رواية عندما نستلذ الالم -5
..- كأنه توقع جيّتك .. أنا بجلس هنا جنّبك والرجال إلي بمنّره الحيين بيجلس هناك المكان ضّيقأعتدلت في جلوسها وهي تبتعد لتسمح لأخيها بالجلوس
ثم ألتفتت نحو الممرضة بجوارها
صافحتها وعلى وجهها
ثم تأملت من خلال الفتحة
من زاويتها حيث بإمكانها النظَر بوضوح له حيث ملامحه الجامدة
فأرسلت لتلك الملامح
ابتسامة ود عميقة
لا تدري
إلى أيـن قد تقودها ..!
بلا حب ... بلا وجع قلب
وش جانا من ورا هالحب
غير الألم .. غير التعب
وش جانا
...- حاتم يالزفت .. قفّل يلي إنت فاتحـه بسرعة ..
ليتبعها صوت أخر
...- لا وترا بقّول لأبوي إنك أخذت من فلوس شروق وأشتريت لنفسك عشا
استدار نحوهن حيث كان في مقّدمتهن وهو ينظر
لأجسادهم السوداء الغارقة في الظلمة
..- لييش مقهوريــن .. أصلاً حتى لو قلتوا له موب زعلان عليّ .. يعني تبغوني أموت جوع مثلاً
صرخت إحدى أخواته بإنفعال
..- لا بـآالله حلال عليك وحرام علينَــآ ..
فتابع طريقه نحو الأعلى
..- أنــآ غــير أناولد.. وأنتــم بنــآت يعني تأكلون في بيتكم ..
نظَر إليهم وكُل منهن ترفع طرف عباءتها لتبرز " سيقانهن " النحيلة وهن يتسلّق الدرج المنحوت على سطح الجبَل ويقفّزن من وآحدة إلى أخرى
أملاً في أن يكون وصَولهم بأقل تعب وجهد مبذوليـــن
و لأنه ولد كما يقول كان أول من وصَل
فطرق الباب لدقائق حتى فتح
لتسطـَع حزمة من الضوء الأصفر القوي على عتبات درجهم المنخفضَة
وصوت أختهم الكُبرى
..- وعليـــكم السلام .. إنت ما تعرف تسّلم ..
مّرت دقائق حتى وصَلت أول " البنات " أمام الباب
لكَن صوت باب المنزل المقابل وهويفتَح
جعلها تلتفت نحوه بقوة وهي تقول
..- أهلاًآآآآآآآآ وسهلاآآآآآ .. كيف حالك يا أم عبدووو .. ؟
لتومئ تلك العجوز المختبئ نصفها خلف باب منزلها
..- بخير إنتو كيف حالكم ؟
أجتمع الفتيات الأخريات أمام منزلها وهن يصافحنها باحترام
ثم تسأل الكبيرة بينهن
..- سلامات والله ما تشوفي شر .. يالله بكرة إن شالله تروحين معانا .. عشان نبيع طّيب
هزت رأسها ببطء وهي تبتسم لهم بودْ عميييق
ثم أبتعدن إلى داخل
دلفن إلى منتصَف المنزل مباشرة حيث ألقت كُل منهم حمولتها
ودخلن إلى حجراتهن تبعتهن أختهم الكُبرى إلى حيث هُن
..- ها .. بشّروا ..
...- والله يـآ نـــورة ماغير رزق من الله ساق لنا ذيك الحُرمة يلي بغت تشتري بقشَة شرووووق كُلهاااا ..
ابتسمت نورة بسعادة حقيقية وهي تقترب من شروق
وتحضنها بقّوة
...- شااااااااطرة شروّقًة .. ماصار لها من نزلت معاكم أسبوعيــن وباعت أكثر منكم .. .
عقَدت إحدى هُن حاجبيها وهي تكرر جملَة " نورة "
..- وبااعت أكثر منكم .. ياختي الناس ماصارت تشتري إلا من إلي يحزّنهم .. وأختك كاشفة عن وجهها .. موب مثلنا ينفجعون لا شافونا
ضَحكت شروق بقّوة
..- كيك كيك و أنقهرت بتوووووووول .. وأنقهرت بتّوووول ..
ألتفتت نورة للأخريات ومازال وجهها يحمَل ذات الابتسامة
..- وأنتم وش صار معكم ..؟
حّركت إحداهنّ كتفيها بلا مُبالاة
..- زهرة باعت أكثر منّي ..بس أناا يعني جبت شّيء مو ولا شيء
ابتسمت أكثر وهي ترتبت على كتفها مُجيبة
..- خيــر إن شاء الله .. خير .. الحين قومَوا مثل الشاطرين وجّهزوا معاي الغدا وسلَمن على أمي قبل ما تخرج ..
وخرجت لتجد والدها يدلف للداخل
نزع شماغه المبتّل من شَدة الحّر وأعطاه لها حينما اقتربت
لتقّبل رأسه وهي تقول
..- الله يعطيك العافية والأجر .. ومايضيع لك تعبْ
لم يجيبها وتوجه للداخل
شّدت قبضَتها على ما اُعطيّ إليها من دقائق
ثم دخَلت للمطَبخ ألقته في سلّة صغيرة مخصص للغسيل " السريع
ثم أقحمَت يديها تحت صّنبور المياه التي سُكبتْ باردة
بعكْس كُل تلك الحرارة المُضرمَة في صَدرها
تكَره منظرها أقل منهم .. تشعَر أحياناً حين رؤيتهم برغبة عارمة في قتل كُل من يقف في طريق مواصَلة صعودهم
شعور مستبّد بالدونيّة مزّقها أرباً أرباً
حتى قبل أن يعرفوا بشأنها
عاشوا فقراً مُراً ولم يشكوا أحدُ منهم ألمه
لكَن ألم السُمعَة
ألم تلك المصيبة كـآن أكبر أكبر بكثييير من ظّنهم
ربما هي شهور فقط وتعود إليهم
ولكَن أي جحيم ينتظَرهم حينئذ
*
أفاقها بقّوة يد صغيرة تضَرب بطَنها بكُل قوتها
جلسَت وهي تنظَر لصغيرتها بإعياء شديد
وشيء من الظلام يحيط عينيها من جديد
أغلقَت حينها بقّوة تعيد التوازن لرأسها
وصوت معاذ يخترق طبلة أذنها بقوة
..- مااااااامااااا .. جنى من أول تبكي
مدّت ذراعها وهي تقّرب سرير أبنتها
ثم تّوسّعت عيناها بقّوة حين رأتها بين يدي
معاذ الذي كان يحملها بشكَل مائل بكلتا يدي بالإضافة لإحدى ركبتيه
حمَلتها منه بسرعة
..- يــآ حمار من قالك تشيلها ..
حّرك رأسه ببراءة وهي يحّك إحدى أذنيه
..- بس شفتها تبكي .. وإنتي نايمة .. بس كٌنت بنووومهااا
حملتها وأخذت تحّركها بهدوء بين ذراعيها
وهي تحّرك رقبتها بألم إثر وضعية نومها السيئة
ثم تذكرت فجأة ماهو عليه الوضَع الآن
فنهضَت سريعاً
وهي
تعدّل شعرها
..- معااذ أنا نمت كثييير ..
