بارت من

رواية ملاك الحب -12

رواية ملاك الحب - غرام

رواية ملاك الحب -12

قلب حسام شفتيه ببساطه :
- مثل كثير من المسلمات والغير محجبات .
صمتت نور .. فأردف هو مبررا :
- إن ماري خلقت في لندن .. وهي فتاه في غاية الأخلاق .. والرقي .. تلتزم بكثير من التقاليد الإسلامية .. بدافع منها ولحبها للإسلام .. لذلك والدها يترك لها حرية القرار في شتى الأمور ومن بينهم مسألة الحجاب .
- لابد انك تعرف الكثير عنها .
شعرت نور بالندم بعد أن نطقت بجملتها الأخيرة .. مؤكد أن نبرتها الباردة ضايقت حسام .. ولكن على العكس وجدته يبتسم لها بمرح اكبر .. وكأنه لا يحس بهذا الغضب الذي يتملكها عندنا يتحدث عن ماري :
- نور .. إنها زميلة دراسة دامت سبع سنوات .. مؤكد أننا نعرف الكثير عن بعضنا .
ظلت نور تمطر عليه بشتى التساؤلات .. حتى بعد أن انتهيا من طعامهما واتجه هو نحو حجره النوم .. تبعته بعد أن انتهت من تنظيف أطباق الطعام .. دخلت إلى الحجرة بهدوء :
- حسام .
- نعم .
- هل نمت ؟.
- نعم .
ابتسمت وجلست بجانبه :
- لا تنام فانا لم انتهي بعد .
فتح حسام إحدى عينيه .. ثم وضع رأسه على فخدها وأردف قائلا :
- حسنا .. فلتسأليني إلا أن أنام .
بدأت نبضات قلبها تتسارع .. وراحت تعمل على تهدئتها .. بينا تتخلل بأناملها تلك الخصلات القصيرة في شعر حسام :
- هل ماري مرتبطة ؟.
هنا أجاب حسام باقتضاب .. أو هكذا تهيأ لها :
- لا .
- لما وهي فتاه جميله ؟.
- وما أدرني أنا يا نور .
- هل من الممكن أن تكون تنتظر شخص بذاته ؟.
فتح حسام عينيه .. وعلى شفتيه ابتسامه شقيه :
- ربما .
شعرت نور بان حسام يستطيع قراه تلك التساؤلات التي لم تنطق بها بعد .. مؤكد انه يملك القدرة على ذلك .. لهذا فضلت الصمت .
حثها حسام بلؤم :
- هل نفذت جعبتك ؟.
- نعم .. ربما لهذا اليوم .
فاجئها بسؤاله :
- ما سر اهتمامك بها ؟.
ترددت قليلا .. ولكنها مؤكد لن تستطيع إخفاء مشاعرها مطولا عنه .. فصارحته بما يختلج بداخلها من شكوك :
- إنها تنظر إليك بطريقه لا تعجبني .
ضحك حسام .. وعاد يستحثها على الحديث .. وبأنامله كان يداعب خصلات نور الطويلة والمتدلية من على كتفها :
- كيف ؟.
غزت الحمرة وجنتيها .. وهي تغالب تلك النار التي عادت تحرق صدرها :
- مؤكد أنها تهيم حبا بك يا حسام .
- نعم فانا شخص محبوب .
ابتسمت نور على إجابته السريعة .. وراحت تنهره كأم تؤنب صغيرها :
- كف عن هذا الغرور .. فأنا أتكلم بجديه .
- وانأ أتكلم بجديه .. وإن يكن .

شعرت نور بنبضها يكاد يشق صدرها ..

 رغم حديث حسام المرح .. والمليء بالمزاح لكنه لم يطمئنها بعد .. جلس حسام فجأة عندما عاودها الشرود .. واختطفها محتضنا خصرها .. ليدور بها برفق حتى صارت تستلقي بين أحضانه .. ثم همس بأذنها :
- أنا لا أحب سوى صغيرتي نور .
كانت تلك الحركة السريعة منه كفيله بإشعال انتفاضة لذلك المجنون السجين بين الضلوع .. شعرت بالتهاب وجنتيها .. وبعد ثواني قليله .. دق هاتف حسام لكي ينقذها من ذلك الصمت الخجل .. كان المشفى يطلب حضوره لوجود حاله تحتاج لعمليه سريعة .. نهض حسام مسرعا وراح يحضر نفسه بعجل .. كانت نور تجري خلفه وتناوله كل ما ينقصه .. وقلبها يعتصر ألما وهي تفكر بذلك أو بتلك الطفلة التي تحتاج لعمليه في بداية حياتها .. حمدا لله أنها لم تصبح طبيبه مؤكد أنها ستموت ألف مره مع كل أنين تسمعه من مرضاها ..
التفت إليها حسام قبل أن يخرج .. وقال لها محذرا :
- يجب أن تنامي .. ولا ترهقي نفسك بمزيد من التساؤلات تذكري فقط أني احبك صغيرتي .
أنهى جملته بقبله دافئة طبعها على خدها .. ورحل دون أن يدرك مدى الاضطراب الذي يسببه لها بتلك الحركات التلقائية .. أو لعله يدرك ويتعمد فعل ذلك .. كانت تحب هذا التقارب الذي سمحت به علاقة الزوجية بينهما .. ومؤكد أنها لا تستنكر أيا من لمساته .. لكنها شعرت بنوع من الأنانية يجتاحها .. هل يحق لها أن تحقق معه بمثل تلك الطريقة .. حتى وان كانت هنالك علاقة بينه وبين ماري تلك .. لا يحق لها أن تزعجه بتساؤلاتها .. حسام شاب خلوق ومميز .. ويستحق أن يحيا حياته الخاصة .. ولكن هل ماري هي تلك الحياة .. تغضن وجهها بشكل تلقائي .. وراحت تستبعد صوره ماري .. يبدوا أنها فتاه لطيفه ولكنها لا تليق بحسام .. هكذا حدثت نفسها .. كلمتها الأخيرة بثت الرضا إلى صدرها .. ولكنها عادت تتساءل بحيرة أكبر عن مشاعرها هي .. هل توجد فتاه مناسبة له بنظري يا ترى ؟.
لم تجب عن سؤالها خوفها من أن تعاودها تلك الأحاسيس الغريبة التي أمسكت بتلابيبها منذ رؤيتها لماري .. ودخلت إلى البيت .. أخرجت بكره الصوف وراحت تكمل غزل ذلك الشال الأبيض الذي كانت تصنعه لحسام دون أن يعلم ..
------------------
رن هاتف نور لينتشلها من بحر الأكواد البرمجية التي كانت تغوص فيها أمام جهاز الحاسوب المحمول .. والذي تقوم من خلاله بالعمل على المشروع المكلفة به من قبل الجامعة .. رأت رقم حسام .. وانتبهت في تلك اللحظة أنها لم تعد الغداء بعد .. ضغطت على أسنانها بضيق ثم ردت على ذلك الرنين المتزايد وهي تؤنب نفسها على التهائها بالدراسة :
- مرحبا .
- مرحبا .. صغيرتي .. كيف حالك ؟.
- الحمد لله .
- نور .. من الممكن أن لا أعود للغداء اليوم .. فلدي الكثير من المهام هنا .. لا تنتظريني صغيرتي .. ولا تنسي تناول دوائك .
- حسنا .
أغلقت الخط بعد أن ودعا بعضهما .. ثم أغلقت جهاز الحاسوب بعجله .. وتوجهت مسرعه نحو المطبخ .. بدأت تعد إحدى الأكلات التي يحبها حسام .. شعور قوي يجتاحها نحوه في تلك اللحظة .. فهو يرهق نفسه كثيرا من اجل رسم ابتسامه صادقه في قلب طفل مريض .. تملكتها نشوه غريبة .. لم تكن تلك المرة الأولى .. فإحساسها بان حسام سيتذوق هذا الطعام يجعلها أكثر حذرا .. بالرغم من انه يبدي إعجابه بكل شيء تصنعه ..
ابتسمت نور وهي تتذكر كيف تجلس قبالته وتبدأ بالسؤال ((هل مذاقه حلو ؟)) .. قبل أن يبتلع لقمته الأولى .. فأصبح حسام يتغزل بالطعام قبل حتى أن يتذوقه .. راحت نور تجهز نفسها بعد أن انتهت من إعداد الطعام .. ووضعه في أطباق مخصصه لحمله .. ولم تنسى وضع ذلك الشال الأبيض الدافئ والذي انتهت منه بالأمس بداخل حقيبتها ..
لم يكن المشفى الذي يعمل بها حسام غريبا عنها .. فلقد تلقت علاجها بداخلها ..
في إحدى الممرات وجدت طبيبها المعالج ديفيد برفقه ماري .. تقدمت منهما بحياء لتلقي التحية :
- السلام عليكم .
- وعليكم السلام ..
رد الاثنان .. لكن رد ذلك الطبيب المسيحي الأشيب كان أكثر حرارة .. كانت نور تعلم انه يحب المسلمين ويحب الترحيب بهم بتحيتهم :
- مرحبا بالعربية الجميلة نور .
احمرت وجنتي نور من الخجل تحت وقع ذلك الإطراء اللطيف .. أيضا ماري رحبت بها وابتسامه جميله تعلو شفتيها .. فضلت الفتاتين التحدث بالانجليزية مراعاةً للطبيب ديفيد .. بينما راح هو يمازحها :
- هل اشتقت لزوجك ؟.
- لا .. اقصد .. لقد أحضرت له الغذاء .
كان سؤاله مفاجئا ومحرجا لها بنفس الوقت .. ضحك الثلاثة على جوابها الخجول .. وودعتهما بعد أن تمنى لها طبيبها الذي يفيض بالحنان الأبوي أن يسعد الله أيامها .
نقرت نور على باب حجره حسام .. ثم طلت بوجهها لتجده منهمك على بعض الفحوصات دون أن يلقي أي التفاته نحو الباب المفتوح .. أشفقت عليه .. وقالت ممازحه وهي تقترب منه متقمصه دور شاب توصيل الطلبات :
- لقد أحضرت لك أحب الأكلات سيدي .. ولكن هذا سيكلفك ضعف ثمن الطعام .
شاع السرور على ملامح حسام المتعبة .. وبدأ الزوجان بتناول طعام الغذاء معا .. ظلت نور تحدثه عن مشروعها الجامعي الجديد .. وهو ينصت إليها باهتمام بالغ رغم انه لا يفهم الكثير مما تقوله .. وجدته يتأملها بتلك النظرة التي تفلح بخطف أنفاسها في كل مره بعد انتهاءهما من الغذاء .. أخرجت ذلك الشال الصوفي من حقيبتها وهي تعاني الاضطراب اللذيذ من نظره حسام .. وقدمته بحياء بالغ :
- ما هذا ؟.
تساءل والإعجاب بادي على ملامحه .. فأجابته وهي تتقدم منه وتلف الشال حول عنقه :
- لأنك تهمل صحتك كثيرا .. وتنسى ارتداء ما يدفئ جسدك .
- مؤكد لن أنساه بعد اليوم .
كانت عينيه الحالمتين مركزتين نحوها .. وازداد تسارع نبضها عندما شعرت بأنامله تتحسس يدها .. ثم ترفعها ببطء ليطبع قبله ناعمة على ظاهر يدها .. شعرت بالدوار يلفها .. وانتشر اللون الأحمر في وجنتيها .. سمعا نقرا خفيفا على الباب .. وظل حسام محتضنا لأناملها الرقيقة بين كفيه عندما طلب من الطارق الدخول .. تساءلت ماري بمرح وهي ترى نور :
- حمدا لله انك ما زلتي هنا .
سحبت نور يدها من بين كفي حسام بسرعة بعد أن لاحظت تغير تعابير ماري المرحة بمجرد أن انتبهت للأيدي المتشابكة .. وتساءل حسام بهدوئه المعهود :
- أهلا بك يا ماري .
- لقد جئت أخبركما أن والدتي تود أقامه حفل نسائي صغير بعد الغد .. لكي تستطيع نور التعرف على صديقاتنا اليمنيات هنا .
ظلت نور صامته تنتظر رد حسام الذي حدثها بلطف :
- مؤكد ستستمتعين برفقه والده ماري .. ما رأيك صغيرتي ؟.
هزت نور رأسها بالموافقة ووجهت حديثها لماري :
- حسنا .. وشكرا لهذه الدعوة اللطيفة .
- لا داعي للشكر حبيبتي .
استأذنت ماري بالخروج .. وراحت نور تشرد في تلك الفتاه الشقراء اللطيفة .. والتي تشعرها بالكثير من التناقضات .. فهي تجدها محببة في كثير من الأوقات .. ولكنها لا تزال تتذكر أول يوم رأتها فيه .. وذلك الشوق المشتعل في عينيها .. والذي أحست نور بأنه احرق قلبها هي .
مر اليوم الذي يسبق الحفلة بشكل سريع .. وكانت نور تعيش في حيره تامة خلاله .. فهي لا تدري ماذا ترتدي .. ولا كيف تسريح شعرها .. كادت أن تصيب حسام بالجنون من كثره الملابس التي عرضتها عليه .. ولكنها استقرت على رأي قبل الموعد بساعة .. لبست فستانا أسود قصير يحمل تصميما كلاسيكيا .. كان بسيطا جدا يغطي الصدر ويرتفع حتى العنق .. وينحسر بعض الشيء عن ركبتيها وتصميمه يبرز ضيق خصرها وتناسق جسدها .. كما انه يكشف عن ظهرها بقصه أنيقة على شكل الرقم سبعه .. وجعلت خصلاتها الطويلة الناعمة تنام بخمول على كتفها الأيمن حتى تصل إلى نهاية خصرها .. لم تبالغ كعادتها بالأصباغ .. وكانت تعرف أن حسام يفضل رؤية ملامحها البريئة .. خرجت من الحجرة تسير بحياء مع نظراته المفتونة .. ابتسم هو للخدين المتوردين بتلك الحمرة التي يعشقها .. تساءلت نور بقلق واضح :
- هل سيعجبون بي ؟.
- لما كل هذا القلق ؟.
- أحس بأنهم يودون رؤية زوجه حسام .. لذلك أحب أن انقل صوره جميله عنك .
اتسعت تلك الابتسامة الجذابة على شفتيه .. واقترب منها قليلا .. كان يود أن يهمس لها بشيء .. لكن عطسه خفيفة منعته من ذلك :
- رحمك الله .
قالتها نور وهي تغالب ضحكتها .. ثم أفلتت تلك الضحكة عندما حاول أن يرد عليها فعاوده العطس مره أخرى :
- يبدوا أن العطس لا يريدك أن تحدثني .
ثم أردفت وهي ترتدي عباءتها وحجابها :
- هيا قبل أن نتأخر .
لم يكن بيت ماري يبعد كثيرا عن بيتهم .. وقبل أن تطرق باب البيت رن هاتفها بنغمه الرسائل .. فتحتها لتجد رسالة تحتوي كلمتين فقط من حسام ((أنت الأجمل)) .. كان ذلك كفيلا ببث الاطمئنان إلى قلبها .. طرقت الباب بثقة اكبر .. جاءها صوت ماري من الداخل .. وبعد أن فتحت لها الباب .. شعرت بألفه كبيره وسط ذلك البيت القريب جدا من تصميم البيوت اليمنية .. وأحبت والدته ماري كثيرا وذكرتها بوالدتها هي مع اختلاف الملامح .. كانت حفله لطيفه .. وزادتها تقربا من ماري التي أبدت سعادة صادقه بتواجد نور بينهم ..
عندما حان موعد العودة .. ارتدت حجابها ولكن قبل أن تخرج أصر والد ماري الذي كان يجلس في مكتبه بإدخال حسام ليسلم عليه .. استغربت نور عندما وجدت والدة ماري ترتدي حجابا لتستقبل زميل ابنتها .. وشعرت بالفخر من ذلك الترحيب الحار الذي يتلقاه حسام من الجميع .. لكنها لاحظت تغير صوته قليلا .. تقدمت نحوه بقلق ظاهر ممسكه بإحدى يديه :
- هل أنت بخير يا حسام ؟.
وقبل أن يجيبها وجدت ماري تشاركها قلقها .. بل أنها تحسست جبينه وهي تردف بضيق :
- ما هذا يا حسام .. إن حرارتك مرتفعه .
ضايق ذلك التصرف نور بعض الشيء .. ولكنها عادت تحدث نفسها بأنها طبيبه وهذا يعد واجبا عليها .. بينما أجابهما حسام بحياء :
- أنا بخير حقا لا تقلقا .
ولكن ماري نهرته بحزم :
- لم تتغير أبدا .. طبيب ومهمل بصحتك .
تقبل حسام حديثها بابتسامته الخجولة .. وقبل أن يودعا تلك الأسرة الطيبة .. أعطت ماري بعض الدواء لنور وأوصتها :
- لا تقلقي يا نور .. ولكن إذا زادت حرارته أعطيه هذا الدواء مع كمادات باردة .
تلقت نور تلك النصائح بهدوء .. دون أن تبين حدة تلك المشاعر التي تجتاحها ..
في البيت ارتمى حسام على السرير فور دخولهم .. مما زادها خوفا عليه .. مسحت قطرات العرق المتجمعة على جبينه بكفها الناعمة :
- حسام .. هل تشعر بالألم ؟.
أجابها وهو لا يزال مغمضا لعينيه .. ويبدوا انه يحاول التغلب على وجعه :
- لا تقلقي صغيرتي .. ولكني احتاج لبعض النوم ..
حاولت إقناعه بتناول بعض الدواء دون جدوى .. فراحت تنفذ ما أمرتها به ماري .. وأحضرت كميه من المياه الباردة وبللت بها قطعه من القماش ثم اعتصرتها لتضعها على جبين حسام الملتهب .. ظلت ساهرة بجانبه تكرر تلك الحركات بصبر .. وشعرت كأن حرارته تتسلل إلى قلبها .. بدأت عبراتها بالانهمار عندما سمعته يئن ويهلوس بكلام غير مفهوم تحت سطوه الحمى ..
رفع يده بحركة منهكة .. وكأنه يحاول الإمساك بشيء .. لم تفهم من كلامه سوى القليل .. ولكن ما فهمته جعلها تعاود بكائها وهو يقول بصوته المحموم ((متى ستشعرين)) .. ((لا تتركيني)) .. ((فانا احبك)) .. احتضنت نور تلك اليد الملتهبة .. وقبلتها بحنان بالغ بعد أن بللتها بعبرات ساخنة .. لا تدري لما بتلك اللحظة تذكرت صوته الشجي وهو يغني كلمات الحب المستحيل .. كما أنها لا تدري سببا محدد لهذه الدموع .. هل هي رؤيته مريضا ؟.. أم ذلك العذاب الذي يعانيه وحيدا وكشفته هذه الحمى الخبيثة ؟.. أم هو ذلك الشك الذي يزداد بداخلها عن هوية الفتاه التي يقصدها حسام بهذه الكلمات المحمومة ؟.. تلك الفتاه الشقراء التي جعلتها تختبر إحساسا جديدا مؤكد انه الغيرة ؟.. نعم فهي تغار من ماري .. من تلك الذكريات المجهولة التي تشاطرها مع حسام .. من نظره الشوق في عينيها ولهفتها القلقة عليه ..
راحت دموعها تنهمر بغزاره اكبر وهي تتأمل ملامح ذلك الوجه الأسمر الجذاب .. والذي لا تملك الحق مطلقا بامتلاكه .. نعم لا يحق لي أن أغار فهو يحبها .. يجب أن اكف عن أنانيتي الطفوليه .. ولابد أن يحضا حسام بالسعادة التي يستحقها .. ويكفيني هذا الحب العذب الذي اشعر به الآن اتجاه شخص لطالما عاش لرؤية ابتسامتي ..
في الصباح استيقظت نور .. وشعرت بتحجر الدموع على خديها .. كانت تحس بيد خفيه تحاول انتزاع قلبها كلما تذكرت استنتاجات الأمس .. تلفتت حولها بهلع ولم تجد أثرا يدل على تواجد حسام .. قفزت من فوق السرير .. وراحت تفتش في أرجاء البيت وهي تناديه بصوت مهزوز .. لكن ما من مجيب .. شعرت بنبضها يتسارع كدقات قنبلة موقوتة .. أين سيذهب وهو بتلك الحالة .. دعت الله بان يحميه .. وجاهدت كي تطرد كل أفكارها السوداء .. محاوله البحث عن طريقه تطمئن بها عليه ..
(14)

أميرتي النائمة

أين ذهب ؟.. ظل السؤال يتردد بداخلها دون إجابة شافيه .. بدأت تحصي دقات قلبها عوضا عن الثواني .. وبخطوات قلقة تترنح تحت سطوة مخاوفها راحت تذرع أرض الصالة ذهابا وإيابا .. هل من الممكن أن يكون ذهب للمشفى .. ولكن ماذا إن أصابه مكروه وهو بتلك الحالة .. مؤكد أنه ليس على ما يرام .. حتى أنه نسي هاتفه المحمول في البيت .. أخذتها الهواجس إلى احتمالات أكثر قسوة .. وتخيلت حياتها دون حسام .. جعلها ذلك توشك على البكاء وشعرت بغصة في بطنها .. ثم قررت أخيرا أن تخرج بحثا عنه .. دون أدنى فكرة لديها عن مكان تواجده ..
في تلك اللحظة سمعت مفتاحا يدار في قفل الباب .. ركزت عينيها بوجل وشوق نحو ذلك الجسد الطويل الذي تتوقع رؤيته .. وما أن ظهر حسام عبر الباب المفتوح .. حتى اندفعت نحوه كالمجنونة تحتضنه بكل ما تملك من قوة .. ولتخفي نشيجها في حنايا صدره العريض :
- حسام .. أين كنت ؟.. لقد خفت عليك كثيرا .
شعر حسام بالذنب أمام لوعتها .. وراح يضمها إليه برفق ويربت على رأسها ليخفف عنها :
- أنا آسف صغيرتي .. لم أكن أود أن أزعجك .. فلقد بدى عليك الإرهاق .
رفعت إليه نور عينيها الدامعتين وهي لا تزال تطوقه بيديها :
- أين ذهبت في هذا الصباح المبكر ؟.
- لقد خرجت لكي اجري قليلا .. أنت تعلمين كم اكره المرض .
لقد أنستها فرحة رؤيته الاطمئنان على حاله .. وسرعان ما رفعت إحدى يديها لتتحسس جبينه ثم خده .. ذلك الدفء الطبيعي في بشرته أثلج صدرها .. بينما التقط حسام يدها القريبة من خده .. ومال برأسه قليلا كي يقبل باطن يدها وهو لا يزال يطوقها بذراعه الأخرى .. متى ستتعود لمسه شفتيه الدافئتين دون كل هذا الاضطراب الذي يغشاها .. وتلك النبضات التي تصم آذانها ..
نظر إليها وابتسامه مرحه تتخلل شفتيه .. لابد أن تلك الحمرة التي تغزو وجنتيها قد راقته .. وضع كفها على صدره :
- يبدو أنني قد سببت لك الكثير من القلق .
شعرت بسعادة بالغه من تلك الخفقات الثائرة تحت أناملها الملامسة لصدره .. واطمأنت بأن هنالك من يشارك قلبها بعض جنونه .. سيطر عليها الخجل وعادت تحتضن حسام لتخفي وجهها المحمر خجلا :
- بل كدت أموت خوفا عليك .. لا تكرر ذلك مره أخرى .
ابتعدت عنه فجأة بشيء من الخجل .. وقد رأت بعض القطرات تبلل قميصه الرياضي :
- لقد بللتك بالدموع .
ضحك حسام وهو يبعدها عنه بلطف :
- بل أنا من بللك بالعرق .. يجب علي الاستحمام فورا قبل أن اطرد من البيت .
شاركته نور الضحك .. ولكنها خافت عليه من أن يأخذ حمام في هذا الجو البارد .. خصوصا أن صوته لم يريحها وآثار المرض تتخلله بوضوح .. لكن حسام عنيد كعادته ..
على الغداء لم تتناول نور الكثير من طعامها كانت تستمتع برؤيته يمضغ اللقيمات ببطء .. وببعض الشهية .. وراحت تحدثه بشتى المواضيع بحماستها المعهودة .. شعور غريب بالسعادة يتسلل بداخلها .. كانت مجرد رؤيته معافى أمامها تبعث السرور إلى قلبها المتعلق به :
- ألم تصلك رسائل من والدتك يا نور ؟.
- بلى .
قالتها بفرحه واضحة ثم أردفت بشيء من الاستغراب :
- لقد شعرت بقوه رسالتها هذه المرة .
- كيف ذلك .
- لقد حدثتني عن الكثير من الأشياء .. ولكنني قرأت من بين السطور بأنها أصبحت لا تأبه كثيرا للخال نبيل .. حتى صرت اشعر وكأنها لم تعد مهتمة بارتباطهما .
- هذا شيء متوقع .
عقدت نور حاجبيها بحيرة من تلك النبرة الواثقة في حديثه :
- وما هو المتوقع ؟.
- إن والدتك يا نور لم تحتج يوما لهذا الارتباط .. لكنها اعتبرته تضحية في سبيلك أنتِ .
- أنا .
- نعم صغيرتي .. أنت تعرفين كلام الناس عن بيت لا يوجد فيه رجل .. والدتك لن تهتم بذلك .. لكن سمعتك أنت أكثر أهميه بالنسبة لها .. وأنا اعتقد أن هذا الدافع الرئيسي لارتباطها بالخال نبيل .
حمل حديثه الكثير من المنطقية .. وشعرت بمعاناة والدتها من أجلها .. أردف حسام :
- لهذا هي الآن تشعر ببعض القوه .. خصوصا بعد أن اطمأنت عليكِ .
ابتسمت نور لذلك الوجه الأسمر الجذاب والذي راح يرمقها بنظرته اللطيفة والتي تجعل قلبها ينكمش خجلا :
- كيف تستطيع أن تكون هكذا ؟.
ضحك حسام على عبارتها الغريبة وعلق مازحا :
- أن أكون هكذا ؟.
- أقصد .. بهذا القدر من الحنان .. فأنت تشعر بكل من حولك .
- ربما لدي قدرات خاصة .
ابتسمت له بمرح .. كانت تلك طريقه حسام للهرب من خجله .. وبدأت هي تشاكسه :
- بل مؤكد .. مثل قراءتك لأفكاري .
- هذه ليست ضمن القدرات .
- ولما ؟.
نظر إليها حسام بتلك الطريقة الخاطفة للأنفاس .. وراح يداعب خدها بأنامله :
- أنت بريئة جدا صغيرتي .. لذلك أفكارك وانفعالاتك لا تخفى عني .
كم هو مريح تواجده معها .. فمنذ ساعات مضت كانت لا ترى مستقبلها بدونه .. وكأنه ينتهي باختفاء حسام .. وهي الآن تشعر بإحساس قوي يسيطر عليها .. وكأنها تملك سعادة أعوام قادمة .. رفعت نور إليه عينين خجولتين ثم حدثته ببساطه بما يختلج في صدرها :
- شكرا لك يا حسام .
- على ماذا صغيرتي ؟.
عادت تخفض عينيها لترفعهما من جديد :
- على هذا الحساس الجميل الذي لطالما منحتني إياه .
- لست أنا من يمنحك إياه .
هنا ابتسمت له بحب .. وهي ترى جوابا عميقا يشع في عينيه .. لا تقدر على قراءته :
- من إذا ؟.
شعرت بأنه يود الإفصاح عن ذلك السر الذي يختزنه في قلبه .. لكنه عاد يبتسم بمرح :
- سيأتي يوم وتعرفين بنفسك .
كانت تسمع حركاته السريعة في حجره النوم وهي تنهي تنظيف أواني الطعام .. وعندما دخلت عليه وجدته يتأهب للخروج :
- إلى أين ؟.
تساءلت بحده وهي تعرف الإجابة مسبقا :
- إلى المشفى .
- ومن أذن لك بذلك .. أيها الطبيب حسام .
التفت إليها ضاحكا وهو لا يزال ينهي تحضير نفسه :
- وهل ستحكمين علي بالسجن المؤبد .. أيتها المهندسة نور ؟.
- حسام .. كف عن الاستهتار بصحتك .. المشفى لن يتوقف بدونك .. ويجب أن ترتاح .
- لا استطيع أن اجلس هكذا في البيت دون عمل .
شعرت نور بأن صبرها يكاد أن ينفذ .. لكنها ما تزال مصره على عدم خروجه .. أحضرت هاتفه النقال وناولته إياه :
- فلتتصل أرجوك .. لتعتذر عن الحضور هذا اليوم .
كان الحزن يرتسم بوضوح على ملامحها الجميلة .. وهذا ما جعله يأخذ الهاتف باستسلام ويدق رقما :
- حسنا .. سأطلب من ماري أن تقدم لي أجازه مرضيه .
- لا ..
لم تشعر نور بسرعة إجابتها إلا عندما ضحك حسام عليها :
- هل غيرتي رأيك ؟.
شعرت بالخجل من تسرعها .. وراحت تبرر له :
- لا .. أنا اقصد لا تتصل بماري .. فلتطلب ذلك من الطبيب ديفيد .
رفع حسام إحدى حاجبيه يقيس مدى إدراكها لما تقوله .. ثم حدثها بلطف :
- صغيرتي .. الطبيب ديفيد رجل كبير .. ولا استطيع أن أتعبه معي بينما ماري موجودة .
ردت عليه نور بما يشبه عناد الأطفال :
- وهنالك أيضا زملاء غيرها يستطيعون تقديم الأجازة أليس كذلك ؟.
فكر حسام قليلا ثم بحث عن رقم في هاتفه .. وسمعته يخاطب احد زملائه الذكور .. وابتسامه مرحه تعلو شفتيه ..
--------------------------
إلى متى سأعيش في هذا الظلام .. إنه يأبى مفارقتي .. ويسعى دوما لاختطافي من أسعد اللحظات .. وكأنه شخص غيور لا تعجبه ابتسامتي الدائمة .. حقا إني أحاول .. أحاول جهدي أن أتغلب عليه .. أتجاهله .. أتناسى حقيقة إجباري على التعايش معه .. لكنه يرفض النسيان .. كلما غاب عني عاد ليخنقني بيدٍ من حديد .. غير آبه لمكان أو زمان .. غير مقدر لأي ظرف .. أحساس قاسي بالوحدة يكتنفني مع تسرب خيوطه السوداء حولي .. لكن يبقى شعور قوي بداخلي ليخبرني بأنه سيزول .. مهما طال الانتظار .. ومهما أطبقت علي ظلمته الموحشة .. مؤكد سيتلاشى بعد دقائق معدودة .. ليتركني وحيده أصارع ذاكرتي .. كي استرجع تلك النقطة التي توقفت عندها حياتي .. وأكمل من جديد رحلتي مع هذا الرفيق الذي يرفض الهجران ..
دخل حسام إلى البيت وتملكه أحساس بغيض من هذا الصمت المطبق الذي يلف البيت .. أين هي نور ؟؟.. هكذا تساءل بحيرة .. لقد كان الوقت متأخراً بعض الشيء ومن غير المعقول أن لا تكون في البيت .. أسرع نحو المطبخ بخطى وجله بعد أن لاحظ تلك النار المشتعلة فوق موقد الطبخ .. لبرهة نسي كيفيه التنفس عندما وجدها مرمية على أرضيه المطبخ الباردة .. وبجانبها قدر مقلوب قد افرغ محتوى الزيت الساخن على معصمها ..
أسرع في التقاطها من الأرض بعد أن أطفأ نار الموقد .. ليلقيها برفق على السرير .. ثم اخرج بعض المراهم من حقيبته ليداوي حروقها .. ثم لفها برباط طبي .. عندما شارف على الانتهاء رأى نور تفتح عينيها بوهن .. وكانت ملامحه المتجهمة .. آخر ما يود أن تراه .. لكن تلك الوجيعة التي تغرس أظافرها بوحشيه في صدره لا تترك له مجالا للابتسام .. كم يشعر بالضعف أمام هذا المرض .. بالعجز عن حماية أحب الناس إليه .. كم تمنى لو استطاع المعاناة بدلا عنها .. فكل ما يبثه في نور من آيات الصبر والقوة لا تصل إليه أبدا .. فهو لا يزال يراها طفلته الرقية والتي يود لو يصونها بداخل قلبه .. وكثيرا ما يشفق عليها من ذلك الحمل الثقيل الذي تتعامل معه وحدها ..
كانت نور تنظر باستغراب لوجهه المتجهم .. غير مدركه ما حدث لها .. لكنها سرعان ما سحبت يدها من بين أنامله كحركة تلقائية بعد أن زال عن جسدها إحساسه بالخدر .. وشعرت بذلك الحريق في معصمها .. استغرقت برهة لفهم الموقف .. ثم أعادت معصمها إلى أنامله بيأس .. أنهى هو معالجتها محاولا أن يفك تعقيدات وجهه .. وأشاحت هي بنظرها كي لا تفلت دموعها .. لم تكن تود أن تزيد ذلك الهم الساكن في عينيه .. فتحدثت بصوتها المهزوز محاوله الابتسام :
- لما تأخرت ؟.
- لقد كنت برفقه ماري .
كان يجيبها بلا مبالاة .. وهو يفرك يديها المتجمدتين بكفيه .. لكنها انتفضت جالسه :
- ولماذا ؟.
- لقد كانت تود التحدث معي .. فتناولنا العشاء سويا .
كادت نور أن تفلت تلك الدموع التي أفلحت في حبسها قبل قليل .. وبدأت تتحدث بعصبيه رغما عنها :
- لقد كنت أحاول أن اعد لك عشاءا مميزا .. وأنت فضلت تناوله مع ماري .. دون حتى أن تخبرني بذلك .
لم يعرف حسام كيف يهدئها .. كما أنها كانت محقه فيما تقوله .. نهضت نور من على السرير وهي تغالب عبراتها :
- ماذا ستظن ماري الآن .
وقف حسام قبالتها وراح يحتضن وجهها :
- لن تظن شيء .. هي تعلم أني اعزها كزميله .
ابتعدت نور خطوه للوراء وهي تصر بحده على كلامها :
- أنا اعلم أن هذا الزواج شكلي يا حسام .. ولكنه ليس كذلك أمام الناس .
كانت تشعر بان النار في معصمها تنسحب تدريجيا لتستقر في قلبها المجروح .. ولم تعد تسمع نفسها .. أدركت من خلال تلك النظرة الكئيبة في عينيه أنها تخطئ في حقه بكلامها القاسي .. فاحتضنت البطانية من فوق السرير متوجهة بها نحو الحجرة المجاورة .. شعرت بيده الدافئة على ذرعها .. وهو يستوقفها بحيرة :
- ماذا تفعلين يا نور ؟.
لم تكن تنظر إليه وهي تجيبه فعينها قد غشتهما طبقه من عبراتها :
- دعني يا حسام أرجوك .

يتبع ,,,

👇👇👇


تعليقات