بارت من

رواية ملاك الحب -10

رواية ملاك الحب - غرام

رواية ملاك الحب -10

جاءت الأم على حديث رهف .. وتقدمت منه لتسلم عليه .. فقبلها على رأسها بأدب :
- فليباركما المولى .. وليحرسكما من كل عين حاسده .
ابتسم العروسين بحياء .. ثم فجأة دخلت رهف إلى الحجرة وجاءت بالكاميرا .. لكي تلتقط لهما صوره .. بعد ذلك نظرت بريبه إلى حسام .. وتساءلت بقلق .. وهي تراه خالي اليدين :
- أين هو فستاني .. الم يجهز بعد ؟.
خبط حسام جبينه بيده برفق وأجابها بحياء :
- لقد نسيته في السيارة .. سأحضره حالا .
ضحكت رهف عليه وقبل أن تعلق مازحه .. أشارت لها نور بعينيها كي تكف .. فهي تدرك مدى خجل حسام .. ظلت نور تنتظره ودخلت رهف والأم إلى الحجرة .. عندما رأته أسفل الدرج .. استوقفته كي تنزل هي لأخذ الفستان .. نزلت بسرعة وعند الدرجة الأخيرة كادت تسقط فتلقاها هو بين ذراعيه .. ابتعدت من حضنه بحياء .. فحدثها مازحا :
- هل تسعين لتشويه عروستي ؟.
زاد احمرار وجنتيها .. فاقترب منها أكثر وهمس في أدنها .. وهو يضع الفستان بين يديها :
- هذا ما كنت أود رؤيته قبل أن اذهب .
ثم اختطف قبله سريعة من خدها وهو يودعها مازحا :
- تصبحين على خير صغيرتي .. ولتحلمي بي .
خرج حسام دون أن ينتظر ردا منها .. وكانت هي تحاول أن تتمالك نفسها .. وتهدئ ذلك الصخب الصادر من قلبها .. صعدت الدرج بفكر شارد .. وكأنها تحت تأثير المخدر .. وعندما دخلت الحجرة اختطفت رهف الفستان منها لتقيسه .. فحمدت الله انشغال رهف عنها .
في تلك الليلة هجر النوم عينيها .. ظلت تفكر بحسام .. وبتلك الأحاسيس الجديدة التي يشعرها بها .. ذلك الاضطراب اللذيذ الذي يدغدغ مشاعرها بلطف كلما اقترب منها .. أو همس في أذنها .. رفعت أناملها لتتحسس خدها .. ثم ابتسمت بحياء وهي تحاول طرد تلك الأفكار من رأسها .. كم هي حمقاء .. لا يمكن أن تدع هذه الأحاسيس الغريبة تسيطر عليها .. فمؤكد أن حسام مثلما هو .. يسعى دوما لإدخال الفرح إلى قلبها .. بكلامه الرقيق وبهالة الحب التي يرسمها حولها ..
استيقظت بكسل بعد أن عانت الأرق في الليلة الماضية .. كان هنالك جو كئيب يعم البيت .. فاليوم آخر يوم لها في بيتها الحبيب .. كانت تحاول تحاشي النظر إلى عيني والدتها .. ولكن عندما جاء حسام بعد أذان العصر لأخذها لصالون التجميل .. وحانت لحظه الوداع .. أحست نور بيد قاسيه تعتصر قلبها .. وخنقتها العبرات .. سلمت على كل المتواجدين في البيت بدموعها الصامتة .. حتى الخال نبيل أحست بأنها ستشتاق إليه .. وحينما احتضنتها والدتها .. كانت تود لو تصرف عمرها كله في صدرها الحنون .. خرجت من البيت بصعوبة .. وظل حسام يرمقها بصمت وهي تجفف دموعها .. لم يكن بحاجه لسؤالها فهو يدرك كل الانفعالات التي تمر بها ..
رغم كل الحزن الذي تحسه .. لكنه كان يوما جميلا .. كانت هي كالملاك الطاهر بذلك الثوب الأبيض الطويل .. وتلك الطرحة التي تغطي وجهها .. لقد رأت جمالها في مرآه عيني حسام .. عندما رفع لها طرحتها وقبلها على جبينها .. من ثم دخلا لقاعه الاحتفال على أنغام هادئة .. شعرت بجو مريح يغمر المكان .. مما زادها هدوء .. وفي منتصف الطريق حلقت عليهما شله من الصديقات وبدأن بزف العروسين بأغاني عدنيه ..
كان الخجل يتملكها .. خصوصا عندما أصرت رهف أن يرقص العريسين قبل مغادرة حسام للقاعة .. وقامت متغطية كليهما بطرحة نور الطويلة .. كانت تدرك مدى حياء حسام .. فراحت تبتسم له وتحدثه مازحه :
- أنت تتعرض لكل أصناف العذاب بجانبي .
ضحك لقولها ورد عليا وهو يقربها منه :
- ولكني لم اشتكي .
قبلها على جبينها قبل أن يغادر القاعة .. أكلمت نور الاحتفال وهي تشعر بسعادة لرؤيتها لفرحه أحبتها .. انقضاء السهرة بسرعة بالغه .. أو هكذا هيئ لنور .. وفي منتصف الليل كانت في بيتها الجديد .. رافقتها والدتها وبعض النسوة من الأهل والأصدقاء .. ثم ودعوهما بعد أن أطمئنوا عليهما .. ظلت نور تقف بقلق في حجره النوم تنتظر حسام الذي رافقهم إلى باب المنزل ..
كانت ترهف السمع إلى ما يدور بجانب الباب من أحاديث .. وتشعر باضطراب في جميع حواسها .. ثم تزايد وقع نبضاتها مع وقع خطوات حسام المقتربة نحوها .. حاولت أن تذكر نفسها بشكليه هذا الارتباط .. وبإخوة حسام المؤكدة لها .. لكن دون جدوى فذلك القلب الهائج يأبى أن يفهم ذلك ..
اقترب منها حسام بهدوء .. وطوقها من الخلف بذراعيه .. احمرت وجنتيها وسرت رعشه خفيفة في بدنها عندما شعرت بدفء جسده وهو يشدها برفق نحوه صدره العريض .. ثم اخذ نفسا عميقا من ذلك العبير المنبعث من خصلات شعرها الأسود .. وهمس في أذنها بصوت يملؤه الشغف :
- احبك .
(11)

قرار

اقترب منها حسام بهدوء .. وطوقها من الخلف بذراعيه .. احمرت وجنتيها وسرت رعشه خفيفة في بدنها عندما شعرت بدفء جسده وهو يشدها برفق نحوه صدره العريض .. ثم اخذ نفسا عميقا من ذلك العبير المنبعث من خصلات شعرها الأسود .. وهمس في أذنها بصوت يملؤه الشغف :
- احبك .
تسمرت نور بين ذراعيه .. وحبست أنفاسها .. شعور بالخوف كان يتسرب داخلها .. ابتعد حسام عنها قليلا .. وامسك بكتفيها ليديرها نحوه .. قابلتها ابتسامته الدافئة :
- هل أخفتك ؟.
هزت رأسها بالنفي بشكل غير واعي .. ولكنه راح يزيد من اضطراب مشاعرها .. عندما لثم كفيها الناعمين بين يديه .. وشبك أنامله بأناملها التي أضحت كقطع من الجليد .. كانت تشعر بخديها يلتهبان من شده خجلها وبفعل تلك الأنامل التي تداعب كفيها .. نظر إليها حسام .. ورنه العشق تصرخ في كلماته :
- هل تعلمين انك أجمل فتاه رأتها عيناي ؟.
ثم رفع يدها وقبلها .. مردفا بصوت خافت وكأنه يحدث نفسه :
- أم أن عيناي لم تعد ترى غيرك ؟.
للحظه شعرت نور بالدوار .. فكلمات حسام الهائمة تفقدها السيطرة على نفسها .. لقد قلب كيانها في هذه الدقائق القليلة .. لم يعد قلبها يحتمل المزيد .. ولم تعد هي قادرة على إخماد ثورته بين الحنايا ..
اختلست نظره سريعة نحو حسام .. وما رأته في عينيه كان كفيلا بإرباكها .. كاد قلبها يجزم بان هذا الشاب الذي يقف أمامها لا يشبه حسام ابن عمتها وأخاها الكبير .. ولكن هنالك جزء بداخلها ظل ينفي ذلك بإصرار .. غير معقول .. هل يحبني حسام ؟.. هكذا تساءلت بشك .. ولكن منذ متى ؟.. إنها تدرك عمق تلك المشاعر التي يكنها لها .. ولكنها لا تستطيع مطلقا ترجمه أحاسيسه نحوها لأكثر من أخوه صادقه .. ولكن هل ما تحسه هي يدرج تحت مسمى الأخوة .. نعم هذا سؤال أهم يجب أن تواجه به نفسها .. فهي لا تستطيع إنكار هذا الاضطراب اللذيذ الذي يختلجها .. ما إن تلمسها يداه .. دقات هذا القلب المجنون .. والذي سرعان ما يقرع طبول التوتر عندما يخصها بتلك النظرة التي تجهل أسرارها ..
جاهدت نور لكي تطرد تلك الأفكار من مخيلتها .. إن حسام مثلما هو .. وسيبقى كذلك دوما .. أكثر شخص يحبها .. ويخشى عليها من نسمات الهواء الرقيقة .. وستظل هي دائما صغيرته التي يهوى .. كم هي حمقاء حقا .. فلابد أن هذه طريقته الجديدة للتخفيف عنها ..
ابتسم لها حسام تلك الابتسامة التي تعشقها .. محاولا بث الاطمئنان فيها .. فهو قادر على قراءة تعابير الحيرة المرتسمة على ملامحها ..
سحبها حسام برفق بيديه اللتان لا تزالان تطوقان أناملها .. وأجلسها على السرير .. كانت تشعر وكأنها دمية من قماش تتعلق خيوطها بين أنامله ليحركها كيف يشاء ..
حدثها ولكن بصوت جاد هذه المرة .. وتوهمت رؤيتها لحزن يغزو عينيه .. وشعرت بتلك اللحظة انه لا يقل عنها توترا .. وكأنه يصارع شيئا بداخله :
- صغيرتي .. هل لي أن اطلب منك شيئا ؟.
أجابته نور بهزه خفيفة من رأسها .. لم تعد تفهم شيئا الآن .. لقد أصبح حسام لغزا محيرا بالنسبة لها .. فلطالما كانت تملك القدرة على قراءة عينيه مثلما يستطيع هو .. ولكنها الآن لا تقوى حتى على التكهن بما يدور في رأسه .. أخرجها صوته الدافئ من شرودها .. وراحت تنصت له مع تعالي دقات قلبها :
- أنا أدرك يا نور شكليه هذا الارتباط .. ولكني مع ذلك أتمنى أن افعل معك كل ما أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم .. في ليله مثل هذه .
تعلقت عينيها بعينيه الحالمتين .. وابتسمت دون وعي منها .. فذكره لرسولها الحبيب أشعرها بإحساس لطيف .. أردف حسام قائلا بعد أن أحس بتجاوبها معه :
- فأنا أود أن يبارك الله لنا أيامنا القليلة معا .. صغيرتي .
رغم تذكير حسام لها بشكليه الارتباط .. إلا أن خجلها لم يفارقها .. وأشارت له برأسها بالموافقة .. وكأنها قد نسيه لغة الكلام ..
رفع حسام يده اليمنى ووضعها على جبينها .. وراح يردد :
- ((اللهم إني أسالك خيرها وخير ما خلقت له .. وأعوذ بك من شرها وشر ما خلقت له .. اللهم بارك لنا وبارك علينا .. واجمع بيننا في الخير )) .
وقف بعد ذلك ويسحبها معه :
- هيا لنتوضأ الآن .. كي نصلي ركعتين .
تبعته نور بخضوع .. وتوضأت بعد أن انتهى هو من وضوئه .. ثم ارتدت ثوب الصلاة .. وانتصبت خلفه .. لكي تؤدي تلك الصلاة المباركة .. بدأ حسام يرتل آيات من القرآن الكريم .. وكان صوته الدافئ العميق .. يثلج صدرها .. وعندما انتهيا من الصلاة .. كان توترها قد خف قليلا .. وكأنه بذلك الصوت الجميل المجود لكلمات الله تبارك وتعالى قد سحر قلبها الرقيق .. وبث الاطمئنان إليه ..
التفت إليها حسام وكانت السعادة تشع منه .. فابتسمت رغما عنها وحدثه أخيرا .. بصوت خافت مازال الحياء يسيطر عليه :
- حسام .. أنا سأذهب للاستحمام .
- حسنا صغيرتي .
دخلت للحمام .. وبدأت تستحم بفكر شارد وخالي من الأفكار بنفس الوقت .. لم تكن هنالك فكره محدده في رأسها .. وما أن شارفت على الانتهاء سمعت طرقا خفيفا على بابها .. توقفت بقلق ولم تستطع النطق بعد أن عاودها توترها .. ولكن حسام اخبرها ببساطه أراحتها :
- صغيرتي .. أنا سأنزل للخارج .. فلقد نسيت هاتفي في السيارة .
- حسنا .
لم تزد كلمه عليها .. وراحت تتنفس الصعداء بعد أن تذكرت أنها لم تحضر أيه ملابس معها إلى الحمام .. لفت فوطه الاستحمام حول جسدها .. وخرجت بهدوء .. وهي تحمد الله أن حسام في الخارج الآن .. ولكنها عندما دخلت إلى الحجرة .. وجدته يقف بجانب السرير ويبحث في جيوب سترته التي كان يرتديها .. مؤكد انه يبحث عن المفاتيح .. ولكنها في تلك الأثناء لم تعد ترى أمامها .. خاصة بعد أن التقت عينيهما .. كانت تلك المرة الأولى التي يرها بهذا الشكل .. مما جعله يقف كالمشدوه .. هي أيضا لم تتحرك بعد أن اجتاحها الحياء ..
تقدم حسام منها بعد أن أسره جمالها .. لقد كانت فاتنة بمعنى الكلمة .. وجهها الحلو التقاطيع والخالي من الأصباغ يشع حياءً .. شعرها الأسود الطويل والمنسدل بنعومة خلف ظهرها .. وتلك القطرات التي ما تزال متناثرة على جسدها الناعم .. وكأنه الندى يكلل الأزهار .. راح خديها يزدادان توردا مع كل دقيقه تمر .. مما لون وجهها الملائكي البريء بسحر طبيعي ..
أما نور فكانت تتابع بأنفاس مضطربة خطواته التي تتناغم مع دقات قلبها الهائج .. ربما كان حسام اشد منها توترا .. فلقد شعرت بتسارع أنفاسه وهو يقترب منها .. لمس وجهها بإحدى يديه .. وانحنى نحوها حتى كادت شفتيه تمسان شفتيها .. لم تعد نور تشعر سوى بذلك النبض الذي يكاد يشق صدرها .. ولكن حسام توقف متراجعا .. ليحضن خدها بيده الأخرى .. ثم طبع قبله لطيفه على جبينها .. ما إن أحست هي بملمس شفتيه الدافئتين .. حتى فقدت أي شعور آخر .. حتى أنها لم تعد تحس بصلابة الأرض تحتها .. لقد أغمي عليها ..
استطاع حسام أن يتلقفها بيديها قبل أن ترتطم بالأرض .. وحملها بسرعة ليضعها على السرير .. كان القلق يسيطر عليه حتى أنه نسي كونه طبيب .. اخذ اقرب زجاجة عطر وجدها على التسريحة ليشممها إياه .. وظل يربت على خدها برفق .. والخوف يتملكه شيئا فشيئا ..
لم يطل إغمائها .. فبعد دقائق قليله .. بدأت عينيها ترف .. ولكنها لا تشعر بجسدها بعد .. ودت نور لو طمأنته .. خصوصا وهي ترى تلك اللوعة في عينيه .. ازداد تعقد جبين حسام وهو يحتضن وجهها :
- هل أنت بخير صغيرتي ؟.. هل تشعرين بشيء ؟.
حاولت نور النهوض .. أو الحديث ولكنها لم تقوى على كليهما .. فراحت دموعها تنهمر بحزن .. إنها تكره هذا الضعف .. وإغمائها المفاجئ ذكرها بمرضها النادر .. كاد حسام أن يجن وهو يرى دموعها .. واعتذر بخجل وهو يلقي باللوم على نفسه :
- اعذريني يا نور .. فمؤكد أنني تسببت بإخافتك .. أنا حقا أسف صغيرتي .
لم تعد تتحمل كلامه الحزين .. ولم تقدر على مواساته .. كان صوته الحنون يثير أحاسيسها .. وما أن استطاعت النهوض .. احتضنته بقوه لتخفي وجهها الباكي في صدره .. ولتحاول إسكات نشيجها .. راح حسام يشدها إليه برفق مربتاً على رأسها .. وقبل أن يعاود تساؤلاته القلقة .. أجابته هي بأكثر جمله تصف مشاعرها منذ بداية يومها :
- أنا أكاد أموت شوقا له يا حسام .
تشنجت يدي حسام حلوها .. وأحس بالنار تشتعل بداخله .. انه يكره رؤية دموعها .. فرد عليها بحرقه :
- لقد حاولت إقناعه يا نور بالحضور لعرسنا اليوم .. كي تصبح الأمور طبيعيه بينكما ولكنه يرفض دائما .
رفعت نور عينيها بدهشة بالغه :
- من ؟.
- سامح .
أجابته نور بصوت خافت .. ودموع أخرى تنهمر من عينيها السوداويين :
- ولكني لم أكن اقصده .
أردفت بألم من خلال نشيجها :
- كم تمنيت أن يكون هو من يضع يده في يد زوجي يوم عقد قراننا .. وكم حلمت برؤيته لي وأنا ارتدي ثوبي الأبيض .
فهم حسام أن صغيرته تفتقد وجود والدها الحبيب .. فقاطعها وهو يحتضن وجهها بحنان بين كفيه :
- مؤكد انه يراك يا نور .. ومؤكد انه يبارك كل خطواتك في هذه الحياة .
باعثته بسؤال أخر :
- وهذا المرض ؟.
- ما به ؟.
- انه يسلبني الحياة يا حسام .
أنهت كلمتها وراح نشيجها يتعالى مره أخرى .. ضمها هو إليه وكأنه يود إسكانها في قلبه :
- لا يا صغيرتي .. إن إغماءك لم يكن بسببه .
- ولكنه قد يحدث بسببه وفي أي وقت أيضا .. أنا أشعر بالخوف منه .. ولم اعد استطيع تجاهله .
وضع حسام إصبعه على شفتيها .. ليسكتها وهو ينظر بعينيها .. كانت مشاعره الدافئة لا تحتاج للكلمات لترجمتها .. ولكنه اخبرها بثقة :
- وان يكن .. أنا هنا صغيرتي .. وسأظل بجانبك ما حييت .
شعر حسام بتجمد نور بسبب ذلك التكييف .. فأبعدها عنه قليلا ليخلع قميصه ثم البسها إياه واحكم إقفال أزراره .. كانت نشيجها قد هدأ قليلا وراح يمسح ما تبقى من دموع على وجنتيها :
- هيا صغيرتي .. ارتاحي الآن .. لقد كان يومك طويلا .. والإرهاق بادٍ عليك بوضوح ..
ثم وقف بعد أن طبع قبله على جبينها .. ولكنها تشبثه بيده .. وهي تتساءل بذعر :
- إلى أين ؟.
- سأذهب لاستحم .
ظلت نور تتشبث بيده :
- إذا اترك النور مضاءً حتى تعود .. فانا لم آلف المكان بعد .
ابتسم لها مطمئنا .. فأفلتت يده باستسلام ..
عندما عاد .. كانت لا تزال تجلس على السرير .. تضم ركبتيها بذراعيها إلى صدرها .. وتضع رأسها عليهما .. وتغرق في نوم عميق .. اشعرته ملامحها الطفولية الساكنة بالارتياح .. فجلس بالجهة الأخرى من السرير .. ثم حاول التعديل من جلستها حتى تستطيع النوم بشكل مريح .. ودون شعور منها .. راحت تتعلق بذراعه .. وتتمتم بكلمات ادغمها النعاس :
- كم أنت دافئ يا حسام .
سرت قشعريرة في جسده بسبب تلك اللمسة للأنامل الباردة .. فوضع رأسها على ذراعه .. واحتضنها برفق .. وظل يفرك ذراعيها بكفيه حتى يسري الدفء في جسدها .. لمح ابتسامه ناعمة ترتسم على شفتيها .. وعاودت حديثها الناعس :
- هل تعلم انك تشبه والدي ؟.
- نعم اعرف صغيرتي .
كان حسام يكتم ضحكه مرحه بداخله .. حتى لا يوقظها من سباتها .. أردفت هي بصوتها الخامل :
- لذلك أنا احبك .
- وأنا أيضا احبك .
اخذ حسام نفسا عميقا .. محاولا التخفيف من حده تلك المشاعر التي تختلج بداخل .. ثم شرد وهو يداعب خصلات شعرها .. وبعد أن غرقت هي في سباتها العميق .. وأردف محدثا نفسه بصوت خافت :
- احبك صغيرتي .. كما لم أحب أحدا من قبل .
--------------------
أحست نور بأنامل دافئة تداعب خدها .. وتزيح خصلات شعرها المتناثر على وجهها .. كانت لا تشعر برغبة في النهوض .. فتململت بضيق وزفرت قائله :
- كفى يا أمي .. أرجوك دعيني أنام .
هنا انطلقت ضحكه ذكوريه من شاب يجلس بجانبها على السرير .. مما جعلها تنتفض من شده الرعب .. وعندما ميزت فيه ابن عمها حسام .. وضعت يديها على فمها محاوله كتم شهقة قويه خرجت من أعماقها .. وتساءلت بصدق والحيرة تنطق في ملامحها :
- حسام .. ما الذي جاء بك إلى هنا .
لم يستطع حسام تمالك نفسه .. وعاود الضحك بصوت أعلى .. وراحت هي تتفحص المكان الذي كانت تنام فيه .. ومع اكتشافها بأنها لم تعد في بيتها ولا في حجرتها الصغيرة .. تذكرت أحداث الأمس .. فاحمرت وجنتاها من الخجل .. ورمت نفسها مجدد على السرير وهي تنظر له من خلال عينيها الضاحكتين .. فتساءل هو بمرح :
- بالأمس كنت أشبه أباك رحمه الله .. واليوم تناديني بأمي .. يجب أن أجد حلا لهذه المشكلة قبل أن تعتقدي بأنني رهف .

شاركته نور ضحكه .. وحاولت أن تدافع عن نفسها :

- للحظه نسيت بأننا قد تزوجنا .
- لا عليك صغيرتي .. هيا انهضي الآن أيتها الكسولة .
لم تبدي نور أي استعداد لنهوض بل راحت تحتضن الوسادة التي كانت بجانبها .. وتململت متذمرة :
- أوه يا حسام .. أرجوك اتركني أنام 5 دقائق أخرى .
صفق حسام بيديه ليحثها على النهوض واقترب منها أكثر وهو يشير لها مهددا :
- هيا .. هيا .. ولتنهضي قبل أن أحملك بنفسي .
قفزت نور جالسه على السرير عندما كادت يدي حسام تمسك بها .. ثم دققت النظر إليه .. وتساءلت باستغراب .. وهي ترى آثار الأرق تحت عينيه :
- متى استيقظت أنت ؟.
عاود حسام الضحك وهو يجيبها :
- بل قولي متى نمت .. فانا لم أذق طعم النوم منذ الأمس .
- ولماذا ؟.
- لأنك كنت تتحدثين طول الليل .
نظرت له نور بريبه .. وتساءلت وهي ترفع حاجبها :
- حقا ؟.. وماذا كنت أقول ؟.
بدأ حسام يقلد لهجتها الرقيقة وهو يكتم ضحكته :
- كنت تقولين .. أنا احبك يا حسام .
- أنت كاذب .
- بلى .. حتى انك كنت تتوسلين كي لا أتركك .
تعالت ضحكات نور .. ورمته بالوسادة التي كانت تحتضنها .. ثم هربت إلى السرير قبل أن يرد لها الضربة .. كانت تشعر بسعادة حقيقية .. حتى أنها استغربت توتر الأمس .. لطالما كان تواجدها مع حسام مريحا .. وهي فرحه بهذا القرب بينهما ..
ولكن فجأة عاودها شعورها بالذنب .. إلى متى ؟.. إلى متى سيظل حسام قريبا منها ؟.. وإلى متى ستظل هي تحمله همومها ؟.. انه شاب مميز .. ويستحق أن يحيا حياته الخاصة .. مع إنسانه يحبها .. تنهدت نور بعد أن شعرت بتزايد آلامها السجينة في صدرها ..
عندما جلست أمام حسام على طاوله الإفطار .. لم يخفى عليه ما تعانيه :
- ما بك صغيرتي ؟.
هزت نور رأسها بالنفي .. ووضعت ابتسامه مطمئنه على شفتيها .. ولكن ذلك لم يقنع حسام الذي راح يلح عليها :
- أنا لا أصدقك .. وأنت تعرفين ذلك .
تنهدت نور وسألته سؤال عشوائي يتلاءم مع أفكارها المشتتة :
- لماذا اعتقدت أنني كنت ابكي من اجل سامح ؟.
شعرت بان سؤالها ضايقه بعض الشيء .. فلقد رأته يضغط على أسنانه وتعقدت حاجباه .. ثم حدثها بهدوء بعد فتره ليست بالقصيرة :
- لأنني أدرك كم يؤلمك هذا الموضوع .
صمتت نور وقد شرد بها الفكر إلى سامح .. ما كانت تتخيل ولو لدقيقه أن تؤول الأمور بينهما إلى هذا المسار .. حتى يوم انفصالهما أول مره .. كان عندها إحساس قوي بان حبهما سيحيى من جديد .. أو أن الأخوة ستلفهما برباط قوي .. وليست هذه القطيعة المريرة .. والتي تعتصر قلبها ألما .. أردف حسام ببساطه :
- لقد ذهبت إليه في ذلك اليوم الذي قابلته فيه .. وعدتِ باكيه .. حاولت إقناعه بأن يتذكر الأخوة والقرابة التي تجمعكما .
رفعت نور عينيها تتابع حديثه .. وراح السخط يرتسم بوضوح على وجهه الأسمر الجذاب :
- لكن محاولاتي كلها باءت بالفشل .
حلق الصمت فوق رأسيهما .. وكان حسام يتحدث وهو يتحاشى النظر إلى عينيها .. ولكنه تساءل بقلق عندما رآها :
- نور .. صغيرتي .. ما بك ؟.
كانت عينيها تغرقان بالدموع دون أن تحس .. عبراتها تنزل حارة على وجنتيها .. وتعيقها عن الحديث .. كان إحساسها بالذنب ناحية حسام يتفاقم بداخلها .. ولكنها لم تكن تود أن تزيد من قلقه بتلك الدموع السخيفة .. ألا يكفيه كل ما يعانيه من اجلها .. إنه يستحق منها أن تشعره ولو ببعض السعادة التي يغمرها بها .. مسحت دموعها بسرعة .. لا يجب أن تبكي بعد اليوم .. فهي لم تكن أبدا ضعيفة .. علت شفتيها ابتسامتها الحلوة .. ثم حدثته بثقة :
- لقد اتخذت قرارا يا حسام .. لذلك ارجوا أن تساعدني في تنفيذه .
سكن ذلك القلق بداخله .. ليحل محله الكثير من التساؤلات المحيرة .. فماذا يا ترى سيكون قرار هذه الصغيرة الرقيقة ؟.....
(12)
مفاجئة !..
ظل حسام ينظر إليها بهدوئه المعتاد .. بينما آلاف التساؤلات تتصارع بداخله .. ولكن حيرته لم تطول فلقد بدأت نور تتحدث بعد برهة من الصمت :
- لقد أخبرتني بالأمس يا حسام .. بأنك تود أن يبارك الله أيامنا معا .
- نعم .. صغيرتي .
- لذلك اتخذت أنا قرارا .. وأريدك أن تساعدني .
كانت تحاول طرد خجلها وهي تتحدث .. وتقنع نفسها بأن هذا الحياء لا مبرر له .. فقرارها لا يتعارض مع شكليه ارتباطهما بشيء :
- يجب أن لا أفكر بسامح بعد اليوم .. إن كنت أود أن يبارك الله أيامي معك .. فيجب أن أتصرف كزوجه مخلصه .. حتى بمشاعري .
كانت تتحاشى النظر إلى عينيه .. ثم اختلست نظره سريعة وهي تردف قائله بصوت خافت :
- إن هذا اقل ما أشكرك به يا حسام ..
شعرت بكفه تتحرك فوق الطاولة لتتخلل أنامله بين أناملها الناعمة .. والتقت أعينهما .. كانت ابتسامته الجذابة تستقر بين شفتيه .. ورأت في ملامحه المبتهجة تأيده لقرارها :
- تعلمين بأنني سأقف بجانبك .. وقراراك هذا يسعدني يا نور .
شعرت نور بالفرح يتسلل إلى قلبها .. وبسعادة غريبة تغمرها .. لمجرد إحساسها بفرحة حسام .... بادلتها نور الابتسام بابتسامتها المشرقة زينت شفتيها ..
انتهيا من تناول طعام الإفطار والمزاح لا ينقطع بينهما .. ثم أسرعا بالخروج من البيت حتى يتوجهان لمطار عدن الدولي ..
تجسدت كميه زاخرة من المشاعر بداخلها .. لم تقوى على تمييز شعور محدد في تلك اللحظة .. وراحت تشرد في بحر أفكارها .. شعور بالحنين منذ الآن .. لوالدتها وصديقتها رهف .. وللبيئة التي ترعرعت فيها .. والتي ستفرقها للمرة الأولى .. ويتسرب إلى قلبها القلق والخوف .. مما ستواجهه من معاناة بسبب مرضها .. ولكن رغم كل تلك الأحاسيس السلبية يظل ينمو بداخلها شعورها بالسعادة لتواجدها مع شاب مميز مثل حسام .. يؤازرها في مشوارها القصير والصعب هذا ..
لم تكن تلقي بالا على الطريق .. فأخرجها حسام من شرودها :
- ما رأيك أن تودعي الخالة حياة قبل ذهابنا .
التفتت إليه بحماس .. وفرحه الأطفال ترن في كلماتها :
- حقا يا حسام .
- نعم .
كانت سيارته تتحرك نحو طريق بيتها .. ولكنها استوقفته فجأة بجانب محل لبيع الحلويات العدنية :
- لحظه .. لحظه .
- ماذا هنالك ؟.
- توقف هنا .. أرجوك .
أخبرته بجديه تحاول بها إخفاء خجل بدأ يتسلل إليها .. ويفضحه تورد خداها :
- هل من الممكن أن تشتري الكثير من الحلوى المتنوعة .. لتقدمها لأمي ؟.
ضحك حسام وبالرغم من أنه لم يفهم شيئا .. ولكنه نفذ كلامها .. وعندما عاد من محل الحلوى .. بدأ يتساءل وهو يحرك السيارة من جديد :
- هل ستخبرينني الآن عن سر الحلوى ؟.
نظرت إليه نور باستغراب .. وتساءلت بحياء وهي تداري ابتسامتها :
- ألا تعرف ؟.
حدثها حسام مبتسما بسعادة .. لرؤية معاناتها مع الخجل :
- لا .. فلتخبريني أنت .
اختصرت نور حديثها بكلمتين :
- إنها إحدى التقاليد اليمنية .
صمت حسام لوهلة .. ثم عاود تساؤلاته :
- إحدى تقاليدنا أن يحضر العريس لوالدة العروس كميه من الحلوى في اليوم التالي للعرس .
- ليس شرطا أن يحضر الحلوى في اليوم التالي .
- متى إذا ؟.
ضغطت نور على شفتها السفلى بأسنانها .. ثم نظرت إليه بشك :
- أحقا لا تعرف يا حسام ؟.
رفع حسام كتفيه بتلقائية وهو لا يزال يبتسم بمرح :
- ومن أين لي أن أعرف ؟.
لم يكن غريبا أن يجهل حسام بعض التقاليد اليمنية .. فلقد قضى في لندن فتره ليست بالبسيطة .. كما أن نور نفسها كانت تجهل مثل تلك الأشياء .. ولم تعرفها سوى قريبا .. ضغطت على أسنانها .. وكأنها مقبله على معركة .. ثم ألقت بجملتها بتردد .. محاوله ما استطاعت إيصال الفكرة له :
- إن العريس يقدم الحلوى لوالده العروس .. عندما تسير الأمور بينهما بشكل جيد .. وذلك لتطمئن على ابنتها .
- أوه ...
لم يضف حسام بكلمه أخرى .. ولكنه عاد يتساءل بعد أن بدأ يستمتع بإثارة حيائها :
- وهل تودين أن طمئنه الخالة حياة عنك ؟.
- نعم .
- لماذا ؟.
كادت نور تضحك في وجهه .. وهي تتخيله طفل كثير الأسئلة .. ولكن ملامحه كانت هادئة .. وكأنه يود فعلا معرفه الإجابة :
- إنها طريقه أفضل بدل أن تسألني .
راحت هي تتطلع عبر النافذة لتخفي وجهها المحمر خجلا .. ولم يحرجها حسام بتساؤلات أخرى .. أشاع تواجدهما الفرحة في البيت .. وكانت مفاجئه سارة للخالة حياة .. فاستقبلتهما بالكثير من الزغاريد والدعوات بالسلامة .. وبينما كانت نور تودع والدتها بأعين دامعة .. شعرت بالخال نبيل ينزوي بحسام ليحدثه .. لم يرقها ذلك التصرف فلقد كانت تدرك نفسه الجشعة ..
- ما الذي كان يريده منك الخال نبيل ؟.
تساءلت نور بريبه عندما كانا يتجهان إلى المطار بالسيارة .. فأجابها حسام ببساطه :
- لا شيء .
- لا تكذب يا حسام .. مؤكد أنه أحرجك بطلب المال .
- كان محتاجا لمبلغ صغير .
رفعت نور احد حاجبيها وتساءلت باشمئزاز من ذلك الإنسان الذي لا يوجد أمل من صلاح حاله :
- وهل صدقته ؟.
- إنه ليس بالمبلغ الكبير يا نور .
- نعم فهو يلبي احتياجات القات في هذا الأسبوع .
شعرت بأن دمائها تغلي من هذا التصرف المخجل .. ولكن حسام استطاع تغيير الموضوع .. وافلح بتعديل مزاجها بسرعة ..
كانت رحلتهما طويلة جدا .. وقاموا بإجراءات كثيرة في مطار بلدها وكذلك في لندن .. وكانت الفوارق تتجلى بوضوح أمام نور .. فمؤكد أن التعامل كان أسرع وأسهل في لندن .. ولكن رغم كل شيء يظل وطنها غالي على قلبها بكل ما فيه من تناقضات .. فهي منذ الآن تشتاق إليه .. وإلى ذراه الرمال التي تتناثر على أراضيه الطيبة ..

يتبع ,,,

👇👇👇


تعليقات