ليأتيها جوابه
..- لا موكثيير .. يعني شّوي كثيير
خرجَت من الغرفة وهي تهبطْ درجات السلم سريعاً
تركت ضيوفها ثم صَعد من أجلها فنامت من شدة أعيائها
استغربت أن أختها لم تفتقدها حتى
أو تصعَد لتلحق بها كما كانت تظَن
لكَن ما إن اقتربت من باب المجلس حتى وصَل لها صوت أمها يقول بقّوة
..- بنتنـــآ يــآ أم وافي موب عايفيناها وإلي سواه ولدك على عينا وراسنا
لكَن إذا بنتنا ضعيفة .. وما تقدر تدافع عن نفسها .. فترا لها أهل وعزوة يدافعوون عنها..وما كان ولا صار إلي يدوس لها على طرف ولا يهيناها ويذّلها
فكان الجواب بصوت أقل إرتفاعاً جعلها تقترب من الباب أكثر وضربات
قلبها ترتفع بوتيرة سريعة
..- صحيح يا أم وافي .. حنّا والشاهد الله زعّلنا إلي سواه وافي .. ودعااء مرة سنعة ماتستاهل جارة .. ولكِ إلي تبينه .. وأبد هالشيء موب مخلينا نقاطعكم ولا نزاعلكم
..- أصيلة يـآ أم وافي أصيلة .. والعتب على عيال هالزمن إلي يحسبون بنات الناس لعبة بيدينهم .. وإن كان موب عشانها إلا عشان بزرانه إلي عندها .. لكَن بأخذها هي وعيالها ومال أحد دخَل فيها
..- إيه إيه .. لك ِ إلي تبينه موب قاهرين الأم في عيالها أكثر كفاية إلي سواه بكري فيها
وأعيدها لك يا أم سلطان إننا موب معاه ولا حنّا إلي حّرضناه .. ويشَهد الله إني زعلانه منّه وموب راضية على سواته أبد أبد
فضَح وجودها بكاء جنى من جديد
فكان ذلك البكاء هو مسلسل النهاية
لذلك الحوار الناري المُبّرد
فابتعدت عن باب المجلس
نحو المطَبخ صَنعت لها حليبها بهدوء
شيء من القهر أجتاحها
تتملكها رغبة عارمة في البكاء والصراخ
لا تدري لم لا يدعوها وشأنها
إن كانت تشعر بالقهر فلـ يتركوها تداري نكبتها وحدها
شعرت بشخص ما يقف معها ألتفتت وهي ترسم إبتسامة حقيقية
لم تكن تريد أن تطيل مكوثها على شفتيها
لأنها ستبكي حتماً ولا ريب
اقتربت أختها منها واحتضنتها رغم تلك الصغيرة بينهم
إلا أنها راحت تبكي بصَمت وهي تبتعد عنها
وتتطعم أبنتها حليبها
التي تلقّفته بلهفَة
كلهفة الألم الذي تلقّف قلبها
حين همست أختها في رغبة لمواساتها
..- ربك كريم .. أمممم أنا طالعة أرتب لبراء ومعاذ ملابسهم
يتبع
*
..- أففففففف مابغيت .. أطلعي يا مرجانة ترا راحت
كانت تتحدث بهمس فعدلت الفتاتان لتخرج فتاة من تحت السرير
وهي تزفر بقّوة
..- ول صايرة الحراسة مشددة هالأيام ..!
ابتسمت لها صبا وهي تضَرب كتفها
..- بس جد أشتقنا لك ..
بادلتها " نور " الابتسامة أيضاً
..- تدرين ليش فّرقونا ..؟
عقدت حاجبيها وابتسامتها مازالت معلقة هناك
..- ليييش ؟
..- عشاانـا العنبر المشاغب خخخخخخخخخخ
..- ههههههههه مالت عليك .. وين قالو لك مدرسَة هي
..- لا ياخبلة إنتي وهي عشاان موب نفس الترتيب الأبجدي حرف الميم في البداية
..- يرحم أم الحروف الهجائية إلي عندك
..- لا بس عجبتيني ذاك اليوم .. يوم الصنادل ..
..- وأنا بنت أبووي .. قدّهااا
..- لا ومن وين لك واحد .. أذكر زنّوبة أخذت حقك ذاك اليوم خخخخ
..- موب حقي .. سحبته من رجل فتو خخخخخخ
ابتسمت صبا بفرح وهي تقول
..- بس موب حرام عليك المَرة هي وش ذنبها ؟ أكيد إنك عّورتيها
نظرت إليها " مرجانة " باستنكار
فتدّخلت " نوير" سريعاً
..- إيه صَح .. ما دريتي .. صارت مُشرفة صبا النفسيّة
قاطعتها
..- نوير
..- أدري أدري .. بس جد واضح إنك حبيتيها وتأثرتي فيها
رفعت " مرجانة " ذراعيها لإسكاتهم
..- ويت ويت ويت .. مشرفة إجتماعية .. كم باقي لك ..؟
مطّ صبا شفتيها وهي تنطق بحزن
..- حول الأسبوع
ابتسمت مرجانة بسعادة ثم قفزت نحوها تحتضَنها وهي تهّزها بفرح
..- والله وبتخرجـيـن يـآ صباااا الدبّة .. بتوحشنا خشّتك المليحَة
فأردفت نور
..- إيه والله بنفقدك حييل ..
ابتسمت وهي تتأمل تعابير السعادة في وجوههن
وهي تود أن تبكي دماً لذلك
لم يكُن ظلام السجون ولا ألم سراديبها
ولا مقاصَل الجلد أفضَل حالاً
من خروجها
حيث التعذيب الأبدي
لروحها
*
في جزء هادئ من مدينة جدة وأمام عمارة
مازالت مجّرد هيكل وقف
ساعات الفجَر الأولى تسير بثقَل محملة بعبء دقائق يوم جديد
أخترق سكون صوته الهادئ
..- خلاصْ أنا جاهز ع الساعة أثنين أقابلك عندها..
أغلق الهاتف ثم أستقّل سيارته
عقَد حاجبيه وأدار جهاز الراديو في السيارة
ليصَدح صوت القارئ أحمد العجمي
مُرتلاً خواتيم سورة البقَرة بصَوت
غشّى فؤاده بالخشوع
واصَل القيادة نحو منزَله مغلقاً بذلك يوم طويل مُنهك
لكَن صوت هاتفه ذي النغمة المميزة صرخ من جديد
ألقى عليه نظرة وأكمَل طريقه بلا مُبالاة
يشَعر بلذَة حين بدأ بفعل ذلك
لكَن شيء من الضَعف يكتنف جزء من مشاعره
دقائق أعقبت ذلك الأتصال
ليتلوه أخرى ثم أخر ثم أخر
يعلم يقيناً أنها لن تمّل
حتى أوقف سيارته وتناول مجموعة من الأوراق ثم ألتقط هاتفه
ليعاود الأهتزاز من جديد
عقدْ حاجبيه بإستغرب وهو يجيب
..- بندر .. وش فيه ..!
ليجيبه الطرف الأخر بعمق وحزم
..- ما فيه شيء .. بس إنت وينك ؟
.. - قدام بيتنا ..!
..- أجل حّرك أنا فبيت أمي
ركب سيارته بسرعة مجدداً
وكل فكرة سيئة مرت من أمام خيلته
لم تمّر سوى عشر دقائق
أوقف بعدها السيارة أمام سور المنزل
ولم ينتظر فتح الباب لأدخلها
دلف وهو يتنحن بصوت مرتفع
ليأتي صوت بندر
..- أدخل يا صقر محد هنا
دلف للمجلس الكبير وعيناه تبحث عن أثر لأي مصيبة
دعاه لأجلها بندر , لكَن منظرهما
جعل تلك الكُتلة المرهقة في صدره تنقبض
فقد جلست في الصدارة " خالته "
تمسك بعصاه وتسند على مقدمتها ذقنها وعلى وجهها تعابير
هي خليط ما بين الحزم والضيق
بينما بندر بدا في قمة توتره وهو ينهض
ليقترب من والدته ويدعو صقر للاقتراب
مرت دقائق طويلة وكلاهما معرض عنه
وغارق بإفكاره
حتى قطع صمتهم صوت الأخير
...- ممكن أفهم وش السالفة ؟
ليجيبه بندر سريعاً وكأنه كان ينتظر سؤاله
..- بنت عبدالله باقي لها أسبوع و تخرج .. وأمي تقول إنها مالها مكان عندها
هوى كلمه قنبلة موقوتة على وشك الأنفجار
داخل روحه .. المثقلة
بالألم , الحُب , والندم
والإنتظااار
ألتفتت نحو خالته وهو يتكلم بصَوت أجش
وبعمق قال
..- وشوله يـآ خالتي .. البنت مالها مكان إلا عندك
نظرت إليه كالمستفيق من غيبوبة ظلاميّة
وصوتها نطق بضيق اختزلته من روحها
..- صقر .. حنّا بالقوة بيضَنا سمعتنا .. وألفنا على خلق الله قصَة موتها .. وأنت تدري إن الناس داخلة خارجة عندنا ومن تجي علمها بيوصَل لأخر دار
فبادرها بندر قائلاً
..- زين .. كلامك على العين و الرأس .. وين بيوديها أجل ؟ عطينا أقتراح
نهَضت وهي تقّدم عصاها على خطاها ثم قالت
لتلقي آخر قنابلها في وجوههم
..- ودّوها للمزرعة ..
اتسعت عيناهما بصَدمة
بينما انفرجت شفتا بندَر بذهول
أكبر وأعينهم المصدومة
تتأمل ظَهر خالته التي غادرت المكان بهدوء
..- من جدّهاااا
قالها بعد أستعاد رابطة جأشه
وشعور من السعادة اللزجة تغمر كيانه
أرخى بندر رأسه بين ذارعيه ثم أجابه بعد برهة صمت
..- مدري .. يا صقر مدري
أسند الأول ذراعيه فوق ركبتيه
ونظر نحو بندر مُباشرة وهو يقول بكُل ثبات
..- أسمع .. بنخليها بالمزرعة ..
عقد الأخير حاجبيه وهو يجيبه بعصبية
..- صقر بلاه هالذكااء الزايد .. المكان كله رجاال
شبح أبتسامة سيطر على طَرف شفَتيّ الأول
..- خليّها عليّ .. وأنسى سالفتها من تعتب بّرا هالباب ..
غرز أصابه بعصبية داخل شعره وهو يرد بقوة
..- بتجنني ولا وشّ ..السالفة فراسي فراسي .. إنت موب محرم لها
أجابه وهو يتكأ ببساطة و هدوء وثقة
..- ممكن أصير .. بعد إذنك طبعاً
تأمله الأول بذهول لدقائق فقط
بعدها اجتاحت ملامحه شيء من الراحة
وكأن تلك الفكَرة كانت المصباح المنطفئ
فوق رأسه .. وأنار الآن
أما الأخر فقد زفرت ملامحه براحة
وكشفت مشاعره عن ساقيها
وأخذ قلبه يرقص لتلك المأدبَة
ف ليالي الفرح قادمَة
لامحالة
*
دغدغت المياه الباردة المتقاطرة من شعرها
وجنتيها , وشيء من البياض والنقاء برزّ بقّوة على ملامحها
بدت أبعد ما تكون عن الشبه بتوأمها
فقد زادت ضألتها
والتصقت جلدتها بعظَامها
أرسلت نظرها وهي تتأمل الغرفة على أتساعها
وتحدق بهدوء في أختها
ألم يعتصَرها لفرح الأولى بها
تركتها تنام لشّدة ما بكت وضَحكت ليلتها
لم تتمكن من النوم والراحة لأنها لم تعتدهما أصلاً
لكَن شعور أرقّها كثيراً
فمشهد سقوط جدّتها لازمها طيلة ليلها
لكنّها بدا أشبه بمشَهد صَدمتهم بخبر " تعاستها "
عدا أن الأخيرة كانت على مَلاء
نهضَت بعزم وهي تربط شعرها فوق رأسها
أخذت حجاباً أبيضاً أشارت لها أختها عليه قَبلاً
ثم خرجت مغلقة الباب خلفها بهدوء
وما إن تجاوزت السلالم نحو قصَدها
فاجأها صوت حاد من خلفها
..- وين .. وين .. ويــن ؟
ازدردت ريقها بصعوبة و رفعت جزء من حجابها لتغطّي وجهها
ثم ألتفتت لمصَدر الصوت
وبصَوت خافت فضَح خوفها
..- بـ ب شوف جـ دتي
كان يقف على بعد أربع خطوات عنها
أجابها وهو يتأملها من رأسها لأخمص قدميها
وملامح مُشمئز قال
..- جدتي ماتبيك .. تتعّذرك .. ولا أستقبالها لك أمس كان دليل حُبّها لك .
همّت بالصعود لكَن صوت ميّزته سريعاً قال
..- منذر ..
ألتفت نحو عمّته القادمة من الردهة الخارجيّة
..- هلا
ألتقط أذنيها حديثه لها فقالت بحزم مشّددة على حروف كلمتها الأولى
..- تأدب .. وأخرج أبوك يبيك
أعاد بصَره نحوها وألقى عليها نظَر هزّتها
ثم أبتعد خارجاً بغضَب
لتقترب العمّه منها ثم صافحتها وهي تومئ بابتسامة
..- صباح الخير ..
لم تجبها هديل وإنما ظّلت تتأملها بخوف
وكأنها تتوقع أن تفاجئها بردة فعل مخالفة لما تحمله ملامحها
فربت الأولى على كتفها وعادت تقول
..- معليه .. صبّحتي على منذَر .. لسانه طويل متبّري منه لو تدرت عليه أسيل كان أدّبته .
فهّزت هديل رأسها بنعم وهي تكشف وجهها
لا تدري لم أكتسحها الحياء فجأة عندما لمحت
نظرات عمّتها المتأملة لها
والتي قالت سريعاً
..- ضَعفتي
بدت كلمتها غبيّة فارغة
فتداركتها قائلة
..- إيه .. إذا تبيـن أمي .. هي الحين نايمة بعد الظهر بتكون قامت
ألتفت حين جاءت إحدى الخادمات وهي تقول
..- مدام .. أمي كبير يبغا أنتي ..!
عقدت العمّة حاجبيها وهي تقول
..- صحيت ..
...- إيه .. عندها بابا ياسر وبابا عبد الرحمن
فالتفتت نحوها وهي تومئ بإبتسامة حمقاء ومبررة
..- والله ما دريت موتقولين عمّتي كذابة .. تعالي أجل دام عندها أخواني
تقّدمتها عمتها وتبعتها هيّ
بقّوة غريبة تحمل ساقيها على الهرب بعيداً والعودة حيث كانت
شتمت نفسها مراراً داخل عقلها لم تتحمّل نظَرة الحسرة في عيني جدتَها
فماذا سيفعَل أعمامها إذاً
وما إن برزت لهم
حتى شعرت بكتلة أشبه بالصخَرة
تهوي بقّوة محطمَة
قلبها
أو بقايـآهـ
أرى آثارهم فأذوب شـوقـاً ----- وأسكب في مواطنهم دموعي
وأسأل من بفرقتهم بـلانـي ---- يمن علي منهم بالـرجـوع
وجه الفجر طل ~
وعيون الظلام | إستحت |
سهران [ وحالي ] ظروف الوقت : تلعب معه !
كل مانويت أرتفع للصبر
ينزل - تحت ..
وكل مانزلت [ الصبر ]
كفّ السما ~
ترفعه !
ترفعه !
ترفعه !
اللذة السادسة
شمّر عن ذراعيه وهو يتجاوز بركة من الوحل
متجهاً نحو ذلك المحزن المتهالك في الطرف الأقصَى من المزرعة
حيث يحجبَه عن الأنظار كومَة من الأشجار المتدّلية
دلف إلى المكان وهو يرصَد تلك الغرفة الصغيرة في زواية المحزن
ومساحة صغيرة مليئة بالقشّ الأخضَر الناضَج
الذي نشَر رائحَة في المكان بقّوة
جعلت رغبَة من العُطاس تجتاحه فكّبتها حين أستدار
لصاحب الخطى خلفه
..- أسمع .. العّمال بيجون بكرة الصَباح بدري .. وأبيك تكون معاهم
حّرك الأخر رأسه بهدوء لم يلبث أن قال فوراً
..- هُم بيجون يعيدون بناه ..!
فحّرك صقر رأسه إيجاباً وهو يقول
..- إيه .. وهاذي الحشيش شيله من هنا وخله في المخزن الخارجي
والبعير لا تقّربه من هالصوب ولا تخليه يأكل من هذا المكان
عقدْ الأخر حاجبيه و صوته ينطق بالكثير من الأسئلة
..- ليه يا بوي كل هذا .. المخزن طيب .. والشجر في المنطقة مناسب لهم .. ولا عند ناوي على شي
زفر صقر وهو يخرج من المكان
ويتأمل الفيلا الكبيرة القابعة على بعد مترات عن هذا المكان
لا يعَلم أي سعادة أليمة تلك التي راحت تنهش كيانه بنهم
يكَره شعور الندم الذي ينتابه
لكَن شيء من القسوة المحفورة في صدره
هي ما تجعَل عملية المكابرة أكثر سهولة
وبقلب قُدّ من صخر
..- إيه .. بتجي هنا حُرمه
لم يكَن يدرك معنى الحقيقي لتلك الكلمات
لكَن اتساع عيني الأخر و كُل ذلك الذهول
الذي غطّى ملامحه السبعينية وهو ينطق
..- حُرمه .. هنا ..!!
استدار نحوه وهو يجيبه ببرود تعّمده
..- عندك مانع !
تلعثم الأخر وهو يحّرك رأسها بالنفي
..- لاآآ .. يا سيدي ..بس أنا كان قصدي إن العمال و...
قاطعه وهو يلّوح بيده وتابع طريقه نحو الفيلا
...- أسكت بس .. وأسمعني أنا معتمد عليك ف كل شيء هنا
ليهزّ الأخر رأسه بخوف غطاه بطاعة
..- إيه ما بقصر ما بقصر
ليرمقه صقر بنظرة أخرسته لتابع بهدوء
..- بتجي في نهاية الأسبوع وقتها بيكون المخزن جاهز بسريره .. والحمّام بيجي السبّاك ويضبطه ويكمَله .. ثم يجون راعين الأثاث ويركبونه إنت خلك معهم أول بأول وبلّغني .. العمال ولا واحد منهم يقرب هنا كُلهم برا..
فقاطعه من جديد
..- زين لو جوا الأهل .. قصَدي أمي الكبيرة
أكمل
..- والتنظيف يكون يومياً الفجر يصلون ويكونون هنا يسقون الزرع ويخرجون قبل ما تصير سبع .. و إنت تكون معاهم مشرف عليه وواقف قدّام الباب حق المخزن..وتحرسه.. سواء كان الأهل موجودين ولا لا
ثم دار حول الفيلا بصمَت تأملها صقر طويلاً
ثم أنطلق خارجاً ..
وعند السيارة سأله أخيراً بقلق
..- طّيب يا بوي .. هي خدّامه للفيلا يعني ..؟
تأمله لدقايق ظّنها الأخر من عُمق نظراته
دهوراً ثم أجابه
..- لا ..
أي قّوة تلك التحُرك مشاعره بعُنف
أي ضمير ذلك الميت بداخله
لم يفسّر سبب أي برودة تجتاحه لذلك
فمنذ اعتقلوها بسببه
مات ضميره وشيّعه خلفها
ولم يأبه بعدها لشيء
*
فقد أنكفئت على تعبئة بياناتها في ورقَة إدارية مهمة
اقتربت منها وجلست على كُرسي خلف المكتب مُقابلها
ب
أغلقت الباب بهدوء شديد ثم ألتفتت للقابعة في منتصف الحجَرة
عدها رفعَت الأخرى رأسها وشفتيها تحمل ابتسامة حزينة
..- خلّصت .. هذا إلي أعرفه
ألتقطت الورقة منها تأملتها سريعاً ثم وضَعتها جانباً
وعندما همّت لتسألها جاء سؤال الأخرى أسرع
..- وكيف حاله عمّي بندر ..!
لم يكُن مهرجان الاعتراف أمراً صعباً على ميسون ف قليل من الكلمات
أوصَلت خبرها لها
ولم تكَن دموعها أقل بذخاً من الأخرى لكَنها تجاوزت كُل هذا
بأقل قدر من المشاعر
وأجابتها
..- بخير
رفعَت أناملها تغتال دمعَة مازالت تفضَحها أمامها
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك