رواية سيدة الحرية -8
قالها ليتأكد من وجودي، وأنا صامته..أقف كـ علامة تعجب!
-”أي شي”
قلت ذلك لأنهي المكالمة ،لكنه أضاف:
-”شوفي عندك هذي الأنواع”
وقبل أن يبدأ بالشرح قلت:
-”خلاص مابي شي”
-”ليش؟”
-”مع السلامة”
أغلقته بسرعة، لا أدري لمَ فعلت ذلك…جرأته أرعبتني، لدي العديد من الانفعالات التي لم اعد اشعر بها…وكأنها تدحرجت بالفعل أثناء صعودي..!
أكنت مخطئة أم مصيبة…!
.-.
.-.
الثانية بعد منتصف الليل
استيقظت من نومي جائعة..، فانا لم آكل شيئاً كمن عاقب نفسه لذنب غيره..!
كيف لخالتي أن تعطيه رقمي…وكيف لي أن أراه مجدداً…
نزلت هاربة من الحوار الطويل في رأسي…فلم أجد في المنزل أحداً،فالنظام الدراسي عاد مبكراً وكأنه غاب طويلاً..!
اتجهت للمطبخ ورأيت علبة رقائق الذرة على تلك الطاولة، لم أجد بداً من تناولها..
كنت اسخن الحليب قليلا وأنا انظر للهب واستعيذ بالله من النار،شعرت بوجود احد،
التفت ببطء ودون هلع، وكأنني اعلم مسبقاً من سيكون..!
رأيت مازن يتكئ على الباب وينظر إليَ دون كلام..
ألقيت نظرة عادية،واستمريت في تجاهله،
أخذت الحليب ووضعته على تلك الطاولة، وجلست على الكرسي كي يعي أنني سأتناول الطعام إن كان لايظن ذلك!!
بجرأة لم أعهدها فيه، وثقة لم أراها في شخص غيره، سحب الكرسي المقابل لي وجلس،
وقفت مذهولة وتركت الملعقة، وقبل أن انطق بشيء قال:
-”اشوفك أكلتي الكورن فليكس مو قلتي ماتبينه”
حدقت به قليلاً ثم قلت وأنا اوليه ظهري:
-”خلاص.. كله انت”
واتجهت لأخرج ليوقفني بسرعة وهو يقول:
-”خلاص خلاص امزح انتي ليش ماتطيقين مني شي؟”
لم أكن اريد تعداد ما لااطيق به، ومااطيق!!
-كلتا العبارتين تفاجئني أنه حقاً لاطاقة بي لك…فلا تعترض طريقي..
سمعت صوتاً بالخارج، أو ربما تهيأ لي ذلك..لأتصور لمى تراني هنا،ذعرت من تخيلي لأتركه دون أن انطق بحرف وأصعد لغرفتي تاركةًً له رقائقه..!!
.-.
.-.
رغم جوعي،إلا انني لم أعد اريد تلك الرقائق التي اشتراها ودفعني ثمنها سريعاً…!
تجاهلت ضمير يؤنبني طوال ساعات الليل الأخيرة، بين خلق تبرير وخنق لوم..!
طلعت الشمس معلنة عن إفطار آخر…
تناولت طعاماً على عجل،لم يكن ما اريد.. ولبست الزي المدرسي الوحيد الذي يكرهه جسدي..!
واستسلمت للذهاب..
.-.
.-.
عند وصولي فوجئت من سيل من الـ سلامات..!
-يبدو بالفعل أنني متغيبة بالأمس،وهن لايتغيبن بعد إجازة قصيرة كالتي انقضت…
تمنيت حينها أنني تغيبت اليوم أيضاً فلست أحتمل يوم طويل آخر من الحوارات في رأسي…
أو ليت الجميع تغيب هذا اليوم…وبالأخص من رأيتها عن بعد.. التي احبها وهي صديقتي..
ولا اريد لقياها…
تتخطفني أشكال عدة من الفتيات السعيدات بيوم جديد، بدأت رؤيتهن تزعج عيناي..
أشعر أنني في المكان الخطأ ، والوقت الخطأ، أشعر أنني خيال كئيب غير صالح حتى لتصاميم وقصيدة!
اشتريت عصير برتقال بارد وجلست في زواية هادئة وبدأت اخدر انفعالاتي!!
أغمضت عيناي متخذة الطريقة الوحيدة التي كان صديق أخي يفعلها في طفولتنا…-اقصد عمر-عندما يبدأ العد من مكانه وحتى مكاني في جمع الخطى في استرخاء يبعث الدهشة..!
أنا لا استطيع سوى العد مني… أنا حتى هو! دون إحصاء الخطى..!
رأيتها قربي، نعم عدنا من جديد..فلا مزيد من إهمال رسائلها وقفل هاتفي..
فهي أمامي الآن وتعتذر لصديقة ما عني لغيابي..!
اقتربت وأعلنت عن قبلة وجزء من كلمات…
بادلتها التحية باستسلام لقدر…أو لأثبت لكم أن طريقة استرخائي فعَاله!
نظرت لوجهها وأنا ادقق في تفاصيل وجهها الآخر..!
دون أن انطق بشيء..!
اليوم فقط اكتشفت أن الاستسلام ضعف قوي..فيه تتخلص من نفسك عندما تفقدها أي انفعال خدرته سابقاً بأي طريقة..!
هو الشيء الوحيد الذي يشعرك بأنك أشبه بالضوء..! وأنك دائماً لست معني في الكلام حين يوجه إليك..ولا في المكان حين يحتويك…ولا في الشعور حين يعتريك..!
انتقلنا لمكان آخر…
-”وحشتينا امس يسألون عنك ليش غايبه…(ثم اضافت)..ايه شفتي هذي-مشيرة الى طالبة بعيدة- امس ضربت معلمة العربي تخيلي”
نظرت إلى تلك الطالبة، وسمعت دانه…وأكملت المسير دون صوت..
-كنت اعرف يقيناً أن الاستسلام الذي لبسته هذا الصباح يجعلني أتأمل الأشياء من حولي بكل احترافية… ولا شيء فيها يعنيني..!
بقي القليل وينقضي اليوم الدراسي…دانه استمعت لها كثيراً وعقبت قليلاً..
وابتسمت في حال ضحكها…
وجدت صعوبة في تقبل وضعها…أراها ولا أراها..!
وهي على مايبدو تراني ولاتشعر بي، ولانية لها بالحديث عن ذلك الأمر الواقف بيننا كباب لم يغلق فنرحل، ولم يفتح فنعود لحيث كنا..!
لأنها كانت غالية..جاء غضبي منها بقدر مكانتها، فلو لم تكن تعنيني لما كنت سأهتم…
-كنت على دراية كافية أنني سأخبرها ما احتقره فيها مباشرة عندما يفتح ذلك الباب…
لكنها لم تأتِ بذلك….مما أراحني قليلاً فليس لي قلب يستطيع إيذاء من سكنه…!
.-.
.-.
عـ ـمـ ر
.-.
منذ سفر بدر وأنا بين الدوام الجامعي ، والمقهى ،والمنزل…
بما أن بدر الصديق الوحيد الذي ارتاح لصحبته غير موجود بالجوار ،فانا لا أهتم كثيراً بالخروج مع البقية..
أصبحت أقضي ساعات اليوم في المنزل، باستثناء المقهى الذي اتجه إليه لأكتب لرسيل…
أو هي تكتب لي..!
كان المقهى الذي اتجه إليه بعيداً عن منزلي بمسافة عشرون دقيقة،وكنت أذهب إليه رغم وجود آخر بمسافة دقيقتين،..
احتسي كوباً من كلماتها، تزورني رائحة وجودها…واحاول مراراً التخلص منها فيها…ولا انجح..
كل مرة ابحث بين كلماتها عن شيء لايعجبني،أخلق في خيالي “غيرة من بطل” لم تكتبه في قصتها.. ليغار قلبي وأغضب، وأبتعد..
إلا انه في كل حرف يثبت لي العكس وأجدني أنحت نفسي في سطورها، فأقترب كثيراً من حزنها ولا أصله… اغلق الجهاز واخرج صافعاً كل الهوى خلف الباب..فيستقبلني معاتباً..!
-جلست ذات مرة خارج المقهى،أطفأت سيجارة قد اكتفت مني،واخذت اردد أن المقهى لايعنيني والقصة لاتعنيني ورسيل ليست هنا..!
مر أمامي شاب يحمل “كاميرا” تصوير احترافية ، ثبت قاعدتها وبدأ باختيار زاوية المقهى المميزة نوعاً ما..
التقط عدة صور وأنا افكر قائلاً، “ما أجمل ما أتى به هنا”…!
أستكون هناك ابتسامة على شفتيه وهو يقلب الصور, لو كان يأتي ليقلب صفحات قصة..مر بها حبيب..!
اقترب مني مفاجأً وكأنه يسألني لمَ أنظر إليه
-”السلام عليكم”
وقفت عدلت من ملامحي:
-”وعليكم السلام”
نظر إلي قليلاً ..بدا يفكر بعمق بشيء لا ادري ماهو..ولم ينطق بحرف..!
ابتسمت حينها وأنا انظر لقاعدته هناك وقلت:
-”احب التصوير…اختيارك للزاوية حلو”
لا أدري لمَ نطقت بذلك، أحياناً نضطر للكذب لنجمل الموقف بعد أن نلوث داخلنا..!
فأنا لم احب التصوير يوماً وليست لي خبرة باختيار الزوايا..!
وكأن مبادرتي أعجبته فقال بسرعة:
-”تعال شوف شلون طلعت الصور معي..بتعجبك”
تبعته وأنا لا ادري لمَ…بعد حديث الزوايا التي أجهلها سألني:
-”وش نوع الكاميرا حقتك؟”
أجبته مباشرة كأنني أسابق الكذب:
-”لا أنا ما اصور بس احب التصوير”
جملة ربما غبية لكنها انتهت بي لسؤاله الذي خلق في رأسي رؤوس أفكار اخرى..!
-”ليش بالعكس التصوير هواية تنمو بالتطبيق ترا كلها دورات تأهلك وبما انك هاوي راح تحترف بسرعة”
وبدأ بإلقاء خبراته علي وأنا عبثاً اجمع مايقول…لكنني صدَقت كذبتي أنني احب التصوير دون قصد..!
اخبرني عن دورة متاحة حالياً ورقم هاتفه في حال أن أردت شيئاً ..
شكرته وأنا سعيد بأنني سأصبح حراً..وسأقلب صوراً ليست في خيالي، وصفحات لاتشبه قصتها..!
واشبه اسم مستخدمي أخيراً “ماني لأحد”..!
.-.
بعد اسبوعين آخرين…كنت قد سجلت بتلك الدورة وفي غرفتي كاميرا تصوير صغيرة وقاعدة تشبه قاعدة صاحب الزاوية..!
ما أجمل أن نتخلص من خيال من نحب في المكان الوحيد الذي يتبنى خيالنا..!
ها أنا افارق المقهى أخيراً بعد أن منحني حرية اللقاء، فقد أعود إليه لألتقط جزءً من خيالي في صورة تذكارية…
في المكان ذاته الذي لم تكوني فيه يوماً ودعتك فيه..!
-”واو حركات”
قالتها سديم لتقفز اريام خلفها وتتفحصانها عن قرب
-”ههههههه لاتلمسينها بعدين اصوركم”
كانت رنيم أيضاً تنظر لها بانبهار، أو نظراتها تلك لي..!
-”وش الطاري؟ ماخبرتك تحب التصوير..انا يوم صورتك مرة أخذت مني الصورة وعصبت “
تذكرت، نعم ومالا تعلمه أنني مزقتها أيضاً..
-”ههههههه والله اكتشفت إني فنان يوم قمت من النوم وقلت حرام احرم العالم من موهبتي”
-”ههههههه أي والله خدمت الامة العربية”
-”ههه لاتصدقون كيفكم..المهم اطلعوا بنام “
سديم:”الحين لا ..قبل خلنا نشوفها “
اريام:”عمر بناخذها شوي برا نصور بعض وبعدين نجيبها”
-”ههههههه لا واطلعو لاتضيعون وقتي بكرة عندي تصوير كوندليزا رايس طالبه صور عيد ميلادها الاخير!”
رنيم-:”ههههههه الاخير ههههه مالت عليك واحلامك يلا انتو بعد وراكم مدرسة”
.-.
.-.
الخميس..
واسبوعين آخرين وأنا في استسلام تام…حتى مع دانه…
اليوم..كان مزاجي جيداً، صليت المغرب ،
أوصلت جهازي في نية لزيارة قصتي..
مررت بعيني على التعقيبات لأتوقف قليلاً عند تعقيب يقول:
“لي شهر ادخل ولا القى شي ترى استحيت من اسمي كل يوم اجيبه ونطلع بولا شي
وياليت تقولين متى بتنزلين حزن جديد؟ في ناس ترى تدمن بعض الحزن…اخوك/ماني لأحد”
كنت اضحك وأنا ابتدئ بالرد عليه بتصنع ابتسامة لا أكثر..!
“اخي الكريم..شكراً لاهتمامك..لم اكتب شيئاً حتى الآن..لكن سأكتب لأجلكم…عذراً للتأخير”
بعد أن نزل الرد انتبهت أن تعقيبه ذاك قديم…منذ أكثر من ثلاثة أسابيع ربما.!
أحقاً كل ما اكتبه هو حزن جديد..لا أكثر!
استفز مزاجي الجيد تقريباً….اتجهت عيناي لآخر زيارة له فلم تكن قريبة ايضاً..
لم اهتم يوماً بقارئ ولم أتلهف لرؤية آخر وجود له، إلا أن هذا القارئ اشعر به صريح..ويقرأني حقاً.. تعقيبه في كل مرة يختلف عن الجميع… سأشكره يوماً عندما انهي القصة…
سجلت خروج ليخرج أيضاً من تفكيري وأنا اسمع صوت خالتي يناديني..
فتحت الباب لأجد لمى واقفة تقول لي:
-”ماتسمعين؟ امي تناديك لها ساعة”
كنت أود السؤال ماذا تريد لكن لم احب يوماً التحدث مع لمى…أغلقت الباب فسمعتها تقول:
-”في ضيف تحت ينتظرك”
وقفت ملياً أفكر، من سيأتي لرؤيتي..!
بدلت ملابسي بأخرى ورفعت شعري غطيت رأسي تقريباً كحجاب ونزلت مسرعة..
فتحت الباب وإذ بي أفاجأ بصديقتي
دانه تجلس بجانب خالتي :
بعد السلام,أحسست بأن الاستسلام غطاني مجدداً.. ظللت صامته..وكذلك هم..
ألف استفسار يطل من عيناي..
نظرت إليّ دانه نظرة تعجب، بل كانت تنظر إلى رأسي تحديداً…
-”عن اذنكم”
قلتها مسرعة للمرآة، أحسست بالحرج فلم يسبق لدانه معرفة أنني اغطي شعري دوماً في المنزل… ربما كان بديهياً أن تعرف ذلك..
وربما كانت تعرف لكن رؤيتها لي شيء آخر.. خلعت حجابي على عجل وأحضرت عصيراً كعذر لخروجي… وعدت مجدداً..
بعد دقيقتين قالت خالتي:
-”اجل اترككم”
ردت دانه مباشرة:
-”لا يام مازن ابيك بموضوع”
بدأ قلبي يؤلمني،ترى ماذا تفعل هنا..وماذا تريد أن تقول بصحبة خالتي..!
-”خير عسى ماشر”
-”الشر مايجيك..بس انا..انا مخطوبة”
قالت ذلك بعد لحظة صمت أعلنت اصطدامِ أول بين عيني ونظراتها
اصطدام كسر شيء في داخلي…
-”مبروك يابنيتي”
ألقيت نظرة هاربة لخالتي التي نطقت بذلك دون أن يصبغها الاندهاش مثلي
-خالتي علمت أن هناك سراً كبيراً مدفون بين مكاني ومكانها..وفجوة لم تسمح لي بالاقتراب منها..أو حتى تهنئتها..!
ولم تبد أي محاولة للبحث عنه
-”الله يبارك فيك ويخليك”
ردت ذلك،وأنا يصفعني موج استغراب، أي قدرة تجعلها تتحدث ببرود كأخرى تتحدث عنها..
مع شخص تلقاه أول مرة..!
-كنت قد بدأت منذ دقائق برثاء حالي..فالورق حديثي ،جميع الجمل التامة بما اريد إيصاله يوماً لم تكن إلا بصوت قلمي..وهي أمامي بلا قلم وتتحدث كما لم يتحدث قلمي..!
خرس فجائي ، على ورق وأمامها…استسلام آخر لايشبه استسلامي الأول البريء…
لأن الآخر يفتقد روحه ويخبئ اخرى ميتة منذ الطعنة الأولى…
أمْسَكَت بالكأس..شربت منه قليلاً وقالت كمقطع في قصة قرأتها سلفاً
-” عندي سؤال يهمني في حياتي الجايه… يايسعدني ولا ينهي كل شي”
قالت خالتي باهتمام..غير واضح!
-”من غير شر شالسالفه؟”
-”بخصوص خطبتي.. بس ودي اسالك عن ام خطيبي..وخطيبي اذا تعرفين عنه شي..لاني سمعت انها كانت جارتك من زمان”
-”من هو خطيبك”
بدأت بذكر اسمه،ومن ثم بعض الأمور التي قد تذكر خالتي به…
-”لاوالله ماعرفه”
وقفت دانه بخيبة امل لاتشبه خيباتي..وبدأت تندب حظها بأربع كلمات قديمة ثم قالت:
-”طيب مازن..ولدك…(ذلك للتأكيد بلا شك!) أكيد يعرفه ..هو فيه صلة بس مدري”
خالتي قالت:-”وليش ماتسألين خطيبك؟”
-”اذا سألته بيدري..وانا مابيه يدري بشوف عنه قبل مابي نتزوج كذا!”
خالتي هزت رأسها مداراة لها..أو مجاملة لي…لايهم فانا بصمت أراقب مايدور أمامي لأستنتج أن خالتي لم تعجبها صديقتي، وأنا اكتشف حديثاً أن خيبت أملي منها ربما تكون الأخيرة… فهاهي بكل بجاحة تخبرني أنها ستتزوج عشيق ما، واعدته مسبقاً، أو ربما آخر..!
اشعر فقط الآن بالأسى تجاهها، و أنني لم اظلمها..!!
-”اسأليه خالتي تكفين، وقولي لرسيل تقولي..ولك البشارة”
قالت الكلمة الأخيرة بمرح..ابتسمت لها خالتي ووعدتها خيراً وخرجت..
بقيت امارس طقوس استسلامي الناجحة..وهي تجلس بجانبي..
قال دانه بعد دقائق كأنها انتبهت لحضوري
-”رسيل أنا مخطوبة”
وكأنه خبر جديد!
قلت-”مبروك”
قالت وقد بدأ القلق في عينيها:
-”هذا مايخليك ترضين عني؟ مايكشف لك الحقيقة؟”
نظرتي كانت على خط طويل لانهاية لها،فلم احاول السير في غيره
-”رسيل انا ماخبيت عنك شي انا جايه عشان اوضح لك ادري انك شايله بخاطرك علي وبالمدرسة ماكأنك تشوفيني.. ماقدرت اقولك لاني مدري كيف ابدى وانتي ماهتميتي”
آخر السطر استوقفني حتى خلعت استسلامي وبدلته بآخر أكثر بروداً
-”ماتقولين شي..طيب انا اقولك”
ثم أضافت:
-”اللي بالسوق شفتيه معي وكنت ابيك تشوفينه هو خطيبي كنت حابه أفاجئك وانتي خربتي المفاجأة وماتوقعتك تشكين فيني..واليوم انا جايه اوضح لك انه كان خطيبي والله كان خطيبي واهلي يدرون ان احنا طالعين ذاك اليوم”
الربط بين أمرين شيء غير وارد في رأسي..، وحديثها الآن جردني من استسلامي ومنحني مخرج مضيء في آخر طريق العتمة…
إلا أنني لم اقل شيئاً..
-”وكنت ابيك تسأليني مين كان عشان اقولك .. صحيح أنا كنت اسولف وحبايب ومدري ايش بس والله كانت خيال..هذا الرجل الوحيد وهو خطيبي”
ابتسمت لي ورددت لها واحده قالت:
-”من حقك ترى تزعلين بس انا مافكرت ان ردة فعلك ممكن تكون كذا..حتى ماتقرين رسايلي”
كنت استوعب حديثها كلمة كلمة..ثم قلت:
“وليش ماقلتيلي بوقتها وليش هنا “
-”ماعرفت كيف افاتحك بالموضوع خاصة بالمدرسة..وقلت فرصة اراضيك بعذر اني اسأل عن خطيبي”
ربما كان العكس هو الصحيح!..، لكن لم يعد ذلك مهماً..
-”كنت راح اقولك انتي تسألين مازن عنه بس خفت مايمدحه لك حتى لو كان زين”
-”ليش؟”
أضافت ضحكة-”مدري يمكن للحين يذكر لمى يوم قالتله انك تحبينه..يعني يغار ههههه”
دخلت خالتي وهي تقول:
-”مازن طالع”
وقفت دانه -”مشكورة يام مازن ماقصرتي تعبتك وياي”
-”تعبك راحه يابنتي اهم شي تعرفين اللي بترتبطين فيه”
عدلت حجابها لتخبرنا بمغادرتها…
فمضيت معها حتى الباب وأنا أراها بصورتين، وسعيدة حقاً بالصورة الاخرى والتي عرفتها مسبقاً..
وقفنا نتحدث قليلاً وأنا لم اعد لطبيعتي بعد..وقبل أن تمضي للخارج رأيت مازن يدخل المنزل..
غطيت رأسي مرة اخرى ودانه تنظر لي هذه المرة بشفقة ربما..
قلت لها: “هذا مازن”
ابتسمت بفرح ودفعتني إليه وهي تقول:
-”قوليله صديقتي بتسألك “
-لم أعلم مسبقاً أنها جريئة جداً …ولو بالنسبة لي..!
لأنني اشعر بارتياح كبير في داخلي..وأفكار لن يتسع ليلي لترتيبها.. قررت إيقافه
-” مازن”
التفت إلي، اتسعت ابتسامته واقترب
-”عيونه..(أضاف) هلآ”
شعرت باشمئزاز نسبي..لكني قلت:
“ممكن دقيقة صديقتي بتسألك كم سؤال”
اتجهت نظراته لدانه التي تبتسم..ثم تقترب فتبدأ بالتحية والدخول بالموضوع
-بينما هي تتحدث معه كنت انظر للباب في قلق ، أخاف أن تنتبه خالتي فتظن سوءاً هنا..
اني غير مرتاحة واتضح ذلك على ملامحي
-”آها أيمن؟”
أجابته دانه بالإيجاب..ليقول مازن بسخرية
” كنا نسميه ولد المصرية وبعضنا يقول السوري ههههه مسكين عقدناه عشان اسمه”
ابتسمت أنا بكبت ضحكتي..وأخذت أراقب دانه الغاضبة قليلاً
ومازن وهو يتحدث ببساطة
كنت انظر إليه، فأنا لم أره يتحدث من قبل بشيء لايخصني
سمعتها تسأل عن حياته، عن والده المتوفى الذي اخبرها مازن انه سافر وتزوج اخرى، وتلك معلومة مغلوطة اولى… اكتشفت ان مازن يعرفه كثيراً لما قاله…أو لايعرفه أبداً…!
-سألته بعد ذلك عن طموحاته..وهو سؤال بسيط إجابته مذهلة.. فيبدو ان خطيبها ذاك يهوى كل شيء ويحب تجربة أي شيء..
ثم ختمت أسئلتها بعلاقاته معهم،أخلاقه،ثم قالت بحياء:
-” كيف كان معكم بالمدرسة؟”
كان يجب على مازن ألا يضحك إلا انه ضحك وهو يقول:
-”شوفي انا ماذكر الا ثلاثه مزعجين ويدهم طويلة تقولين لهم حرف يضربونك انا أخذت درس مرة من عمر والله هههههه (ثم وجه نظراته لي وهو يقول لدانه) اقصد صديق اخوها
(اتسعت حدقت عيناي وزاد حجم تركيزي)المهم هذا مره قال له ايمن اجلس قدامي رد عمر تبيني اجلس قدام عشان اغطي عليك؟ –كان خطيبك يكلم بالجوال وقت الدرس قال ايه – عمر ماعطاه وجه بعد الدرس جا ايمن معه كم واحد موصيهم يضربون عمر هو مسالم خطيبك هذا الا ان عمر بدى فيه طقه طق وياشينه يوم يعصب يروع لي موقف معه الخايس”
آخر عبارته استفزني..كنت سأقول شيئاً لو أن دانه لم تبادر بسؤال آخر..بما أن الموضوع يخص خطيبها لا عمر فضلت الصمت..!
-”شوفي ايمن مسالم وطيب فيه عيوب بس كل الناس فيهم…والكذبات اللي قالها لك عن ابوه وغيرها له حق انه يكذبها ولابتضرك…تبين النصيحه لاتواجهينه فيها”
خرجت دانه سعيدة جداً، طاب خاطري بعد أن بالغت بالاعتذار مجدداً ، وتغاضيت عما لم يطب..!
وغلفت بقايا الدمغة ببقايا استسلام..واتجهت بأفكاري لكلمتها الأخيرة قبل خروجها:
“كنتي متضايقه وانا اكلم مازن..لايكون تغارين ههههه”
كانت عبارتها مزعجة في وقت كنت منشغلة بانزعاج آخر..!
.-.
لم أكن لأرضى ان يقول سوءاً عن أخي،ولا لصديقه…، ونظرته لي كانت مزعجة..
اعتبر الأمر يخصني عندها أوشكت على الغضب، لأنني الوحيدة التي تعرفه بينهم جميعاً..
.
.
..×..///..×..///..×..///..×
عمر إذن كان يضرب من يتعرض له…بينه وبين مازن مشكلة أكبر ربما…!
عندما علمت انه يستخدم يديه ببساطة…وهي صفة لم أكن اعلمها..ضحكت كثيراً حينها… ولم أكن اعلم أنها قد تبكيني لاحقاً..!!
دانه أكسبتني صفة جديدة دون أن تعرف أو أنا! هي أن لا اسلك طريقاً واحداً في تفكيري…ودوماً لأثق أن الغرفة عندما لاتحتوي على باب…
حتماً ستكون هناك نافذة..!
عندما ابتلع غصة مؤلمة في حلقي مرارتها، احمدالله كثيراً أنها لم تغلق تنفسي…
وأؤمن انه لا يزال هنا في ذاكرتي جزءً سابق جميل…وجزء من النص مفقود سيصل لاحقاً أجمل..!
Alsamt ِ Raheel..×..///..×..///..×..///..×..
( 13 )
قبل دقائق..،
كنت أتحدث مع بدر.. عرضت عليه أجمل عرض حالياً..فأضحكه كثيراً..
قلت له: ان عدت الآن فانا أعدك بصورة جميلة..!
بدر يحب التصوير وللأسف أحترفه أنا..فلم تكن هناك صورة لدي إلا وهو يقف فيها برضاي أو دونه..!
لدي العديد من الصور التي تجمعنا منذ الطفولة..طبعاً لاوجود لرسيل في أي منها..!
رسيل أنتِ حقاً مزعجة، لازالت تختبئين في قلبي..!
ولازلت اجاهد أن لا أراكِ..!
المقهى، وأنتِ ودعتكم منذ فترة..إلا أنكِ كنت تختبئين في قلبي..فعدتِ معي!
واكابر متصفحكِ وأكرر بأني لست اراكِ..!
دقائق…
اختلستُ فيها ذاتي وتسللت عبري لأروي ظمأ القلب الفاقد لشيء لايمكله..!
-وحدهم البؤساء يفقدون دوماً شيئاً لايملكونه ويصنعون له المآتم ونخب الانكسارات…
الحب في نظري رهن تعلم مسبقاً انك لن تستطيع استعادة قلبك بفكه…فهو إن لم يكن مجموعة من الخيبات المؤلمة لن يكون الحلم السعيد إن ظلَ الحلم الأجمل..!
انتهى بي الحال هناك..
أوقفت سيارتي وأخرجت الكاميرا في كذب متواصل يفيد أنني أتيت للمقهى ذاته لألتقط صوراً لاغير..!
بدأ الوهم يسيطر علي،لتبدأ حماقات القلب بالعد العكسي..!
بدأت أتخيل أنها بعثت لي رسالة خاصة تفيد أنها أحبتني.. أو لا.. تفيد أنها اكتشفت هويتي..أو لا ….ومزيداً من أو… سَجَلت دخولي للمنتدى والكاميرا بيدي كشاهد مظلوم!
اسابق أنفاسي، تتأرجح الظنون أمامي،ويرقص توتري كشيطان رجيم!
تتحول عيناي فجأة كطائرة تبحث عن مهبط..!
وتجده…أجد أخيراً تعقيبها الخاص بي..
تركت أصابعي كمن لم يعد يشعر بها على لوحة المفاتيح، ثم التفت لأول وجه صادفني عامل مرتاح البال مشغول اليد..نقيضي تماماً.. يمسح الأرضية التي تمنيتها قلبي!
صرخت فيه قائلاً جملتين لم تتصل ببعض..لايهم فهو أساساً لايفهم العربية!
“عشآآني”
ذلك يفسر جملتها القائلة:”سأكتب لأجلكم”…
كَتَبَت هي ذلك لأجده الأقرب ليسعدني…رددت بلا وعي..تكتب لأجلنا…لأجلنا….
نعم أنا مجنون بها وسعيد جداً لأنها ستكتب لنا في رد خاص بي..
حضرتنا،وجودنا،كياننا…أي شي يخصنا..أنا وأنا..وأنا…..!
جننت كما لا أعتقد!
إذاً ماذا سيحدث لو قالت سأكتب لأجلك انت..!!
ساعات مرت واسمي يغفو على رصيف المنتدى..، بانتظار مرورها..!
وعقلي التحف العلم الأبيض..!
.-.
.-.
مضت تسعة أيام فقط.. أشبه بتسع شهور…
كنت منكبه على كتبي فليس بسبب الامتحانات..، لكن وحدها من يرفق بأفكاري..!
فقد كان يومي يمر…بلا جديد… وقلبي يدق…بلا جديد…
وحزني بي يزيد ويستزيد…
أتجاهل مازن ، أبتعد عن مكان وجوده لأنه لايصدق أن يراني حتى يقول شيء محرج،مزعج،وبين الاثنين!
ولا يمكنني سوى أن امضي لبقية الطريق باحثة عن ظل….فهذا يوم مشمس يمر..
وذاك آخر…
مساء اليوم ليس ضمن “المساءات السابقة”…فهو يسجل في مدونتي…. فقد أحدث تغييراً دون تغيير…!
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك