كلي حزن على اللي بسويه . . على العموم في حال رفضت صدقني عبير راح تبقى عند فارس! أنت عاد قرر كيف العلاقة تكون بينهم؟
عبدالرحمن يبلع غصَّة إنكساره في إبنته : تلوي ذراعي في بنتي! لو فيك خير قابلني بقوتي!
رائد : أنا ما فيني خير . . ونقاط ضعفك هي قوة بالنسبة ليْ بالمناسبة
عبدالرحمن : أترك عبير .. أتركها يا رائد مشكلتك معي مو معها!
رائد : وتبيني أترك لك صالح . . أووه قصدي عبدالعزيز ؟ . . . أنا أقول ما ظنتي راح تشوف عبدالعزيز بعد! ممكن تزوره في قبره .. ماراح أكون حقير أبدًا وأضيِّع جثته أبد بحطها لكم قدامكم . . *أردف جملته الأخيرة بسخرية لاذعة*
عبدالرحمن : هي مسألة وقت وراح تنتهي!
رائد : ودِّك تسمع صوت بنتك ؟ ترى قلبي رهيِّف ما اقوى على بكي الحريم!
عبدالرحمن بغضب : أقسم بالحي القيوم لو تلمس شعرة منها لا أقاضيك بنفسي! وأنت عارف وش أقصد والله العظيم لألعب معك بأساليبك الملتوية ومحد بيخسر غيرك! لأن القوانين مع أشكالك ما تنفع
رائد بنبرةٍ مستفزة : لا لا ما ارضى على زوجة ولدي تنهان أفا عليك! . . بس تعرف بنتك الحلوة مع ولدِي وبروحهم! ما تجي صح ؟ وبعدين كنت راح توافق على مشعل! شفت أنك مغفل وبسهولة أقدر أخدعك! . .
يُتبع
في جهةٍ آخرى يقف فارس ويستهلك كل قوَّاه العقلية في إقناع الشيخ ذو الملامح البيضاء بتوكيلٍ مزوَّر : طيب هذا التوكيل؟
الشيخ : لا يا إبني الجواز مش لِعبه! بشوف ولي أمر الفتاة بالاول
فارس : طيب هو في السعودية ما يقدر يجي! وموكِّل زوج بنته الثانية يكون ولي أمرها في عقد النكاح!
الشيخ بشك : ما بقدر! هيك العقد باطل!
فارس : الشروط كلها تامة! الشهود موجودين والفحوصات الطبية قدامك والبنت راضية ووالدها راضي لكن صعب يجي الحين! نواجه ظروف صعبة يا شيخ
الشيخ : طيب بالأول تفرجيني إثبات بموافقة ولي الأمر غير هالتوكيل
فارس يمسح وجهه بعد أن أستعصى عليه إقناع هذا الشيخ، وكأنه يعرف بأنه توكيل مزوَّر لولي الأمر، أخذ نفس عميق : طيب .. تفضَّل هنا على ما أتصل وأشوف . . . . . أبتعد عن الغرفة متجهًا لوالده، دخل عليه ليستمع لكلماتِه الأخيرة: مو قلنا لكم خلكم في شغلكم وخلُّوا غيركم يشوف شغله .. الحين لا تطلب مني شي! بنتِك بعيد التفكير فيها لكن أظنك بتهوجس كثير ولا بتشوف حتى طيفها
فارس وقف أمامه ليُردف بضيق على هذا الحال : يبـه
رائد بضحكة : عن إذنك يا بوسعود بس خلك قريب من الجوال ها! لا أوصيك عشان تشهد على زواج بنتِك . . وأغلقه.
فارس : كنت تكلمه؟
رائد : جاء الوقت اللي أتشمت فيهم! . . وش سويت مع هالشيخ ؟
فارس : رفض! يقول لازم يشوف ولي أمرها
رائد تنهَّد : أقول أكرشه وأجلس ماهو لازم تتزوجها
فارس بدهشة يلفظها غضبًا : كيف يعني؟ أتركها كذا
رائد بإبتسامة : عشان يتعذبون صح
فارس : لآ يبه .. واللي يرحم لي والديك عادِك بتعذبني معهم
رائد بهدُوء : طيب وش أسوي! هذا الشيخ ورفض تبيني أبوس رجله عشان يوافق حضرته يزوّجكم
فارس شتت نظراته لا يعرف ماذا يفعل، كل الأشياء تتعقَّد أمامه، رائِد بخبث : لقيتها لك .. مكالمة فيديو تفي بالغرض!
فارس : كيف يثبت أنه ابوها!
رائد : شغِّل مخك! بيشوف صورته وبيسمع موافقته وبنثبت هالشي ببطاقته .. غصبًا عنه أصلا راح يوريهم بطاقته! وبتطابق أوراق بنته وتم الموضوع
فارس : ومين يوقِّع عنه ؟
رائد : التوكيل! الكلب الثاني جيبه وخله يوقِّع
فارس : طيب يعتبر عقدنا باطل؟ بكرا إذا صار شي . .
رائد يقاطعه : شف عاد الأشياء القانونية أعرفها أكثر منك! عقدك تام تمت الشروط فيه خلاص يكون صحيح وإن حصل شي بعدين تطمن تقدر تجدد عقد الزواج وينتهي موضوعك .. رح شف الكلب وخل أيّ أحد يشهد معكم ماعلى أشوف ولد خالد وش بيسوي!
يتصِل على عبدالرحمن من هاتفِ عبير ليُجيبه بهدُوء، لم يلفظ كلمة : أسمع من الآخر الشيخ يبي موافقتك! ويبي يتأكد من أنك ولي أمرها!
وبسخرية يُكمل : لذلك رحمةً ببنتك وفيك ياليت تقبل مكالمة الفيديو عشان حضرة الشيخ يشوفك ويسمعك وغير كذا ياليت توريه بطاقتِك اللي تثبت إسمك وصورتك ... وإلا . . تخيَّل وش ممكن يصير في بنتك!
عبدالرحمن الصامت ينظرُ للعدَم، ماهذا الخطأ العظيم الذي يجعلني أُذيق حرقته مرتين أول مرة مع رتيل والآن مع عبير، كلاهُما لم يتزوجان بصورةٍ طبيعية، كلاهما شعَرتُ بأن موتًا يقذفني ليُحييني من جديد، في أشدٍّ الأشياء يكسرُون ظهري بها، هذه إبنتِي كيف أرضى؟ كيف تحدث كل هذه الفوضى وأعجز عن فعل شيء! أُريد فقط أن أفهم لِمَ كل هذا يحدث، لن أجِد أسوأ من شعُورك بأنك عاجز! لا تستطيع فعل شيء لأقربِ الناس إليْك، يالله صبِّر عبادِك.
رائِد : أفهم من كلامك رفضك؟ يعني عبير بحّ !
عبدالرحمن بإنهزام فظيع يُقطِّع أوردته : أنتظرك
رائد أتسعت إبتسامته : واللي يبيه رائد بالنهاية هو اللي يصير! ليتكم تفهمون هالقاعدة زين . . . أغلقه ليتصل عليه بمُكالمة فيديو . . وقف متجهًا للصالة الأخرى نحو الشيخ : تفضَل تقدر تكلم ولي أمرها وتتأكد بنفسك . . .
أبتعد فارس حتى لا يظهر بجانب الشيخ، لن يتجرأ أن ينظر إليْه أبدًا.
دخل عبدالعزيز بعد أن فكّ قيدِه حتى لا يُثير الريبة في نفسِ الشيخ، بصورةٍ سريعة تسيرُ الدقائِق، بصورةٍ سريعة يتمُ نحر الحياة في قلب عبدالرحمن، بصورةٍ سريعة يسقطُ قلبه وشرايينه التي تنبضُ له، بصورةٍ سريعة يفقد الحياة مع إبنتيه، كُنت أخاف عليهما من ظلهما، كُنت أحزن عليهما من نسمةِ هواء تُضايق جدائِلهما، ولم أستطع أن أحميهما بصورةٍ كافية، أهُناك أشدُ وجعًا من كل هذا ؟ يا ضياعي وشتاتُ الأشياء منِّي، يارب إني أحسنُ ظني بك وإن هذا لحكمة منك ولكن أسألك بكل إسمٍ سميتُ به نفسك أن لا تجعلني أشهدُ يومًا ضياعهمَا مني.
أنحنى فارس ليوقِّع بعد إطالة الشيخ بأسئلته حتى يتأكد وتبقت خانة – الزوجة -.
وقف متجهًا إليْها، فتح الباب ليراها جالِسة وتضع ذقنها على ركبتيْها، رفعت عينيْها إليْه لتزحف حتى لاصق الجدار ظهرها.
بهدُوء : تعالي عشان يسمع الشيخ موافقتك!
عبير : ماني موافقة
فارس : لازم توافقين! لأن أبوك أتصل وبلغ الشيخ موافقته بعد
عبير وهي تتعبَّر : كذاب! أبوي مستحيل يوافق
فارس : والله . . ممكن تجين؟
عبير بحدة : قلت لا . . لو تذبحني ما وافقت
فارس يتأمل شحُوب ملامحها ليلفظ : بكيفك! بس تحملي وش بيصير بعدها
عبير بضيق تسقطُ دمعتها الفاتنة لقلبِ من يقف أمامها : مو قلت ماراح تضرّني؟
فارس : وعشان ما أضرِّك أنا جيتك الحين . . لو هالشي يضرك أبوك ما وافق
تهز رأسها بالرفض، بعدم الإقتناع أن والدها يتساهل بالزواج بهذه الصورة، يقترب منها : ممكن توقفين وتجين معاي؟
عبير بغضب ودموعها تسبقها على ملامحها : ما تقدرون تزوجوني بالغصب! هنا فيه قانون .. مو على كيفكم
فارس بهدُوء : مافيه شي بالغصب إذا تبيني أشيل إيدي منك وأخلي أبوي يتصرف زي مايبي بكيفك! عاد الله أعلم مين يخلي عندِك .. أنتِ حرَّة ماراح تشوفين وجهي ومثل ماتبين بيصير . . . . أعطاها ظهره متجهًا للباب وبنبرةٍ باكية أرتجفت بها الحروف : لحظة!
وقف دُون أن يلتفت عليها لتقترب بخطواتِها نحوه، نظر إليْها لعينيها المتلألأتين، يا فتنة الصِبَا رفقًا بأعصابي، رفقًا برجلٍ أصطبر عليكِ حلمًا ولم يتوقع أن يُقابلك وجهًا لوجه، " تعالي أحبك قبل الرحيل فما عاد في العمر إلا القليل أتينا الحياة بحلمٍ بريءٍ فعربد فينا زمانٌ بخيل " تعالِي قبل أن ينفكّ قيدُ الظروف وتذهبين، إن كنت ضائِعًا لا أدلُّ الطريق تعالي لأعيشُ بكِ الحلم، إني راضيًا بكُلِ الحياة التي تسكنني أن أعيشك حلمْ وأصبرُ على حقيقتِك ليومٍ لا أعرفه ولكن سأنتظره.
تقف خلف الباب ليسألها الشيخ، ثوانِي طويلة حتى لفظت بثباتٍ يعني فقدان الحياة، أن تستقبل الموت بتبلد : موافقة.
يعطي فارس الأوراق حتى توقِّع، أتجه إليْها، أخذت القلم وبرجفةِ أصابعها وقعَّت، نظرت لِمَا حولها من الصعب أن تهرب، لا مجال للهربِ أساسًا.
،
يجلس سكرتيره أمامه وهو يُلقي عليه الأخبار الجديدة : وبس هذا !
سلطان يمسح وجهه بتعب : مين اللي وثَّق أوراق رائد ؟
: والله ما عندي علم يا بوبدر .. أظن بوسعود قايل لمتعب يسويهم!
سلطان : لآ مو متعب! أبغى أعرف مين اللي تصرف بقضية رائد؟ أبي كل شخص قرأ قضيته سواءً شخص من قريب ولا من بعيد
: مافيه غيركم! الملفات ما تطلع لأحد
سلطان : طيب مقرن في الفترة الأخيرة كيف كانت تصرفاته بالشغل ؟ تذكر شي سوَّاه وأستغربت منه
: تعرف يا بو بدر أحمد ومتعب هم اللي قريبين منه أما أنا ملتزم بمكتبي ماأطلع ولا أتكلم معاه كثير
سلطان تنهد : طيب مستحيل ما مرّ عليك! تذكر حتى لو شي بسيط
بصمتٍ يطُول حتى يردف : قبل لا يروح بوسعود باريس طلب مني كشوفات لإتصالات رائد اللي قدرنا نحصل عليها
سلطان : أيه؟
بدهشة يلفظ : لا لا صح! هذي كيف ضاعت مني أذكر يوم عطاني أسماء عشان أراقبها
سلطان : مين؟
: أسامة و عمر و حسين و إسم ثاني ناسيه .. كلهم كانوا يرتبطون مع رائد
سلطان أسند رأسه لينظر إلى السقف : وش تبيني أسوي فيك؟
بحرج : ما توقعت والله!
سلطان : أبي مقرن هاليومين! يجي الرياض .. حاول تشوف أي طريقة عشان يرجع بدون لا تشككه بشي .. أتفقنا ؟
: أبشر
سلطان : تقدر تروح
: مع السلامة وما تشوف شر مرة ثانية . .
سلطان : الشر ما يجيك . . نظر للنافِذة التي لا تطل على شيء يستحق التأمل، غرق بتفكيره وهو يعزم على أن يُذيق رائِد شر هزيمة، طرأت على عقله المشوش – الجوهرة - ، تُجادل عقله في الوقت الذي يُريد أن يفكر به بالعمل فقط.
يعُود عقله لتفاصيل وقتٍ مضى، للحظةٍ رحلت ولن تعود!
في ساعاتِ الليل المتأخرة، وقمرُ الرياض يتزنُ في عرضِ السماء الداكنة، دخل وهو مضطرب المزاج لا يريد أن يحرك فكيّه بكلمةٍ واحدة، نزع حذاءه الأسود الثقيل ورمى نفسه على السرير بملابسِه العسكريَة دُون أن يخلعها من شدةِ التعب، سمع صوتُ فتح الباب ومن إرهاقه لم يلتفت.
تقدمت بخطواتها إليْه وهي تحسبه نائِمًا، اقتربت حتى تفتح أزارير قميصه الأولى لكي لا تٌضايقه، بمُجرد ما لامست أصابعها رقبته حتى فتح عينيْه.
الجوهرة بربكة : كنت أحسبك نايم . .
ينظر إليها بصمت ويشعرُ بأن الكلمة الآن لها وزنها على لسانه لذا يصرف نظره عن الحديث.
الجوهرة : طيب نام على ظهرك! هذي نومة أهل النار نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن نومة البطن
سلطان : أنا مانمت!
الجوهرة أخذت نفس عميق : طيب ... ووقفت
سلطان : وين رايحة ؟
الجوهرة : بنزل تحت
سلطان بهدُوء هامس : تعالي
وقفت دُون أن تتقدم خطوة ليُعيد حديثه : تعااااالي
وإرهاقه يجعله يتراجع عن مواقفه السابقة بصورةٍ مؤقتة، وضع رأسه في حجرها : دلكي راسي
تجمدَّت خلاياها بمُجرد ما شعرت برأسه وهو في حضنها، وضعت يدها على رأسه وهي تخلخل شعره القصير، بسخريته : قلت دلكي راسي مو ألعبي بشعري
سارت الحُمرة في جسدها بأكمله لترتجف أصابعها وهي تُدلك فروة رأسه.
أستيقظ من غيبوبة الجوهرة على سؤال الدكتور أمامه : شلونك يا سلطان اليوم ؟
،
جلس وهو يعصرُ رأسه بكلا كفيّه، وصل أعلاه، وصل لحدٍ لا يستطيع أن يقاوم كل هذه الضغوط، للتو وافق على زواج إبنته، للتو إبنته تزوجت! لا يستطيع أن يستوعب كل هذا، لا يملك القدرة على الإستيعاب أبدًا، في حين كان جالس عبدالله بمحاولةِ مواساة لم يلفظ كلمة أمامه، الصمت هو أعلى رُتب المواساة، لستُ أقل دهشةً منه ولكن صعب عليّ أن أرى عبدالرحمن بهذه الحالة التي لم أراها به منذُ سنوات طويلة : تعوّذ من الشيطان
عبدالرحمن يقف وهو لا يعرف أين يذهب، وصل لقمة غضبه، أوقفته الطاولة الزجاجية التي أمامه ولم يتردد بأن يتعارك مع " جماد " وهو يرفسها حتى تسقط ويتناثرُ زجاجها، قاسي حزن الرجال! قاسي قهرهم.
بغضبٍ يلفظ : كسرني يا عبدالله في أغلى شي عندي . .
عبدالله بهدُوء : إن شاء الله مو صاير لها شي
يلتفت عليه لينفجر بصراخه : معاه كيف مو صاير لها شي! هذا إذا ما جننها! . . يارب .. يارب بس
مسك جبينه وهو يشعرُ بـ دنوِ الموت منه، بأن روحه تصِل لحنجرته حتى تسقط مرةً أخرى في قلبه : بيذبحون لي بنتي! .. بيذبحونها يا عبدالله أعرفه وأعرف أساليبه ..
عبدالله : دامها زوَّجها ولده أكيد ماراح يسوي فيها شي . . خلنا نفكر بحَل بدل هالعصبية .. وعبدالعزيز معاها
عبدالرحمن صمت قليلاً ليستوعب : ورتيل وضي ؟ . . وينهم!
بخطواتٍ سريعة أتجه نحو هاتفه ليتصِل على هاتف رتيل و " مغلق " هذه الإجابة التي تُضيِّق عليه دائِمًا، ضغط على رقم ضي ولا طاقة له بأن يتحمل أخبارًا أسوأ.
أهتز الهاتف أمامها ورأسُ ضيء في حضنها يغفُو، سحبتها قليلاً لتضع الوسادة أسفلها، نظرت للرقم لتُجيب بسرعة : ألو .. يبه
عبدالرحمن : هلا يبه . . . وينكم فيه ؟
رتيل برجفة الكلمات التي تخرج من بين شفتيها : مدري طلعنا من باريس بس بالضبط ماأعرف
عبدالرحمن : وداكم عبدالعزيز؟
رتيل : إيه تركنا هنا وراح
عبدالرحمن : ضي وينها ؟
رتيل : نايمة
عبدالرحمن الذي أستغرب نومها في هذه الساعة، لفظ بخوف : فيها شي ؟
رتيل : لآ بس يمكن تعبت من اللي صار ... يبه وش بيصير علينا . . أردفت جملتها الأخيرة برجفةِ أسنانها.
عبدالرحمن : بجيكم إن شاء الله بأقرب وقت، الحين بخليهم يرسلون لكم حرَس وتطمنوا .. طيب يا قلبي . . . . كان يُهدئها بكلماتِه في وقت لم يستطع أن يُطمئن قلبه.
رتيل وتختنق بغصتها : وعبير ؟
عبدالرحمن : وعبير بخير .. مو صاير لها شي بإذن الله
رتيل : لآ تخبي علي شي
عبدالرحمن : يبه رتيل تطمني إذا مو بكرا إن شاء الله اللي بعده أنا عندكم . .
رتيل لم تتمالك نفسها أكثر لتبكِي ومن بين دموعها : يبه كيف أصبر لبكرا ولا اللي بعده! والله خايفة لو صار شي مقدر أتصل على أحد .. عبدالعزيز مو هنا ولا عمي مقرن موجود
عبدالرحمن ويشعرُ بأن هذا فوق طاقته، بكاء إبنته الأخرى يعني موتٌ فعلي لخلاياه : رتيل حبيبتي قلت الحين برسلكم حرَس وبحدد مكانكم بعد . . ريحي نفسك
رتيل بنبرةٍ باكية : يبه المكان يخوِّف . . تكفى خل أحد نعرفه يجينا ..
عبدالرحمن بضيق : يا يبه قلت لك بيجونكم حرس تطمني .. أنا الحين بشوف لي أيّ حجز عشان أجيكم اليوم قبل بكرا بعد!
رتيل : طيب
عبدالرحمن : أنتبهي لنفسك و أنا كل شوي بتصِل عليكم عشان أتطمن .. أتفقنا ؟
رتيل : طيب لأن جوال ضي ما بقى فيه رصيد كثير يمكن مانقدر نتصل إحنا .. تكفى يبه أتصل بعد شوي
عبدالرحمن : إن شاء الله يا عمري ... مع السلامة ...
عبدالله : عبدالعزيز تاركهم وين ؟
عبدالرحمن : شكله مسكنهم في بيت برا باريس! الحمدلله تطمنت عليهم واثق متأكد أنه عبدالعزيز مستحيل يسوي شي بدون لا يتأكد. . . بخليهم يرسلون حرس لهم ويشوفون الرقم وش إحداثياته
عبدالله : كويّس على الأقل نضمن سلامتهم ونفكر برائِد ومصايبه اللي ماتنتهي.
،
يخترق عتمة الغرفة بدخُوله، لم يراها منذُ أمس، نظر لجسدِها الملقى على السرير ويبدُو أنها تغرقُ بنومها، أنتبه لزجاجاتِ العطر المرمية على الأرض، كالعادة تُفجِّر غضبها برميْ الأشياء، دائِمًا ما كُنتِ عنفوانية يا غادة حتى بحُبكِ ليْ، أُريد أن أعرف شيئًا واحدًا كيف تنكرين هذا الحُب؟ الحُب الذي يعني قلبك، جسدك، عقلك ، حواسك، حياتُك وأكسجينك؟ كيف تصبرين على هذا الإختناق بتوحدك مع نفسك دُوني؟ وضع قدمِه خلف قدمه لأخرى لينزع حذاءه بها، ويعاودُ حركته مع القدمِ الأخرى، وضع معطفه على الكرسي ليسحب الفراش برفق، ويدسُّ جسده خلفها، أحاط بطنها بذراعه ورأسه يغرقُ بشعرِها الطويل . . . .
،
أخذت نفس عميق منذُ أن وصلت لبيته وهي لم تنطق كلمة واحِدة، تكاد تنفجر من صمتها وهدُوء الأجواء حولها، وقفت وهي تتشابك مع يدِها، تحاول أن تجهِّز كلماتها في عقلها وتسترجع عباراتها، يجب أن أتفاهم معه أن يعرف كيف يضع حدُوده معي، ويفهم أنني عُدت لأعطيه فرصةً ثانية وليس لأعطي نفسي فرصة، أنا لم أخطىء وهذا ما يجب أن يفهمه السيد ريَّان.
خرج من الحمام و المنشفة السوداء تُغطي جزءه السفلي وتُعرِّي صدره، بلعت ريقها لتضيع كل الكلمات التي جهزتها لتُلقيها بوجهه بعد أن شعرت بأنه لا نية له للحديث والنقاش . . .
،
في ضوضاءِ الخُضرةِ المزهرة تتذبذب الأصوات يمينًا ويسارًا، سمعت صوتُ السيارة خارجًا ولا بيت بجانبهم حتى تُخمن أنه لاحدٍ آخر، بلعت ريقها بخوف لتهمس : مو قادرة أتصل! مافيه شبكة!!
ضي وتشعرُ بحاجتها للتقيؤ حالاً : كبدي تقلب!
رتيل بتوسل : تكفين بس هالدقيقة!!!
،
سمعت صوتِه وهو يقترب من الباب، وعقلها يخيطُ حيلةً للهروب، أستلقت على الأريكة وهي تمثِّل النوم مغمضة العينيْن . . .
.
.
أنتهى نلتقي بإذن الكريم يوم الجمعة.
إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()
لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.
و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.
أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة
*بحفظ الرحمن.
الجزء ( 65 )
المدخل لـ فاروق جويدة .
لو كنت أعلم أنني
سأذوب شوقا في الألم
لو كنت أعلم أنني
سأصير شيئا من عدم
لبقيت وحدي
أنشد الأشعار في دنيا.. بعيدة
و جعلت بيتك واحة
أرتاح فيها.. كل عام
و أتيت بيتك زائرا
كالناس يكفيني السلام..
ويدسُّ جسده خلفها، أحاط بطنها بذراعه وملامحه تغرق بخصلاتِ شعرها الطويلة، يا ليلي أنتِ! إني لوجه الله أترك الحياة أمامِك، لأجلِ الحُب أتركها ولكن! عيناكِ ما سرُّها؟ ما سرُّ النكران وأنا محجرُها يا غادة. تعالي، أقبلي كحشدٍ مستبِّد إني أرضى بإستبدادي، أقبلِي كحكومةٍ ترأسني إني أرضى بظُلمي، تعالي لأقُول لكِ فقط أني أحبك، تعالي كـ غادة، كروح غادة، كعيْنِ غادة، تعالي حتى أعيش، حتى أتنفس بصورةٍ طبيعية، أنا والله من بعدكِ لم أرى شيئًا يستحقُ العيش وكيف أرى بعد أن كُنت أرى الغديرُ من ضحكتكِ ينساب؟ والجنَّة بين هدبيْكِ تُرى؟ كيف أرى بهذا العالم شيءٌ يستحق التأمل وأنتِ كُنتِ حبيبتي؟ كُنتِ يا غادة والآن؟ هل تكفي المساحة؟ هل تكفي لأقول " آآآه " هل ستشعرِين ببحَّة قلبي ؟ قاسية جدًا قاسية على رجل يراكِ من هذا الكونُ كونًا آخر، قاسية على رجلٍ يُقدّم لكِ قلبهُ قربانًا ؟ أستجيبي .. من أجل الله أستجيبي ليْ لمرَّة، قولي أنكِ أشتقتِ! لا تتركيني أمُوت ولم أسمعها منك! لا تتركيني أغرق وصوتُك طوق نجاتي. لا تتركيني يا غادة وأنا عطشان، تعالي و أرويني بماءِك، - يستنشق عنقها ليشدَّها نحوه أكثر بوجعٍ أكثر – هذا الجسد كيف ينساني؟ وأنا الموشومُ بك من مفرقِ رأسي إلى أقدامي! هذا الجلد الذي يحبسُ كلماتنا وضحكاتنا كيف تفكرينه بهذه الخشونة! كيف تمحين – قلبي – بسهولة. أنا حزين! حزين جدًا وأشعرُ بالوحشة رُغم أن جسدك يُدثرّني.
تحركت وهي تتضايق من حصاره، فتحت عينيْها لتنظر إليْه بجمُود بعد أن نامت و بكائِها يتلحفها، حاولت أن تسحب ذراعها ولكن لا حيلة للهروب ويديْه تُثبتها من كل جهة، بهمس مبحوح : ممكن تبعد!
لا يُجيبها ليغمض عينيْه ورأسه يضعه على كتفها، وبمثل همسها أوجعها : إذا كان بُعدك واقع أتركيني على الأقل أحلم.
غادة صمتت لثواني وكلماته تصبُّ في قلبها كندباتٍ مالحة : لا توجعني أكثر .. أتركني لو سمحت.
ناصر بلهيبِ أنفاسه يشدُّ عليها حتى كادت تدخل به : لا تقولين لو سمحت
وتشعرُ بالألم من قبضته على جسدها : ناصر أتركني أوجعتني
ناصر بهذيانِ حُمى الحب : 5 سنين كيف تنسينها ؟ أنتِ اللي أوجعتيني .. شوفي وش سويتي فيني! مريض فيك وتعبان منك ..... ليتني ماعرفتك . . ليتني صدقت موتك وبقيت عليه، أحزن عليك ولا أضيق منك!
نزلت دمعتها بنهايةِ كلمته الأخيرة، وإن نسيتُ من أنت ولكن هذه الكلمة تُهين قلبي الذي لا يشعر بك، تُهينه لأنه متخم بالكبرياء الذي لا يروق له بأن أحدًا يندمُ على معرفته به.
يُكمل بصوتٍ ينامُ به الحزن : كنتِ تقولين الحب ما يموت! كلهم يشهدون عليك! هالجدران هذي تشهد عليك! ليه مات في صدرك حُبي؟ ليه ذبحتيني وأنا المتشفق عليك! . . . . مين المخطي؟ انا ولا أنتِ! . . قلبك هذا من أيش؟ قلبك هذا أناآآ . . وين ضيعتيني ؟ وين تركتيني ؟ . . .
وبهمسٍ يمُوت تدريجيًا : رديني . . ردِّي لقلبي حياته
تتحسسُ الحمرّة التي تنسابُ من صوته، يندفعُ قلبه بإتجاهِ صدرها الرقيق، أستسلمت من قوَّاه بين ذراعيْه، لم تستطع أن تقاوم وأفلتت كل وسيلة للمقاومة بعد كلماته، كيف تكون لهذه الكلمات حوافٍ حادة تقتلني بهذه الصورة؟ يالله يا ناصر! لو أنني فقط أسترجعُ نفسي حتى أعرفُ كيف أسترجعك.
همست بين ظلامِ الغرفَة والهواء العابر دُون أن يغطيهما شيء، كانت أجسادِهم الباردة تُدثِّر نفسها بنفسها والفراش يُغطي أقدامهما فقط. : عطني وقت! بس وقت عشان أصلح نفسي.
ناصر وهو مغمض عينيْه : عطيني عُمر! وأوعدك بالوقت.
شدَّت على شفتيْها حتى لا يخرج أنينها، لم تستطع أن تتمالك نفسها أمام كلماته المندفعة بعاطفته، هذه العاطفة الرجولية تكسرها بعنف، بضراوة لم تتوقعها. ببحَّةِ البكاء وعيناها تغرق بالدمع وهي لا تستطيع أن تلتفت إليْه ما دام ظهرها يلاصق بطنه وهو يستلقي على جانبه الأيمن : تكفى ....
ناصِر : تبين تبعدين؟ تبين تصلِحِين نفسك بعيد عنِّي! يا قساوتك

يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -