رواية ملامح الحزن العتيق -24
من بيحتويكم ويحاول يدور رضاكم ويلبي طلباتكم ..
ابو ولا زوجة ابو .
ورانيا بنت السنتين ونص ..
الطفلة المفطومه ..
وشلون تنشأ البنت بدون ام ..
من بيجدل ظفايرها ..
ويختار لها ملابسها .
لمن بتقول اسرارها وخصوصياتها اذا تطور عمرها وكبرت ..
لمن بتسرد حكاياتها مع صديقاتها وسوالفها .
تركتهم اميرة وراحت ..
راحت لأنها ببساطه تبي تعيشهم بمستوى معيشي افضل ..
بس القدر ماكتب انها تحقق احلامها ..
..
وقف فهد وهو يشوف زوج فاطمه يردد لاحول ولاقوة الا بالله اكثر من مئة مرة ..
فلاحول ولاقوة الا بالله تهون المصاب الجلل .
رددها لعلها تهدي نفسه الهادره غضباً وقهراً وامتعاضاً ..
راحت الشريكه والرفيقه ..
راحت وتركته وتركت وراها من الاحباب كثييير
وياكثر اللي بيصدمهم الخبر
بدءاً بأهلها واهله والجمعيات الخيريه ودور الأيتام اللي تعلقت فيهم وتعلقوا فيها ..
وقف فهد عنده بشكله الرث وملابسه الملطخه بالدم وشماغه المربوط على راسه بشكل عمليّ بحت .
: هونها وانا اخوك .. ادري ان مصيبتك مصيبة . ..
قاطعه الرجال الملتحي : اللهم لااعتراض اللهم لااعتراض اللهم لااعتراض .
غرقت لحيته بسيل الدموع وابعد فهد عنه وهو يشوف اخو زوجته المكلوم هو الثاني يجي ويسانده ويطلعه برا المستشفى ..
..
وصل العريس بلهفته
شاب في العشرين ..
نظراته تدور في كل الأماكن لعل وعسى ...
انشرح خاطر فهد وهو يسمعه يقول للمرضه السعوديه بهلع : انتي شفتيها هي بنت شباب .. عرووووس عرووووس لسه .. صغيرة مو كبيرة . نحيفه .. ا ا ا شكلها شكلها ..
قاطعته الممرضه بوجع : اخوي بقيت جثة وحده ومصابة في العناية المشدده .. اذا الجثه مو زوجتك معناتها هي الوحيده اللي نجت .
رفع يدينه للسما مايدري ان الله حكم ونفذ حكمه ولاراد لقضائه .
دخل وجسمه يهتز رعب من الموت وهيبته ..
وخوف ان الجثه تكون للعروس .
كشفت الموظفه عن وجه الجثة وتهاوى على الأرض مغشي عليه ..
وياكسرها الفرحه في عز عزها ..
وياصعب فقدان الأمل في الهناء المنتظر .
شالوه الممرضين على ودخلوه الطواريء
كل هذا على مرأى من فهد ..
وكأن الله بعثه ليقول له ان مصابك هين مع مصاب غيرك .
مصيبه وتجبر مصيبه ..
وربَّ ضارةٍ نافعه ..
وصدق مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ
مسك راسه وهو يفكر بعظم المصاب ..
ذكر الله واستغفره وفز بمكانه لأن الصوت اللي سمعه مو غريب عليه ..
: مشاري وابوه .
وقف لهم واستقبلهم قال : خير يامشاري وش فيكم .
طالع فيه مشاري بوجه اصفر والرعب يدب في قلبه..
والأب الموجوع خايف من الصدمه ..
ووجهه يقول انه مايقدر على التحمل ..
قال فهد : بنتكم في الحادث ..
هز مشاري براسه قال : ارسلونا للثلاجه .
مسكه فهد من يده قال : الظاهر انها نجت .
طالع فيه ابو مشاري وخيط الأمل يلوح ووده يمسكه لايفلت ..
لكنه سكت خايف من ( الظاهر ) تحمل وراها العكس ..
قال مشاري : وش دراك ؟
: الجثث ثلاث تعرفوا اهلها عليها .. والباقي اصابة وحده وهي في العنايه لكن حالتها موب حرجه .
كرر مشاري جملته : وش دراك ..؟
رد فهد وهو يشد على ساعد ابو مشاري التايه مابين يصدق ويفرح ولا يخاف ويتوجس ..
قال : تعالوا للعناية المركزة وكلموا الدكتور تراه معي من اول ماجيت ويطمني عليها اول بأول .
هز ابو مشاري راسه وبقلبه ودوني أي مكان بس اتطمن ..
حثوا الخطى ووصلوا للعناية المشدده وكلم فهد الممرضه اللي عرفته من كثر ماسألها قال : هذولي اهل البنت خليهم يشوفونها من بعيد .
حاولت تعترض بس فهد اقنعها ان اهلها خايفين ماتكون هي فسمحت لهم بالدخول اقل من دقيقه ونظرة ويرجعون ..
دخل ابو مشاري والرهبه لاتقل عن رهبة اللي دخلوا على جثث اهلهم ..
مابين الأمل والخوف ..
تهللت اساريره وهو يشوفها مسجاه على السرير ومطبقة جفونها في وسط اجهزة واسلاك طبيه ..
هز راسه لمشاري اللي ماقدر ينتظر برا ودخل وشافها ..
تسند ابوه عليه ومسكه لحد ماطلعوا وهو يلهجون بحمد الله وشكره على نعمته وانه رد لهم بنتهم ..
ساعد فهد ابو مشاري على المشي وجلس على اقرب كرسي قال : ياولدي وش هالدم اللي عليك .
طالع فهد بملابسه اللي ماقدر يصلي منها قال : شوفة عينك .. قدر الله انه يحطني في طريقهم والحمد لله انا لحقنا بنتك .
طالع مشاري في فهد قال : هذا الدم ..
قاطعه فهد : دم المصابين .. هذا الدكتور جا اسأله عن اختك وانا خلاص بطلع ادور لي شي آكله من العصر وانا احوس لافطور ولا راحه .
اقبل عليهم الدكتور وتحمد لهم على سلامة بنتهم وطمنهم بأن اللي فيها كسور ورضوض وجروح .. وان شاء الله ان حالتها مو صعبة ولاحرجه ..
اقنعهم ان جلستهم مامنها فايده وانهم ماراح يشوفونها الا بعد 48 ساعه .
وعلمهم بأن اللي ساعد بنتهم هو الشاب اللي كان جالس معاهم وانه لولا الله ثم هو يمديها لحقت زميلاتها ..
طلع ابو مشاري مع ولده وبداخله كيف يرد الجميل لفهد ..
وصلوا بيتهم ودق على فهد بس احبط وجوال فهد مافيه شبكه ودلاله انه مسك الطريق اللي يودي لديرته ..
تمددت على سريرها وهي في ذهول وصدمه من كلامه
يبي يسكتها ويراضيها بكلامه هذا ويقول ان البيت لها ..
يحسب الدنيا ماده في مادة .
مايدري اني ماابغى منه فلوس ولا مادة ولا شي حسي ..
كل اللي ابيه هو ..
حطيت يدينها على وجهها وهي مخنوقه
بس مارضت الدموع تنزل
كلامها جمد الدموع ووقف البكا
ووصلها لما بعد البكا ..
تغطت بلحافها تدور الدفى
الدفى اللي يغمر روحها البارده قبل جسدها ..
بس وين الدفى وعماد الجليد ساكن بقلبها واعماقها
سمعت صوت الإمام وهو يقرأ بخشوع وتسلل الصوت والكلام لروحها
وتذكرت ان الباري في مثل هالوقت يدور من يتوجه له ويتضرع ويلبيه ..
فزت من سريرها وتوضأت وفرشت سجادتها اللي صارت تعرف ادق تفاصيل حياتها من كثر ماشكتها عليها ..
كملت صلاتها بخشوع وتونِّ وتضرعت لربها باللي في قلبها علّ وعسى ان الباب هذا محد يطرقه ويخيب ..
فزت من على سجادتها وهي تسمع خطواته تقطع الصمت الموحش في البيت ..
ودخلت في لحافها وغمضت عيونها ..
ماتبي تشوفه وتشتعل النار اللي هجدت على السجاده
وماتبي تسمعه وترجع لها صورة نوف اللي ربطتها بالدور اللي فوق وبحياته ..
وماتبيه يبرر ولا يعتذر لأن الشرخ عميق ...
ورتقه صعب ..
وماتبيه يفتح موضوع البيت وملكيتها له سواء يثبت ولا ينفي لأن هالكلام اكبر منها بكثير وأصعب من كل المواقف في حياتها ..
فتح الباب بهدوء من دون مايدقه وكأنه يثبت لها وله ان هالمكان واللي فيه حلاله
يدخل متى مارغب ويطلع بكيفه ..
شافها متمدده على سريرها ومتمسكه في لحافها وجفونها مغمضتها على عيونها واللي فيها .
تداري عنه ..!
ولا تخشى مواجهته ..! و
لا كارهه وجوده عندها .
خانته قدرته في المقاومه واقترب منها اكثر ..
وهي كذا تغريه وتجذبه ..
وشلون وهو قريبه منه ولا في حضنه ..
لو تدرين ياشادن باللي في الصدر ..
كان فرحتي وانا ابعدك واجفاك .
سحب جاكيته اللي على طرف سريرها واللي اختلط عوده مع ريحة عطرها وشكل ريحة مزجت القوة بالرقة ..
ضمه على صدره وانسحب من غرفتها لغرفته ..
لبس واخذ اغراضه اللي تهمه ونزل لجدته ..
بالقوة اقنعها ان عنده شغل في جده ..
ماقدامه حل الا الهروب ..
خاصة الليلة وفي هالوضع ..
سلم عليها وهي تردد الدعوات بحفظه وتوفيقه وتيسير اموره
ومشى وذكر الله يلهج بلسانه من دعاء سفر لاتكال وتفويضه امره ومعوذات وآيات قرآنية تعينه وتحصنه من الشرور والمساويء ..
***
دخل بيت اهله قبيل السحور ..
ملابسه وشكله تقزز كل من شافه ..
شافته منال وصرخت بصوت افزع حنان الواقفه في المطبخ وبندر وخالد الجالسين على التلفزيون ..
قال فهد : هييي بنت اسكتي روعتي الناس .
جاته تمشي بسرعه وسلمت عليه وهي تتفقده قالت : ياويلي يافهد الدم هذا وشو ..؟ صاير عليك حادث .
رفع يدينه قال : مافيني شي شوفي .. لقيت قدامي حادث وساعدت فيه وهذا دم المصابين .
وصله بندر وسلم عليه وهو معقد حواجبه قال : استغفر الله هذا دم آدمي ولا دم ناقة منحورة عليك .
سلم على خالد وحنان قال : لاوالله حادث كرهني بعمري .
تكلمت منال وهي مكشرة قالت : ياعمري يافهد هو انت ناقص .
رمقها بندر بنظره لوم والتفت لفهد قال : غسل غسل والله الظاهر انك مااكلت شي من امس .
رفع فهد حواجبه بتعب قال : خلها على الله بس .. على سحوري ومتبرع بدم للمصاب والدنيا قدامي سودا بغيت اصدم مرتين .
قالت منال بلهفه : خلاص ادخل تروش وبدل ملابسك وانا احضر السحور الحين .
طلع ابوه على صوته وهو يرحب ويهلي كأن له سنين ماشافه ..
بس فتر صوته وهو يشوف هذا شكله وحاله ..
قال : ذابح لك رجال ..؟
جاه فهد يمشي قال : ماذبحت احد الله يخليك لي .. اسعفت لي مصابين وهذا دمهم .
زفر ابوه بارتياح وسلم فهد على جبينه ولثم يده قال ابوه : بشرني عنك وانا ابوك ..؟
هز فهد راسه قال : الحمد لله على النعمه والعافيه بخير من ربي ياجعلك بخير . الا الوالده وينها ..؟ نايمه . ؟
: مهب الظاهر ادخل لها وانا ابوك طمن قليبها ترى دمعتها ماجفت عليك .
رد فهد : خلني ابدل ثيابي لاتشوفني وهذا شكلي ..
قطعت عليهم شهقة امه وصرختها وهي تقول : ياويلي على وليدي ..
رفع لها يدينه وكأنه يقول شوفيني مافيني شي وجا يمشي عندها وهو يقول : اصبري الله يخليتس لي مافيني شي ناس صاير عليهم حادث واسعفتهم .
هدا روع الأم بالرغم ان المنظر مؤسف بس سلامة ولدها فوق كل شي
قالت : لااله الا الله وكل هذا دم .. حيوا ولا ماتوا .
عطاها فهد ظهره وتوجه لغرفته وهو يقول : مات اللي مات وحيا اللي حيا ..
طالع في حنان المتقرفه من هيئته وريحة الدم قال : تكفين ياحنان ابي لي حليب بزنجبيل قبل السحور .. البرد ذبحني والحكه قطعت صدري .
تكلم خالد : عجلي بدال مانتي واقفه وعافسةٍ وجهتس .
دخل فهد غرفته وبدل ملابسه وغسل وصلى العصر والمغرب والعشا وطلع لهم كمل جلسته معهم وهو يوصف لهم الحادث من دون مايجيب سيرة جيران نايف حتى ماينزعجون البنات خاصة انهم عرفوهم وحبوهم ..
***
ثلاثه ايام عصيبه مرت عليهم
حالتها من سوء لأسوأ ..
كسور في الفخذ والساعد من الجهه اليسار ..
جروح عميقه في الرأس والرقبه سببت لها نزيف والقزاز اخرجوه بصعوبه ..
وكل هذا يهون لأن الجرح مصيره يندمل
والكسر يجبر
وقف مشاري بجنبها وهي مطبقة جفونها لأنها ببساطه رافضه العودة ..
الصدمة سببت لها انهيار عصبي حاد ..
ان الواحد يصحى من نومه على فزع هذا بحد ذاته صدمه
لكن ترميه السيارة على بعد 15 متر وهي في طور الصدمه ثم تزحف رعب وخوف وألم ونزف وتوصل زميلاتها وهم اجساد بلا ارواح وتكلمهم اكثر من ساعه ونص هذا شي فوق الاحتمال
وخاصة ان سارة من النوع الرقيق اللي مااعتادت على الصلابه .
مسح مشاري على راسها وامه تتمتم بأدعية وابتهالات وتنفث عليها وتمسح جسدها ..
دخلت ريهام بنت خالتها وخطيبة مشاري قالت بهمس : ها كيفها الحين .
هز مشاري كتوفه وهو يحاول يختصر بكلمات معدوده لأن الأطباء حذروهم من ازعاجها قال : على حالها ماصحت .
مسكت ريهام يد مشاري قالت بهمس في اذنه : تعال اطلع معاي واترك خالتي تجلس عندها ..
خرج مشاري بناء على طلبها ووقف برا قال : ليه ماكلمتيني اجي آخذك .
ردت ريهام وهي تضيق فتحة نقابها وتميل طرف طرحتها عليها قالت : ماحبيت اتعبك ابوي نزلني وراح .. مشاري حبيبي لازم تاكل وتعيش وتحمد ربي انها مالحقت زميلاتها .
تنهد مشاري قال : الحمد لله على كل حال .. انا مامخوفني غير هالانهيار ولا الباقي كله مسألة وقت ان شاء الله .. طمنوني الدكاترة .
ضمت على يده برقة قالت : حبيبي انا اعرف سارة ممكن تتعب فترة بس راح ترجع خليك واثق من كلامي .
هز راسه قال : يالله امشي برجعك للبيت واقنعي امي ترجع معاك مرة رافضه تتحرك حتى فطور للحين ماافطرت .
دخلت ريهام لخالتها اخت امها وام خطيبها وهمست في اذنها بترجي وسلمت على راسها وبإقناع قامت خالتها معاها ترجع لبيتها وتصلي العشاء والتروايح وتستغل الايام الفضيلة في الدعوات لبنتها اللي تركت قلبها عندها ..
***
مرت بقية العشر الأواخر والناس ملتهين مابين صلاة ومساجد واسواق وزيارات .. لولا وجود عمتها فوزية عندهم اليومين اللي راحت كان يمديها تفجرت من الطفش والغيض من عماد وغيابه ..
الليله اعلنوا انه العيد وان الشهر ناقص ..
وهو للحين مارجع ..
" يحسب الهروب حل ...
طيب واذا رجعت ياعماد وش الحل ..؟ "
قالته بقلبها وهي تدخل غرفته اللي رتبتها قبل يومين ونظفتها وكأنها تستجديه يرجع اذا حس ان غرفته نظيفه ..
طالعت في الغرفة وحاجياته وكأنه يحاصرها
رغم انها ترتاح اذا دخلتها الا انها تحس انه يخنقها اذا تذكرت تصرفاته معها ..
سكون البيت يخوف ..
مافيه أي شي يقطع الصوت الا صوت خطواتها وحركتها في الغرفه
وصوت الهوا اللي يتسلل مع الثقوب حول اطارات الشباك ..
حتى القرية بليلة العيد ماتغير فيها شي الا ان البيوت اضاءوا المصابيح العطلانه اللي تطل على الشوارع ..
ومظاهر ليلة العيد من العاب ناريه وخروج الناس من بيوتهم اللي اعتادتها في جده تفتقدها قرية الأجواد والكل لجأ لفراشه من بدري لأن العيد عندهم رغم جماله وحلاوته الا انه مشقه وعناء وتعب والأحسن انهم يستقبلونه وأجسادهم مرتاحه ..
في اثناء الصمت الواجم على انحاء البيت الكبير ..
والهدوء اللي يخوف اكثر من انه يُشعر بالراحه ..
سمعت صوت خطوات مع الدرج ..
مافيه غيره خطواته قوية وسريعه ..
وأكيد انه رجع عشان الليلة عيد ..
وين تطلع وهو خلاص قريب من الغرفه ..؟
وش تقول ..؟
الأفضل انه يضبطها متلبسه وبعذر ولا يضبطها هاربه وبلا عذر ..
فتحت الادراج بسرعه وسوَّت نفسها تدور على شي ..
ماتردد انه يدخل غرفته المضاءة انوارها ومفتوح بابها على غير العادة اذا ماكان فيه ..
شافها واقفه بارتباك وتدور في الادراج ..
رغم انه مايحب احد يدخل غرفته ويعترض اذا احد حاول انه يفتش او يبحث في خصوصياته اياً كانت .. الا انه سكت ومااعترض على فعلها ..
وقف على الباب وهو يطالعها ..
لاسلام ولا كلام ولارفع نظره عنها .
قميصها الزهري القصير والناعم جداً مطلعها ابهى صورة ..
شعرها الأسود اللي يتمنى يدخل يدينه فيه ويلمسه بحرية وراحه يأسره ..
ذبول عيونها الواضح يبهره رغم انه ذبول والذبول عمره مااغرى الا انه على عيونها اغراه وفتنه ..
كان يناظرها بحزن ..
بين فرحة اللقا وهمّ القرب .
اربكتها نظرته وخافت انه يعاتب ..
اصعب شي تواجهه مع عماد نظراته الغريبه ..
يبي يقول شي ويعجز ..
طلعت يدها من الدرج بفتور وفيها مقص اظافر الشي الوحيد اللي قدرت تحصل عليه ويمكن يكون هو عذرها قدامه ..
حاولت تبلع ريقها بس خذلها حلقها الجاف قالت بارتباك وهي ترسم ابتسامه باهته مالها أي تعبير على وجهها : الحمد لله على سلامتك ا ا ا ... رفعت مقص الأظافر وكملت بخجل : كنت ابغى هذا .
مشى ناحيتها بسرعه وعينه على مقص الاظافر وخطفه منها قال بلهجة حاده ماتوقعتها : هذا استخدمتيه .
: لا كنت باخذه ماعندي ...
تنهد بارتياح قال بصوت موجوع وهو يقاطعها : لاعاد تقربين من اغراضي الشخصية .
اسلوبه هذا يجننها
ينهكها ويوجع قلبها ..
ليه يأمر بتوسل
ليه يتقوى وبضعف .
ليه ينكسر قبل لايكسرها ..
طلعت لغرفتها بخيبتها وتركته بين همه وندمه وخوفه عليها ..
وكل واحد يلوم نفسه على تصرفه ..
هي عذرها الشوق وهو عذره خايف عليها ..
حاولت تنام بدون ماتفكر في اذيته لمشاعرها
وهو حاول يتناسى ويعذر نفسه بأنه معاه حق ..
تقلبت طول ليلها واستجدت النوم باغلاق النور وهدوءها واخماد بركان الغضب الثاير بداخلها ببعض الآيات القرآنية والأدعيه اللي تحفظها ..
لكن النوم ابى وتمنع ورفض انه يطرق جفونها وظلت صاحيه لين سمعت الأذان ..
اما هو فرحمه تعبه وهاجمه النوم رحمة ورأفه ..
فزت من سريرها ..
وصلت ولبست تنورة لونها سماوي مشجر بأصفر واحمر .. وبلوزة لونها سماوي سادة وماسكه عليها .. بصدر واسع وأكمام طويله وضيقه ..
انتهت من مكياجها اللي اختارت الوانه هادية جداً وتناسب النهار ..
اغرتها الأصوات اللي سمعتها برا وفتحت الستارة حقت غرفتها وشافت النور يغازل سماء العيد ..
الناس بدت تطلع من بيوتها والكل بملابسه الجديده ..
الأطفال بثيابهم انتشروا في الطرقات من بدري بانتظار الصلاة .
وصل سمعها صوت عماد وهو يسكر باب غرفته وعرفت انه نزل رايح للصلاة ..
كانت تتأمل الرجال وكل واحد خارج بسجادته لمصلى العيد اللي في آخر القرية ..
الجو مفعم بروح المناسبه ..
تذكرت ان جده على النقيض ..
الناس صحيح تروح تصلي وبعدها يعم الهدوء على البيوت خاصة انها عاشت سنين طويلة بدون قرايب .. واهل سارة اللي تعتبرهم اهلها غالباً يقضون العيد في ينبع عند جماعتهم ..
شافت عماد وهو يطلع من البيت وجدتها معاه رايحه للمسجد .
تذكرت كلام فوزية ان امها لايمكن تتخلى عن صلاة العيد في المسجد ..
لابس ثوبه الأبيض وشماغه الأحمر ويمشي بهيبه مميزته عن الجميع ..
توارت سيارته عن انظارها وقفلت ستارتها ونزلت تحت ..
جهزت القهوة والحلا في قسم الرجال وسوت الجمر بانتظار الضيوف حتى تحط العود ..
سمعت اصوات عمانها وجدتها والمعايدات والتهنئة وطلعت سلمت عليهم وعماد بينهم ..
سلم على راسها وهو يعايدها وردت بصعوبه وخجل واحراج بـ : وانت بخير ومن الفايزين .
قال فواز وهو يقصر صوته بلوم لعماد اللي يبتسم على شكلها : ياخي ماتستحي انت ..؟ احرجت البنت .
ضحك عماد بصوت مسموع واقرع صوت ضحكته في قلبها قبل اذنها .. ولف يده على اكتافها وهو يقول : هههههههههههه عايدتك انت ماتبيني اعايد حرمتي .
حرمتي ..؟
حرمتي ياعماد ..؟
طالعت فيه باستغراب ورجاء وخوف واستنكار لأنه يستخف بوجودها في حياته ..
تجاهل نظرتها ورجع يكلم فواز : خلنا نروح للمجلس شكل الناس جات تعيد علينا .
طلع فواز قبله ولحقه ناصر اللي وصل امه للصاله وساعدها على الجلوس ..
رفعت يدينه من عليها وانسحبت وهو يتبعها بنظراته ..
***
العيد عمره ماطرق كل البيوت بفرح ..
الا مايصير بيت يرثي ويبكي والخلق معيده ..
عيال اميرة الايتام وامها واخواتها وزوجها اللي تعودوا عليها كل عيد هالمرة مفتقدينها ..!
مالها حس ولاصوت ولا وجود ..
وساميه اللي عمرها ماقضت العيد بعيد عن اهلها ماتت ومات معها الفرح وبهجة العيد ..
زوجها صابته صدمه عصبيه ماقدر يجلس في الديرة وسافر للندن عند ولد عمه اللي يدرس هناك ..
وفاطمه والمأساة اللي خلفتها في كل بيت عرفها بسبب فقدها وفراقها ..
بدءاً ببيتها وبيت اهل زوجها وبيت اهلها وانتهاءً بدور الايتام والملاجيء ..
وفي مستشفى فقيه بجده ..
بعد مانقلها ابوها من الطايف ودخلها مستشفى خاص اكثر عنايه واهتمام على حد قوله ..!
كانت نايمه وساكته ..
الصدمه العصبية اللي تعرضت لها اسكتتها وافقدتها وجود اللي حولها ..
وامها وابوها واخوها حولها ويحاولون يحسسونها بأهميتها وان سلامتها ونجاتها من الحادث شيء مفرح ويستحق انها تصحي عشانه ..
وهي رافضه العودة للواقع بسبب الانفعالات الثايرة بداخلها وكان خير تعبير لها هو الهروب والابتعاد عن الواقع بكل مساوئه واحزانه وصدماته ..
بدءاً بصدمتها في خالد وانتهاءً بصدمتها في الحادث وفقد زميلاتها امام نظرها ..
***
في مجلس ناصر ..
مجتمعين على الغدا لأنه الكبير واعتادوا ان اول يوم الغدا يكون عنده ..
دخل على ابوه وعمه واخوانه وعماد وهم يسولفون قال ابوه من بين الجالسين : فهد من وين جيت وانا ابوك لنا اربع ساعات ندور عليك .
طالع فيهم وهو يحاول يتجلد ..
اليوم اول عيد يقضيه بدون سعود والأعياد القاتمة قادمة ..
قال بمرارة : رحت للمقبرة .
خيَّم الصمت على المجلس واكتفوا بالنظر والمواساة الصامته ..
التفت على عماد قال : ماوديت اهلك لجده ياابو مشعل .
: لا والله .. انا كنت عازم نايف وامه يجونا في العيد بس اللي صار ان بنت جيرانهم مدرسه في السبيل وصار عليها حادث وهي صديقة شادن وعلى حسب كلام نايف انها لو درت يمكن يصير لها شي .. وهو وامه اللي طلبوا مني مااجيبها لين صديقتها تطلع من المسشتفى .
قال فهد باهتمام : من تقصد ..؟ بنت ابو مشاري ..؟
رد عماد : ايه علمك نايف ..؟
: لاوالله ماعلمني نايف .. علمني شوفي لها ولحادثها ..
طالع في بندر وابوه قال : تذكرون الدم اللي على ثيابي يوم جيتكم تراه دمها كشر بوجهه قال : ريحته قعدت في خشمي خمسه ايام .
قاطعه عماد باهتمام : وين جيت الحادث ووشلون جاك دمها .
سرد فهد عليه السالفه ووصف الحادث ومساعدته للبنت وتحاشى الكلام عن حالتها وانهيارها وكلامها لزميلاتها لسبب يمكن يكون انه يذكره بحالته وسعود في حضنه جثه هامده ..ويمكن لسبب آخر ..
***
مرت ايام العيد عليها وهي في ضيقة .
قالت له بتروح لجده تعيد على اهلها بس قال اجليها لين انزل لجده ..
تحجج لها بالشغل في الديرة والطايف وان ماله نية يروح لجده ..
واكتفت بمكالمة امها من جواله الثريا اللي مايفتحه الا اوقات نادرة وللضرورة ..
من بعدها ماعادت فتحت معه الموضوع ..
ولا حاول يحتك فيها كثير ..
..
الليلة نايمه في غرفتها وبأمان الله ..
سمعت دقات خفيفه على باب غرفتها اللي قفلته وهي تبدل ونست تفتحه ..
فزت من نومها تتخبط بهلع وفتحت وزاد هلعها من منظره وشكله ..
صرخت بقوة : عماد .. عماد شفيك ..
مال بجسده عليها وهو يتأوه ويده على اعلى جنبه الأيمن قال بوجع وهو يمد عليها مفتاح سيارته : روحي لسيارتي هاتي كيس الأدوية اللي فيها .
ردت بخوف وهي تشوفه يرتجف وعيونه حمرا .. وزاد رعبها وهو يجري للحمام ويرجع اللي في معدته بصوت عالي ومتوجع ..
لحقته للحمام ولمحها قال : عجلي ياشادن لاتوقفين تطالعيني ..
راحت بسرعه وناداها بصوت عالي بألم : البسي شي قبل تطلعين .
اخذت عبايتها وطرحتها ولبستها وهي تجري زي المجنون الخايف الهارب اللي يدور على ملاذ وبنفس الوقت يطرد احد ..
فتحت باب الفيللا وباب السور بلا شعور ووصلت للسيارة ..
جربت المفاتيح الكثيرة اللي تجمعها مداليته الفضية واخيراً لقت المفتاح اللي انصاع له باب السيارة وفتحه ..
فتحت الدرج كأول توقع لها ان الأدوية راح تكون فيه ..
وفعلاً ماخاب توقعها وسحبت كيس الأدوية ورجعت تجري للبيت ..
وصلت غرفتها وهي تلهث ..
من سنين ماجرت زي كذا .. بس مو هذا المهم ..
المهم توصله وتلحقه ..
كان رامي نفسه على سريرها على وجهه وحاضن المخده على بطنه وصدره ..
اول ماحس بحركاته قام وجلس ..
مد يده على الكيس واخذها وطلع منه حبة مسكنة ومعاها حبتين من اللي اعتاد عليهم ودسها بفمه وشرب وراها موية من كاسة شادن اللي غالباً تلازم كومودينو سريرها ..
رجع تمدد على ظهره وهمس : لحفيني زين .
تأملته وهو يصارع الألم بصمت ..
وجهه الاصفر وحبات العرق تنتثر عليه ..!
التفت عليها وانتبهت لنفسها وسحبت اللحاف وغطته ..
مضت عليها دقايق وهي واقفه تطالع فيه بصمت ..
اخيراً استسلم للنوم وكأنه طفل الثلاث سنوات ..
بدون أي مقاومه او استدعاء واستجداء ..!
تسحبت من غرفتها وطلعت للصاله ..
كيف تنام بعد هالليلة العصيبه ..؟
وشلون تعيش معاه وتقدر تواجهه وتكلمه وهو كتلة استفهامات والغاز ..
جلست في الصاله اللي فوق ومابين فترة وفترة تطلع عليه وكان وضعه واحد وشكله واحد ..
الا ان ملامحه بدا عليها الارتياح اكثر من اول ..
سندت براسها على الكنبه وغفى جفنها قبل الأذان
اما من التعب او باستدراج ابليسها للنوم حتى ما تصلي صلاتها على الوقت ..
***
من بعد هذيك الليلة ماشافته الا يوم العيد ..
على قد ماتحبه على قد ماهي غاضبة ومقهورة منه ..
فتحت شباكها تدور اثاره وتمني عيونها بشوفته علّ الشوق يهدا ويهجد ..
ابد ماله اثر ..!
حتى المزرعه اللي اعتاد يروح لها يومياً ماراح لها من العيد .
وقفت اختها نورة وراها قالت : نوف لو سمحتي سكري الطاقه فضحتينا في الناس خلاص مامن مراقبتس له فايده .
سندت بظهرها على جدار غرفتها الاسمنتي وهي تطالع في اختها بحسرة وقهر قالت : نورة .. حظنا ليش كذا .
جلست نورة على الارض وكتابها في يدها تبي تراجع قبل الدوامات اللي بتبدا بكرة .
قالت : وش فيه حظنا .. عايشين من احسن شي .
جلست نوف باحباط قالت : وين هو اللي احسن شي وتشوفينه .. وش عاجبتس في حياتنا .. ابوي الشايب الفقير ولا امي اللي تشقا من يوم تصبح لين تمسي ولا فقرنا وبيتنا وحياتنا بلا اخو ولا سند .. وكله كوم وعيشتنا في القرية هذي كوم .. ليش ربي ماخلقني من بنات المدن وغنيه بدال هالعيشة اللي تقصر العمر .
ردت نورة بحده : احمدي ربتس يانوف غيرتس يتمنى عيشتس .. عندتس ام و ابو شايلينتس على كفوف راحتهم .. وموظفه وغيرتس مالقاها .. لاتعترضين على قسمة ربي ترى ربي مايقسم لعبده الا اللي يشوفه في مصلحته ويناسبه .
: مشكلتس يانورة ان تفكيرتس عند رجولتس ... طالعي في شادن مرة عماد ...
قاطعتها نورة : انتي ماخلاتس تفكرين بهالخرابيط الا عماد واحلامتس اللي نسجتيها معه . اصحي يانوف عماد مهوب لتس ولايفكر فيتس .. وحتى لو ماتزوج شادن عماد واي رجل في الدنيا مايحب البنت اللي ترمي نفسها عليه .
تطاير الشرر من عيون نوف وهي تقول : وانتي شايفتني رامية نفسي عليه .
: ايه مالتس شغله الا تقزينه مع الطاقه .. ولاتحسبين العنود ماعلمتني بسالفة الرسالة .. انا سكت عشانتس اختي الكبيرة وعشان ابوي وامي مايدرون وانتي تدرين ان ابوي لو درى عن سوالفتس وش بيصير له .
: فكيني فكيني بالله من محاضرتس اللي تجيب المرض .
: تصدقين اني جاية ابي اكلمتس في الموضوع هذا واشوا انتس اللي فتحتيه .
: اوووووووووف هذي من يصك فمها الحين .
: انا بقول لتس كلمتين ترى ان كررتي حركاتس هذي والله ثم والله يانوف لاعلم امي .. وامي ان درت تبي تقول لابوي جيب المملك وزوجها حمود واسترها .
ارتعبت نوف من طاري حمود قالت : الله ياخذ عدوتس يالخبلة فكيني من سيرة هالعله واذا اسمه معجبتس تراه حلال عليتس ماابيه ولا ابي طاريه .
وقفت نورة قالت : انتي اصلاً ماتستاهلينه .. لكن البلا انه يبيتس ومايبي غيرتس .
طلعت نورة وتركتها .. ونوف تتمتم بقهر : اللي يبينا عيت النفس تبغيه واللي نبي عيا البخت لايجيبه .. تبعت اثار اختها بنظرة حزينه وكملت : عيا البخت لا يجيبه يانورة ..
***
يوم دراسي اول ..
وصباح جديد وعودة للروتين اليومي ..
مرت من عنده منال لابسه مريولها وهو متوسد فخذ امه اللي تمسد له شعره ..
قالت منال : يمه شوفي حنان خليها تعجل .. كل شوي وهي لابسة بلوزة شكل .. وكل شوي وهي فاتحة شعرها وتغير شكله .
رد فهد وهو مغمض عيونه : علامتس يالعصلا اخلاقتس قافلة مع الصبح .
قالت : علتني اختك كل يوم وحنا داخلين المدرسة والطابور قد بدا .. ولولا الوكيلة تحبني ولا وقفتنا قدام البنات .
قام جلس قال : انا ولد ابوي .. تحبني وشو ..؟
ضحكت منال منه قال : ههههههههههههه وكيلتنا مصرية كبر جدتي حصة .
ابتسم فهد ورجع تمدد وحط راسه على فخذ امه من جديد قال : اشوا اشوا .. اللي نسمعه الايام هذي في المدارس يشيب الراس الله لايبلانا .
قالت حنان اللي جات تمشي وهي تلبس عبايتها : تكفى فهد اليوم تودينا للمدرسة ماعندك لاشغله ولا مشغله .
رد عليها بدون مايطالع فيها :
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك